عدد الزائرين للموقع

Web Hit Counter

المواضيع ألعشرة الأخيرة

معالم وشخصيات تأريخية

حقيبة الكـتب

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

احصائية الموقع

المتواجدين :

في الذكرى الرابعة والخمسين لثورة 14 تموز المجيدة / الحلقة الثانية




في الذكرى الرابعة والخمسين لثورة 14 تموز المجيدة



مسؤولية انتكاسة الثور واغتيالها في انقلاب 8 شباط المشؤوم

عام 1963

الحلقة الثانية

حامد الحمداني                                                10/7/2012

لم يمضِ سوى أيام قلائل على انتصار ثورة الرابع عشر من تموز1958  بقيادة الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، والتي شاركت فيها كل القوى السياسية المنضوية تحت لواء جبهة الاتحاد الوطني التي جرى تشكيلها قبيل الثورة والتي ضمت حزب الاستقلال القومي، وحزب البعث، والحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد جرى الاستثناء الحزب الشيوعي من المشاركة الرسمية في حكومة الثورة لاعتبارات رأتها قيادة الثورة ضرورية لعدم استفزاز الإمبرياليين الذين انزلوا قواتهم في الأردن ولبنان فور وقوع الثورة، ودفعوا حكومتي تركيا وإيران لحشد قواتهما على حدود العراق بغية إجهاض الثورة ، واكتفى الزعيم عبد الكريم قاسم بتعيين الشخصية الماركسية الدكتور إبراهيم كبة وزيراً للاقتصاد، في الوقت الذي كان دور الحزب الشيوعي لدعم الثورة قد تجاوز كل القوى الأخرى، ولم تكد تمر سوى أيام معدودة على انتصار الثورة حتى بدأت القوى القومية والبعثية التي التفت حول عبد السلام عارف، الشخصية الثانية في قيادة الثورة مستهدفين قيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، واغتصاب الثورة.



كان في مقدمة القوى التي التفت حول الثورة وقيادتها واحتضنتها وذادت عنها من تآمر القوى البعثية والقومية والعناصر الرجعية المرتبطة بالإمبريالية هي الأحزاب الديمقراطية المتمثلة بالحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان ذلك الموقف لهذه الأحزاب أمر طبيعي حيث كانت تناضل من أجل عراق ديمقراطي متحرر من أية هيمنة أجنبية، وضمان الحقوق والحريات العامة، وحرية التنظيم الحزبي والنقابي والجمعيات، وحرية الصحافة، وإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، وتشريع دستور دائم للبلاد يضمن كافة حقوق وحريات الشعب بكل فئاته وقومياته، وتولي حكومة دستورية حكم البلاد تكون مسؤولة أمام البرلمان.

لكن الأحداث التي جرت في البلاد، والمؤامرات التي حيكت ضدها من قبل القوى اليمينية والقومية المدعومة من قبل عبد الناصر والقوى الإمبريالية،   والثورة ما تزال في أيامها الأولى، عطلت المسيرة الديمقراطية ،وأدخلت البلاد في دوامة العنف والعنف المضاد، وأدى بالتالي إلى ارتكاب أخطاء جسيمة من جانب السلطة المتمثلة بالأحزاب الديمقراطية الملتفة حول الثورة، والزعيم عبد الكريم قاسم، وتحولت المواقف إلى الاختلاف والصراع الذي اضرّ بكل تأكيد بالغ الضرر بمستقبل العراق والحركة الديمقراطية، وأدى في نهاية الأمر إلى اغتيال الثورة بعد أن استطاعت قوى الردة البعثية والقومية، وأذناب الاستعمار من استغلال التدهور الحاصل في العلاقات بين قيادة الثورة والأحزاب الديمقراطية، والتي أدت إلى عزل قيادة الثورة المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم، واستطاعت اغتيال الثورة في انقلاب الثامن من شباط 1963 الفاشي، وإغراق القوى الديمقراطية بالدماء في حملة تصفية لم يشهد لها العراق مثيلاً من قبل.

فهل كان هناك مبرراً لوقوع ذلك الصراع بين حلفاء الأمس؟

ومن كان السبب فيما جرى ؟

وما هي الأخطاء التي ارتكبتها جميع الأطراف؟



في حقيقة الأمر أن جميع الأطراف كانت قد ارتكبت الأخطاء التي ما كان ينبغي أن تقع فيها، فالأحزاب الديمقراطية الثلاث كلها تتفق على كون الزعيم عبد الكريم قاسم كان شخصية وطنية صادقة لا شائبة فيها، حارب الاستعمار، وحقق الحرية والاستقلال الحقيقي لوطنه، وحقق الإنجازات الكبيرة التي تناولنها في الحلقة الأولى.



وأستطيع القول أن الزمان لو طال  بعمر الثورة وقائدها الشهيد عبد الكريم قاسم لحقق الكثير والكثير من الإنجازات التي كان يمكن أن تجعل من العراق أرقى بلد في المنطقة.



فالزعيم كما يتفق الجميع، وحتى أعدائه لم يحقق أي مصلحة لنفسه أو لعائلته، لم يبني له قصراً، ولا حتى داراً متواضعاً، ولم يتخذ له ديواناً ضخماً، ولم يتملك شيئا، ولم يتنقل بمواكب ضخمة من الحراسة والحماية، فقد كان محبوباً من قبل الشعب، كما كان حريصاً على ثروات البلاد وتسخيرها في خدمة الشعب، وكان إنساناً بسيطاً ومتواضعاً كأي مواطن آخر، ولقد قُدر لي أن أزوره في مقره بوزارة الدفاع ضمن وفد لنقابة المعلمين في أواخر شهر شباط عام 1959 واطلعنا على مقره البسيط وغرفة نومه المتواضعة جداً.



لم يكن عبد الكريم قاسم شوفينياً، بل على العكس من ذلك كان على علاقة مع العديد من الشخصيات الديمقراطية المعروفة، وعلى صلة بالأحزاب الوطنية ذات الخط الديمقراطي، وقد أبلغ عدد من أولئك القادة الوطنيين بموعد الثورة، وضم العديد منهم في حكومته.



إذا الطرفان المتمثلان بالسلطة بقيادة عبد الكريم قاسم، والأحزاب الديمقراطية الثلاث الوارد ذكرها يمثلان قوى وطنية، وأن أي تناقض بين هذه القوى يعتبر تناقض ثانوي، في حين أن القوى القومية التي تخلت عن جبهة الإتحاد الوطني وانسحبت من الحكومة، وتآمرت على ثورة تموز وقيادتها، مستخدمة أسلوب العنف لاغتصاب السلطة، كانت قد فقدت صفتها الوطنية، وأصبح التناقض بينها وبين السلطة والأحزاب الديمقراطية الثلاث يمثل تناقضاً أساسياً.



كان على السلطة المتمثلة بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، والأحزاب الديمقراطية الثلاث [الحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الشيوعي] أن تدرك المخاطر الحقيقية التي تمثلها تلك القوى المتآمرة على الثورة، والقوى التي تقف وراءها وتدعمها، والمتمثلة بالولايات المتحدة وبريطانيا، بالإضافة إلى حكومة عبد الناصر، فالجميع كانوا في حقيقة الأمر في سفينة واحدة، والمتمثلة بالثورة، وأن غرقها سيعني بلا شك غرق الجميع، وهذا هو الذي حدث بالفعل بعد نجاح انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963، حيث لم تسلم أي من هذه القوى من بطش السلطة الانقلابية.



لماذا حدث كل هذا ؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك ؟



وإنصافاً للحقيقة أستطيع القول أن الجميع وبلا استثناء كانوا مسؤولين عما حدث، واليوم وبعد مضي 47 عاماً على حلول تلك الكارثة التي حلت بشعبنا العراقي بعربه وكورده وسائر مكوناته الأخرى، نتيجة ذلك الانقلاب الدموي الفاشي، فإن استذكار مسببات ذلك الحدث أمرٌ هام جداً يستحق الدراسة والتمحيص للخروج بالدروس البليغة للحركة الوطنية لكي لا تقع بمثل تلك الأخطاء من جديد.



لقد أخطأت الأحزاب الوطنية في طريقة التعامل مع الزعيم عبد الكريم قاسم وتغليب التناقض الثانوي على التناقض الرئيسي.

 وفي الوقت نفسه أخطأ الزعيم عبد الكريم قاسم في تعامله مع هذه القوى الوطنية ظناً منه أن الأخطار تأتيه من جانب هذه القوى وليس من جانب القوى التي مارست ونفذت الحركات التآمرية ضد الثورة وقيادتها فعلياً.



 لكن الذي لا يجب إغفاله أن الزعيم عبد الكريم كان فرداً أولاً، وكان قريب عهد في السياسة ثانياً، فلم يكن مركزه العسكري يمكّنه من مزاولة أي نشاط سياسي، وعليه فإن احتمالات وقوعه بالخطأ كبيرة، شئنا ذلك أم أبنينا.



 لكن الأحزاب السياسية التي تقودها لجان مركزية، ومكاتب سياسية كانت قد تمرست في النشاط السياسي، وهي تجتمع لتدارس وتمحيص القرارات السياسية قبل اتخاذها، فإن وقوعها في الخطأ ينبغي أن يكون في أضيق الحدود إن وقع، مع تحمل المسؤولية عن ذلك، إذ من المفروض إن تحرص على عدم الوقوع في الخطأ، ولاسيما حينما يتعلق الخطأ بمستقبل ومصير الشعب والوطن !!.



ولكون الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم كان في قمة السلطة فقد كان قادراً أن يفعل الكثير من أجل صيانة الثورة، والحفاظ على لحمة الصف الوطني، واليقظة والحذر من غدر قوى الردة، لكنه لم يدرك خطورة الموقف، ووقع في تلك الأخطاء الخطيرة التي يمكن أن نلخصها بالتالي :

1 ـ  لقد اخطأ الزعيم عبد الكريم في سياسة عفا الله عما سلف، وسياسة فوق الميول وفوق الاتجاهات، وعفا عن الذين تآمروا عليه وعلى الثورة جميعاً، وأطلق سراحهم في محاولة منه لخلق حالة من التوازن بين القوى الوطنية المساندة للثورة، والقوى الساعية لاغتيالها، وكان ذلك الموقف خطأً قاتلاً يتحمل مسؤوليته الكاملة.

2 ـ لقد اعتقد عبد الكريم قاسم أن الخطر الحقيقي يأتيه من قوى اليسار[القوى الديمقراطية]، وبوجه خاص من [الحزب الشيوعي] الذي وقع في أخطاء كبيرة ما كان له أن يقع فيها، والتي سأتناولها فيما بعد بحيث أصبحت لدى الزعيم القناعة أن الحزب الشيوعي قد بات قاب قوسين أو أدنى من انتزاع السلطة، ومما زاد في قناعة الزعيم هذا الموقف الذي وقفته القيادة اليمينية للحزب الوطني الديمقراطي بغياب زعيم الحزب المرحوم كامل الجادرجي، والتي أدخلت في روعه الخطورة التي بات يمثلها الحزب الشيوعي على سلطته، فقرر تقليم أظافر الحزب، وأضعاف نفوذه الطاغي في الشارع العراقي آنذاك، وكانت باكورة إجراءاته سحب السلاح من المقاومة الشعبية ومن ثم إلغائها، ولو كانت المقاومة باقية يوم الثامن من شباط لما تسنى للانقلابيين النجاح في انقلابهم.



  لقد كان رد فعل الزعيم يمثل الرد على الخطأ بخطأ أعظم وأفدح حيث افتقد قوى واسعة ومؤثرة أكبر التأثير في الساحة العراقية، وعزل نفسه عن الشعب مما سهل للانقلابيين تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة في الثامن من شباط 1963.



3 ـ اخطأ الزعيم في أسلوب التعامل مع القيادة الكردية المتمثلة بالزعيم مصطفى البارزاني، على الرغم من أنه لم يكن يحمل أي أفكار شوفينية تجاه القومية الكردية، وأن استقباله للسيد البارزاني ورفاقه العائدين من الاتحاد السوفيتي وتكريمهم، والتأكيد على الحقوق القومية للشعب الكردي في الدستور المؤقت يؤكد هذا الموقف لدى الزعيم، في حين أن القوى القومية التي نفذت انقلاب شباط كانت غارقة في شوفينيتها، وكراهيتها للشعب الكردي، بحيث لم تصبر على المباشرة بقمع الحركة الكردية سوى أقل من أربعة أشهر، منزلة الخراب والدمار بكردستان بشكل وحشي يندى له جبين الإنسانية.



4 ـ اخطأ عبد الكريم قاسم في تقييمه لمسألة الصراع مع القوى المضادة للثورة الذي أججته قرارات الثورة، وخاصة فيما يخص قانون الإصلاح الزراعي، الذي أحدث ثورة اجتماعية حقيقية سلبت السلطة من الإقطاعيين  دعائم الإمبريالية. ولذلك فقد بدأ الرجعيون والإقطاعيون، وكل المتضررين من ثورة تموز بتجميع صفوفهم، وبعث نشاطهم من جديد، على أثر الموقف الذي أتخذه عبد الكريم قاسم من الشيوعيين والقوى القومية الكردية. لقد استغلت الرجعية تلك الظروف من أجل تنفيذ هجمتها الشرسة ضد القوى الديمقراطية سند الثورة وحاميها، وإضعاف السلطة، وعزلها عن الشعب.

5 ـ لقد أخطأ عبد الكريم قاسم في تقييمه لخطورة  الصراع مع شركات النفط ، من أجل انتزاع حقوق العراق في ثروته النفطية، والحفاظ على استقلاله الوطني، وإصداره القانون رقم 80 لسنة 1961، والذي أنتزع بموجبه 99,9% من مناطق امتياز تلك الشركات من سيطرة شركات النفط الاحتكارية، والعمل على استغلالها وطنياً.



لقد كان الصراع على أشده مع شركات النفط، وتبادل الطرفان التهديدات، وكان آخر كلمة لوفد شركات النفط هي التحدي، وكان الوفد يعني ما يقول، فكانت مؤامرتهم الدنيئة على ثورة 14 تموز وقيادتها، والأمر المؤسف حقاً هو أن عبد الكريم قاسم لم يأخذ الحيطة والحذر من أحابيل  ومؤامرات شركات النفط ، حرصاً على مصالحها، حتى ولو أدى ذلك إلى إغراق العراق بالدماء.



لقد كان على عبد الكريم قاسم إن يدخل في صراعه مع شركات النفط محصناً بجبهة شعبية قوية قوامها هذه الأحزاب الوطنية والديمقراطية تقف إلى جانبه وتدعم موقفه لا أن يدخل في صراع معها غير مبرر إطلاقاً فتستغل الإمبريالية موقفه الضعيف لتنفذ مؤامرتها الدنيئة بنجاح في الثامن من شباط 1963.



6 ـ لقد اخطأ الزعيم عبد الكريم قاسم بلجوئه إلى القوة العسكرية لحل التناقض مع قيادة الحركة الكردية،  مما سبب إضعافاً خطيراً للسلطة، وشق جبهة الاتحاد الوطني، ودفع الحزب الديمقراطي الكردستاني للتعاون مع انقلابيي 8 شباط 1963.

وهكذا أصبح النظام منعزلاً وجهاً لوجه أمام مؤامرات الإمبريالية وعملائها ، وبذلك يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية  في إيصال الأمور مع القيادة الكردية إلى مرحلة الصراع المسلح.



7ـ اعتماد عبد الكريم قاسم على جهاز أمن النظام الملكي السابق، الذي لم يجر عليه أي تغيير، سوى إحالة 45 من ضباط الأمن على التقاعد، ومعلوم أن ذلك الجهاز الذي أنشأته، ورعته الإمبريالية وعملائها الحاكمون في بغداد آنذاك، لم يكن يدين بالولاء للثورة، ولزعيمها عبد الكريم قاسم، وكان له دور كبير في إخفاء نشاطات القوى الرجعية، والحركات التآمرية عن السلطة، وحماية المتآمرين. ومما يؤكد هذا ، الحديث الذي جرى مع مدير الأمن العام  [مجيد عبد الجليل ] الذي جيء به إلى دار الإذاعة، التي اتخذها الانقلابيون مقراً لهم وقام علي صالح السعدي، أمين سر حزب البعث، بالبصق في وجهه، فما كان من مدير الأمن العام إلا أن قال له : { لماذا تبصق في وجهي؟ فلولاي لما نجح الانقلاب}.



 وهذا خير دليل على عدم أمانة ذلك الجهاز الذي أعتمد عليه عبد الكريم قاسم .

ولم يكن جهاز الاستخبارات العسكرية بأحسن حال من جهاز الأمن، والذي  أنيط به حماية الثورة من المتآمرين، وتبين فيما بعد أن ذلك الجهاز كان ملغماً بالعناصر المعادية للثورة، وكان على رأسهم رئيس الجهاز[محسن الرفيعي]  ومن قبله [ رفعت الحاج سري] الذي ثبت للمحكمة اشتراكه في الحركة الانقلابية للشواف.



كما أن موقف رئيس أركان الجيش، والحاكم العسكري العام  [أحمد صالح العبدي] المتخاذل دل على مساومة الانقلابيين، والسكوت عن تحركاتهم، فلم ينل منهم أذى، وأطلق سراحه بعد أيام قلائل، فيما جرى إعدام كل المخلصين لثورة تموز وقيادتها.



كانت إطالة الفترة الانتقالية والتأخر في إجراء الانتخابات العامة وتشريع دستور دائم للبلاد، والتي استغرقت 4 سنوات، أحد العوامل الرئيسية في نشوب الخلافات بين القوى الوطنية والسلطة المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم وتحول الخلافات نحو الصراع بين الأطراف الوطنية والسلطة.



لم يكن هناك مبرر لإطالة فترة الانتقال طيلة هذه المدة، وكان بالإمكان اختزالها لمدة أقصاها سنتين، والتوجه نحو إجراء انتخاب مجلس تأسيسي يأخذ على عاتقه تشريع دستور دائم للبلاد، وعرضه على الشعب في استفتاء عام، ليتم بعد ذلك قيام حكومة ديمقراطية تمثل إرادة الشعب.



ولم يكن هناك ما يخيف الزعيم عبد الكريم قاسم على موقعه كقائد لثورة 14 تموز حيث كان يتمتع بشعبية كبرى لم يتمتع بمثلها أي زعيم عراقي أو عربي من قبل، وكنت على يقين أن الزعيم عبد الكريم قاسم  لو شاء أن يشكل له حزباً سياسياً آنذاك، ويشارك في الانتخابات فإن حزبه كان سيفوز على جميع الأحزاب، ولست أنا من يقول ذلك فقط، بل أن الحزب الشيوعي الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في البلاد أعترف في أدبياته ونشراته الداخلية في رده على  الأفكار والدعوات التي ظهرت في صفوف الحزب داعية  إلى استلام السلطة أن هذه الشعبية التي نشهدها في الشارع العراقي هي شعبية الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يمجده الشعب.



 لكن الزعيم عبد الكريم شاء أن يختار لنفسه أن يكون [فوق الميول وفوق الاتجاهات] و[ سياسة عفا الله عما سلف] ، وأطلق سراح المتآمرين الذين أطلقوا عليه الرصاص في رأس القرية، والمحكومين بالإعدام، وفي الوقت نفسه أصدر أمره بتنفيذ حكم الإعدام بحق الشهيد الشيوعي [منذر أبو العيس] ، وحاول أن يخلق نوعاً من التوازن بين حماة الثورة والمدافعين عنها، والحريصين على صيانتها،  وبين الذين تآمروا عليها، وحاولوا مراراً وتكراراً إسقاطها، والوثوب على الحكم، وهذه هي إحدى أخطائه الجسيمة التي أوصلته إلى تلك النهاية المحزنة، وأوصلت الشعب العراقي إلى الكارثة، حيث استطاع حزب البعث المتحالف مع القوى القومية، والمدعومين من قبل عبد الناصر والقوى الإمبريالية من استغلال تشتت القوى الديمقراطية، وانعزال سلطة عبد الكريم قاسم، إلى إنزال الضربة القاضية بثورة 14 تموز المجيدة، واغتيال قائدها عبد الكريم قاسم وصحبه الأبرار، والتنكيل بقيادة وأعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي ، وسائر الوطنيين والديمقراطيين ،وإغراق العراق بالدماء.



ولا شك أن كل الأحداث التي جرت منذ انقلاب 8 شباط 1963 وحتى يومنا هذا على ارض العراق الجريح ليس إلا نتاج تلك الأخطاء التي ساهم بها الجميع والتي مهدت السبيل لنجاح انقلاب شباط والانقلابات المتتالية والتي أوصلت جلاد العراق الأكبر صدام حسين وزمرته الشريرة إلى سدة الحكم، وما سببه للعراق وشعبه من كوارث وويلات ومصائب وحروب مفجعة، وإرهاب وحشي بشع لا زلنا نكتوي بناره حتى يومنا هذا، وسأتناول في الحلقة الثالثة الأخطاء التي وقعت فيها الأحزاب الديمقراطية، والتي أدت إلى تلك النهاية الكارثية التي ما زلنا نعاني من نتائجها حتى يومنا هذا.







0 التعليقات:

ترجم الموقع

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean

ألباحث حامد الحمداني

تجد هنا أرشيف موقع حامد الحمداني

آخرالمواضيــع

مواقع مختارة

حقيبة الكـتب