المواضيع ألعشرة الأخيرة
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
احصائية الموقع
عدد مواضيع المدونة: 654
عدد تعليقات المدونة : 8
عدد تعليقات المدونة : 8
المتواجدين : |
الأحد 6 نيسان 2025 م - 7 شوال 1446 ھ
07:25:04 صباحا
الشعب الكردي وحق تقرير المصير
4:23 م | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمدان
منذُ نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918،وتفكك العديد من الإمبراطوريات نتيجة لتلك الحرب والتي كان من بينها الإمبراطورية العثمانية والروسية والألمانية بدأت حركات التحرر للشعوب المضطهدة بالنهوض والتصاعد مطالبة بحقها في الحرية وتقرير المصير لأوطانها بعيداً عن الهيمنة الإمبريالية .
وقد حفز وقوع ثورة أكتوبر في روسيا التي قادها[ لنين ]عام 1917 في تطور واندفاع تلك الحركات عندما بادر إلى وقف الحرب الاستعمارية من جانب روسيا ، وكشف للشعوب أسرار اتفاقية [سايكس بيكو] الاستعمارية المعقودة بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية عام 1916،والتي تم بموجبها تقاسم تركة الإمبراطورية العثمانية المنهارة .
وكانت تلك الاتفاقية الاستعمارية قد استهدفت تقسيم الإمبراطورية العثمانية وإيران على الضد من مصالح شعوب هذه المنطقة ذات القوميات المتعددة ، وبالأخص ضد مصالح الشعب الكوردي حيث أكدت تلك الاتفاقية الجائرة على التجزئة الأبدية وبذلك شكلت عقبات صعبة التخطي أمام وحدة الوطن للشعب الكوردي .
كما بادرت الحكومة السوفيتية إلى إصدار[ مرسوم السلام ] والذي جاء فيه :
{ تتوجه الحكومة نحو حكومات وشعوب كل البلدان المتحاربة وتدعوهم إلى عقد هدنة فورية لمدة ثلاثة اشهر يمكن خلالها إنهاء المحادثات اللازمة بين ممثلي جميع الشعوب والأمم التي اشتبكت في الحرب أو اضطرت للمشاركة فيها دون استثناء واستدعاء مجالس نيابية مؤلفة من ممثلي الشعوب في كل البلدان ، ومفوضة منها للتصديق على شروط السلم } .
لقد اتسم مرسوم السلام بأهمية بالغة بتأكيده ولأول مرة في التاريخ على مبدأ المساواة ، وحق تقرير المصير للشعوب ومبدأ السيادة القومية ، كما أكد على إلغاء وإبطال كافة الحقوق التي اكتسبتها روسيا القيصرية وفق الاتفاقيات ذات الصيغة الاستعمارية المعادية لحقوق وحريات الشعوب والقوميات المضطهدة والمستندة على الدمج القسري ، والتي كان من ضمنها بالطبع الشعب الكوردي ، وكردستان المجزأة .
لقد جاءت اتفاقية [ سايكس بيكو ] لتؤكد على تجزئة كردستان حيث أصبح جزأيها الشرقي والجنوبي في كل من إيران والعراق تحت الهيمنة البريطانية ، فيما بقي الجزء الشمالي تحت سيطرة الحكومة التركية التي قامت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المنهارة ، وأصبح الجزء الغربي منها في سوريا تحت السيطرة الفرنسية .
لقد حفزت ثورة أكتوبر حركات التحرر الوطنية في هذه المناطق المحتلة من قبل بريطانيا وفرنسا على النهوض والاندفاع في المطالبة بحريتها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها ، وخاضت الثورات العارمة ضد المحتلين في العراق وإيران وسوريا وتركيا ، وكانت ثورة عام 1920 التي خاضها الشعب العراقي بقوميتيه الرئيسيتين العربية والكوردية ذات تأثير كبير على مجرى حركات التحرر في المنطقة .
لقد اندلعت شرر الثورة في الفرات الأوسط والجنوب ، وفي كردستان على حد سواء ،وخاض الشعب العراقي بعربه وكورده معارك طاحنة ضد الإمبرياليين الجدد الذين دفعوا ثمناً غالياً من أرواح جنودهم وتكبدوا خسائر جمة في المعدات والأسلحة ، وتحمل الاقتصاد البريطاني المنهك أصلاً جراء الحرب التي استهلكت جميع موارده والكثير من الخسائر المالية لدرجة دفعت العديد من أعضاء البرلمان إلى مطالبة الحكومة بالخروج من العراق .
إن تلك الثورة وإن كانت لم تحقق أهدافها بالكامل بسبب عدم تكافؤ القوى ، فقد كان من أبرز نتائجها أن أجبرت المحتلين البريطانيين على تغيير أساليب هيمنتهم العسكرية على العراق ، وتفتق ذهنهم إلى تشكيل ما سمي بالحكومة الوطنية ، وجاءوا بالأمير فيصل ابن الحسين ونصبوه ملكاً على العراق يعاونه مجموعة من الضباط الشريفيين الذين خدموا في الجيش العثماني كان منهم نوري السعيد ، وجميل المدفعي ، ومولود مخلص و توفيق السويدي ، وياسين الهاشمي ، وجعفر العسكري وبكر صدقي وغيرهم من الضباط الذين تداولوا حكم العراق منذ تأسيس الحكم الملكي حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 حيث تشكلت في العراق لأول مرة حكومة خارج إرادة البريطانيين وسفارتهم في بغداد التي كانت جميع الوزارات تشكل بموافقتها .
ونتيجة لخيبة الأمل التي أصابت الشيخ محمود والشعب الكردي بوعود الإنكليز بإقامة كيان كوردي مستقل،وتنكرهم لمعاهدة سيفر، فقد بادر إلى تجميع قواه معلناً قيام الثورة ، والسيطرة على السليمانية في 21 أيار 1919، بعد أن دحر القوات البريطانية،وقوات الليفي التي شكلها البريطانيون للحفاظ على مصالحهم في المنطقة، وتمكن من أسر عدد كبير منهم ، ومن الضباط الإنكليز، وأعلن تشكيل دولة كردية،وأعلن نفسه ملكا عليها ،واتخذ له علماً خاصاً بدولته .
أخذ الشيخ محمود الحفيد يوسع مناطق نفوذه في كردستان،بعد أن استطاع دفع القوات البريطانية نحو [مضيق طاسلوجة ] و [مضيق دربند]،واستطاع الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة من القوات البريطانية ،وقوات الليفي التابعة لهم .
واستمر الشيخ الحفيد يوسع مملكته ،حيث استطاعت قواته ضم مناطق [ رانية ] و [حلبجة ] و[كويسنجق] ، ومحاولته ضم كركوك وكفري وأربيل وأجزاء من الموصل متحدياً السلطات البريطانية وقد وقفت إلى جانبه ودعمته قبائل بشدر والجاف ، كما أن انتفاضة الشعب الكردي في كردستان الشرقية وكردستان الشمالية كانت قد شجعته كثيراً على المضي بخططه في توسيع مملكته .
وعلى الأثر وجه المندوب السامي البريطاني دعوة للشيخ محمود للقدوم إلى بغداد لمقابلته ومناقشة القضية الكردية معه، ووعده بمعاملته بكل احترام ، لكنه عاد ووجه إليه إنذاراً في حالة عدم تلبية دعوته بأنه سيتخذ بحقه الخطوات اللازمة ، لكن الشيخ محمود رفض الحضور إلى بغداد قائلاً أن لا سبب يستدعي حضوره لبغداد ، وأن بإمكان ممثليه حل كافة القضايا المعلقة .
وسارع المندوب السامي إلى توجيه إنذار جديد للشيخ الحفيد للحضور خلال خمسة أيام والا فسوف تتخذ بريطانيا الإجراءات العسكرية اللازمة ضده .
وفي الوقت نفسه كان البريطانيون قد جهزوا له قوة عسكرية كبيرة ،ضمت الفرقة الثامنة عشر، بقيادة الجنرال [فريزر] لقمع حركته،واستطاعت هذه القوات، بما تملكه من أسلحة وطائرات حربية ،أن تدحر قوات الشيخ محمود، وتعتقله، بعد أن أصابته بجروح في المعارك التي دارت بين الطرفين، وأرسلته مكبلاً ً إلى بغداد ،حيث أحيل للمحاكمة، وحكم عليه بالإعدام .
غير أن السلطات البريطانية أبدلت الحكم إلى السجن المؤبد، ثم قرت نفيه إلى الهند ،خوفاً من وقوع تطورات خطيرة في كردستان ،حيث يتمتع بمكانة كبيرة في صفوف الشعب الكردي .
بقي الشيخ محمود منفياً في الهند حتى عام 1922، لكن البريطانيون اضطروا إلى إعادته إلى السليمانية، وسلموه زمام الأمور فيها من جديد بعد أن ساد منطقة كردستان المظاهرات من جديد وباتت تنذر بنشوب ثورة جديدة .
لكن الشيخ محمود ما لبث أن ثار على الإنكليز مرة أخرى ،بعد أن وجد الظروف مواتية مما دفع الإنكليز، والحكومة العراقية إلى تجريد حملة جديدة ضده ،حيث استطاعت احتلال السليمانية من جديد .
لكن الشيخ محمود لم يستكن للأمر،وأخذ يستجمع قواه وينظمها، واستطاع مهاجمة الجيش المتواجد في مدينة السليمانية وطرده منها،في 11 تموز 1923، وبقي الشيخ محمود يحكم السليمانية مدة تزيد على العام.
ولما تولى ياسين الهاشمي رئاسة الوزارة العراقية ،كان في مقدمة مهام وزارته إعادة السليمانية للسلطة العراقية ، فجهز حملة عسكرية ، بدعم من البريطانيين ،وبشكل خاص، قواتهم الجوية ،التي هاجمت قوات الشيخ الحفيد ،واستطاعت دحرها،وإيقاع خسائر جسيمة في صفوفها، وتم إعادة لواء السليمانية إلى سيطرة الحكومة العراقية،واضطر الشيخ محمود الحفيد عبور الحدود إلى خارج العراق ، نحو كردستان إيران،وقامت الحكومة بتعيين متصرف كوردي [محافظ ] للواء السليمانية .
رأت بريطانيا أن إقامة دولة كردية في كردستان ،قد يسبب لها مشاكل خطيرة ، وبما أنها قد ضمنت مصالحها في العراق ،بموجب معاهدة عام 1920العراقية البريطانية، فقد قررت صرف النظر نهائياً عن إقامة الدولة الكردية،وضم كردستان إلى المملكة العراقية بشكل نهائي .
وفي شباط 1925، جاءت اللجنة المكلفة من عصبة الأمم لبحث قضية ولاية الموصل، وأجرت دراستها للأوضاع في الولاية ،وقدمت تقريرها إلى عصبة الأمم، حيث تبنت اللجنة وجهة النظر البريطانية القاضية بضم ولاية الموصل إلى المملكة العراقية، مع مراعاة حقوق الأكراد فيما يخص اللغة الكردية،وتعين الموظفين الإداريين الكورد .
وفي تشرين الأول 1926 أجتمع مستشار وزارة الداخلية بالشيخ محمود الحفيد،وتباحث معه في الأمور التي تخص كردستان ،وجرى الاتفاق على شروط الصلح مع الحكومة ، حيث وقع الشيخ الحفيد اتفاقاً مع الحكومة العراقية ،في حزيران 1927،تعهد بموجبه أن يعيش هو وأفراد عائلته خارج العراق،مع إعادة كافة أملاكه له.
وعندما وقّعت حكومة نوري السعيد معاهدة 30 حزيران1930 مع بريطانيا,وتبين للشعب الكردي أن بريطانيا قد تنكرت لحقوقه القومية المشروعة ،وتجاهلت معاهدة سيفر، اندلعت حركة احتجاجات واسعة في السليمانية وانتشرت المظاهرات في كل مكان مستنكرة موقف حكومة نوري السعيد وبريطانيا، وقد تصدت قوات الشرطة والجيش للمتظاهرين حيث وقعت مصادمات عنيفة بين الجانبين أدت إلى استشهاد 45 ، وجرح أكثر من 200 من المتظاهرين . كما جرى اعتقال أعداد كبيرة من المتظاهرين ، وعدد من الشخصيات الكردية المعروفة .
كان الشيخ محمود الحفيد آنذاك يعيش في قرية [ بيران ] في إيران مبعداً عن السليمانية بعد أن استطاعت قوات الحكومة وبمساعدة القوات البريطانية قمع الثورة الأولى التي قادها وأجبرته على مغادرة العراق .
وفي ظل تلك الأحوال التي سادت السليمانية شعر الحفيد أن الظروف قد أصبحت مواتية له لكي يعاود الثورة من جديد حيث تحرك عبر الحدود نحو السليمانية مع عدد كبير من أتباعه المسلحين وأخذ يستجمع المسلحين من أتباعه داخل العراق ،كما انظم إليه ثلاثة من الضباط الأكراد وهم الملازم الأول [ محمد جودت ] والملازم [حميد جودت ] والملازم [كامل حسن ] .
واستطاعت قوات الحفيد احتلال منطقة [شهر بازار ]،وبعث بمذكرة إلى المندوب السامي البريطاني يطالبه بإنشاء دولة كردية في منطقة كردستان تمتد من زاخو وحتى خانقين.
أنذرت الحكومة العراقية الشيخ الحفيد بوجوب مغادرة العراق ،وسحب عناصره المسلحة ، والعودة إلى إيران والتمسك بالتعهد حسب الاتفاق المعقود مع الحكومة على أثر انتهاء الثورة الأولى والا فإن الحكومة ستتخذ الإجراءات العسكرية اللازمة ضده.
لكن الشيخ الحفيد تجاهل الإنذار ،ومضى في توسيع منطقة سيطرته على مناطق واسعة من كردستان ، مما دفع الحكومة إلى الطلب من المندوب السامي أن يوعز للقوة الجوية البريطانية للتهؤ لمهاجمة الثوار في منطقة بنجوين .
وفي الوقت نفسه قامت الحكومة بتجريد حملة عسكرية كبيرة واستطاعت قوات الحكومة في النهاية فرض سيطرتها على مناطق كردستان .
وتلى ذلك الثورة التي قادها الشيخ أحمد البارزاني في كانون الأول عام 1930 والتي قمعت بقسوة أيضاً بعد أن شنت الحكومة العراقية حملة عسكرية بمساعدة القوات والطيران الحربي البريطاني .
لكن الشعب الكردي عاود الكرة لاستعادة حقوقه القومية حيث تولى قيادة حركة التحرر المناضل مصطفى البارزاني والتي استمرت حتى نهاية تشرين الأول 1930 بعد أن استطاعت قوات الحكومة بدعم من البريطانيين قمعها بقوة السلاح .
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتهت بسقوط الإمبراطوريات الألمانية والإيطالية واليابانية عام 1945 ، وقيام نظام عالمي جديد على أثر مؤتمر [ سان فرنسيسكو] وتشكيل منظمة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم ، وجاء ميثاقها مؤكداً في ديباجته على حق الشعوب صغيرها وكبير ها في تقرير المصير فكانت خير مشجع للشعوب المضطهدة على النهوض من جديد لاستعادة حريتها ، وبدأت مرحلة جديدة وجدية من نضال الشعب الكوردي ، وأخذت المسألة الكردية حيزاً بارزاً في قضايا الشرق الأوسط .
كما كان لصدور القرار رقم 1514 في 14 كانون الأول عام 1961 الخاص بإعلان حق البلدان والشعوب المستعمرة في الاستقلال تأثير بارز لتصاعد حركة التحرر الكردية .
وعلى الرغم من أن الحكومة كانت قد قضت على الثورة التي قادها الشيخ أحمد البارزاني ،غير أن بذور الثورة وعنفوانها كانت ما تزال باقية لتفعل فعلها في المجتمع الكردي حتى تجد لها الظروف المناسبة لتنطلق من جديد ، ومما ساعد في ذلك تجاهل الحكومة لأسباب قيام الثورة وسبل معالجتها بما يوفر الحد الأدنى من طموحات الشعب الكردي .
لم تهدأ الحركة الكردية رغم ما أصابها على يد الجيش العراقي ،وازداد إصرار أبناء الشعب الكردي على نيل حقوقهم القومية ،ومطالبتهم بتخصيص نسبة عادلة من موارد الدولة لتنمية المنطقة الكردية ،والنهوض بها من حالة التخلف ،والعمل على حل المشاكل المعيشية التي يعانون منها ،فتقدم مصطفى البارزاني بمطالب تضمنت ما يلي :
1 ـ تعيين موظفين إداريين أكراد في منطقة كردستان .
2 ـ تعين وكيل وزارة كردي لكل وزارة .
3 ـ اعتبار اللغة الكردية اللغة الرسمية في المنطقة الكردية .
4ـ إحداث وزارة تختص بشؤون كردستان .
5ـ إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين الأكراد الذين تم اعتقالهم بسبب القضية الكردية .
6 ـ القيام بحملة اعمار لمنطقة بارزان التي تعرضت للتدمير
7 ـ التعويض عن الأضرار التي أصابت المواطنين جراء القتال
8 ـ الإهتمام بفتح المدارس في سائر المناطق الكردية .
لكن الحكومة تجاهلت تلك المطالب ،ولجأت على الضد من ذلك إلى تصعيد مواقفها تجاه الحركة الكردية وقيادتها،وطالبت بتسليم كافة الأسلحة التي بحوزتها ،وتسليم عدد من المطلوبين الأكراد .
واندلعت الحرب من جديد في كردستان ووقعت معارك شرسة بين قوات الحكومة وقوات البيشمركة انتهت بإخماد الحركة بقوة السلاح ،وبدعم مباشر من سلاح الجو البريطاني واضطر مصطفى البارزاني ،وشقيقه الشيخ احمد البارزاني مع مجموعة من المقاتلين قدرت ب 560 مقاتلاً التسلل إلى إيران كما عبر الحدود المئات من العوائل الباززانية هرباً من بطش قوات الحكومة ،وبذلك انهارت الحركة الكردية،وتمكن الجيش من السيطرة على كامل منطقة كردستان.
وبدأت الحكومة بإحالة المشاركين في الحركة إلى المحاكم العرفية العسكرية ،حيث حُكم على مصطفى البارزاني وشقيقه الشيخ أحمد مع 35 فردا ً آخرين ،من بينهم 7 ضباط، بالإعدام ،وحُكم على 70 آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وعلى العديد من المشاركين الآخرين في الثورة لسنوات عديدة .
وبغية التخفيف من الحالة المأساوية التي أفرزتها الحرب ، بادرت الحكومة إلى إصدار عفو عن السيد احمد البارزاني والمواطنين الكورد الذين دخلوا الأراضي الإيرانية ، وبالفعل عادت العوائل الكردية برفقة الشيخ احمد ، كما عاد الضباط الذين شاركوا في الثورة .
لكن الحكومة بادرت إلى إلقاء القبض على الضباط الشهداء [مصطفى خوشناو] و[عزت عزيز] و[خير الله عبد الكريم] و[محمد القدسي] ، وجرى إعادة محاكمتهم من جديد حيث قررت المحكمة العسكرية تثبيت حكم الإعدام بحقهم ، وجرى تنفيذ حكم الإعدام بهم .
وقد اعتبرتهم قيادة ثورة الرابع عشر من تموز 1958 شهداء الوطن ،وتقرر منح عوائلهم تعويضاً ورواتب تقاعدية .
أما القائد مصطفى البارزاني فقد توجه يرافقه 560 من رفاقه المقاتلين البارزانيين نحو الحدود السوفيتية تلاحقهم قوات الجيش بوابل من القذائف والرصاص من قبل القوات الإيرانية والعراقية والتركية ، لكنهم استطاعوا بصعوبة بالغة من عبور نهر آراس الفاصل بين الحدود الإيرانية والسوفيتية والوصول إلى الاتحاد السوفيتي بصعوبة بالغة.
لكن طموح الشعب الكوردي في نيل حقوقه المشروعة ظل يروده ، كما عزز كفاح الشعب الكردي لنيل حقوقه القومية التطور الجديد على مبدأ حق الأمم في تقرير المصير الذي انعكس في الوثائق الهامة التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة عام 1948. فقد صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الدورة الثالثة للجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة في 10 كانون الأول من هذا العام .
وجاءت ثورة 14 تموز التي قادها الزعيم عبد الكريم قاسم ، والموقف الذي وقفه تجاه حقوق الشعب الكردي ، والتأكيد عليها في الدستور المؤقت ، ودعوته للقائد البارزاني وصحبه للعودة إلى الوطن واستقبالهم شعبياً ورسمياً ، وتكريم الزعيم عبد الكريم للسيد البارزاني ،لتعطي أملاً كبيراً بتحقيق طموحات الشعب الكردي ومنحته زخماً قوياً في هذا السبيل.
لكن الذي يؤسف له أن ثورة تموز تعرضت لمؤامرات واسعة ومتعددة من قبل الإمبريالية وحلفائها البعثيين والقوى القومية ووقوع السلطة وسائر الأحزاب الوطنية بأخطاء جسيمة كانت سببا في اندلاع الصراع المسلح بين السلطة والقيادة الكردية .
وفي اعتقادي أن وقوع ذلك الصراع كان خطأ استراتيجياً فادحاً أضر ليس فقط بالشعب الكردي وقضيته العادلة ، بل أضر بمجمل الشعب العراقي والحركة الوطنية ومهد السبيل لأغتيال ثورة 14 تموز ، ومجئ حزب البعث إلى السلطة إثر انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 وما جرى على أيدي البعثيين من ويلات ومصائب وحروب وتنكيل وإعدامات ملأت القبور الجماعية بخيرة أبناء الشعب العراقي عرباً وأكراداً وسائر القوميات الأخرى منذ ذلك الحين وحتى سقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان 2003 ، وما تزال المصائب تتولى على شعبنا من تلك العصابة الإرهابية حتى يومنا هذا.
لقد أصبح حق تقرير المصير للشعوب والأمم أحد أهم المبادئ المتعارف عليها في القانون الدولي المعاصر ، وله الخاصية القانونية التي تمتلكها المبادئ الأخرى المتعارف عليها في المحافل الدولية ، وأخذ دور وأهمية القانون الدولي يزداد في عصرنا الحالي حيث أصبح مبدأً عالمياً ، وركيزة قوية لتنظيم العلاقات الدولية .
وعلى هذا الأساس فإن الدول التي تقتسم كردستان اليوم ، والتي هي أعضاء في هيئة الأمم المتحدة ، وتترتب عليها التزامات بالقواعد الأساسية للعلاقات والقوانين والمواثيق الدولية ، وتمسكها بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة قد ألزمت نفسها شاءت أم أبت باحترام حقوق الشعب الكردي في تقرير مصيره على نطاق الدول منفردة أو مجتمعة وبعكسه فإنها تُعتبر بالضرورة المنطقية والقانونية قد خرقت ميثاق هيئة الأمم المتحدة ومبادئها الأساسية .
إن حق تقرير المصير يعني أن لكل أمة الحق في الحاضر والمستقبل بتقرير مصيرها السياسي بحرية كاملة بما في ذلك حق الانفصال وتأسيس دولتها المستقلة ، ولها حق الاختيار الحر للإنظمام إلى أية دولة أخرى باتحاد فيدرالي، والتصرف في شؤونها الداخلية بما يؤمن الظروف لتطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي شرط أن لا تخل بحقوق الأمم والقوميات الأخرى .
ولا شك أن الشعب الكردي القاطن في أجزاء كردستان تتمثل فيه شروط الأمة الواحدة ، فالكورد لهم أرض مشتركة على الرغم من تجزأتها من قبل الأمبرياليين القدامى والجُدد ، ولهم تاريخ مشترك ولغة مشتركة وعادات وتقاليد مشتركة ومن حقهم التوحد وإقامة دولتهم فوق أرضهم كردستان الكبرى بموجب القانون الدولي ، وشرعة الأمم المتحدة شرط توفر الظروف اللازمة ، مع الأخذ في الاعتبار مصلحة الشعب الكردي في المرحلة المعينة من حيث الظروف المحيطة به تجنباً للمخاطر التي قد تنشأ والتي يمكن تنعكس سلباً على أوضاعه الحالية والمستقبلية .
ويشير لنين إلى مسألة الانفصال السياسي للأمة واستقلالها بالقول :{ إن المطالبة بحق تقرير المصير لا يعني بالضرورة المطالبة بالانفصال والانقسام ، وظهور دويلات صغيرة ، بل تعني الإعراب عن نضالها المتواصل ضد الاضطهاد القومي،وعدم المساواة}.
إن الأسلوب الواقعي لحل المسالة القومية الكوردية اليوم ينبغي أن يكون تدريجياً ، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الداخلي ومراعاة الحالة الدولية الراهنة في الشرقين الأدنى والأوسط والتعامل مع الشعوب التي لا تعادي القومية الكردية بروح من التفاهم و التعاون البناء والاحترام المتبادل لحقوق وحريات الطرفين بما يحقق طموحات الشعب الكردي المشروعة .
لكن الشعب الكردي يملك كل الحق في الكفاح ،وبكل الوسائل والسبل ، إذا ما تم تجاهل حقوقه المشروعة وسيجد أن كل القوى الديمقراطية المؤمنة بحق الشعوب في الحرية تقف إلى جانبه في نضاله العادل من أجل الحرية ، وتقدم له كل الدعم والمساندة في هذا السبيل .
لقد أكدت الأحداث التاريخية التي مرت على العراق منذ تأسيس ما يسمى بالحكم الوطني والتي جرى فيها تجاهل الحقوق المشروعة للشعب الكردي من قبل الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم ولجوئها إلى استخدام القوة المسلحة لإخضاع الشعب الكردي وحركته التحررية ، وقوف الشعب العراقي إلى جانب شقيقه الشعب الكردي الذي كان هو الآخر يعاني من تجاهل السلطات الحاكمة لحقوقه وحرياته العامة ، بل لقد شاركت تلك القوى مشاركة فعّالة في الكفاح المسلح ضد حكم الطاغية صدام حسين مدركة إن الشعب الذي يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً .
إن المرحلة الحالية من تاريخ حركة التحرر الكردية اليوم ، وفي ظل هذه الظروف القاسية والمخاطر الجسيمة المحدقة بالعراق وشعبه بمختلف قومياته وأديانه وطوائفه تتطلب من قيادة حركة التحرر الكردية أن تركز جهدها على إقرار وتنفيذ الفيدرالية لكردستان والديمقراطية للعراق ،بشكل متلازم ، وليكن معلوماً أن الديمقراطية هي الضمان الوحيد لتطبيق الفيدرالية وديمومتها .
إن العراق يمر بأخطر مرحلة في كل تاريخه حيث تتكالب القوى البعثفاشية وحلفائها الظلاميين من أجل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، وعودة فردوسهم المفقود بسقوط النظام الديكتاتوري البغيض الذي جثم على صدور المواطنين العراقيين جميعاً، وزج بالبلاد بحروب كارثية ، داخلية وخارجية أودت بحياة مئات الألوف من المواطنين ناهيك عن مئات الألوف من الأرامل والأيتام ، والمعوقين ، ونكّلَ بالمعارضين لحكمه الفاشي البشع وملأ القبور الجماعية بمئات الألوف من خيرة مواطنينا الوطنيين .
إن هؤلاء القتلة الذين يمارسون اليوم الجرائم البشعة بحق شعبنا من تفجير السيارات المفخخة ، والعبوات المزروعة في الشوارع والطرق ، والاغتيالات وخطف المواطنين وقطع رؤوسهم بأسلوب رهيب ويدمرون المرافق العامة والبنية التحتية للعراق أنما يستهدفون عودة نظام القبور الجماعية والحروب الكارثية من جديد ، وهم اليوم وقد امتلأت قلوبهم حقداً على شعبنا ،إذا ما قُدرَ لهم العودة للحكم من جديد قد عقدوا العزم على أن ينتقموا من شعبنا أشنع انتقام. أنهم مستعدون كسيدهم الجلاد صدام حسين بقتل الملايين من المواطنين انتقاماً من الشعب الذي ناضل طويلاً من أجل التخلص من نظامه البشع ،وعبّرَ عن بهجته في سقوطه يوم التاسع من نيسان 2003، وكان يتمنى لو تم إسقاط النظام من قبله ، وسوف لن يغفر أيتام النظام الصدامي للشعب الكردي موقفه من ذلك النظام الكريه ولن يتركوه وشأنه .
وعليه فإن الحرص على إفشال خطط الإرهابيين المجرمين أيتام النظام الصدامي وقمع تحركاتهم ، والتخلص من شرورهم يصب تماماً في خانة مصلحة الشعب الكردي ومستقبله ، وفي مصلحة الشعب العراقي عامة ، وعليه فإن الأمر الأهم لشعبنا بكل مقوماته القومية في هذه المرحلة الخطيرة التي يمر بها اليوم هو النضال المشترك وبكل فاعليه ، ومن خلال جبهة موحدة ، من أجل تحقيق نظام حكم فيدرالي ديمقراطي تعددي ، وضع وإقرار دستور دائم في البلاد ،يُقرُ مبدأ الفيدرالية ويتضمن القيود الصارمة لمنع أي تجاوز على النظام الديمقراطي ، أو انتهاك الدستور والتلاعب بمواده المتضمنة حقوق وحريات المواطنين ، وحرية النشاط الحزبي والنقابي ، واحترام حرية الصحافة ، وذلك من خلال تشكيل محكمة دستورية عليا مستقلة تمام الاستقلال عن أية ضغوط ، ومن أي جهة أو سلطة كانت . إن الديمقراطية هي الضمان الوحيد لحماية النظام الفيدرالي المنشود ، وتعزيز الأخوة العربية الكردية ونضالها المشترك .
إن قيام وتثبيت ونجاح الفيدرالية في كردستان ينطوي على أهمية كبرى بالنسبة للشعب الكردي في أجزاء كردستان الأخرى حيث سيكون الحافز الأكبر لتحقيق طموحاته في الوصول إلى ما تم تحقيقه في كردستان العراق من تقدم وتطور في مجال الحقوق القومية والوطنية ، وسيكون بكل تأكيد حصول الشعب الكردي على حقه في الفيدرالية إسوةً بإخوته في العراق خطوة هامة في الطريق من أجل تحقيق حلم الشعب الكردي في قيام دولة كردية موحدة وبأسلوب ديمقراطي حضاري .
في الآونة الأخير ظهرت دعوات في صفوف الشعب الكردي لإجراء استفتاء حول الانفصال عن العراق وإقامة دولة كوردية مستقلة في كردستان العراق ،وبالفعل جرى استفتاء يوم الانتخابات ، وعلى الرغم من إيماني بحق تقرير المصير للشعوب ، ومنها الشعب الكردي ، إلا أنني اعتقد إن هذه الخطوة وفي هذا الوقت بالذات لا تخدم بأية حال من الأحوال القضية الكردية ، بل تزيدها تعقيداً وتشكل خطورة بالغة ليس على مستقبل الشعب الكردي فحسب ، بل والشعب العراقي بوجه عام حيث يواجه اليوم أشرس حملة فاشية معادية للديمقراطية وحقوق الإنسان ، وترمي إلى إعادة نظام البعث الفاشي والظلامي للعراق ، وعليه فإن السبيل الوحيد المتاح اليوم للشعب العراقي بعربه وكورده وسائر قومياته الأخرى هو الجبهة الوطنية الديمقراطية الموحدة للتصدي لهذه القوى الفاشية التي تتربص بالجميع ولا تخفي حقدها الشديد على الشعب الكردي بوجه خاص ، وإقامة النظام الديمقراطي الفيدرالي الموحد الذي يحفظ للشعب الكردي حقوقه القومية والوطنية بكل تأكيد.
كما أن من المهم أن ندرك أن أسلوب حرق المراحل واستعجال تحقيق الهدف الاستراتيجي الكبير والمشروع في إقامة دولة كردستان الكبرى من دون تحقيق الظروف الموضوعية الضرورية في سائر منطقة كردستان الكبرى لا يخدم القضية الكردية أيضاً، بل ينطوي على مخاطر كبيرة ،ونتائج سلبية على مستقبل الوحدة الكردية الكبرى ،وقد تستمر لزمن طويل .
وسيبقى طموح الشعب الكردي في الوحدة وتأسيس كردستان الكبرى الحلم الأكبر بالنسبة له، وسيقف بكل تأكيد كل الديمقراطيين الحقيقيين المؤمنين بحق تقرير مصير الشعوب ،وحقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1948 إلى جانب نضاله وطموحه وخياراته المشروعة .
حامد الحمداني
12/6/2005
منذُ نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918،وتفكك العديد من الإمبراطوريات نتيجة لتلك الحرب والتي كان من بينها الإمبراطورية العثمانية والروسية والألمانية بدأت حركات التحرر للشعوب المضطهدة بالنهوض والتصاعد مطالبة بحقها في الحرية وتقرير المصير لأوطانها بعيداً عن الهيمنة الإمبريالية .
وقد حفز وقوع ثورة أكتوبر في روسيا التي قادها[ لنين ]عام 1917 في تطور واندفاع تلك الحركات عندما بادر إلى وقف الحرب الاستعمارية من جانب روسيا ، وكشف للشعوب أسرار اتفاقية [سايكس بيكو] الاستعمارية المعقودة بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية عام 1916،والتي تم بموجبها تقاسم تركة الإمبراطورية العثمانية المنهارة .
وكانت تلك الاتفاقية الاستعمارية قد استهدفت تقسيم الإمبراطورية العثمانية وإيران على الضد من مصالح شعوب هذه المنطقة ذات القوميات المتعددة ، وبالأخص ضد مصالح الشعب الكوردي حيث أكدت تلك الاتفاقية الجائرة على التجزئة الأبدية وبذلك شكلت عقبات صعبة التخطي أمام وحدة الوطن للشعب الكوردي .
كما بادرت الحكومة السوفيتية إلى إصدار[ مرسوم السلام ] والذي جاء فيه :
{ تتوجه الحكومة نحو حكومات وشعوب كل البلدان المتحاربة وتدعوهم إلى عقد هدنة فورية لمدة ثلاثة اشهر يمكن خلالها إنهاء المحادثات اللازمة بين ممثلي جميع الشعوب والأمم التي اشتبكت في الحرب أو اضطرت للمشاركة فيها دون استثناء واستدعاء مجالس نيابية مؤلفة من ممثلي الشعوب في كل البلدان ، ومفوضة منها للتصديق على شروط السلم } .
لقد اتسم مرسوم السلام بأهمية بالغة بتأكيده ولأول مرة في التاريخ على مبدأ المساواة ، وحق تقرير المصير للشعوب ومبدأ السيادة القومية ، كما أكد على إلغاء وإبطال كافة الحقوق التي اكتسبتها روسيا القيصرية وفق الاتفاقيات ذات الصيغة الاستعمارية المعادية لحقوق وحريات الشعوب والقوميات المضطهدة والمستندة على الدمج القسري ، والتي كان من ضمنها بالطبع الشعب الكوردي ، وكردستان المجزأة .
لقد جاءت اتفاقية [ سايكس بيكو ] لتؤكد على تجزئة كردستان حيث أصبح جزأيها الشرقي والجنوبي في كل من إيران والعراق تحت الهيمنة البريطانية ، فيما بقي الجزء الشمالي تحت سيطرة الحكومة التركية التي قامت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المنهارة ، وأصبح الجزء الغربي منها في سوريا تحت السيطرة الفرنسية .
لقد حفزت ثورة أكتوبر حركات التحرر الوطنية في هذه المناطق المحتلة من قبل بريطانيا وفرنسا على النهوض والاندفاع في المطالبة بحريتها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها ، وخاضت الثورات العارمة ضد المحتلين في العراق وإيران وسوريا وتركيا ، وكانت ثورة عام 1920 التي خاضها الشعب العراقي بقوميتيه الرئيسيتين العربية والكوردية ذات تأثير كبير على مجرى حركات التحرر في المنطقة .
لقد اندلعت شرر الثورة في الفرات الأوسط والجنوب ، وفي كردستان على حد سواء ،وخاض الشعب العراقي بعربه وكورده معارك طاحنة ضد الإمبرياليين الجدد الذين دفعوا ثمناً غالياً من أرواح جنودهم وتكبدوا خسائر جمة في المعدات والأسلحة ، وتحمل الاقتصاد البريطاني المنهك أصلاً جراء الحرب التي استهلكت جميع موارده والكثير من الخسائر المالية لدرجة دفعت العديد من أعضاء البرلمان إلى مطالبة الحكومة بالخروج من العراق .
إن تلك الثورة وإن كانت لم تحقق أهدافها بالكامل بسبب عدم تكافؤ القوى ، فقد كان من أبرز نتائجها أن أجبرت المحتلين البريطانيين على تغيير أساليب هيمنتهم العسكرية على العراق ، وتفتق ذهنهم إلى تشكيل ما سمي بالحكومة الوطنية ، وجاءوا بالأمير فيصل ابن الحسين ونصبوه ملكاً على العراق يعاونه مجموعة من الضباط الشريفيين الذين خدموا في الجيش العثماني كان منهم نوري السعيد ، وجميل المدفعي ، ومولود مخلص و توفيق السويدي ، وياسين الهاشمي ، وجعفر العسكري وبكر صدقي وغيرهم من الضباط الذين تداولوا حكم العراق منذ تأسيس الحكم الملكي حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 حيث تشكلت في العراق لأول مرة حكومة خارج إرادة البريطانيين وسفارتهم في بغداد التي كانت جميع الوزارات تشكل بموافقتها .
ونتيجة لخيبة الأمل التي أصابت الشيخ محمود والشعب الكردي بوعود الإنكليز بإقامة كيان كوردي مستقل،وتنكرهم لمعاهدة سيفر، فقد بادر إلى تجميع قواه معلناً قيام الثورة ، والسيطرة على السليمانية في 21 أيار 1919، بعد أن دحر القوات البريطانية،وقوات الليفي التي شكلها البريطانيون للحفاظ على مصالحهم في المنطقة، وتمكن من أسر عدد كبير منهم ، ومن الضباط الإنكليز، وأعلن تشكيل دولة كردية،وأعلن نفسه ملكا عليها ،واتخذ له علماً خاصاً بدولته .
أخذ الشيخ محمود الحفيد يوسع مناطق نفوذه في كردستان،بعد أن استطاع دفع القوات البريطانية نحو [مضيق طاسلوجة ] و [مضيق دربند]،واستطاع الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة من القوات البريطانية ،وقوات الليفي التابعة لهم .
واستمر الشيخ الحفيد يوسع مملكته ،حيث استطاعت قواته ضم مناطق [ رانية ] و [حلبجة ] و[كويسنجق] ، ومحاولته ضم كركوك وكفري وأربيل وأجزاء من الموصل متحدياً السلطات البريطانية وقد وقفت إلى جانبه ودعمته قبائل بشدر والجاف ، كما أن انتفاضة الشعب الكردي في كردستان الشرقية وكردستان الشمالية كانت قد شجعته كثيراً على المضي بخططه في توسيع مملكته .
وعلى الأثر وجه المندوب السامي البريطاني دعوة للشيخ محمود للقدوم إلى بغداد لمقابلته ومناقشة القضية الكردية معه، ووعده بمعاملته بكل احترام ، لكنه عاد ووجه إليه إنذاراً في حالة عدم تلبية دعوته بأنه سيتخذ بحقه الخطوات اللازمة ، لكن الشيخ محمود رفض الحضور إلى بغداد قائلاً أن لا سبب يستدعي حضوره لبغداد ، وأن بإمكان ممثليه حل كافة القضايا المعلقة .
وسارع المندوب السامي إلى توجيه إنذار جديد للشيخ الحفيد للحضور خلال خمسة أيام والا فسوف تتخذ بريطانيا الإجراءات العسكرية اللازمة ضده .
وفي الوقت نفسه كان البريطانيون قد جهزوا له قوة عسكرية كبيرة ،ضمت الفرقة الثامنة عشر، بقيادة الجنرال [فريزر] لقمع حركته،واستطاعت هذه القوات، بما تملكه من أسلحة وطائرات حربية ،أن تدحر قوات الشيخ محمود، وتعتقله، بعد أن أصابته بجروح في المعارك التي دارت بين الطرفين، وأرسلته مكبلاً ً إلى بغداد ،حيث أحيل للمحاكمة، وحكم عليه بالإعدام .
غير أن السلطات البريطانية أبدلت الحكم إلى السجن المؤبد، ثم قرت نفيه إلى الهند ،خوفاً من وقوع تطورات خطيرة في كردستان ،حيث يتمتع بمكانة كبيرة في صفوف الشعب الكردي .
بقي الشيخ محمود منفياً في الهند حتى عام 1922، لكن البريطانيون اضطروا إلى إعادته إلى السليمانية، وسلموه زمام الأمور فيها من جديد بعد أن ساد منطقة كردستان المظاهرات من جديد وباتت تنذر بنشوب ثورة جديدة .
لكن الشيخ محمود ما لبث أن ثار على الإنكليز مرة أخرى ،بعد أن وجد الظروف مواتية مما دفع الإنكليز، والحكومة العراقية إلى تجريد حملة جديدة ضده ،حيث استطاعت احتلال السليمانية من جديد .
لكن الشيخ محمود لم يستكن للأمر،وأخذ يستجمع قواه وينظمها، واستطاع مهاجمة الجيش المتواجد في مدينة السليمانية وطرده منها،في 11 تموز 1923، وبقي الشيخ محمود يحكم السليمانية مدة تزيد على العام.
ولما تولى ياسين الهاشمي رئاسة الوزارة العراقية ،كان في مقدمة مهام وزارته إعادة السليمانية للسلطة العراقية ، فجهز حملة عسكرية ، بدعم من البريطانيين ،وبشكل خاص، قواتهم الجوية ،التي هاجمت قوات الشيخ الحفيد ،واستطاعت دحرها،وإيقاع خسائر جسيمة في صفوفها، وتم إعادة لواء السليمانية إلى سيطرة الحكومة العراقية،واضطر الشيخ محمود الحفيد عبور الحدود إلى خارج العراق ، نحو كردستان إيران،وقامت الحكومة بتعيين متصرف كوردي [محافظ ] للواء السليمانية .
رأت بريطانيا أن إقامة دولة كردية في كردستان ،قد يسبب لها مشاكل خطيرة ، وبما أنها قد ضمنت مصالحها في العراق ،بموجب معاهدة عام 1920العراقية البريطانية، فقد قررت صرف النظر نهائياً عن إقامة الدولة الكردية،وضم كردستان إلى المملكة العراقية بشكل نهائي .
وفي شباط 1925، جاءت اللجنة المكلفة من عصبة الأمم لبحث قضية ولاية الموصل، وأجرت دراستها للأوضاع في الولاية ،وقدمت تقريرها إلى عصبة الأمم، حيث تبنت اللجنة وجهة النظر البريطانية القاضية بضم ولاية الموصل إلى المملكة العراقية، مع مراعاة حقوق الأكراد فيما يخص اللغة الكردية،وتعين الموظفين الإداريين الكورد .
وفي تشرين الأول 1926 أجتمع مستشار وزارة الداخلية بالشيخ محمود الحفيد،وتباحث معه في الأمور التي تخص كردستان ،وجرى الاتفاق على شروط الصلح مع الحكومة ، حيث وقع الشيخ الحفيد اتفاقاً مع الحكومة العراقية ،في حزيران 1927،تعهد بموجبه أن يعيش هو وأفراد عائلته خارج العراق،مع إعادة كافة أملاكه له.
وعندما وقّعت حكومة نوري السعيد معاهدة 30 حزيران1930 مع بريطانيا,وتبين للشعب الكردي أن بريطانيا قد تنكرت لحقوقه القومية المشروعة ،وتجاهلت معاهدة سيفر، اندلعت حركة احتجاجات واسعة في السليمانية وانتشرت المظاهرات في كل مكان مستنكرة موقف حكومة نوري السعيد وبريطانيا، وقد تصدت قوات الشرطة والجيش للمتظاهرين حيث وقعت مصادمات عنيفة بين الجانبين أدت إلى استشهاد 45 ، وجرح أكثر من 200 من المتظاهرين . كما جرى اعتقال أعداد كبيرة من المتظاهرين ، وعدد من الشخصيات الكردية المعروفة .
كان الشيخ محمود الحفيد آنذاك يعيش في قرية [ بيران ] في إيران مبعداً عن السليمانية بعد أن استطاعت قوات الحكومة وبمساعدة القوات البريطانية قمع الثورة الأولى التي قادها وأجبرته على مغادرة العراق .
وفي ظل تلك الأحوال التي سادت السليمانية شعر الحفيد أن الظروف قد أصبحت مواتية له لكي يعاود الثورة من جديد حيث تحرك عبر الحدود نحو السليمانية مع عدد كبير من أتباعه المسلحين وأخذ يستجمع المسلحين من أتباعه داخل العراق ،كما انظم إليه ثلاثة من الضباط الأكراد وهم الملازم الأول [ محمد جودت ] والملازم [حميد جودت ] والملازم [كامل حسن ] .
واستطاعت قوات الحفيد احتلال منطقة [شهر بازار ]،وبعث بمذكرة إلى المندوب السامي البريطاني يطالبه بإنشاء دولة كردية في منطقة كردستان تمتد من زاخو وحتى خانقين.
أنذرت الحكومة العراقية الشيخ الحفيد بوجوب مغادرة العراق ،وسحب عناصره المسلحة ، والعودة إلى إيران والتمسك بالتعهد حسب الاتفاق المعقود مع الحكومة على أثر انتهاء الثورة الأولى والا فإن الحكومة ستتخذ الإجراءات العسكرية اللازمة ضده.
لكن الشيخ الحفيد تجاهل الإنذار ،ومضى في توسيع منطقة سيطرته على مناطق واسعة من كردستان ، مما دفع الحكومة إلى الطلب من المندوب السامي أن يوعز للقوة الجوية البريطانية للتهؤ لمهاجمة الثوار في منطقة بنجوين .
وفي الوقت نفسه قامت الحكومة بتجريد حملة عسكرية كبيرة واستطاعت قوات الحكومة في النهاية فرض سيطرتها على مناطق كردستان .
وتلى ذلك الثورة التي قادها الشيخ أحمد البارزاني في كانون الأول عام 1930 والتي قمعت بقسوة أيضاً بعد أن شنت الحكومة العراقية حملة عسكرية بمساعدة القوات والطيران الحربي البريطاني .
لكن الشعب الكردي عاود الكرة لاستعادة حقوقه القومية حيث تولى قيادة حركة التحرر المناضل مصطفى البارزاني والتي استمرت حتى نهاية تشرين الأول 1930 بعد أن استطاعت قوات الحكومة بدعم من البريطانيين قمعها بقوة السلاح .
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتهت بسقوط الإمبراطوريات الألمانية والإيطالية واليابانية عام 1945 ، وقيام نظام عالمي جديد على أثر مؤتمر [ سان فرنسيسكو] وتشكيل منظمة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم ، وجاء ميثاقها مؤكداً في ديباجته على حق الشعوب صغيرها وكبير ها في تقرير المصير فكانت خير مشجع للشعوب المضطهدة على النهوض من جديد لاستعادة حريتها ، وبدأت مرحلة جديدة وجدية من نضال الشعب الكوردي ، وأخذت المسألة الكردية حيزاً بارزاً في قضايا الشرق الأوسط .
كما كان لصدور القرار رقم 1514 في 14 كانون الأول عام 1961 الخاص بإعلان حق البلدان والشعوب المستعمرة في الاستقلال تأثير بارز لتصاعد حركة التحرر الكردية .
وعلى الرغم من أن الحكومة كانت قد قضت على الثورة التي قادها الشيخ أحمد البارزاني ،غير أن بذور الثورة وعنفوانها كانت ما تزال باقية لتفعل فعلها في المجتمع الكردي حتى تجد لها الظروف المناسبة لتنطلق من جديد ، ومما ساعد في ذلك تجاهل الحكومة لأسباب قيام الثورة وسبل معالجتها بما يوفر الحد الأدنى من طموحات الشعب الكردي .
لم تهدأ الحركة الكردية رغم ما أصابها على يد الجيش العراقي ،وازداد إصرار أبناء الشعب الكردي على نيل حقوقهم القومية ،ومطالبتهم بتخصيص نسبة عادلة من موارد الدولة لتنمية المنطقة الكردية ،والنهوض بها من حالة التخلف ،والعمل على حل المشاكل المعيشية التي يعانون منها ،فتقدم مصطفى البارزاني بمطالب تضمنت ما يلي :
1 ـ تعيين موظفين إداريين أكراد في منطقة كردستان .
2 ـ تعين وكيل وزارة كردي لكل وزارة .
3 ـ اعتبار اللغة الكردية اللغة الرسمية في المنطقة الكردية .
4ـ إحداث وزارة تختص بشؤون كردستان .
5ـ إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين الأكراد الذين تم اعتقالهم بسبب القضية الكردية .
6 ـ القيام بحملة اعمار لمنطقة بارزان التي تعرضت للتدمير
7 ـ التعويض عن الأضرار التي أصابت المواطنين جراء القتال
8 ـ الإهتمام بفتح المدارس في سائر المناطق الكردية .
لكن الحكومة تجاهلت تلك المطالب ،ولجأت على الضد من ذلك إلى تصعيد مواقفها تجاه الحركة الكردية وقيادتها،وطالبت بتسليم كافة الأسلحة التي بحوزتها ،وتسليم عدد من المطلوبين الأكراد .
واندلعت الحرب من جديد في كردستان ووقعت معارك شرسة بين قوات الحكومة وقوات البيشمركة انتهت بإخماد الحركة بقوة السلاح ،وبدعم مباشر من سلاح الجو البريطاني واضطر مصطفى البارزاني ،وشقيقه الشيخ احمد البارزاني مع مجموعة من المقاتلين قدرت ب 560 مقاتلاً التسلل إلى إيران كما عبر الحدود المئات من العوائل الباززانية هرباً من بطش قوات الحكومة ،وبذلك انهارت الحركة الكردية،وتمكن الجيش من السيطرة على كامل منطقة كردستان.
وبدأت الحكومة بإحالة المشاركين في الحركة إلى المحاكم العرفية العسكرية ،حيث حُكم على مصطفى البارزاني وشقيقه الشيخ أحمد مع 35 فردا ً آخرين ،من بينهم 7 ضباط، بالإعدام ،وحُكم على 70 آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وعلى العديد من المشاركين الآخرين في الثورة لسنوات عديدة .
وبغية التخفيف من الحالة المأساوية التي أفرزتها الحرب ، بادرت الحكومة إلى إصدار عفو عن السيد احمد البارزاني والمواطنين الكورد الذين دخلوا الأراضي الإيرانية ، وبالفعل عادت العوائل الكردية برفقة الشيخ احمد ، كما عاد الضباط الذين شاركوا في الثورة .
لكن الحكومة بادرت إلى إلقاء القبض على الضباط الشهداء [مصطفى خوشناو] و[عزت عزيز] و[خير الله عبد الكريم] و[محمد القدسي] ، وجرى إعادة محاكمتهم من جديد حيث قررت المحكمة العسكرية تثبيت حكم الإعدام بحقهم ، وجرى تنفيذ حكم الإعدام بهم .
وقد اعتبرتهم قيادة ثورة الرابع عشر من تموز 1958 شهداء الوطن ،وتقرر منح عوائلهم تعويضاً ورواتب تقاعدية .
أما القائد مصطفى البارزاني فقد توجه يرافقه 560 من رفاقه المقاتلين البارزانيين نحو الحدود السوفيتية تلاحقهم قوات الجيش بوابل من القذائف والرصاص من قبل القوات الإيرانية والعراقية والتركية ، لكنهم استطاعوا بصعوبة بالغة من عبور نهر آراس الفاصل بين الحدود الإيرانية والسوفيتية والوصول إلى الاتحاد السوفيتي بصعوبة بالغة.
لكن طموح الشعب الكوردي في نيل حقوقه المشروعة ظل يروده ، كما عزز كفاح الشعب الكردي لنيل حقوقه القومية التطور الجديد على مبدأ حق الأمم في تقرير المصير الذي انعكس في الوثائق الهامة التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة عام 1948. فقد صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الدورة الثالثة للجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة في 10 كانون الأول من هذا العام .
وجاءت ثورة 14 تموز التي قادها الزعيم عبد الكريم قاسم ، والموقف الذي وقفه تجاه حقوق الشعب الكردي ، والتأكيد عليها في الدستور المؤقت ، ودعوته للقائد البارزاني وصحبه للعودة إلى الوطن واستقبالهم شعبياً ورسمياً ، وتكريم الزعيم عبد الكريم للسيد البارزاني ،لتعطي أملاً كبيراً بتحقيق طموحات الشعب الكردي ومنحته زخماً قوياً في هذا السبيل.
لكن الذي يؤسف له أن ثورة تموز تعرضت لمؤامرات واسعة ومتعددة من قبل الإمبريالية وحلفائها البعثيين والقوى القومية ووقوع السلطة وسائر الأحزاب الوطنية بأخطاء جسيمة كانت سببا في اندلاع الصراع المسلح بين السلطة والقيادة الكردية .
وفي اعتقادي أن وقوع ذلك الصراع كان خطأ استراتيجياً فادحاً أضر ليس فقط بالشعب الكردي وقضيته العادلة ، بل أضر بمجمل الشعب العراقي والحركة الوطنية ومهد السبيل لأغتيال ثورة 14 تموز ، ومجئ حزب البعث إلى السلطة إثر انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 وما جرى على أيدي البعثيين من ويلات ومصائب وحروب وتنكيل وإعدامات ملأت القبور الجماعية بخيرة أبناء الشعب العراقي عرباً وأكراداً وسائر القوميات الأخرى منذ ذلك الحين وحتى سقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان 2003 ، وما تزال المصائب تتولى على شعبنا من تلك العصابة الإرهابية حتى يومنا هذا.
لقد أصبح حق تقرير المصير للشعوب والأمم أحد أهم المبادئ المتعارف عليها في القانون الدولي المعاصر ، وله الخاصية القانونية التي تمتلكها المبادئ الأخرى المتعارف عليها في المحافل الدولية ، وأخذ دور وأهمية القانون الدولي يزداد في عصرنا الحالي حيث أصبح مبدأً عالمياً ، وركيزة قوية لتنظيم العلاقات الدولية .
وعلى هذا الأساس فإن الدول التي تقتسم كردستان اليوم ، والتي هي أعضاء في هيئة الأمم المتحدة ، وتترتب عليها التزامات بالقواعد الأساسية للعلاقات والقوانين والمواثيق الدولية ، وتمسكها بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة قد ألزمت نفسها شاءت أم أبت باحترام حقوق الشعب الكردي في تقرير مصيره على نطاق الدول منفردة أو مجتمعة وبعكسه فإنها تُعتبر بالضرورة المنطقية والقانونية قد خرقت ميثاق هيئة الأمم المتحدة ومبادئها الأساسية .
إن حق تقرير المصير يعني أن لكل أمة الحق في الحاضر والمستقبل بتقرير مصيرها السياسي بحرية كاملة بما في ذلك حق الانفصال وتأسيس دولتها المستقلة ، ولها حق الاختيار الحر للإنظمام إلى أية دولة أخرى باتحاد فيدرالي، والتصرف في شؤونها الداخلية بما يؤمن الظروف لتطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي شرط أن لا تخل بحقوق الأمم والقوميات الأخرى .
ولا شك أن الشعب الكردي القاطن في أجزاء كردستان تتمثل فيه شروط الأمة الواحدة ، فالكورد لهم أرض مشتركة على الرغم من تجزأتها من قبل الأمبرياليين القدامى والجُدد ، ولهم تاريخ مشترك ولغة مشتركة وعادات وتقاليد مشتركة ومن حقهم التوحد وإقامة دولتهم فوق أرضهم كردستان الكبرى بموجب القانون الدولي ، وشرعة الأمم المتحدة شرط توفر الظروف اللازمة ، مع الأخذ في الاعتبار مصلحة الشعب الكردي في المرحلة المعينة من حيث الظروف المحيطة به تجنباً للمخاطر التي قد تنشأ والتي يمكن تنعكس سلباً على أوضاعه الحالية والمستقبلية .
ويشير لنين إلى مسألة الانفصال السياسي للأمة واستقلالها بالقول :{ إن المطالبة بحق تقرير المصير لا يعني بالضرورة المطالبة بالانفصال والانقسام ، وظهور دويلات صغيرة ، بل تعني الإعراب عن نضالها المتواصل ضد الاضطهاد القومي،وعدم المساواة}.
إن الأسلوب الواقعي لحل المسالة القومية الكوردية اليوم ينبغي أن يكون تدريجياً ، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الداخلي ومراعاة الحالة الدولية الراهنة في الشرقين الأدنى والأوسط والتعامل مع الشعوب التي لا تعادي القومية الكردية بروح من التفاهم و التعاون البناء والاحترام المتبادل لحقوق وحريات الطرفين بما يحقق طموحات الشعب الكردي المشروعة .
لكن الشعب الكردي يملك كل الحق في الكفاح ،وبكل الوسائل والسبل ، إذا ما تم تجاهل حقوقه المشروعة وسيجد أن كل القوى الديمقراطية المؤمنة بحق الشعوب في الحرية تقف إلى جانبه في نضاله العادل من أجل الحرية ، وتقدم له كل الدعم والمساندة في هذا السبيل .
لقد أكدت الأحداث التاريخية التي مرت على العراق منذ تأسيس ما يسمى بالحكم الوطني والتي جرى فيها تجاهل الحقوق المشروعة للشعب الكردي من قبل الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم ولجوئها إلى استخدام القوة المسلحة لإخضاع الشعب الكردي وحركته التحررية ، وقوف الشعب العراقي إلى جانب شقيقه الشعب الكردي الذي كان هو الآخر يعاني من تجاهل السلطات الحاكمة لحقوقه وحرياته العامة ، بل لقد شاركت تلك القوى مشاركة فعّالة في الكفاح المسلح ضد حكم الطاغية صدام حسين مدركة إن الشعب الذي يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً .
إن المرحلة الحالية من تاريخ حركة التحرر الكردية اليوم ، وفي ظل هذه الظروف القاسية والمخاطر الجسيمة المحدقة بالعراق وشعبه بمختلف قومياته وأديانه وطوائفه تتطلب من قيادة حركة التحرر الكردية أن تركز جهدها على إقرار وتنفيذ الفيدرالية لكردستان والديمقراطية للعراق ،بشكل متلازم ، وليكن معلوماً أن الديمقراطية هي الضمان الوحيد لتطبيق الفيدرالية وديمومتها .
إن العراق يمر بأخطر مرحلة في كل تاريخه حيث تتكالب القوى البعثفاشية وحلفائها الظلاميين من أجل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، وعودة فردوسهم المفقود بسقوط النظام الديكتاتوري البغيض الذي جثم على صدور المواطنين العراقيين جميعاً، وزج بالبلاد بحروب كارثية ، داخلية وخارجية أودت بحياة مئات الألوف من المواطنين ناهيك عن مئات الألوف من الأرامل والأيتام ، والمعوقين ، ونكّلَ بالمعارضين لحكمه الفاشي البشع وملأ القبور الجماعية بمئات الألوف من خيرة مواطنينا الوطنيين .
إن هؤلاء القتلة الذين يمارسون اليوم الجرائم البشعة بحق شعبنا من تفجير السيارات المفخخة ، والعبوات المزروعة في الشوارع والطرق ، والاغتيالات وخطف المواطنين وقطع رؤوسهم بأسلوب رهيب ويدمرون المرافق العامة والبنية التحتية للعراق أنما يستهدفون عودة نظام القبور الجماعية والحروب الكارثية من جديد ، وهم اليوم وقد امتلأت قلوبهم حقداً على شعبنا ،إذا ما قُدرَ لهم العودة للحكم من جديد قد عقدوا العزم على أن ينتقموا من شعبنا أشنع انتقام. أنهم مستعدون كسيدهم الجلاد صدام حسين بقتل الملايين من المواطنين انتقاماً من الشعب الذي ناضل طويلاً من أجل التخلص من نظامه البشع ،وعبّرَ عن بهجته في سقوطه يوم التاسع من نيسان 2003، وكان يتمنى لو تم إسقاط النظام من قبله ، وسوف لن يغفر أيتام النظام الصدامي للشعب الكردي موقفه من ذلك النظام الكريه ولن يتركوه وشأنه .
وعليه فإن الحرص على إفشال خطط الإرهابيين المجرمين أيتام النظام الصدامي وقمع تحركاتهم ، والتخلص من شرورهم يصب تماماً في خانة مصلحة الشعب الكردي ومستقبله ، وفي مصلحة الشعب العراقي عامة ، وعليه فإن الأمر الأهم لشعبنا بكل مقوماته القومية في هذه المرحلة الخطيرة التي يمر بها اليوم هو النضال المشترك وبكل فاعليه ، ومن خلال جبهة موحدة ، من أجل تحقيق نظام حكم فيدرالي ديمقراطي تعددي ، وضع وإقرار دستور دائم في البلاد ،يُقرُ مبدأ الفيدرالية ويتضمن القيود الصارمة لمنع أي تجاوز على النظام الديمقراطي ، أو انتهاك الدستور والتلاعب بمواده المتضمنة حقوق وحريات المواطنين ، وحرية النشاط الحزبي والنقابي ، واحترام حرية الصحافة ، وذلك من خلال تشكيل محكمة دستورية عليا مستقلة تمام الاستقلال عن أية ضغوط ، ومن أي جهة أو سلطة كانت . إن الديمقراطية هي الضمان الوحيد لحماية النظام الفيدرالي المنشود ، وتعزيز الأخوة العربية الكردية ونضالها المشترك .
إن قيام وتثبيت ونجاح الفيدرالية في كردستان ينطوي على أهمية كبرى بالنسبة للشعب الكردي في أجزاء كردستان الأخرى حيث سيكون الحافز الأكبر لتحقيق طموحاته في الوصول إلى ما تم تحقيقه في كردستان العراق من تقدم وتطور في مجال الحقوق القومية والوطنية ، وسيكون بكل تأكيد حصول الشعب الكردي على حقه في الفيدرالية إسوةً بإخوته في العراق خطوة هامة في الطريق من أجل تحقيق حلم الشعب الكردي في قيام دولة كردية موحدة وبأسلوب ديمقراطي حضاري .
في الآونة الأخير ظهرت دعوات في صفوف الشعب الكردي لإجراء استفتاء حول الانفصال عن العراق وإقامة دولة كوردية مستقلة في كردستان العراق ،وبالفعل جرى استفتاء يوم الانتخابات ، وعلى الرغم من إيماني بحق تقرير المصير للشعوب ، ومنها الشعب الكردي ، إلا أنني اعتقد إن هذه الخطوة وفي هذا الوقت بالذات لا تخدم بأية حال من الأحوال القضية الكردية ، بل تزيدها تعقيداً وتشكل خطورة بالغة ليس على مستقبل الشعب الكردي فحسب ، بل والشعب العراقي بوجه عام حيث يواجه اليوم أشرس حملة فاشية معادية للديمقراطية وحقوق الإنسان ، وترمي إلى إعادة نظام البعث الفاشي والظلامي للعراق ، وعليه فإن السبيل الوحيد المتاح اليوم للشعب العراقي بعربه وكورده وسائر قومياته الأخرى هو الجبهة الوطنية الديمقراطية الموحدة للتصدي لهذه القوى الفاشية التي تتربص بالجميع ولا تخفي حقدها الشديد على الشعب الكردي بوجه خاص ، وإقامة النظام الديمقراطي الفيدرالي الموحد الذي يحفظ للشعب الكردي حقوقه القومية والوطنية بكل تأكيد.
كما أن من المهم أن ندرك أن أسلوب حرق المراحل واستعجال تحقيق الهدف الاستراتيجي الكبير والمشروع في إقامة دولة كردستان الكبرى من دون تحقيق الظروف الموضوعية الضرورية في سائر منطقة كردستان الكبرى لا يخدم القضية الكردية أيضاً، بل ينطوي على مخاطر كبيرة ،ونتائج سلبية على مستقبل الوحدة الكردية الكبرى ،وقد تستمر لزمن طويل .
وسيبقى طموح الشعب الكردي في الوحدة وتأسيس كردستان الكبرى الحلم الأكبر بالنسبة له، وسيقف بكل تأكيد كل الديمقراطيين الحقيقيين المؤمنين بحق تقرير مصير الشعوب ،وحقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1948 إلى جانب نضاله وطموحه وخياراته المشروعة .
حامد الحمداني
12/6/2005
التسميات:
بحوث سياسية

0 التعليقات: