أضواء على حملة الأنفال الصدامية ضد الشعب الكردي
6:55 ص | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمداني
15 نيسان 2005
لم يكد النظام العراقي ينتهي من حربه مع إيران ،وتضع الحرب أوزارها ، حتى التفت إلى منطقة كردستان ، وقد امتلأ قلب صدام حسين حقداً وغيضاً على الشعب الكوردي الشقيق فأصدر أوامره إلى قوات الحرس الجمهوري بقيادة المجرم العريق [علي حسن المجيد ] الملقب علي كيماوي ،والذي كان قد تسلم في 29 آذار 1987 مسؤولية أمانة سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث ، وقد منحه مجلس قيادة الثورة بموجب القرار رقم 160 في 29 آذار 1987 صلاحيات مطلقة في كردستان ، وكان علي حسن المجيد يتصرف بالنيابة عن صدام و مجلس قيادة الثورة في تنفيذ سياسة الحكومة في منطقة كردستان من دون أخذ أذن من أحد سوى رئيس النظام صدام حسين . (1)
وقد أصدر صدام حسين أمراً اعتبر فيه قرارات علي حسن المجيد إلزامية لكافة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية وإلزامها بتنفيذها بما في ذلك المسائل الداخلة في نطاق صلاحيات ما يسمى بمجلس الأمن القومي ولجنة شؤون الشمال.
كما أصدر صدام حسين قراراً آخر في 20 نيسان 1987 منح بموجبه ابن عمه علي المجيد صلاحيات إضافية لوضع ميزانية خاصة بشؤون الشمال .(2)
اتخذ صدام حسين لحملته أسم [ الأنفال ] المأخوذة من اسم أحدى سور القرآن المسماة بنفس الاسم وهي تعني [ غنائم الغزو] ، تلك الكلمة التي ارتبطت بأسوأ المشاعر لدى أبناء الشعب الكردي لما أقترفه النظام العراقي وقواته العسكرية خلال تلك الحملة السيئة الصيت من الجرائم البشعة بحقهم ، والتي تم تصنيفها كجرائم جماعية ضد الإنسانية .
قام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل ، مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والمغاوير، هذا بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي ، وأفواج ما يسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام لمحاربة أبناء جلدتهم. وقد استخدمت القوات العراقية مختلف أنواع الأسلحة التي حصلت عليها خلال الحرب العراقية الإيرانية ضمت الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات الحربية والطائرات السمتية ، والأسلحة الكيماوية الفتاكة .
وابتدأ تنفيذ الحملة فجر الثاني والعشرين من شباط عام 1988 على مختلف مناطق كردستان التي تعرضت إلى قصف مدفعي وجوي مكثف باستخدام الأسلحة الكيماوية إلى جانب الأسلحة التقليدية الأخرى
وقد تضمنت الحملة ستة مراحل وكما يلي :(3)
1 ـ المرحلة الأولى بالهجوم على منطقة [ سركلو ] و[ بركلو ] التي كان تتواجد فيها قوات الإتحاد الوطني الكردستاني التي أبدت قوات البيشمركة بسالة شديدة واستغرقت هذه المرحلة ثلاثة أسابيع تخللتها معارك طاحنة .
2 ـ المرحلة الثانية للحملة بدأت عندما هاجمت قوات النظام العراقي منطقة [ قرةداغ ] في 22 آذار واستمرت حتى 30 منه
3 ـ المرحلة الثالثة بدأت في السابع من نيسان في الهجوم على منطقة [كرميان] في محافظة كركوك والتي استمرت حتى العشرين من نفس الشهر ، وكانت المعارك التي جرت في تلك المنطقة من أشد المعارك وأقساها وشملت مناطق واسعة من تلك المنطقة .وقد خلفت دماراً واسعاً في الريف الكردي واستهدفت الإبادة الجماعية للسكان لإخلائها من التواجد الكردي فكانت تمثل جزءاً من عملية التطهير العرقي التي مارسها النظام في محافظة كركوك مستهدفاً تنفيذ عملية زرع العشائر العربية في المنطقة لتغيير الطبيعة الديمغرافية فيها استكمالاً للخطة التي بدأ بتنفيذها النظام منذ عودته إلى الحكم في 17 تموز 1968، ويقدر مجموع ما تم أخذهم من أبناء الشعب الكردي في تلك المنطقة بما يقارب 150 ألفاً حيث جرت تصفيتهم فيما بعد وضمتهم القبور الجماعية التي تم اكتشافها بعد سقوط النظام في السابع من نيسان 2003 .
4 ـ المرحلة الرابعة من حملة الأنفال فقد ابتدأت في السابع من أيار وشملت حوض الزاب الصغير حيث ركزت قوات النظام جهدها لعمليات التطهير العرقي وتدمير القرى والمزارع والمساكن والمدارس وحتى دور العبادة الإسلامية والمسيحية .
5 ـ المرحلتين الرابعة والخامسة وقد بدأت في الخامس عشر من أيار وشملتا المناطق الجبلية في محافظة أربيل واستمرت حتى السابع من تموز ، حيث جوبهت قوات النظام بمقاومة شديدة من قبل قوات البيشمركة وقوات الأنصار الشيوعيين .
6 ـ المرحلة السادسة وهي آخر مراحل المجزرة التي اقترفها النظام الصدامي فكانت في الخامس والعشرين من آب 1988 وقد شملت منطقة[ بهدنان ] في شمال كردستان وقد استمرت حتى السادس من أيلول ، حيث أعلن النظام العراقي انتهاء الحملة .
كانت خطة النظام العراقي في تلك الحملة الفاشية يجري التمهيد لها بالقصف المدفعي والجوي ، واستخدام الأسلحة الكيماوية والغازات السامة ، ومن ثم تبدأ القوت الصدامية بتطويق المنطقة من جميع الجهات ، وسد كافة الطرق والممرات لمنع تراجع وإفلات قوات البيشمركة وقوات الأنصار الشيوعيين خارج المنطقة ، ومن ثم يبدأ الهجوم البري الذي أدى إلى مقتل الآلاف من قوات البيشمركة والمواطنين المسالمين على حد سواء ، وجرى إلقاء القبض على من بقي منهم على قيد الحياة والذين جرى عزل ما يتجاوز مجموعه 180 ألفاً والذين جرى تصفيتهم ودفنهم في القبور الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام ،أما من تبقى فقسم رفض الخضوع واستطاع اللجوء إلى المناطق التي كانت لا تزال تحت سيطرة قوات البيشمركة والأنصار ، والقسم الآخر جرى تجميعهم في مناطق حددها النظام لسكناهم وسماها بالقرى العصرية لكي يكونوا تحت رقابة ورحمة القوى الأمنية .
و قامت قوات النظام الصدامي بنهب ممتلكات المواطنين الكورد ومواشيهم ، وإحراق مزارعهم وهدم قراهم وتسويتها بالأرض من قبل فرق الهندسة العسكرية وقد بلغ عدد القرى التي جرى هدمها ما يقارب 2000 قرية .
وبدأ علي حسن المجيد يعد العدة لمهاجمة المناطق التي بقيت خاضعة لقوات البيشمركة والأنصار ، حيث أصدر أوامره بقصف تلك المناطق بالمدفعية والطائرات ، واستخدام الغازات السامة كغاز السارين وغاز الخردل مستهدفاً قتل أكبر عدد يمكن من السكان ،وقد نشرت منظمةHuman Rights تسجيلاً صوتياً لعلي حسن المجيد عام 1988 توعد فيه باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي قائلاً : {سوف أقتلهم جميعاً بالأسلحة الكيماوية ، من عساه يعترض ؟المجتمع الدولي ؟ فليذهبوا إلى الجحيم ،المجتمع الدولي ومن ينصت إليه لن أهاجمهم بالمواد الكيماوية يوماً واحداً فحسب ، بل سأواصل الهجوم عليهم بالمواد الكيماوية لمدة 15 يوما! } .(4)
كما أصدر أمراً لقواته بقتل كل من يتم القبض عليه من البالغين ما بين 15 و70 عاماً بعد التحقيق معهم للحصول على المعلومات عن تحركات البيشمركة وقوات الأنصار .
الهجوم على حلبجة بالغازات السامة:
في الفترة من الحرب العراقية الإيرانية اتصل علي حسن المجيد الملقب [ علي كيماوي] أمين سر تنظيم الشمال بصدام حسين يبلغه بأن مدينة حلبجة قد سقطت بأيدي القوات الإيرانية وطالباً منه الموافقة على قصف المدينة بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية ، وقد أوعز له صدام بقصف المدينة بمن فيها من المدنيين بهذه الأسلحة.
وقد أكد رئيس أركان الجيش العراقي آنذاك [ نزار الخزرجي ] في لقاء مع قناة MBC الفضائية هذه المعلومات التي تدين الدكتاتور صدام حسين بهذه الجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها أكثر من 5000 مواطن كوردي ، هذا بالإضافة إلى المعانات للذين بقوا على قيد الحياة من المدنيين حيث أصيبوا بشتى أنواع المضاعفات والتشويهات والأمراض جراء الضربة الكيماوية المجرمة . (5)
إن الشهادة التي قدمها الخزرجي تؤكد كذب مزاعم صدام في عدم معرفته بالضربة الكيماوية للمدنيين العزل من الكورد في حلبجة الشهيدة ، كما أن المتهم علي الكيماوي مازال حياً في المعتقل وعليه التقدم للشهادة في هذا المجال ، وبإمكان المحكمة استجواب قادة الفيالق والفرق والمسؤولين الحزبيين ، والعودة لسجلات قيادة القوة الجوية وتقارير الحركات العسكرية الخاصة بالقوة الجوية العراقية ،بالإضافة إلى تقارير الاستخبارات العسكرية ، وتقارير القاعدة الجوية التي اطلقت منها الطائرات ، والأوامر التي صدرت لها بضرب المدينة ، و جميعها تؤكد على مسؤولية النظام العراقي لهذه الضربة البشعة التي استهدفت المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ .
إن مجزرة حلبجة تتجسد فيها بشاعة الجريمة وانحطاط عقلية للدكتاتور وطبيعته الوحشية وليس أدل على ذلك ما صرح به أمام عدسات التلفزيون ، وعرضها تلفزيون العربية مؤخراً بالصورة والصوت حيث يقول :(6)
{أنني على استعداد لقتل عشرات الألوف من المواطنين من دون أن تهتز شعرة واحدة في جسمي!!! }. فأي وحش هذا ؟؟
إن حلبجة الشهيد تستصرخ صباح مساء ضمير العالم أجمع مطالبة بإنزال العقاب الصارم بحق من أمر بارتكاب هذه الجريمة ،ومن نفذها ، وستبقى هذه الجريمة شاهداً على قسوة الطاغية وزبانيته، واستخفافهم بحياة المواطنين الأبرياء .
ولن يستطيع الزمن أن يزيل من الذاكرة هذه الصورة البشعة مهما تقادم الزمن ، وستبقى بذاكرة وضمائر كل الشرفاء المؤمنين بالقيم الإنسانية،وستتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل .
وها هي حلبجة اليوم وبسواعد أبنائها الشجعان تنهض من جديد ترفع ركام الجريمة لتعود من جديد زاهية وشامخة تكسوها شقائق النعمان ، وستبقى تتحدى لطغيان وتبشر بعراق جديد ، عراق الفيدرالية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي .
ورغم بشاعة هذه الجرائم التي أقترفها النظام الصدامي باستخدامه السلاح الكيماوي ، ضد القوات الإيرانية ، وضد الشعب الكردي ، فإن تلك الجرائم لم تحرك مجلس الأمن ،ولا حكومات الدول الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان ،وشجع موقفهم حاكم بغداد على الإيغال بجرائمه ضد الإنسانية ، فقد كان آنذاك يحارب إيران بالنيابة عن الولايات المتحدة .
وبإلحاح من حكومة إيران وشكواها بأن العراق قد استخدم السلاح الكيماوي المحرم دولياً ،اضطرت الأمم المتحدة إلى إرسال بعثة خبراء إلى طهران في 26 شباط 1986 للتحقيق في الشكوى وقد مكثت البعثة مدة أسبوع في طهران ،ثم رفعت تقريرها الذي أكد على أن العراق قد استخدم الغاز السام في الحرب ،واضطر مجلس الأمن إلى أن يصدر قراراً يدين العراق لأول مرة !!!. (7)
لكن ذلك القرار كان قد صيغ بشكل مائع ولم يؤدِ إلى إيقاف تلك الجرائم ،بل استمر النظام العراقي في استخدامها حتى نهاية الحرب .
غير أن الغرب صحا فجأة ، بعد عام 1989 ،بعد أن انتهت الحرب مع إيران ، وبدأ يتحدث عن تسلح النظام العراقي بأسلحة الدمار الشامل ،الكيماوية والبيولوجية والجرثومية والنووية ، فلقد تغيرت الحال بعد الحرب ،وخرج العراق منها ولديه ترسانة ضخمة من الأسلحة تجعله خطراً داهماً على مصالحهم في الخليج ، ووجد الغرب أن الوقت قد حان لنزع هذه الترسانة الخطيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والجرثومية ،والصواريخ البعيدة المدى والقادرة على حمل تلك الأسلحة إلى مسافات شاسعة ،وكان لابد وان يجد الغرب الوسيلة ، فكان الفخ الذي نصبته الولايات المتحدة للدكتاتور صدام حسين لغزو الكويت عندما أعلمته السفيرة الأمريكية [ كلاسبي ] بأن الولايات المتحدة لا تتدخل في الخلافات العربية العربية ، وأن عليه أن يحل المشاكل مع الكويت الشقيق بالطريقة التي يراها مناسبة .
وفهم صدام حديث السفيرة بغباء وكأنه الكارت الأخضر لغزو الكويت واحتلالها ، لكن الولايات المتحدة كانت تنتظر إقدام صدام على تنفيذ جريمته بحق الكويت لكي توجه له الضربة القاضية وتسحق قواته وتدمر أسلحته التي جهوزه هم وحلفائهم الغربيين بها ، فكانت حرب الخليج الثانية وهزيمة صدام وجيشه ، وفرض شروط الاستسلام المذلة في خيمة صفوان ، وفي المقدمة منها إزالة أسلحة الدمار الشامل لدى صدام واحتوائه ضعيفاً مسيطراً عليه .
لكن الجريمة الكبرى كانت فرض الحصار الظالم على شعب العراق ،والذي يُعتبر أشنع وأقسى أنواع الحروب التي شهدها شعبنا العراقي في كل تاريخه، وليس على حكامه المجرمين القتلة الذين قادوه إلى هذه المأساة الخطيرة ، والتي دامت 13 عاماً ، فكانت الكارثة الكبرى التي حلت بالبنية الاجتماعية العراقية جراء انهيار العملة العراقية ، وتضائل القوة الشرائية لدخل للفرد العراقي ، وانهيار الطبقة الوسطى بالإضافة إلى طبقة العمال والكسبة ، بل لقد تجاوز تأثير الحصار حتى جانب كبير من البرجوازية الوطنية ، وعم الفقر والجوع وانتشار الأمراض مما لا يزال الشعب العراقي يعاني منها حتى يومنا هذا .
مراجع البحث
(1) كردستان ودوامة الحرب ـ محمد إحسان ـ ص 78 .
(2) الأنفال تجسيد للفكر الشمولي والقسوة ـ بحث للدكتور جبار قادر
(3) الصدر السابق
(4) منظمة Human Rights نشرت التسجيل الصوتي للجلاد علي حسن المجيد
(5) حديث للفريق نزار الخزرجي لقناة M B C
(6) حديث صدام حسين أمام مجموعة من الحزبيين وعرضته قناة العربية بالصورة والصوت
(7) تقرير مجلس الأمن حول الشكوى الإيرانية من استخدام العراق للأسلحة الكيماوية ضد القوات الإيرانية
15 نيسان 2005
لم يكد النظام العراقي ينتهي من حربه مع إيران ،وتضع الحرب أوزارها ، حتى التفت إلى منطقة كردستان ، وقد امتلأ قلب صدام حسين حقداً وغيضاً على الشعب الكوردي الشقيق فأصدر أوامره إلى قوات الحرس الجمهوري بقيادة المجرم العريق [علي حسن المجيد ] الملقب علي كيماوي ،والذي كان قد تسلم في 29 آذار 1987 مسؤولية أمانة سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث ، وقد منحه مجلس قيادة الثورة بموجب القرار رقم 160 في 29 آذار 1987 صلاحيات مطلقة في كردستان ، وكان علي حسن المجيد يتصرف بالنيابة عن صدام و مجلس قيادة الثورة في تنفيذ سياسة الحكومة في منطقة كردستان من دون أخذ أذن من أحد سوى رئيس النظام صدام حسين . (1)
وقد أصدر صدام حسين أمراً اعتبر فيه قرارات علي حسن المجيد إلزامية لكافة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية وإلزامها بتنفيذها بما في ذلك المسائل الداخلة في نطاق صلاحيات ما يسمى بمجلس الأمن القومي ولجنة شؤون الشمال.
كما أصدر صدام حسين قراراً آخر في 20 نيسان 1987 منح بموجبه ابن عمه علي المجيد صلاحيات إضافية لوضع ميزانية خاصة بشؤون الشمال .(2)
اتخذ صدام حسين لحملته أسم [ الأنفال ] المأخوذة من اسم أحدى سور القرآن المسماة بنفس الاسم وهي تعني [ غنائم الغزو] ، تلك الكلمة التي ارتبطت بأسوأ المشاعر لدى أبناء الشعب الكردي لما أقترفه النظام العراقي وقواته العسكرية خلال تلك الحملة السيئة الصيت من الجرائم البشعة بحقهم ، والتي تم تصنيفها كجرائم جماعية ضد الإنسانية .
قام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل ، مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والمغاوير، هذا بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي ، وأفواج ما يسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام لمحاربة أبناء جلدتهم. وقد استخدمت القوات العراقية مختلف أنواع الأسلحة التي حصلت عليها خلال الحرب العراقية الإيرانية ضمت الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات الحربية والطائرات السمتية ، والأسلحة الكيماوية الفتاكة .
وابتدأ تنفيذ الحملة فجر الثاني والعشرين من شباط عام 1988 على مختلف مناطق كردستان التي تعرضت إلى قصف مدفعي وجوي مكثف باستخدام الأسلحة الكيماوية إلى جانب الأسلحة التقليدية الأخرى
وقد تضمنت الحملة ستة مراحل وكما يلي :(3)
1 ـ المرحلة الأولى بالهجوم على منطقة [ سركلو ] و[ بركلو ] التي كان تتواجد فيها قوات الإتحاد الوطني الكردستاني التي أبدت قوات البيشمركة بسالة شديدة واستغرقت هذه المرحلة ثلاثة أسابيع تخللتها معارك طاحنة .
2 ـ المرحلة الثانية للحملة بدأت عندما هاجمت قوات النظام العراقي منطقة [ قرةداغ ] في 22 آذار واستمرت حتى 30 منه
3 ـ المرحلة الثالثة بدأت في السابع من نيسان في الهجوم على منطقة [كرميان] في محافظة كركوك والتي استمرت حتى العشرين من نفس الشهر ، وكانت المعارك التي جرت في تلك المنطقة من أشد المعارك وأقساها وشملت مناطق واسعة من تلك المنطقة .وقد خلفت دماراً واسعاً في الريف الكردي واستهدفت الإبادة الجماعية للسكان لإخلائها من التواجد الكردي فكانت تمثل جزءاً من عملية التطهير العرقي التي مارسها النظام في محافظة كركوك مستهدفاً تنفيذ عملية زرع العشائر العربية في المنطقة لتغيير الطبيعة الديمغرافية فيها استكمالاً للخطة التي بدأ بتنفيذها النظام منذ عودته إلى الحكم في 17 تموز 1968، ويقدر مجموع ما تم أخذهم من أبناء الشعب الكردي في تلك المنطقة بما يقارب 150 ألفاً حيث جرت تصفيتهم فيما بعد وضمتهم القبور الجماعية التي تم اكتشافها بعد سقوط النظام في السابع من نيسان 2003 .
4 ـ المرحلة الرابعة من حملة الأنفال فقد ابتدأت في السابع من أيار وشملت حوض الزاب الصغير حيث ركزت قوات النظام جهدها لعمليات التطهير العرقي وتدمير القرى والمزارع والمساكن والمدارس وحتى دور العبادة الإسلامية والمسيحية .
5 ـ المرحلتين الرابعة والخامسة وقد بدأت في الخامس عشر من أيار وشملتا المناطق الجبلية في محافظة أربيل واستمرت حتى السابع من تموز ، حيث جوبهت قوات النظام بمقاومة شديدة من قبل قوات البيشمركة وقوات الأنصار الشيوعيين .
6 ـ المرحلة السادسة وهي آخر مراحل المجزرة التي اقترفها النظام الصدامي فكانت في الخامس والعشرين من آب 1988 وقد شملت منطقة[ بهدنان ] في شمال كردستان وقد استمرت حتى السادس من أيلول ، حيث أعلن النظام العراقي انتهاء الحملة .
كانت خطة النظام العراقي في تلك الحملة الفاشية يجري التمهيد لها بالقصف المدفعي والجوي ، واستخدام الأسلحة الكيماوية والغازات السامة ، ومن ثم تبدأ القوت الصدامية بتطويق المنطقة من جميع الجهات ، وسد كافة الطرق والممرات لمنع تراجع وإفلات قوات البيشمركة وقوات الأنصار الشيوعيين خارج المنطقة ، ومن ثم يبدأ الهجوم البري الذي أدى إلى مقتل الآلاف من قوات البيشمركة والمواطنين المسالمين على حد سواء ، وجرى إلقاء القبض على من بقي منهم على قيد الحياة والذين جرى عزل ما يتجاوز مجموعه 180 ألفاً والذين جرى تصفيتهم ودفنهم في القبور الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام ،أما من تبقى فقسم رفض الخضوع واستطاع اللجوء إلى المناطق التي كانت لا تزال تحت سيطرة قوات البيشمركة والأنصار ، والقسم الآخر جرى تجميعهم في مناطق حددها النظام لسكناهم وسماها بالقرى العصرية لكي يكونوا تحت رقابة ورحمة القوى الأمنية .
و قامت قوات النظام الصدامي بنهب ممتلكات المواطنين الكورد ومواشيهم ، وإحراق مزارعهم وهدم قراهم وتسويتها بالأرض من قبل فرق الهندسة العسكرية وقد بلغ عدد القرى التي جرى هدمها ما يقارب 2000 قرية .
وبدأ علي حسن المجيد يعد العدة لمهاجمة المناطق التي بقيت خاضعة لقوات البيشمركة والأنصار ، حيث أصدر أوامره بقصف تلك المناطق بالمدفعية والطائرات ، واستخدام الغازات السامة كغاز السارين وغاز الخردل مستهدفاً قتل أكبر عدد يمكن من السكان ،وقد نشرت منظمةHuman Rights تسجيلاً صوتياً لعلي حسن المجيد عام 1988 توعد فيه باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي قائلاً : {سوف أقتلهم جميعاً بالأسلحة الكيماوية ، من عساه يعترض ؟المجتمع الدولي ؟ فليذهبوا إلى الجحيم ،المجتمع الدولي ومن ينصت إليه لن أهاجمهم بالمواد الكيماوية يوماً واحداً فحسب ، بل سأواصل الهجوم عليهم بالمواد الكيماوية لمدة 15 يوما! } .(4)
كما أصدر أمراً لقواته بقتل كل من يتم القبض عليه من البالغين ما بين 15 و70 عاماً بعد التحقيق معهم للحصول على المعلومات عن تحركات البيشمركة وقوات الأنصار .
الهجوم على حلبجة بالغازات السامة:
في الفترة من الحرب العراقية الإيرانية اتصل علي حسن المجيد الملقب [ علي كيماوي] أمين سر تنظيم الشمال بصدام حسين يبلغه بأن مدينة حلبجة قد سقطت بأيدي القوات الإيرانية وطالباً منه الموافقة على قصف المدينة بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية ، وقد أوعز له صدام بقصف المدينة بمن فيها من المدنيين بهذه الأسلحة.
وقد أكد رئيس أركان الجيش العراقي آنذاك [ نزار الخزرجي ] في لقاء مع قناة MBC الفضائية هذه المعلومات التي تدين الدكتاتور صدام حسين بهذه الجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها أكثر من 5000 مواطن كوردي ، هذا بالإضافة إلى المعانات للذين بقوا على قيد الحياة من المدنيين حيث أصيبوا بشتى أنواع المضاعفات والتشويهات والأمراض جراء الضربة الكيماوية المجرمة . (5)
إن الشهادة التي قدمها الخزرجي تؤكد كذب مزاعم صدام في عدم معرفته بالضربة الكيماوية للمدنيين العزل من الكورد في حلبجة الشهيدة ، كما أن المتهم علي الكيماوي مازال حياً في المعتقل وعليه التقدم للشهادة في هذا المجال ، وبإمكان المحكمة استجواب قادة الفيالق والفرق والمسؤولين الحزبيين ، والعودة لسجلات قيادة القوة الجوية وتقارير الحركات العسكرية الخاصة بالقوة الجوية العراقية ،بالإضافة إلى تقارير الاستخبارات العسكرية ، وتقارير القاعدة الجوية التي اطلقت منها الطائرات ، والأوامر التي صدرت لها بضرب المدينة ، و جميعها تؤكد على مسؤولية النظام العراقي لهذه الضربة البشعة التي استهدفت المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ .
إن مجزرة حلبجة تتجسد فيها بشاعة الجريمة وانحطاط عقلية للدكتاتور وطبيعته الوحشية وليس أدل على ذلك ما صرح به أمام عدسات التلفزيون ، وعرضها تلفزيون العربية مؤخراً بالصورة والصوت حيث يقول :(6)
{أنني على استعداد لقتل عشرات الألوف من المواطنين من دون أن تهتز شعرة واحدة في جسمي!!! }. فأي وحش هذا ؟؟
إن حلبجة الشهيد تستصرخ صباح مساء ضمير العالم أجمع مطالبة بإنزال العقاب الصارم بحق من أمر بارتكاب هذه الجريمة ،ومن نفذها ، وستبقى هذه الجريمة شاهداً على قسوة الطاغية وزبانيته، واستخفافهم بحياة المواطنين الأبرياء .
ولن يستطيع الزمن أن يزيل من الذاكرة هذه الصورة البشعة مهما تقادم الزمن ، وستبقى بذاكرة وضمائر كل الشرفاء المؤمنين بالقيم الإنسانية،وستتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل .
وها هي حلبجة اليوم وبسواعد أبنائها الشجعان تنهض من جديد ترفع ركام الجريمة لتعود من جديد زاهية وشامخة تكسوها شقائق النعمان ، وستبقى تتحدى لطغيان وتبشر بعراق جديد ، عراق الفيدرالية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي .
ورغم بشاعة هذه الجرائم التي أقترفها النظام الصدامي باستخدامه السلاح الكيماوي ، ضد القوات الإيرانية ، وضد الشعب الكردي ، فإن تلك الجرائم لم تحرك مجلس الأمن ،ولا حكومات الدول الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان ،وشجع موقفهم حاكم بغداد على الإيغال بجرائمه ضد الإنسانية ، فقد كان آنذاك يحارب إيران بالنيابة عن الولايات المتحدة .
وبإلحاح من حكومة إيران وشكواها بأن العراق قد استخدم السلاح الكيماوي المحرم دولياً ،اضطرت الأمم المتحدة إلى إرسال بعثة خبراء إلى طهران في 26 شباط 1986 للتحقيق في الشكوى وقد مكثت البعثة مدة أسبوع في طهران ،ثم رفعت تقريرها الذي أكد على أن العراق قد استخدم الغاز السام في الحرب ،واضطر مجلس الأمن إلى أن يصدر قراراً يدين العراق لأول مرة !!!. (7)
لكن ذلك القرار كان قد صيغ بشكل مائع ولم يؤدِ إلى إيقاف تلك الجرائم ،بل استمر النظام العراقي في استخدامها حتى نهاية الحرب .
غير أن الغرب صحا فجأة ، بعد عام 1989 ،بعد أن انتهت الحرب مع إيران ، وبدأ يتحدث عن تسلح النظام العراقي بأسلحة الدمار الشامل ،الكيماوية والبيولوجية والجرثومية والنووية ، فلقد تغيرت الحال بعد الحرب ،وخرج العراق منها ولديه ترسانة ضخمة من الأسلحة تجعله خطراً داهماً على مصالحهم في الخليج ، ووجد الغرب أن الوقت قد حان لنزع هذه الترسانة الخطيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والجرثومية ،والصواريخ البعيدة المدى والقادرة على حمل تلك الأسلحة إلى مسافات شاسعة ،وكان لابد وان يجد الغرب الوسيلة ، فكان الفخ الذي نصبته الولايات المتحدة للدكتاتور صدام حسين لغزو الكويت عندما أعلمته السفيرة الأمريكية [ كلاسبي ] بأن الولايات المتحدة لا تتدخل في الخلافات العربية العربية ، وأن عليه أن يحل المشاكل مع الكويت الشقيق بالطريقة التي يراها مناسبة .
وفهم صدام حديث السفيرة بغباء وكأنه الكارت الأخضر لغزو الكويت واحتلالها ، لكن الولايات المتحدة كانت تنتظر إقدام صدام على تنفيذ جريمته بحق الكويت لكي توجه له الضربة القاضية وتسحق قواته وتدمر أسلحته التي جهوزه هم وحلفائهم الغربيين بها ، فكانت حرب الخليج الثانية وهزيمة صدام وجيشه ، وفرض شروط الاستسلام المذلة في خيمة صفوان ، وفي المقدمة منها إزالة أسلحة الدمار الشامل لدى صدام واحتوائه ضعيفاً مسيطراً عليه .
لكن الجريمة الكبرى كانت فرض الحصار الظالم على شعب العراق ،والذي يُعتبر أشنع وأقسى أنواع الحروب التي شهدها شعبنا العراقي في كل تاريخه، وليس على حكامه المجرمين القتلة الذين قادوه إلى هذه المأساة الخطيرة ، والتي دامت 13 عاماً ، فكانت الكارثة الكبرى التي حلت بالبنية الاجتماعية العراقية جراء انهيار العملة العراقية ، وتضائل القوة الشرائية لدخل للفرد العراقي ، وانهيار الطبقة الوسطى بالإضافة إلى طبقة العمال والكسبة ، بل لقد تجاوز تأثير الحصار حتى جانب كبير من البرجوازية الوطنية ، وعم الفقر والجوع وانتشار الأمراض مما لا يزال الشعب العراقي يعاني منها حتى يومنا هذا .
مراجع البحث
(1) كردستان ودوامة الحرب ـ محمد إحسان ـ ص 78 .
(2) الأنفال تجسيد للفكر الشمولي والقسوة ـ بحث للدكتور جبار قادر
(3) الصدر السابق
(4) منظمة Human Rights نشرت التسجيل الصوتي للجلاد علي حسن المجيد
(5) حديث للفريق نزار الخزرجي لقناة M B C
(6) حديث صدام حسين أمام مجموعة من الحزبيين وعرضته قناة العربية بالصورة والصوت
(7) تقرير مجلس الأمن حول الشكوى الإيرانية من استخدام العراق للأسلحة الكيماوية ضد القوات الإيرانية
التسميات:
بحوث تاريخية
بحوث تاريخية
0 التعليقات: