من المسؤول عن عودة البعثيين إلى الواجهة من جديد؟
4:16 ص | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمداني
8/2/2010
منذ أن أدركت الولايات المتحدة المخاطر المتصاعدة للتغلغل الإيراني في الساحة السياسية العراقية بدعم وتنسيق من قوى أحزاب الإسلام السياسي الشيعية المرتبطة بأوثق الوشائج مع نظام ملالي طهران، حيث مكنتها هذه الأحزاب التي نشأت معظمها في إيران، والتي مولها وسلح ميليشياتها النظام الإيراني، ومكنها من الانتقال إلى العراق بعد الاحتلال لتلعب ذلك الدور المعروف لدى الشعب العراقي الذي ابتلى بجرائمها البشعة في ذلك الصراع الطائفي الذي اندلع على اثر تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء.
لقد بات النظام الإيراني يمتلك اليد الطولى في البلاد، وهكذا اخذ القلق ينتاب الإدارة الأمريكية من نتائج هذا التغلغل الإيراني في العراق على مستقبل المنطقة التي تعتبرها الإدارة الأمريكية عصب الحياة للاقتصاد الغربي بما تمتلكه من ثروات نفطية .
وهكذا أخذت الجهود الأمريكية تتسارع في تشديد ضغوطها على حكومة المالكي لإعادة عناصر بارزة من الوجوه البعثية إلى الواجهة من جديد، ولاسيما بعد إلغاء قانون اجتثاث البعث، وطرح مشروع ما سمي بالمصالحة.
كما تسارعت الجهود الأمريكية لإعادة الأجهزة الأمنية التي نكلت أبشع تنكيل بكل العناصر الوطنية المعارضة للدكتاتورية، وإعادة رموز كبيرة من ضباط الجيش في العهد الصدامي إلى الخدمة من جديد، كما سبق أن أعيد إلى الواجهة العديد من العناصر المحسوبة على حزب البعث في السلطتين التنفيذية والتشريعية في الوقت الذي يمارس العديد منهم قيادة النشاطات الإرهابية في البلاد .
فلماذا جرى ويجري كل هذا النكوص عن آمال وأحلام الشعب العراقي في التخلص النهائي من النظام الصدامي الدكتاتوري الفاشي، وإقامة نظام ديمقراطي جديد يحترم حقوق وحريات الإنسان ويصون كرامته؟
و لماذا تجري الاستهانة بتضحيات الشعب خلال العقود الأربعة الماضية من أجل التحرر من سلطة الطغيان البعثي الفاشي، ويجري العمل على عودة عقارب الساعة إلى الوراء، ليس فقط وكأن شيئاً لم يكن ، بل لقد تجاوز التدهور الحاصل في البلاد أمنياً واجتماعياً واقتصادياً وخدماتيا بمراحل كبيرة عما كانت عليه في السابق، وأدى بالتالي هذا التدهور إلى تحويل حياة المواطن العراقي إلى جحيم حقيقي لا يطاق، حيث يدفع الشعب كل يوم فاتورة الحرب الأمريكية على العراق المتمثلة بدماء وأرواح المئات من المواطنين الأبرياء وحيث جرى تهجير الملايين من العراقيين للنجاة من طغيان قوى الإرهاب البعثي وأعوانهم من عناصر القاعدة، من جهة، وطغيان قوى الإسلام الطائفي الشيعية عبر ميليشياتها المتعددة من جهة أخرى؟
فعلى مَنْ تقع مسؤولية هذا النكوص عن طموحات الشعب العراقي والعودة به إلى ذلك العهد المظلم ، بل إلى عهد اشد قتامة ؟
ليس من العسير على كل باحث حصيف يتتبع مجريات الأحداث في العراق أن يتوصل إلى المسؤولين عن هذه الحالة المأساوية، وإلى هذا التحول في مسيرة بناء العراق الديمقراطي الجديد!!، وباعتقادي أن تلك المسؤولية يشترك فيها أطراف ثلاث :
الطرف الأول يتمثل بالإدارة الأمريكية التي أقدمت على أقامة نظام حكم طائفي في البلاد، وفسحت المجال واسعاً لأحزاب الإسلام السياسي الطائفي بتشكيل المليشيات العسكرية المسلحة لدى كلا الطائفتين الشيعة والسنية، وتسليم السلطة لأحزاب الإسلام الطائفي الشيعية بالتحالف مع الأحزاب القومية الكردية، ومحاولة الحاكم المدني الأمريكي بريمر إبعاد أبناء الطائفة السنية عن مراكز السلطة كان عاملاً حاسماً في تشجيع العناصر السنية المرتبطة بالنظام الصدامي على امتشاق السلاح والغوص في العمليات الإرهابية الوحشية البشعة.
الطرف الثاني المتمثل بأحزاب الإسلام الطائفي الشيعية التي استأثرت بالسلطة بدءاً من مجلس الحكم، وانتهاء بالحكومات التي تشكلت فيما بعد، وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت بصورة متعجلة دون تهيئة الظروف المؤاتية لها، حيث رزح الشعب العراقي خلال أربعة عقود لطغيان نظام قمعي متوحش حرم الشعب خلاله من أي من الحقوق الديمقراطية ، وفرض عليه نمطاً واحداً من التفكير القومي الفاشي المعادي لسائر الحقوق والحريات الديمقراطية، وزاد في الطين بله زج النظام الصدامي البلاد بحروبه الإجرامية الكبرى المعروفة لدى الجميع، وبالحروب الداخلية ضد الشعب الكردي في كردستان العراق، وضد عموم الشعب العراقي أبان انتفاضة آذار 1991، وتسببه في فرض الحصار الجائر على الشعب العراقي لثلاثة عشر عاماً عجافا، شديدة القسوة ، بحيث تعتبر بمقاييس الحروب أشنعها، وأشدها تأثيراً في تخريب البنية الاجتماعية، فقد أوصلت الشعب العراقي إلى حالة من اليأس الشديد للخروج من تلك المحنة إلا بالتوجه نحو التدين وطلب العون من الله.
واستغلت الأحزاب الطائفية الشيعية هذا التوجه الديني لدى أبناء الشعب لتستخدمه سلاحاً فعالاً في حملاتها الانتخابية، واستخدمت كذلك التخلف والنكوص الذي حل بالمجتمع العراقي خلال تلك الحقبة السوداء من تاريخ العراق لإقناع المواطنين البسطاء بلزوم التصويت لأحزابها كي تنال رضا الله والأئمة وتنال الجنة !.
كما أن الكثير من المواطنين أبناء الطائفة الشيعية قد صوتوا لتلك الأحزاب بعد الذي نالهم من طغيان نظام صدام وحزبه الفاشي الذي اجبر الكثيرين منهم على الإنضام لحزب البعث فيما سبق، فكان تصويتهم للطائفة، ولم يصوتوا على برامج حزبية معينة، وها هي الجماهير الشعبية بدأت تتفتح أذهانها، وتدرك خطأ خياراتها الانتخابية بعد الذي حل بالبلاد على أيدي هذه السلطة وأحزابها الطائفية وميليشياتها الظلامية المتوحشة.
ومما زاد في تعقيد الوضع السياسي والأمني في البلاد لجوء ميلشيات الأحزاب الطائفية الشيعية إلى الاقتصاص من العناصر البعثية خارج القانون والمحاكم، وشنت هذه المليشيات حملات اغتيالات واسعة ضد الضباط والطيارين منهم بوجه خاص ، والعناصر البعثية المعروفة بوجه عام، مما دفع بالجانب الثاني المتمثل بعناصر حزب البعث، وقوى الإسلام الطائفي السنية استغلال هذا الفعل بردة فعل معاكسة، حيث مارسوا وما زالوا يمارسون عمليات الاغتيالات والسيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة لإيقاع اكبر عدد من الخسائر البشرية في صفوف المواطنين الأبرياء، وتدمير أقصى ما يمكن من الممتلكات العامة والشخصية، والحيلولة دون أي إمكانية لإعادة بناء العراق من جديد، وإجبار السلطة على تخصيص معظم الدخل الوطني لمكافحة العمليات الإرهابية، مما يحول في نهاية الأمر دون إعادة بناء العراق، ويؤدي إلى تدهور الوضع المعيشي للشعب.
ومن جانب آخر كان التغلغل الإيراني في العراق، والعلاقات الوثيقة التي تربط أحزاب الإسلام السياسي الشيعي بحكام طهران، وبالخصوص كون المليشيات التابعة لهذه الأحزاب على ارتباط وثيق بالنظام الإيراني تسليحاً وتمويلاً وتدريباً، وتمادي هذه المليشيات في أعمال القتل والاغتيالات، وتحويل الحسينيات إلى مراكز عسكرية لها دفعت الإدارة الأمريكية إلى التفكير في المخاطر التي يمكن أن تلحق بمصالحها في المنطقة جراء الهيمنة الإيرانية على العراق ، فبادرت إلى السعي لخلق نوع من التوازن بين قوى الإسلام الطائفي الشيعي والقوى البعثية والطائفية السنية، وبدأت تمارس الضغوطات الشديدة على حكومة المالكي لإعادة البعثيين إلى الواجهة من جديد في مختلف مرافق الدولة بدءً من الحكومة والبرلمان والجيش والأجهزة الأمنية وسائر مرافق الدولة الأخرى.
الطرف الثالث المتمثل بالأحزاب القومية الكردية التي تحالفت مع أحزاب الإسلام الطائفي الشيعي، وبشكل خاص مع المجلس الأعلى بزعامة الراحل عبد العزيز الحكيم، بدافع إسناد وتأييد فيدرالية كردستان المتفق عليها من جانب القوى السياسية سعياً وراء حل عادل ودائمي للقضية الكردية، فالحكيم كما هو معروف لدى الجميع كان يسعى حثيثاً لتشكيل ما دعاه بفيدرالية الوسط والجنوب، والتوجه نحو أقامة دويلات طائفية في العراق، ومن أجل تحقيق هذا الهدف سعى للتحالف مع الأحزاب القومية الكردية.
وهكذا قام التحالف المصلحي بين الطرفين، وتخلت الأحزاب القومية الكردية عن حلفائها الحقيقيين المؤمنين حقاً وصدقاً بحقوق الشعب الكردي، وإقامة الفيدرالية في كردستان على أساس الحفاظ على وحدة الشعب والوطن العراقي، وفي يقيني أن هذا التحالف ليس سوى تحالف وقتي لا يلبث أن ينقلب أصحابه على الشعب الكردي.
إن من المؤسف حقاً أن أقول أن الأحزاب القومية الكردية لم تتعلم الدرس من تحالفها السابق مع البعثيين والقوميين الذين تآمروا على ثورة الرابع عشر من تموز وقائدها الشهيد عبد الكريم قاسم ، وباركوا انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 ظناً منهم أن البعثيين هم أكثر ديمقراطية وإيماناً بحقوق الشعب الكردي من قاسم، لكن أولئك القوميين العنصريين لم يمهلوا الشعب الكردي وقواه السياسية سوى أقل من أربعة اشهر ليشنوا حملة تنكيل شعواء بالشعب الكردي ، ويحرقوا الحرث ويقتلوا النسل.
إن سياسة حرق المراحل، وخلق جو من التعصب القومي لا يخدم القضية الكردية بل يزيدها تعقيدأ، هذا بالإضافة إلى خلق رد فعل معاكس لدى العناصر القومية المتطرفة في الجانب الآخر، والذين يستغلون هذه الأخطاء لخلق جبهة معادية للشعب الكردي بين صفوف المواطنين البسطاء .
إن الحرص على الأخوة العربية الكردية وسائر القوميات الأخرى هي حجر الزاوية في تحقيق أماني الشعب الكردي وسائر القوميات العراقية الأخرى، وإن السبيل إلى تحقيق آمال وطموحات الشعب الكردي مرتبط كل الارتباط بتحقيق طموحات إخوتهم أبناء الشعب العراقي بكل فئاته وأطيافه وقومياته وأديانه هو الديمقراطية، ولا سبيل غير الديمقراطية التي تستطيع بها مكونات شعبنا تأمين كافة الحقوق والحريات العامة والخاصة، وتؤمن الحياة الرغيدة لمجموع الشعب عندما يحل الأمن والسلام في ربوع العراق، ويجري التنافس الديمقراطي الحر بين قواه السياسية على أساس احترام الرأي والرأي الآخر، وإبعاد الدين عن الشؤون السياسية، وفصله عن الدولة ، فزج الدين في السياسة قد افسد الدين والسياسة معاً، ولا سبيل للخروج من المحنة التي عصفت وما تزال تعصف بالعراق وشعبه إلا بنبذ الطائفية والتعصب القومي ، والإيمان الحقيقي بالوطنية العراقية ، وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وقيام حياة حزبية لا مكان فيها للتطرف الطائفي والعنصري، ومن خلال إعادة النظر الجذرية في الدستور، وإعادة النظر في قانون الانتخابات على أساس الدوائر الانتخابية، وسن قانون جديد للأحزاب يؤكد على مبدأ الديمقراطية.
واليوم والعراق مقبل على الانتخابات البرلمانية بعد شهر واحد يساور قوى الإسلام السياسي الشيعية ، والأحزاب القومية الكردية القلق الشديد من عودة البعثيين إلى الواجهة من جديد ليشاركوا في الانتخابات القادمة بنشاط واسع قد يعيد العراق إلى جو من الرعب من عودة نظام البعث الفاشي للحكم من جديد.
ولا شك أن الولايات المتحدة ليس لها صديق دائم بل لها مصالح دائمة، ولا يهمها تحقيق الديمقراطية في البلاد ، بل يهمها ضمان مصالحها وهيمنتها على مقدرات العراق والمنطقة ولقد اختبرت حزب البعث، وخدماته الجلى للمصالح الأمريكية منذ انقلاب 8 شباط المشؤوم ، وأغرقت العراق بالدماء منذ ذلك الحين وحتى سقوط النظام، ثم ما لبث البعثيون بعد أن وجدوا أن المحتلين الأمريكيين ليسوا في صدد تصفية نظام البعث ، وتركت لهم الحبل على الغارب ، ولم يمسسهم أي آذى، لبادروا في شن حملاتهم الإجرامية ضد أبناء الشعب العراقي الأبرياء عن طرق سياراتهم المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة والاغتيالات، والتي ما تزال إلى يومنا هذا ، ولا زال الشعب يدفع ثمناً باهظاً من دماء أبنائه البررة .
إن الشعب العراقي مدعو أكثر من أي يوم مضى أن يدرك المخاطر التي تواجهه إذا عادت الوجوه المتمثلة بأحزاب الإسلام السياسي الشيعية منها والسنية ، وإذا ما حقق البعثيون نتائج مؤثرة في الانتخابات البرلمانية الجديدة، وليكن خياره في الانتخابات التصويت للقوى المؤمنة حقاً وصدقاً بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، ولا مجال لتضييع الفرصة السانحة لأن البديل هو الوقوع في كماشة طرفاها فاشية دينية وفاشية بعثية.
وعلى الشعب وقواه العلمانية والوطنية والتقدمية أن تحرص على منع القوى الممسكة بالسلطة من أي تدخل أو تزوير، والحرص على أن تتسم الانتخابات بالشفافية والديمقراطية، ومنع استخدام الدين والطائفة لتحقيق أهداف سياسية، والسعي لقيام حكومة علمانية بعيداً عن المحاصصة الطائفية من أجل إنجاز التحول نحو نظام ديمقراطي حقيقي يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات دون استثناء أو تمييز.
8/2/2010
8/2/2010
منذ أن أدركت الولايات المتحدة المخاطر المتصاعدة للتغلغل الإيراني في الساحة السياسية العراقية بدعم وتنسيق من قوى أحزاب الإسلام السياسي الشيعية المرتبطة بأوثق الوشائج مع نظام ملالي طهران، حيث مكنتها هذه الأحزاب التي نشأت معظمها في إيران، والتي مولها وسلح ميليشياتها النظام الإيراني، ومكنها من الانتقال إلى العراق بعد الاحتلال لتلعب ذلك الدور المعروف لدى الشعب العراقي الذي ابتلى بجرائمها البشعة في ذلك الصراع الطائفي الذي اندلع على اثر تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء.
لقد بات النظام الإيراني يمتلك اليد الطولى في البلاد، وهكذا اخذ القلق ينتاب الإدارة الأمريكية من نتائج هذا التغلغل الإيراني في العراق على مستقبل المنطقة التي تعتبرها الإدارة الأمريكية عصب الحياة للاقتصاد الغربي بما تمتلكه من ثروات نفطية .
وهكذا أخذت الجهود الأمريكية تتسارع في تشديد ضغوطها على حكومة المالكي لإعادة عناصر بارزة من الوجوه البعثية إلى الواجهة من جديد، ولاسيما بعد إلغاء قانون اجتثاث البعث، وطرح مشروع ما سمي بالمصالحة.
كما تسارعت الجهود الأمريكية لإعادة الأجهزة الأمنية التي نكلت أبشع تنكيل بكل العناصر الوطنية المعارضة للدكتاتورية، وإعادة رموز كبيرة من ضباط الجيش في العهد الصدامي إلى الخدمة من جديد، كما سبق أن أعيد إلى الواجهة العديد من العناصر المحسوبة على حزب البعث في السلطتين التنفيذية والتشريعية في الوقت الذي يمارس العديد منهم قيادة النشاطات الإرهابية في البلاد .
فلماذا جرى ويجري كل هذا النكوص عن آمال وأحلام الشعب العراقي في التخلص النهائي من النظام الصدامي الدكتاتوري الفاشي، وإقامة نظام ديمقراطي جديد يحترم حقوق وحريات الإنسان ويصون كرامته؟
و لماذا تجري الاستهانة بتضحيات الشعب خلال العقود الأربعة الماضية من أجل التحرر من سلطة الطغيان البعثي الفاشي، ويجري العمل على عودة عقارب الساعة إلى الوراء، ليس فقط وكأن شيئاً لم يكن ، بل لقد تجاوز التدهور الحاصل في البلاد أمنياً واجتماعياً واقتصادياً وخدماتيا بمراحل كبيرة عما كانت عليه في السابق، وأدى بالتالي هذا التدهور إلى تحويل حياة المواطن العراقي إلى جحيم حقيقي لا يطاق، حيث يدفع الشعب كل يوم فاتورة الحرب الأمريكية على العراق المتمثلة بدماء وأرواح المئات من المواطنين الأبرياء وحيث جرى تهجير الملايين من العراقيين للنجاة من طغيان قوى الإرهاب البعثي وأعوانهم من عناصر القاعدة، من جهة، وطغيان قوى الإسلام الطائفي الشيعية عبر ميليشياتها المتعددة من جهة أخرى؟
فعلى مَنْ تقع مسؤولية هذا النكوص عن طموحات الشعب العراقي والعودة به إلى ذلك العهد المظلم ، بل إلى عهد اشد قتامة ؟
ليس من العسير على كل باحث حصيف يتتبع مجريات الأحداث في العراق أن يتوصل إلى المسؤولين عن هذه الحالة المأساوية، وإلى هذا التحول في مسيرة بناء العراق الديمقراطي الجديد!!، وباعتقادي أن تلك المسؤولية يشترك فيها أطراف ثلاث :
الطرف الأول يتمثل بالإدارة الأمريكية التي أقدمت على أقامة نظام حكم طائفي في البلاد، وفسحت المجال واسعاً لأحزاب الإسلام السياسي الطائفي بتشكيل المليشيات العسكرية المسلحة لدى كلا الطائفتين الشيعة والسنية، وتسليم السلطة لأحزاب الإسلام الطائفي الشيعية بالتحالف مع الأحزاب القومية الكردية، ومحاولة الحاكم المدني الأمريكي بريمر إبعاد أبناء الطائفة السنية عن مراكز السلطة كان عاملاً حاسماً في تشجيع العناصر السنية المرتبطة بالنظام الصدامي على امتشاق السلاح والغوص في العمليات الإرهابية الوحشية البشعة.
الطرف الثاني المتمثل بأحزاب الإسلام الطائفي الشيعية التي استأثرت بالسلطة بدءاً من مجلس الحكم، وانتهاء بالحكومات التي تشكلت فيما بعد، وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت بصورة متعجلة دون تهيئة الظروف المؤاتية لها، حيث رزح الشعب العراقي خلال أربعة عقود لطغيان نظام قمعي متوحش حرم الشعب خلاله من أي من الحقوق الديمقراطية ، وفرض عليه نمطاً واحداً من التفكير القومي الفاشي المعادي لسائر الحقوق والحريات الديمقراطية، وزاد في الطين بله زج النظام الصدامي البلاد بحروبه الإجرامية الكبرى المعروفة لدى الجميع، وبالحروب الداخلية ضد الشعب الكردي في كردستان العراق، وضد عموم الشعب العراقي أبان انتفاضة آذار 1991، وتسببه في فرض الحصار الجائر على الشعب العراقي لثلاثة عشر عاماً عجافا، شديدة القسوة ، بحيث تعتبر بمقاييس الحروب أشنعها، وأشدها تأثيراً في تخريب البنية الاجتماعية، فقد أوصلت الشعب العراقي إلى حالة من اليأس الشديد للخروج من تلك المحنة إلا بالتوجه نحو التدين وطلب العون من الله.
واستغلت الأحزاب الطائفية الشيعية هذا التوجه الديني لدى أبناء الشعب لتستخدمه سلاحاً فعالاً في حملاتها الانتخابية، واستخدمت كذلك التخلف والنكوص الذي حل بالمجتمع العراقي خلال تلك الحقبة السوداء من تاريخ العراق لإقناع المواطنين البسطاء بلزوم التصويت لأحزابها كي تنال رضا الله والأئمة وتنال الجنة !.
كما أن الكثير من المواطنين أبناء الطائفة الشيعية قد صوتوا لتلك الأحزاب بعد الذي نالهم من طغيان نظام صدام وحزبه الفاشي الذي اجبر الكثيرين منهم على الإنضام لحزب البعث فيما سبق، فكان تصويتهم للطائفة، ولم يصوتوا على برامج حزبية معينة، وها هي الجماهير الشعبية بدأت تتفتح أذهانها، وتدرك خطأ خياراتها الانتخابية بعد الذي حل بالبلاد على أيدي هذه السلطة وأحزابها الطائفية وميليشياتها الظلامية المتوحشة.
ومما زاد في تعقيد الوضع السياسي والأمني في البلاد لجوء ميلشيات الأحزاب الطائفية الشيعية إلى الاقتصاص من العناصر البعثية خارج القانون والمحاكم، وشنت هذه المليشيات حملات اغتيالات واسعة ضد الضباط والطيارين منهم بوجه خاص ، والعناصر البعثية المعروفة بوجه عام، مما دفع بالجانب الثاني المتمثل بعناصر حزب البعث، وقوى الإسلام الطائفي السنية استغلال هذا الفعل بردة فعل معاكسة، حيث مارسوا وما زالوا يمارسون عمليات الاغتيالات والسيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة لإيقاع اكبر عدد من الخسائر البشرية في صفوف المواطنين الأبرياء، وتدمير أقصى ما يمكن من الممتلكات العامة والشخصية، والحيلولة دون أي إمكانية لإعادة بناء العراق من جديد، وإجبار السلطة على تخصيص معظم الدخل الوطني لمكافحة العمليات الإرهابية، مما يحول في نهاية الأمر دون إعادة بناء العراق، ويؤدي إلى تدهور الوضع المعيشي للشعب.
ومن جانب آخر كان التغلغل الإيراني في العراق، والعلاقات الوثيقة التي تربط أحزاب الإسلام السياسي الشيعي بحكام طهران، وبالخصوص كون المليشيات التابعة لهذه الأحزاب على ارتباط وثيق بالنظام الإيراني تسليحاً وتمويلاً وتدريباً، وتمادي هذه المليشيات في أعمال القتل والاغتيالات، وتحويل الحسينيات إلى مراكز عسكرية لها دفعت الإدارة الأمريكية إلى التفكير في المخاطر التي يمكن أن تلحق بمصالحها في المنطقة جراء الهيمنة الإيرانية على العراق ، فبادرت إلى السعي لخلق نوع من التوازن بين قوى الإسلام الطائفي الشيعي والقوى البعثية والطائفية السنية، وبدأت تمارس الضغوطات الشديدة على حكومة المالكي لإعادة البعثيين إلى الواجهة من جديد في مختلف مرافق الدولة بدءً من الحكومة والبرلمان والجيش والأجهزة الأمنية وسائر مرافق الدولة الأخرى.
الطرف الثالث المتمثل بالأحزاب القومية الكردية التي تحالفت مع أحزاب الإسلام الطائفي الشيعي، وبشكل خاص مع المجلس الأعلى بزعامة الراحل عبد العزيز الحكيم، بدافع إسناد وتأييد فيدرالية كردستان المتفق عليها من جانب القوى السياسية سعياً وراء حل عادل ودائمي للقضية الكردية، فالحكيم كما هو معروف لدى الجميع كان يسعى حثيثاً لتشكيل ما دعاه بفيدرالية الوسط والجنوب، والتوجه نحو أقامة دويلات طائفية في العراق، ومن أجل تحقيق هذا الهدف سعى للتحالف مع الأحزاب القومية الكردية.
وهكذا قام التحالف المصلحي بين الطرفين، وتخلت الأحزاب القومية الكردية عن حلفائها الحقيقيين المؤمنين حقاً وصدقاً بحقوق الشعب الكردي، وإقامة الفيدرالية في كردستان على أساس الحفاظ على وحدة الشعب والوطن العراقي، وفي يقيني أن هذا التحالف ليس سوى تحالف وقتي لا يلبث أن ينقلب أصحابه على الشعب الكردي.
إن من المؤسف حقاً أن أقول أن الأحزاب القومية الكردية لم تتعلم الدرس من تحالفها السابق مع البعثيين والقوميين الذين تآمروا على ثورة الرابع عشر من تموز وقائدها الشهيد عبد الكريم قاسم ، وباركوا انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 ظناً منهم أن البعثيين هم أكثر ديمقراطية وإيماناً بحقوق الشعب الكردي من قاسم، لكن أولئك القوميين العنصريين لم يمهلوا الشعب الكردي وقواه السياسية سوى أقل من أربعة اشهر ليشنوا حملة تنكيل شعواء بالشعب الكردي ، ويحرقوا الحرث ويقتلوا النسل.
إن سياسة حرق المراحل، وخلق جو من التعصب القومي لا يخدم القضية الكردية بل يزيدها تعقيدأ، هذا بالإضافة إلى خلق رد فعل معاكس لدى العناصر القومية المتطرفة في الجانب الآخر، والذين يستغلون هذه الأخطاء لخلق جبهة معادية للشعب الكردي بين صفوف المواطنين البسطاء .
إن الحرص على الأخوة العربية الكردية وسائر القوميات الأخرى هي حجر الزاوية في تحقيق أماني الشعب الكردي وسائر القوميات العراقية الأخرى، وإن السبيل إلى تحقيق آمال وطموحات الشعب الكردي مرتبط كل الارتباط بتحقيق طموحات إخوتهم أبناء الشعب العراقي بكل فئاته وأطيافه وقومياته وأديانه هو الديمقراطية، ولا سبيل غير الديمقراطية التي تستطيع بها مكونات شعبنا تأمين كافة الحقوق والحريات العامة والخاصة، وتؤمن الحياة الرغيدة لمجموع الشعب عندما يحل الأمن والسلام في ربوع العراق، ويجري التنافس الديمقراطي الحر بين قواه السياسية على أساس احترام الرأي والرأي الآخر، وإبعاد الدين عن الشؤون السياسية، وفصله عن الدولة ، فزج الدين في السياسة قد افسد الدين والسياسة معاً، ولا سبيل للخروج من المحنة التي عصفت وما تزال تعصف بالعراق وشعبه إلا بنبذ الطائفية والتعصب القومي ، والإيمان الحقيقي بالوطنية العراقية ، وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وقيام حياة حزبية لا مكان فيها للتطرف الطائفي والعنصري، ومن خلال إعادة النظر الجذرية في الدستور، وإعادة النظر في قانون الانتخابات على أساس الدوائر الانتخابية، وسن قانون جديد للأحزاب يؤكد على مبدأ الديمقراطية.
واليوم والعراق مقبل على الانتخابات البرلمانية بعد شهر واحد يساور قوى الإسلام السياسي الشيعية ، والأحزاب القومية الكردية القلق الشديد من عودة البعثيين إلى الواجهة من جديد ليشاركوا في الانتخابات القادمة بنشاط واسع قد يعيد العراق إلى جو من الرعب من عودة نظام البعث الفاشي للحكم من جديد.
ولا شك أن الولايات المتحدة ليس لها صديق دائم بل لها مصالح دائمة، ولا يهمها تحقيق الديمقراطية في البلاد ، بل يهمها ضمان مصالحها وهيمنتها على مقدرات العراق والمنطقة ولقد اختبرت حزب البعث، وخدماته الجلى للمصالح الأمريكية منذ انقلاب 8 شباط المشؤوم ، وأغرقت العراق بالدماء منذ ذلك الحين وحتى سقوط النظام، ثم ما لبث البعثيون بعد أن وجدوا أن المحتلين الأمريكيين ليسوا في صدد تصفية نظام البعث ، وتركت لهم الحبل على الغارب ، ولم يمسسهم أي آذى، لبادروا في شن حملاتهم الإجرامية ضد أبناء الشعب العراقي الأبرياء عن طرق سياراتهم المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة والاغتيالات، والتي ما تزال إلى يومنا هذا ، ولا زال الشعب يدفع ثمناً باهظاً من دماء أبنائه البررة .
إن الشعب العراقي مدعو أكثر من أي يوم مضى أن يدرك المخاطر التي تواجهه إذا عادت الوجوه المتمثلة بأحزاب الإسلام السياسي الشيعية منها والسنية ، وإذا ما حقق البعثيون نتائج مؤثرة في الانتخابات البرلمانية الجديدة، وليكن خياره في الانتخابات التصويت للقوى المؤمنة حقاً وصدقاً بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، ولا مجال لتضييع الفرصة السانحة لأن البديل هو الوقوع في كماشة طرفاها فاشية دينية وفاشية بعثية.
وعلى الشعب وقواه العلمانية والوطنية والتقدمية أن تحرص على منع القوى الممسكة بالسلطة من أي تدخل أو تزوير، والحرص على أن تتسم الانتخابات بالشفافية والديمقراطية، ومنع استخدام الدين والطائفة لتحقيق أهداف سياسية، والسعي لقيام حكومة علمانية بعيداً عن المحاصصة الطائفية من أجل إنجاز التحول نحو نظام ديمقراطي حقيقي يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات دون استثناء أو تمييز.
8/2/2010
0 التعليقات: