عدد الزائرين للموقع

Web Hit Counter

المواضيع ألعشرة الأخيرة

معالم وشخصيات تأريخية

حقيبة الكـتب

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

احصائية الموقع

المتواجدين :

الذكرى المئوية لميلاد الرفيق فهد

حامد الحمداني
 5/3 / 2001
يصادف هذا اليوم الذكرى المئوية لميلاد مؤسس وباني الحزب الشيوعي العراقي الخالد يوسف سلمان ـ فهـد ـ ذلك القائد الكبير الذي استطاع أن يؤسس تلك القاعدة الصلدة للحزب في ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، وفي ظل الهيمنة المطلقة للإمبريالية البريطانية على مقدرات العراق، والتي عملت جاهدة على أبعاد أبناء شعبنا عن أي اتصال بالفكر الماركسي، وأي احتكاك بالأحزاب الشيوعية في مختلف بلدان العالم وبخاصة بالاتحاد السوفيتي آنذاك، مجندة الأجهزة القمعية للنظام الملكي الذي أقامته في أعقاب ثورة العشرين المجيدة ضد الاحتلال البريطاني أبان الحرب العالمية الأولى . لقد سعى النظام الملكي، مدعوماً بالإمبريالية البريطانية إلى حجب حقوق وحريات الشعب بكافة الوسائل والسبل، وفي المقدمة منها حرية الفكر، فلم يكن من السهولة بمكان أن يحصل المثقف العراقي على الكتب الماركسية، أو ذات التوجه التقدمي الديمقراطي، ورغم صعوبة الظروف،فقد تمكن عدد من المثقفين الذين تأثروا بالفكر الماركسي من جلب العديد من الكتب الماركسية من سوريا وبعض البلدان الأوربية وعكفوا على ترجمتها ودراستها وتداولها بين عدد محدود من المثقفين حرصاً منهم على عدم انكشاف الأمر للسلطة، وكان منهم السادة[ حسين الرحال]، و[عوني بكر صدقي]،و[مصطفى علي] و[عبد الله جدوع] و[محمد سليم] و[محمد أحمد المدرس ].واستطاع هؤلاء إصدار مجلة باسم [ الصحيفة ] صدر العدد الأول منها في 28 أيلول 1924، لكن السلطة سارعت إلى إغلاقها بعد فترة وجيزة، بعد أن أحست بخطورة توجهاتها التقدمية.لقد مارست السلطة رقابة مشددة على الصحافة الوطنية التي غالباً ما كانت تتعرض للإغلاق، وملاحقة أصحابها قضائياً بتهمة نشر الفكر الماركسي والشيوعي، ناعتةً إياه بالأفكار الهدامة !!
وفي الثلاثين من تموز تكونت أول خلية شيوعية في الناصرية ضمت الرفيق فهد وعبد الكريم جار الله وآخرين، وأصدرت منشوراً بخط يد فهد بعنوان [ يا عمال وفلاحي البلاد العربية اتحدوا ] وقد عالج المنشور الوضع السياسي في البلاد، والهيمنة البريطانية وكان المنشور موقعاً باسم الحزب الشيوعي العراقي ووزع في الناصرية عام 1932.
وفي عام 1934 انعقد المؤتمر التأسيسي للحزب وضم عدداً غفيراً من الماركسيين من مختلف أنحاء البلاد، وقرر المؤتمرون تكوين تنظيم مركزي واحد باسم [ لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار ] وتم انتخاب أول لجنة مركزية وأصبح[ عاصم فليح] سكرتيراً للحزب والرفيق فهد عضواً في الجنة المركزية
وفي عام 1935 تم إبدال اسم الحزب وأصبح [ الحزب الشيوعي العراقي ] وتم إصدار صحيفته المركزية باسم [ كفاح الشعب ] وكانت تطبع بالرونيو .
واستطاع الشيوعيون بنضالهم الدؤوب توسيع قاعدتهم الحزبية، والتوغل في صفوف العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين من طلاب ومدرسين ومحامين وغيرهم، وعملوا على إحكام تنظيم الحزب وتثقيف رفاقه بالثقافة الماركسية والروح الأممية
سافر فهد إلى موسكو للدراسة في جامعة [ كادحي الشرق ] وبقي هناك حتى عام 1938، وعند عودته إلى الوطن قاد فهد الحزب، وأصدر صحيفة [ القاعدة ] وقد توسعت على عهد قيادته قاعدة الحزب، وانتشر في جميع مدن العراق وريفه . واستطاع فهد بما يمتلكه من قدرات تنظيمية قيادة الحزب والحفاظ على بنيانه وترسيخه، على الرغم من كل المصاعب، ورغم كل الوسائل التي كانت السلطة وأجهزتها القمعية تمارسها للقضاء عليه.
وفي عام 1947 استطاعت الأجهزة الأمنية القبض على الرفيق فهد ورفيقيه [ زكي بسيم ـ حازم ] ومحمد حسين الشبيبي ـ صارم ] والحكم عليهم بالإعدام، لكنها اضطرت إلى تخفيض الحكم إلى المؤبد على أثر الاحتجاجات العالمية الواسعة النطاق
واستطاع الرفيق فهد بما يمتلكه من قدرات وحكمة وخبرة، قيادة الحزب وهو في سجنه بعد أن أوكل تدبير شؤون الحزب إلى [ مالك سيف] الذي كان يتلقى باستمرار توجيهات فهد، واستمر الوضع على هذه الحال إلى أن تم للسلطة القبض على مالك سيف ورفيقيه يهودا صديق و[جاسم حمودي] ،نتيجة خيانة العضو المرشح للجنة المركزية المدعو [ عبد الوهاب عبد الرزاق ] الذي ابلغ الأجهزة الأمنية عن مقر اللجنة المركزية للحزب حيث كان الثلاثة متواجدين داخل البيت أثناء كبسه ، وبسبب انهيار مالك سيف وتحوله للتعاون مع الأجهزة الأمنية، كشف للأجهزة الأمنية أن فهد يقود الحزب من داخل السجن، وأنه كان يعمل تحت قيادته وتوجيهاته
وعلى اثر ذلك سارعت الحكومة العراقية إلى إعادة محاكمة فهد ورفيقيه حازم وصارم في 10 شباط 1949 وأصدرت قراراً بإعدامهم، وتم تنفيذ الحكم على عجل في 14 و15 شباط، أي بعد خمسة أيام من صدور الحكم، وجرى تنفيذ الحكم في ساحتي المتحف وباب المعظم، وبقت جثث القادة الأبطال معلقة طيلة اليوم، بغية إرهاب رفاق الحزب وجماهيره ، وكان آخر ما قاله الرفيق الخالد فهد [ الشيوعية أقوى من الموت، وأعلى من أعواد المشانق ] و[ لو قٌدّر لي أن أٌخلق من جديد لما اخترت غير هذا الطريق
في تلك الأيام كنت صبياً يافعاً في الخامسة عشر من عمري عندما اندلعت وثبة كانون المجيدة عام 1948، والتي عمت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ووجدت نفسي آنذاك مندفعاً للمشاركة فيها ومتقدماً صفوف طلاب مدرستنا ـ المتوسطة الشرقية في الموصل ـ في مظاهراتنا المنددة بمعاهدة بورتسموث،وبالموقف المتخاذل للحكومة من قضية فلسطين . لم أكن عرف شيئاً عن الأحزاب وعن الانتماء الحزبي، لكني كنت أحمل شعوراً وطنياً فياضاً تأصل في نفسي منذ أحداث مايس عام 1941، عندما شنت القوات البريطانية عدواناً عسكرياً على وطني واحتلته من أقصى جنوبه حتى أقصى شماله مما أثار في قلبي الحقد على الإمبرياليين الإنكليز، على الرغم من كوني صبياً لا يتجاوز عمره التسع سنوات.
كان الغضب الشعبي أبان تلك الوثبة المباركة قد انفجر كالسيل العارم ليصب جام غضبه على الاستعمار البريطاني وعملائه الحكام الذين ربطوا مصيرهم به، ولاسيما وأن أحداث مايس 1941 والعدوان البريطاني على وطننا لا تزال ماثلة أمام أعين الجميع، ولشدة اندفاعي ونشاطي في تلك الوثبة المجيدة فقد أخذ بعض الطلاب يحاولون التقرب مني،وفتح باب النقاش معي في الأوضاع السياسية في البلد، ومن ثم بعد أن توطدت علاقاتنا واطمأن بعضنا لبعض بدأوا يحدثوني عن الحزب الشيوعي ودوره في قيادة الوثبة،وما قدمه الحزب من تضحيات،وعن الأفكار الماركسية التي يدين بها الحزب، ووعدوني بأن يعيروني بعض الكتب الماركسية التي تمكنني من التعرف على تلك الأفكار بعمق .
بدأت الكتب تصلني تباعاً أذكر منها كتاب [دراسات في الاجتماع ]لمؤلفه الأستاذ عبد الفتاح إبراهيم، وكتاب الرفيق فهد [ قووا تنظيم حزبكم،قووا تنظيم الحركة الوطنية ] وكتاب لنين [ الدولة والثورة ]،وغيرها من الكتب الأخرى .
لقد استهواني كتاب الرفيق فهد لبساطته وسلاسته، ولتعلقه بقضية الشعب والوطن، فقد دعا الرفيق فهد رفاق حزبه إلى الاهتمام بمجمل القوى والأحزاب الوطنية،وضرورة دعمها وإسنادها معتبراً أن النصر لا يمكن أن يتحقق لشعبنا دون تتكاتف القوى والأحزاب الوطنية في جبهة وطنية وكان هذا الموقف بالنسبة للرفيق فهد مبدئياً لا يمكن تجاوزه، وهو يدل على عمق وعي الرفيق فهد وغزارة تجربته السياسية .كما استهوتني الأفكار الماركسية وأهدافها الإنسانية السامية .
وهكذا أصبحت صديقاً للحزب، وبدأت أقرأ أدبياته،وأدفع التبرعات الشهرية من شهريتي المتواضعة، ولم يمضي وقت طويل حتى كنت قد ترشحت لعضوية الحزب في أواخر عام 1949، في ظل ظروف بالغة السرية، فقد كانت الحكومة قد شنت حملة شعواء على الحزب الشيوعي، واعتقلت العديد من كوادره ورفاقه، وكان على رأسهم الرفاق الخالدين فهد وحازم وصارم .
لكن اعتقال قادة الحزب لم يفت في عضد أعضاء الحزب وأصدقائه على الرغم من تلك الحملة الشرسة،والانتكاسة الخطيرة،بل زادتهم عزماً وإصراراً على مواصلة الكفاح حتى النصر، وكان الرفيق فهد يقود الحزب من داخل سجنه،بعد أن أوكل قيادة الحزب إلى [ مالك سيف ] وكان يرسل له الرسائل بواسطة رفيق أو رفيقة من المؤتمنين،أثناء الزيارات التي يقوم بها ذوي السجناء، والمتعلقة بإدارة أمور الحزب، والتوجيهات الضرورية للعمل الحزبي إلى اللجنة المركزية، ويستلم منها الرسائل المتعلقة بنشاط الحزب ودوره في قيادة الجماهير أبان وثبة كانون المجيدة عام 1948، وكانت الرسائل تُكتب بماء البصل، حيث تبدو كورقة بيضاء لا كتابة فيها لكي لا يكتشفها حراس السجن، وقد ذكر لي أحد الرفاق السجناء عن الرفيق فهد أنه كان يتابع تطورات الوثبة بكل تفاصيلها ويرسل التعليمات والملاحظات المتعلقة بتطويرها، ودفعها إلى الأمام من أجل حسم المعركة مع تلك السلطة المرتبطة بالاستعمار البريطاني، كما ذكر لي كذلك قوله حول وثبة كانون المجيدة :[ لو كنت خارج السجن لانتهى كل شئ] .
وفي 9 تشرين الأول 1948 تحول العضو المرشح للجنة المركزية [ عبد الوهاب عبد الرزاق ] إلى عميل لجهاز الأمن وأبلغ عن مقر اللجنة المركزية للحزب في الدار المرقمة 17/ 166بمحلة[ البتاوين ] ، وقام جهاز الأمن بكبس الدار وتم اعتقال أعضاء اللجنة المركزية كل من [ مالك سيف ] و[يهودا صديق ] و[ جاسم حمودي ]،وقد تعرض الجميع للتعذيب الشديد لمدة 28 يوماً حيث انهار يهودا صديق واعترف أن مالك سيف يقود الحزب نيابة عن الرفيق فهد، وعلى الفور انهار مالك سيف وكشف تنظيمات و أسرار الحزب لجهاز الأمن، واعترف بأن الرفيق فهد يقود الحزب من داخل سجنه وأصبح فيما بعد يعمل جاسوساً لحساب جهاز الأمن
لقد أدى انهيار مالك سيف إلى إعادة محاكمة الرفيق فهد ورفاقه والحكم عليهم بالإعدام،وتم تنفيذ الحكم على وجه السرعة،في 14 شباط 1949 في ساحتي المتحف وباب المعظم بغية إرهاب رفاق الحزب والمواطنين.
لقد حاول نوري السعيد ثني الرفيق فهد عن أفكاره ونشاطه السياسي مقابل إصدار العفو عنه وعن رفاقه فكان رده المعروف [ لو قدر لي أن أخلق من جديد لما اخترت غير هذا الطريق ] وصعد الرفيق فهد مشنقته وهو يهتف [ الشيوعية أقوى من الموت، وأعلى من أعواد المشانق .
وخلال وجود الرفيق فهد في السجن جعل منه مدرسة ماركسية بحق خرجت العديد من الكوادر الحزبية،مما اقلق السلطة الحاكمة وجعلها تقدم على تشييد زنزانات منفرة في سجن بعقوبة لعزل الرفاق بعضهم عن البعض الآخر .
ظن السعيد وزمرته الحاكمة أن الحزب الشيوعي قد انتهى بإعدام فهد ورفاقه الأبطال حازم وصارم، واعتقال العديد من كوادره ورفاقه، لكن أملهم خاب وصدمتهم المفاجئة عندما اندلعت وثبة تشرين المجيدة عام 1952 والتي لعب فيها الحزب الشيوعي دوراً قيادياً أذهل السلطة الحاكمة، وافقدها السيطرة على الأوضاع، وكادت الانتفاضة الباسلة للشعب أن تهوى بالنظام الملكي لولا أن أنزل الوصي على عرش العراق [ عبد الإله ] الجيش إلى شوارع بغداد والمدن الأخرى، بعد أن ولت القوى القمعية للنظام هاربة من غضبة الشعب، وعهد إلى رئيس أركان الجيش [ نور الدين محمود ] بتشكيل حكومة عسكرية، وتم إعلان الأحكام العرفية، واعتقال المئات من الوطنيين حيث أحيلوا إلى المحاكم العرفية وحكم على الكثيرين منهم بالسجن لمدد مختلفة، وجرى إلغاء الأحزاب وكافة الصحف الوطنية والمنظمات المهنية .
لكن جذوة الوثبة لم تنطفِئ، وبدأت جماهير شعبنا وقواها السياسية، وفي المقدمة منها الحزب الشيوعي تعبئ قواها من جديد، وبالتلاحم مع الفصائل الثورية في القوات المسلحة لخوض المعركة الفاصلة في ثورة الرابع عشر من تموز 1958 والتي أطاحت بالنظام الملكي المرتبط بالاستعمار البريطاني خلال ساعات، تلك الثورة التي صعقت الإمبرياليين، وأفقدتهم صوابهم، فقد أصبح حلفهم المشؤوم [ حلف بغداد ] دون بغداد التي تحررت من هيمنتهم، ورفرف علم الحرية في سمائها لأول مرة .

0 التعليقات:

ترجم الموقع

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean

ألباحث حامد الحمداني

تجد هنا أرشيف موقع حامد الحمداني

آخرالمواضيــع

مواقع مختارة

حقيبة الكـتب