عدد الزائرين للموقع

Web Hit Counter

المواضيع ألعشرة الأخيرة
معالم وشخصيات تأريخية
حقيبة الكـتب

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
احصائية الموقع
عدد مواضيع المدونة: 654
عدد تعليقات المدونة : 8

المتواجدين :

السبت 5 نيسان 2025 م - 6 شوال 1446 ھ   10:54:44 مساءا

في الذكرى التاسعة والعشرين لحرب أكتوبر

حامد الحمداني
منذُ أن حلت نكبة 5 حزيران عام 1967 ، والتي انتهت باحتلال إسرائيل لكامل الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية ، وصحراء سيناء المصرية ، وفقدان مصر وسوريا معظم سلاحهما الجوي ،ومدرعاتهما ،كان هدف القيادتين، المصرية والسورية، العمل على إعادة تسليح الجيشين من جديد ، وإعدادهما للمعركة المقبلة ، يقيناً أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة .


لقد أعلن عبد الناصر شعاره المعروف { إن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة } ، وعلى ذلك كان إعادة بناء الجيشين هو الهدف الأول للقيادتين المصرية والسورية، مسخرين كل إمكانيات البلدين المادية والبشرية لهذا الهدف .


كان عبد الناصر يشعر بمرارة الهزيمة ، وكان تصميمه على إزالة آثار العدوان ، الذي لحق بالأمة العربية في تلك الحرب التي كان يحلوا لإسرائيل أن تسميها ب[حرب الأيام الستة]، إمعاناً في إذلال العرب ، وإشعارهم بضعفهم ، وبقدرة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر !! ، وهذا بالطبع عنصر هام في الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل ضد العرب .


لقد صمم عبد الناصر على إزالة آثار العدوان الإسرائيلي ، وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وكان قادة مصر وسوريا ، وبمساعدة الاتحاد السوفيتي اللامحدودة ، يعملون الليل والنهار من أجل إعادة بناء الجيشين ، وتجهيزهما بأحدث الأسلحة والمعدات وأعقدها ، وتدفق الخبراء السوفييت على مصر وسوريا ليساهموا في تدريب الجيشين على الأسلحة الحديثة تلك ، ولم يمضِ سوى عام واحد على الهزيمة حتى كان الجيشان المصري والسوري قد استعادا قوتيهما ، وأسلحتهما، وأصبح الجيش المصري قادراً على تحدي الجيش الإسرائيلي .


وكان أمام الرئيس عبد الناصر مهمة خطيرة وشاقة ، إلا وهي رفع معنويات الجيش المصري ، بعد تلك الهزيمة المرة ، ومجابهة الحرب النفسية التي كانت تشنها إسرائيل على الجيش المصري باستمرار ، وإشعاره بضعفه ، ووجد عبد الناصر أن السبيل إلى ذلك هو قيام الجيش المصري بحرب الاستنزاف ضد قوات إسرائيل ، عبر قناة السويس ، والقيام بعمليات [ كوماندوس ] ضده ، وكان يرمي في ذلك إلى إفهام إسرائيل أن مصر قد استعادت قوتها ، وأنها قادرة على التحدي ، وأن باستطاعة الجيش المصري أن يحقق الأهداف المرجوة في إزالة آثار العدوان ، كما يهدف إلى إفهام الولايات المتحدة ،أن العرب لن يصبروا على الاحتلال والعدوان ،وأنهم عازمون على مقاومته بكل الوسائل والسبل .


وهكذا أصدر عبد الناصر أوامره للجيش المصري بالمباشرة في حرب الاستنزاف ، عبر قناة السويس، وانطلقت المدافع والصواريخ المصرية نحو القوات الإسرائيلية المرابطة على طول القناة ، وردت عليها القوات الإسرائيلية بالمثل ، وبدأت معنويات القوات المصرية تتصاعد ، ويتصاعد معها حماسها وحماس الشعب المصري للاندفاع ، ومنازلة العدو الإسرائيلي لإزالة آثار العدوان .


واستمرت حرب الاستنزاف ، وأخذت تتسع يوماً بعد يوم ، وكلما مرت الأيام ازدادت شراسة ، مما دفع بإسرائيل ، التي لا تستطيع تحمل حرب استنزاف طويلة الأمد ،إلى اللجوء إلى الطائرات الحربية لضرب العمق المصري وإنزال أقصى ما يمكن من الخسائر المادية والبشرية بالسكان ، بغية إثارة الرعب في نفوس الشعب المصري .


وفي تلك الأيام ظهر عجز في الدفاعات الجوية المصرية في العمق ، حيث ركز الجيش دفاعاته الجوية على طول جبهة الحرب ،على امتداد قناة السويس .


كانت الطائرات الإسرائيلية تهاجم أهدافها على ارتفاعات واطئة ، تجنباً للصواريخ المصرية ، المخصصة للأهداف العالية ، ووجد عبد الناصر أن جيشه بحاجة إلى نوع جديد من الصواريخ الخاصة بالأهداف الواطئة [ سام 3 ] ، وتقدم بطلب إلى السوفييت لتزويده بها ، ورد السوفييت انهم مستعدون لتزويده بها ، لكن التدريب عليها كان يتطلب مدة 6 أشهر ، ولما كانت المعارك قد احتدمت ، فلا يعقل الانتظار طيلة هذه المدة ، وعليه قرر الرئيس عبد الناصر القيام برحلة عمل سرية إلي موسكو لإجراء مباحثات مع القادة السوفييت حول الموضوع .


وفي موسكو، أجرى عبد الناصر مباحثات مستفيضة حول الوضع العسكري ، ووجد أن لا مفر من أن يطلب من القادة السوفييت إرسال صواريخ سام 3 ، مع أطقمها من العسكريين السوفييت ، وطائرات مع طياريها لحماية العمق المصري .


فوجئ القادة السوفيت بطلب عبد الناصر ، وطلبوا إمهالهم بضع ساعات لتدرس اللجنة المركزية الطلب ، وعقدت اللجنة المركزية اجتماعاً ، بحضور مارشالات الاتحاد السوفيتي ، وقرر المجتمعون السوفييت الاستجابة لطلب الرئيس عبد الناصر، وتم إبلاغه على الفور ، وبدأت صواريخ سام 3 ، والطائرات الحربية مع أطقمها تنقل على عجل إلى مصر ، وتم نصب الصواريخ في المناطق الحساسة في العمق المصري ، وخاصة في قاعدتي [ جانالكس في الدلتا] ، و[المينا في الصعيد] ،وهكذا بدأت الطائرات الإسرائيلية ، التي كانت تقصف وتعود سالمة فيما مضى ، تتهاوى الواحدة بعد الأخرى.


دهش الإسرائيليون لهذا التطور المفاجئ في مجرى الحرب ، حيث خسرت إسرائيل أعداداً كثيرة من الطائرات المغيرة ، حتى وصل الأمر بوزير خارجيتها أن صرح لصحيفة الديلي هيرلد تربيون قائلاً: [إن السلاح الجوي الإسرائيلي قد بدأ يتآكل ] ، وقررت إسرائيل على الأثر إيقاف غاراتها الجوية على العمق المصري ، في 18 نيسان 1970 .


ونظراً لتطور الأحداث واشتداد حرب الاستنزاف ، بادرت الولايات المتحدة إلى تقديم مبادرة جديدة في 6 أيلول 1970 ،[ مبادرة روجرز] تتضمن وقف حرب الاستنزاف لمدة ثلاثة أشهر ، والبدء بإجراء مفاوضات بين مصر وإسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة ، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242 ، وقام وزير الخارجية الأمريكية بتقديم المشروع إلى الرئيس عبد الناصر والذي عُرف مشروع ب[ روجرز].


وفي مصر جرى تدارس المشروع من قبل القيادة المصرية ،وأرتأ عبد الناصر أخذ فرصة للتشاور مع القادة السوفييت في الأمر ، وعليه غادر في زيارة عمل سرية إلى


موسكو، والتقى بالقادة السوفييت ، وتدارس الأمر معهم ، وتم الاتفاق على قبول المشروع ،وإعطاء فرصة للسلام من جهة ،ولإكمال استعدادات الجيش المصري ، وتدريب كادره على بطاريات صواريخ سام 3 الضرورية لحماية العمق المصري .وهكذا أعلن عبد الناصر ، بعد عودته إلى مصر عن قبوله بمبادرة روجرز مبرراً قبوله بثلاثة أسباب :


1 ـ التطور في موازين القوى لصالح مصر .


2 ـ الحرص على عدم وقوع مواجهة بين الجبارين .


3 ـ تحديد وقف حرب الاستنزاف بثلاثة اشهر تتيح له الفرصة للحشد .


وقد دعا الولايات المتحدة إلى القيام بدور فاعل لدفع إسرائيل للالتزام بالقرار 242، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة،وقد أعطت فترة وقف حرب الاستنزاف المجال للجيش المصري لإكمال تنظيم وتدعيم دفاعاته في العمق المصري وعلى الجبهة ، فقد كان عبد الناصر يعلم أن القوة وحدها هي التي تزحزح إسرائيل من قناة السويس وصحراء سيناء ، وبقية الأراضي العربية المحتلة .






حكام العراق البعثيين ،وعبد الناصر :






لم يكد عبد الناصر يعلن قبوله مبادرة [ روجرز ] ، ووقف حرب الاستنزاف لمدة ثلاثة أشهر ، حتى بادر حكام العراق بمهاجمة عبد الناصر ، وموجهين إليه أبشع النعوت ، من الإنخذالية ، والانهزامية والخنوع الإمبرياليين والصهاينة ، ومزايدين على القضية الفلسطينية ، وهم الجالسون على بعد 1000كم من ساحات الحرب وحدود إسرائيل ، معلنين الحرب الكلامية ، عبر إذاعتهم وتلفزيونهم وصحافتهم ، مدعين الحرص على قضايا العرب المصيرية . واستمروا على سلوكهم هذا حتى يوم 28 أيلول 1970 ، ساعة إعلان خبر وفاة الرئيس عبد الناصر بصورة مفاجئة ، وقيل أن الوفاة كانت بسبب نوبة قلبية حادة داهمته ، ولإنزال الشكوك تدور حول حقيقة تلك الأزمة القلبية حتى اليوم .


لقد كانت وفاة عبد الناصر في تلك الأيام الحاسمة من أيام الصراع العربي الإسرائيلي


خسارة كبرى لمصر وسائر العرب الذين أصيبوا بصدمة عنيفة لم يعرفوها من قبل ، فقد كانت الأمة العربية بأحوج ما تكون في تلك الأيام لعبد الناصر ، ولاسيما وأن مصر وسوريا كانتا على أبواب الحرب مع إسرائيل ، وكان حلم عبد الناصر أن يحقق النصر المنشود ، الذي سخّر له كل وقته وإمكانياته ، وتنفست إسرائيل الصعداء بخبر وفاة عبد الناصر ، بل كان ذلك اليوم عيداً كبيراً لها ، يفوق عيدها حينما ألحقت الهزيمة بالعرب في حرب حزيران عام 967 .


كما ابتهجت الإمبريالية لمغادرة عبد الناصر الساحة ، بعد سنوات من الصراع خاضتها ضد الأمة العربية ، منذُ تأميم قناة السويس ، والعدوان الثلاثي على مصر ، والنهوض الثوري في العالم العربي ، الذي أحدثته حركة التحرر العربي التي قادها عبد الناصر، رغم كل الأخطاء التي وقع فيها ، والتي لو لم تقع لكان الحال قد تغير كثيراً بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي ، والصراع العربي مع الإمبريالية ، وبشكل خاص موقف الرئيس عبد الناصر من قائد ثورة 14 تموز ، عبد الكريم قاسم ، فقد كانت الظروف تقتضي ، بل تحتم تعاون مصر والعراق ، بقيادة ناصر وقاسم ، من أجل دفع حركة التحرر العربي إلى الأمام ، بدلاً من الصراع ، والأحقاد التي وصلت حد التآمر على الكيان العراقي ، وتأييد انقلاب 8 شباط الفاشي وما جره على العراق وشعبه من ويلات ومآسي ، والضرر البليغ الذي لحق بكفاح الأمة العربي للتحرر من ربقة الإمبريالية ، وتبين فيما بعد أن عبد الناصر كان ضحية خداع البعثيين ، وشريكهم عبد السلام عارف .


أحدثت وفاة عبد الناصر فراغاً كبير في مصر والعالم العربي ، على حد سواء ، في ظل ظروف بالغة الخطورة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي وقضية الإعداد للحرب التي كان عبد الناصر يدرك أن لا مفر منها بسبب التعنت والاستفزاز الإسرائيلي الوقح .ولذلك فقد كان من الأهمية بمكان ملئ الفراغ الذي أحدثه وفاة عبد الناصر المفاجئة بأسرع ما يمكن والسير قدما ًفي عملية التهيئة لحرب التحرير.


كان أنور السادات ،وقتذاك ، يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية ، وبموجب الدستور يتولى نائب الرئيس الحكم ، في حالة شغور منصب الرئاسة ، لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد من قبل مجلس الأمة ، وبترشيح من الاتحاد الاشتراكي .


وقبل إجراء الانتخاب كان هناك بالإضافة إلى السادات ، منافساً آخر ، هو [ حسين الشافعي ] ، أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952 ،ذو الاتجاه الإسلامي ، هذا بالإضافة إلى كتلة [ علي صبري ] الناصرية ، والممسكة بجميع المراكز العليا في الدولة ، من مجلس الوزراء ، ومجلس الأمة ، والاتحاد الاشتراكي ، وكان بمقدور هذه الكتلة أن تتحكم في منْ يخلف عبد الناصر ، لكن سوء تقديرهم لأنور السادات ، واعتقادهم أنه شخص ضعيف يسهل السيطرة عليه ، دفعهم إلى تأييد ترشيحه للرئاسة ، وهكذا كان ، وتم انتخاب أنور السادات رئيساً للجمهورية ، وهو لم يكد يصدق نفسه ، فقد كان يعرف مركزه تماماً ، ويعرف مركز مجموعة [ علي صبري ] ، وكانت تلك غلطة الناصريين الكبرى التي دفعوا ثمنها غالياً ، و دفعت الأمة العربية تبعاً لذلك مستقبلها ، الذي وضعه السادات رهينة بأيدي الأمريكيين لسنين طويلة .


أما أنور السادات فقد وضع نصب عينيه مسألة التخلص من الكتلة الناصرية بزعامة علي صبري، وبقية رفاق عبد الناصر ، والاستحواذ على السلطة كاملة وحدة ، بعيداً عن أي تأثير ، أو نفوذ لما كان يسميه ب[ مراكز القوة ] ، ولم تمضي مدة طويلة حتى تمكن السادات ، بدعم من قائد الحرس الجمهوري ، وعدد من كبار الضباط الموالين له ، من توجيه ضربته لمجموعة علي صبري ، وإزاحتها عن السلطة ، بل وزجها في السجون ، وليصبح بعد ذلك الحاكم المطلق للبلاد ، ويصفي كل آثار الناصرية ، بعد أن كان يقف خانعاً أمام عبد الناصر .






بعد أن تسنى للسادات تصفية القوى الناصرية ، وكتلة علي صبري ، أقدم على أخطر عملية تخص أمن مصر وشعبها ، وتخص قضية الحرب ، التي أوقف عبد الناصر حياته لأجلها ، فقد قرر السادات في تموز 1972 ،ودون سابق إنذار إخراج الخبراء السوفيت من مصر ، الذين كان ومازال لهم الدور الكبير في حماية مصر من قصف الطائرات الإسرائيلية ، ولهم الدور الأكبر في تدريب ، وإعداد الجيش المصري ليوم المعركة التي كان الشعب ينتظرها بفارغ الصبر ، ليثأر لكرامته التي امتهنت يوم 5 حزيران 967.






شكل القرار صدمة كبرى للشعب المصري ، وللحكومة السوفيتية ، بعد كل الذي فعلوه من أجل مصر والأمة العربية ، وتساءل الناس كيف يستطيع السادات محاربة إسرائيل المدعومة كل الدعم ، أمريكياً وقد جرد نفسه وبلده من سنده القوي الاتحاد السوفيتي ؟


وعلى كل حال فقد استجاب الاتحاد السوفيتي لقرار السادات ، وبادر إلى سحب خبرائه وقواته المتواجدة في مصر ، وكان ذلك موضع ترحيب من قبل الإمريكان واسرائيل خحيث اعتبرا ذلك العمل[بطولة!!] من السادات ، وبدأت الاتصالات تجري بين السادات ، و[كيسنجر] وزير خارجية الولايات المتحدة واليهودي المتعصب ، عبر الخط السري ، عن طريق مسؤول المخابرات الأمريكية في مصر ، وكانت الرسائل بين الطرفين تصل باسم [ حافظ إسماعيل ] مستشار السادات للأمن القومي .


غير أن تلك الرسائل لم تحقق أي مصلحة لمصر في تحرير أرضها ، وإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة ، ذلك أن كيسنجر لا يفهم سوى مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل ، القاعدة المتقدمة للإمبريالية الأمريكية والتي زرعتها في قلب الوطن العربي لتفصل مشرقه عن مغربه ومدتها بكل وسائل القوة لتتفوق على سائر البلدان العربية، وتكون سيفاً مسلطاً على رقاب العرب وحامية لمصالحهم النفطية في الخليج .






لم يكن بمقدور السادات أن يتخلى عن الهدف الذي كان يصبو إليه الشعب المصري وقواته المسلحة والذي أوقف عبد الناصر حياته لتحقيقه ، إلا وهو تحرير الأراضي العربية المحتلة ، ورد الكرامة العربية التي أهانتها إسرائيل في حرب حزيران 967 ، كما أن الجيش المصري كان قد وصل إلى أهبة الاستعداد لتنفيذ الإرادة الوطنية ، إذ لابدّ من قيام الحرب ،أو تقويض عرش السادات .


وهكذا اتخذ السادات قرار الحرب، ولكنه لم يكن يرمي إلى نفس الهدف الذي ناضل من أجله عبد الناصر ، بل كان يرمي إلى غايتين هما :


1 ـ التخلص من ضغط الجيش الذي كان ينتظر المعركة بفارغ الصبر ، والضغط الشعبي العارم ،والتواق للنصر على إسرائيل ،ورد كرامته المهانة .


2 ـ تحريك حالة اللا سلم واللا حرب ، وإيجاد الذريعة للتفاوض مع إسرائيل ، وعقد معاهدة سلام معها ، فلو كان السادات جاداً في حربه مع إسرائيل ، لما أقدم على إخراج الخبراء والعسكريين السوفييت من مصر قبيل الحرب ، وهو يعلم حق العلم أن الولايات المتحدة تقدم كامل الدعم إلى إسرائيل، ويجرأ على الاستغناء عن الدعم السوفيتي !!،الذي سعى بكل جهوده من أجل إعادة تسليح وتدريب الجيش المصري ما لم يكن يهدف إلى هدف آخر ، وهذا ما أفصح عنه لهنري كيسنجر في رسالته التي أرسلها له ولما يمضي على نشوب الحرب سوى 20 ساعة ، حيث أبلغه أنه لا ينوي تعميق الهجوم وتوسيعه ، وأنه يرمي إلى تحقيق السلام مع إسرائيل


لقد أراد السادات تلك الحرب أن تكون [ حرب تحريك ] لا حرب تحرير ، ليقول لشعبه وللأمة العربية أن العرب غير قادرين على محاربة إسرائيل والانتصار عليها وأن من الخير لهم أن يتصالحوا معها وهم خانعون !! .


هكذا إذاً قرر السادات أن يخوض الحرب ، وجري الاتصال مع الرئيس السوري حافظ الأسد ، واتفق معه على التنسيق بين الجيشين ، لكي يجعلا الجيش الإسرائيلي يحارب على جبهتين في آن واحد مما يجعل مهمة الجيش الإسرائيلي عسيرة . كما جرى الاتفاق على ساعة الصفر ، وهي الساعة الثانية بعد الظهر يوم الجمعة


لم يبلغ الاتحاد السوفيتي بساعة الصفر ، بل أكتفي السادات بإبلاغه عن عزم مصر على خوض الحرب مع إسرائيل .أما بقية البلدان العربية فلم يتم إبلاغ أي منه بالحرب بحجة السرية ومفاجئة إسرائيل ، وسواء كان ادعاء السادات صحيحاً أم لا ، فان الذي يقدم على خوض حرب كهذه ’ لا يمكنه أن يلجأ إلى تلك الخطوة الخطيرة بإخراج الخبراء والعسكريين السوفيت من مصر ، في وقت كانت فيه مصر بأحوج ما تكون إليهم ، مما يعطي الدليل القاطع بأن قرار الحرب الذي أتخذه السادات كان عملية تكتيكية هدفها تحريك الأوضاع وليس هدفاً إستراتيجياً يرمي إلى تحرير الأرض العربية المحتلة ، وهذا ما أثبته أحداث المتتالية ، منذُ اليوم الأول للحرب .


واندلعت الحرب ظهر السادس من اكتوبر عام 1973 على الجبهتين المصرية والسورية في نفس ا لوقت المحدد لها ، وانفع الجيشان المصري والسوري نحو المواقع الاسرائيلية على جبهة قناة السويس، وهضبة الجولان السورية المحتلة .


واستطاع الجيش المصري الشجاع تحقيق معجزة العبور نحو الضفة الشرقية للقناة بوقت قياسي ، وبخسائر لا تصدق ، فقد كان عدد الشهداء 64 ، والجرحى 420 جريحاً ، وإعطاب 17 دبابة ، و26 مدرعة ، وهذا العدد اقل بكثير جداً مما كان قد وضع في حسابات القيادة العسكرية .


وفي اليوم التالي ، 7 أكتوبر ، كان الجيش المصري قد وسع مناطق سيطرته شرق القناة حتى بلغت بعمق من بين 7ـ 9 كم . وفي هذا اليوم أتصل الرئيس السوفيتي برجنيف بالسادات مهنئاً إياه على العبور ، وأبلغه استعداد السوفييت لتقديم كل دعم ومساعدة يطلبها الجيش المصري .


أما على الجبهة السورية ، فقد انطلقت الطائرات ، والمدفعية ، والدبابات السورية نحو أهدافها في هضبة الجولان ، وتخطت التحصينات الإسرائيلية ، متقدمة نحو مدينة القنيطرة ، عاصمة الجولان .






لم يكد يوم واحد على الهجوم ، وكان الجيش المصري في كامل قوته ومعنوياته واندفاعه الشديد ، حتى بادر السادات بالاتصال بوزير الخارجية الأمريكية [ هنري كيسنجر ] ، عن طريق القناة السرية ،عبر المخابرات الأمريكية ، حيث أرسل مستشاره [ حافظ إسماعيل ] رسالة إلى كيسنجر يعلمه فيها بما يلي :


1 ـ إن هدف مصر هو تحقيق السلام مع إسرائيل .


2ـ إن مصر لا تنوي تعميق الهجوم ، وتوسيع المواجهة .


3 ـ إن مصر تطالب إسرائيل الإعلان عن قبولها مبدأ الانسحاب من الأرض المحتلة


4 ـ إن مصر توافق على حرية الملاحة في مضايق تيران .


وهكذا فاحت رائحة الخيانة منذُ بداية الحرب ، حيث وجه السادات خنجره إلى ظهر الجيش المصري ، وسلاح إسرائيل فوق رؤوس الجيش السوري ، فقد تلقف [ هنري كيسنجر ] رسالة السادات بفرح غامر ، وحولها إلى إسرائيل لكي تركز جهدها العسكري نحو الجبهة السورية ، بسبب خطورتها ، وقربها من العمق الإسرائيلي ، وبدأت القوات السورية تتلقى الضربات الإسرائيلية المركزة ، حيث دارت المعارك الشرسة بين الجيشين السوري والإسرائيلي ، وخسرت سوريا في معركة واحدة دامت بضع ساعات ، ما بين 400 ـ 600 دبابة، في حين أوقف السادات هجومه بحجة الوقفة التعبوية ، على الرغم من اتصال السوفييت به وإعلامه أن أقمارهم التجسسية قد اكتشفت أن إسرائيل قد سحبت معظم مدرعاتها من منطقة الممرات ، ولم يبقَ لها سوى لواءين مدرعين فقط ، وأن بإمكان الجيش المصري القضاء عليها بكل سهولة ، وبوقت قصير ، طالبين منه بإلحاح تطوير الهجوم ، والاستيلاء على الممرات ، ذات المواقع الإستراتيجي الهامة جداً بالنسبة للدفاعات المصرية التي يصعب على العدو اجتيازها ، وفي نفس الوقت تضطر إسرائيل إلى سحب قسم من مدرعاتها في مواجهة الجيش السوري ، مما يخفف الضغط عليه ، لكن السادات أغمض عينيه ، وصم آذانه عن سماع نصيحة الاتحاد السوفيتي !!، بل أنه واصل اتصالاته مع هنري كيسنجر حيث أرسل له رسالة أخرى في 10 تشرين الأول يبلغه فيها استعداده لوقف القتال ،إذا أعلنت إسرائيل استعدادها للانسحاب ، مع ضمان حرية الملاحة في مضايق تيران وقناة السويس،وإنهاء حالة الحرب معها وعقد معاهدة سلام بين الطرفين برعاية الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة الأمريكية






أما هنري كيسنجر فقد بعث إلى إسرائيل ، يطلب منها تطوير الهجوم المضاد ، وإحداث أوضاع جديدة في صالحها قبل انعقاد مجلس الأمن ، الذي سعى كيسنجر نفسه إلى تأخير عقدة لإتاحة الفرصة لإسرائيل لتحقيق مكاسب واسعة على أرض المعركة .


لقد قدم اللواء [ حسن البدري ] ـ رئيس مركز القيادة رقم 10 ـ في اليوم الثاني لنشوب الحرب [7 تشرين الأول ]، تقريراً للسادات طالباً فيه تطوير الهجوم والاندفاع نحو المضايق بأسرع وقت واحتلالها ، لإبعاد أي خطر محتمل عن الجيش المصري ، وأشار في تقريره أن الوقت الذي يضيع هو بكل تأكيد في صالح الجيش الإسرائيلي ، إلا أن السادات أغمض عينيه وصم آذنيه مرة أخرى ، ولم يأمر بتطوير الهجوم إلا يوم 14 تشرين الأول ، مانحاً إسرائيل الفرصة لتدمير الجيش السوري وإعادة حشد قواتها المدرعة بمواجهة الجيش المصري وإضاعة فرصة تاريخية في إمكانية دحر الجيش الإسرائيلي وبضغط من ضباط أركان جيشه ، أقدم السادات على الهجوم في 14 تشرين الأول ، وكانت إسرائيل قد أكملت حشد قواتها المدرعة ، بعد تحييد الجبهة السورية ، واستعدت كامل الاستعداد للهجوم المصري ، حيث وقعت معركة كبرى خسر فيها الجانب المصري ما يزيد على 240 دبابة حتى الظهر ، وفشل الهجوم ، واستغل الإسرائيليون ذلك الفشل بالتقدم وتطوير هجومهم المضاد ، حتى تمكنوا من خرق الجبهة المصرية ، ما بين الجيشين الثاني والثالث ، والتقدم نحو قناة السويس ، في منطقة [ الدفرسوار ] وتمكنت قواتهم من السيطرة على رأس جسر لها على القناة ، ونصب الجسور فوقها ، والعبور بدباباتهم يوم 15 تشرين الأول نحو الضفة الغربية للقناة ، حيث عبرت ما يزيد على 800 دبابة إسرائيلية ، وطوقت الجيش الثالث المصري ، ومنعت وصول الإمدادات الغذائية والمياه عنه وعرضته لمخاطر جسيمة ،وأعلنت رئيسة وزراء إسرائيل [ كولدا مائير] أن قواتها تحارب الآن غرب قناة السويس ، وأنها وصلت إلى الكيلو 101 عن القاهرة .كما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي أن قواته الآن في طريقها إلى دمشق.


أما السادات فقد أنكر ما جاء بخطاب رئيسة وزراء إسرائيل عندما أبلغه هيكل بذلك مدعياً أن ذلك لا يعدو عن كونه مسرحية إسرائيلية تستهدف إضعاف معنويات الجيش المصري، وادعى أن بضع دبابات إسرائيلية ربما تكون قد عبرت القنال سيجري تصفيتها بسهولة وبوقت قصير .


فقد أرسل رسالة أخرى إلى هنري كيسنجر ، في ذلك اليوم ، يبلغه برغبته في بقاء القناة مفتوحة مع الولايات المتحدة ، وأن لا أحد يستطيع التحدث باسم مصر [ يقصد الاتحاد السوفيتي ] وانه لا يريد إهانة إسرائيل !! وأنه يقدر جهود أمريكا لوقف القتال !! ، واخيراً وجه دعوة له لزيارة مصر ، مبدياً تصميمه على الابتعاد عن السوفييت !!.


وفي 16 تشرين الأول خطب السادات في مجلس الأمة ، مقدماً مشروعاً للسلام مع إسرائيل وكان يبدو متهالكاً على كسب ود الولايات المتحدة ، التي وضعت كل ثقلها لدعم القوات الإسرائيلية بالسلاح،ومشجعة إياها على مواصلة الهجوم المضاد .


وفي 17 تشرين الأول قررت الدول العربية المنتجة للنفط تخفيض إنتاجها بنسبة 5% فوراً ، وإضافة 5% كل شهر حتى تنسحب إسرائيل ، وقرر الملك فيصل ، ملك السعودية ،تخفيض إنتاج النفط بنسبة 10 % فوراً ، كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة ، لتضغط بدورها على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة ، وأدى ذلك الإجراء إلى حدوث ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية ، مما أثار غيض الولايات المتحدة ،معتبرة هذا القرار يشكل تهديداً خطيراً للمصالح الأمريكية ، مما لا يمكن السكوت عليه ،وقد دفع الملك فيصل حياته فيما بعد بسبب ذلك القرار .


أما هنري كيسنجر فقد طلب من إسرائيل حسم المعركة خلال 48 ساعة ، وأعلن أمام مجلس الأمن القومي الأمريكي أن الجيش المصري على حافة كارثة ، إلا أنه لا يريد أن تتحول هذه الكارثة على أنور السادات .






وفي ظل تلك الظروف البالغة الصعوبة بالنسبة للجيش السوري ، حيث بدأ موقفه يضعف شيئاً فشيئاً أمام القوات الإسرائيلية ، على الرغم من إسراع الاتحاد السوفيتي إلى تعويض خسائره من الأسلحة الثقيلة والمعدات ، فقد أبدى استعداده إلى إرسال 3 فرق مدرعة ، محمولة جواً إلى سوريا ، إذا ما أقدمت إسرائيل على مهاجمة دمشق .










حكام العراق والحرب :


لم يُبلّغ حكام العراق بقرار الحرب ، فقد كانت العلاقات العراقية المصرية ، والعراقية السورية على أسوأ حال ، فعلى الجانب العراقي السوري كان الصراع بين جناحي البعث في البلدين قائماً ومستمراً والعلاقات مقطوعة ، كما أن العلاقات على الجانب المصري كانت قد وصلت إلى أسوأ حال بسبب تهجم حكام العراق على مصر وعبد الناصر بسبب موقفه من مشروع روجرز ، عبر الإذاعة ، والتلفزيون والصحافة ، ولذلك فقد فوجئ العراق بوقوع الحرب ، عند ما أعلنت وكالات الأنباء قيامها ، وكان العراق آنذاك في شبه حرب استنزاف مع إيران ، بعد إقدام حكامه على إلغاء معاهدة عام 1937 مع إيران حول اقتسام مياه شط العرب ، كما أن أوضاع الحرب في كردستان قد أخذت جانباً كبيراً من الجيش العراقي ، ومع ذلك أرسل العراق عدداً من أسراب طائراته الحربية إلى مصر ، حيث شاركت منذُ اليوم الأول من الحرب فوق قناة السويس ، واستشهد عدد من الطيارين العراقيين في المعركة .


كما سارع العراق إلى الاتصال بالاتحاد السوفيتي ، طالباً منه الضغط على إيران لكي لا تستغل سحب قطعات من القوات العراقية وإرسالها إلى سوريا ، وبالفعل وجه الاتحاد السوفيتي تحذيراً إلى إيران من مغبة استغلال الظروف ، والاعتداء على العراق ، وحرك السوفييت بعض قطعاتهم الحربية نحو الحدود الإيرانية . وهكذا تسنى لحكام العراق إرسال المزيد من القوات العراقية إلى سوريا ، ولعبت تلك القوات دوراً مشهوداً في إيقاف زحف المدرعات الإسرائيلية نحو دمشق ، وأمنت لها الحماية ، بعد أن تعرضت لخطر كبير . غير أن الذي حدث بعد ذلك ، هو أن السادات أعلن قبوله وقف إطلاق النار من جانب واحد ،ودون استشارة سوريا، وحتى دون إعلام الرئيس حافظ الأسد بقراره المفاجئ ، متخطياً قرار التنسيق بين الجبهتين الذي قامت على أساسه الحرب ، مما جعل سوريا بموقف صعب للغاية ، إذ لم يعد بإمكانها الاستمرار بالحرب لوحدها ، لعدم وجود توازن للقوى بينها وبين إسرائيل ، مما أضطر الرئيس الأسد إلى القبول بوقف إطلاق النار مرغماً ، فقد كان الاستمرار في الحرب ، بعد خروج مصر منها، لا يعني سوى الانتحار لاغير .


بادر حكام العراق ، حال موافقة سوريا على وقف إطلاق النار ، إلى شن الهجوم على القرار ، متهمين القيادة السورية بالتخاذل ، وقرروا على الفور سحب قواتهم العسكرية وأعادتها إلى العراق ،معرضين سوريا لخطر جدي ، حيث كان وقف إطلاق النار هشاً ، وكانت إسرائيل قد خرقت قرار وقف إطلاق النار مع مصر وأخذت قواتها تتوسع إلى ابعد مسافة ممكنة ، حتى تمكنت من تطويق مدينة السويس ،وبذلك اصبح الجيش المصري الثالث في سيناء مطوقاً ، وبلغت القوات الإسرائيلية على مسافة 110 كم من القاهرة ، ولولا موقف الاتحاد السوفيتي الحازم من إسرائيل ، الذي وصل إلى درجة استعداده لإرسال قواته العسكرية إلى سوريا ومصر لردع الهجوم الإسرائيلي وإرساله على عجل 280 دبابة خلال 48 ساعة ، عن طريق ميناء الإسكندرية للدفاع عن القاهرة ، في وقت لم يكن لدى مصر سوى 72 دبابة فقط غرب القناة .


كما أعلن الرئيس اليوغسلافي[ تيتو ] عن إهداء مصر لوا ء مدرع كامل فوراً ، وسارعت الجزائر إلى إرسال لواء مدرع آخر إلى مصر فوراً ، وهكذا أصبح لدى مصر ، غرب القناة ، حوالي 800 دبابة مما خلق توازناً مع القوات الإسرائيلية التي عبرت القناة .






قرار مجلس الأمن بوقف الحرب :






في 22 تشرين الأول ، صدر قرار مجلس الأمن رقم 338 بوقف القتال ، وإجراء مفاوضات بين الطرفين المتحاربين ، وتم ذلك بعد مشاورات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ، حيث وصل هنري كيسنجر إلى موسكو وتباحث مع القادة السوفيت ، وتم الاتفاق على صيغة القرار المذكور .


إلا أن إسرائيل أخذت تخرق القرار وتحاول التوسع واحتلال المزيد من الأراضي ، حتى تمكنت من تطويق مدينة السويس وعزل الجيش الثالث المصري في سيناء ، مما أثار غضب السوفيت ، حيث سارع الرئيس السوفيتي [ برجنيف ] إلى الاتصال بالرئيس الأمريكي [ نيكسون ]، طالباً منه على الفور ، وخلال ساعتين ،إيقاف العمليات الحربية الإسرائيلية ، والعودة إلى خطوط 22 تشرين الأول مهدداً بالتدخل العسكري .






استمرت إسرائيل في عملياتها العسكرية ، وتوسعها ، ضاربة عرض الحائط بقرار مجلس الأمن مما اضطر [ برجنيف ] إلى إرسال إنذار شديد اللهجة إلى الولايات المتحدة جاء فيه :


{ إن استمرار العدوان الإسرائيلي سوف يسفر عن عواقب وخيمة ، إذا لم يتوقف على الفور ، ونظراً لأن إسرائيل لم تلتزم بقرار مجلس الأمن ، ونظراً لما يبدو من أن الولايات المتحدة تنقصها الرغبة في التعاون بفرض تطبيقه ، فإن الاتحاد السوفيتي سوف يقرر بنفسه منفرداً اتخاذ الخطوات الضرورية العاجلة لتأكيد احترام وقف إطلاق النار ، فلا يمكن لإسرائيل أن تفلت من مسؤولية انتهاكها له } .وعلى الفور أمر [ برجنيف ] 3 فرق محمولة جواً بالتهيؤ للطوارئ ، وتحرك أسطولهم في البحر الأبيض المتوسط .


وفي 25 تشرين الأول تقدم السادات بطلب إرسال قوات سوفيتية و أمريكية مشتركة


وفرض وقف إطلاق النار ، وإعادة القوات الإسرائيلية إلى مواقعها يوم صدور قرار مجلس الأمن ،في 22 تشرين الأول ، وقد أيد الاتحاد السوفيتي الطلب لكن الولايات المتحدة رفضته .


وبنفس الوقت أخذت القطعات البحرية السوفيتية تتحرك بسرعة نحو البحر المتوسط والبحر الأحمر وُوضعت القوات العسكرية في ألمانيا الديمقراطية في حالة الإنذارالقصوى وعلمت المخابرات الأمريكية بأن 22 طائرة نقل عسكرية من طراز [ انطونوف ] تحمل كل منها 200 جندي قد وصلت إلى [ بود بست ] في طريقها إلى مصر ، وكان ذلك يدل على أن الاتحاد السوفيتي يعني ما يقول .






ورداً على التحركات السوفيتية ، أعلنت الولايات المتحدة حالة التأهب القصوى في القوات المسلحة لدرجة 3 ، ووضعت القوات الإستراتيجية في حالة الإنذار ، وأخطرت الفرقة 82 المحمولة ، والمتواجدة في ألمانيا الغربية بالاستعداد للحركة ، وتم توجيه حاملة الطائرات [ روزفلت ] في إيطاليا ، وحاملة الطائرات [ اندرس ] في كريت، وحاملة الطائرات [ جون كندي ] في المحيط الأطلسي ، بالتوجه إلى البحر الأبيض المتوسط ، وأعلن كيسنجر أن أخبار تحرك قواتنا سوف تصل السوفيت قبل وصول ردنا عليهم ، مما يعني تحدي الولايات المتحدة للاتحاد السوفيتي .


وهكذا بلغ التوتر بين المعسكرين أقصى درجاته ، مهدداً في أي لحظة بنشوب حرب لا يعرف أحدٌ مداها ، ولاسيما وأن الترسانة النووية لكلا الطرفين باستطاعتها تدمير كوكبنا الأرضي ، تدميراً كاملاً .






وفي 1 كانون الأول جرى لأول مرة منذُ بداية الحرب ، بين الرئيس السوري حافظ الأسد ، والرئيس المصري أنور السادات ، في الكويت ، وجرى عتاب شديد من قبل الأسد على قرار السادات بوقف القتال دون استشارة سوريا ، وعدم قيام التنسيق المنشود والمتفق عليه بين الجبهتين ، وكذلك تقديم السادات مشروع السلام مع إسرائيل في 16 تشرين الأول .


وبالنظر للظروف الخطيرة التي كانت تمر بها سوريا ومصر قرر الرئيسان الاتفاق على فتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما .


وفي طريق عودته مرّ السادات بالسعودية والتقى بالملك فيصل ، وأقنعه بضرورة استقبال [هنري كيسنجر ] !!، حيث رفض الملك استقباله من قبل لكونه يهودياً يقف بكل قوته إلى جانب إسرائيل ، وكان حقد كيسنجر يغلي في صدره ، وأضمر للملك فيصل الانتقام المناسب ، فكان تدبير خطة اغتياله ، عقاباً له على تخفيض إنتاج النفط ، ورفض مقابلته له .






وفي 6 كانون الأول وصل إلى القاهرة ، وزير الخارجية الأمريكية [هنري كيسنجر] وبصحبته وفد كبير ، كان في طريقه إلى الصين ، وأجتمع على الفور بالسادات وتباحثا حول الوضع الراهن ، وفي المقدمة من ذلك تطورات الحرب .


وفي اليوم التالي ، 7 كانون الأول ، اختلى كيسنجر بالسادات لوحدهما لمدة ثلاث ساعات تم خلالها ترتيب الأمور مع السادات ، وجرى الاتفاق على إقامة علاقات إستراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة ، وتنسيقاً كاملاً معها في الشرق الأوسط وأفريقيا ، والاتفاق على قيام الولايات المتحدة بحماية نظام السادات ، وحمايته شخصياً .


كما جرى الاتفاق على خمس نقاط ، فيما يخص الحرب مع إسرائيل طرحها هنري


كيسنجر على السادات وتبين فيما بعد أن هذه النقاط الخمس كانت من وضع رئيسة وزراء إسرائيل [ كولدا مائير ] .


طلب السادات من كيسنجر أن تكون المقترحات مقدمة بأسم مصر ، وليس بإسم إسرائيل ،أو أمريكا !!لكي لا يحرج أمام الشعب المصري وبقية الشعوب العربية !!. كما طلب منه عدم التحدث عن موافقته على عبور السفن المتوجهة إلى إسرائيل من مضيق باب المندب الذي كانت مصر قد أغلقته عند بداية الحرب .


ويروي الأستاذ محمد حسنين هيكل ، عن اللقاء الذي جرى بين السادات وكيسنجر ، في الاجتماع المغلق كما يلي :


{ قال الرئيس السادات لهنري كيسنجر { إنني مندهش من المسائل التي بدأت في إثارتها في الاجتماع الموسع الذي جرى يوم أمس ،فأنت شغلت نفسك بمسائل من نوع فك الاشتباك ، وخطوط وقف إطلاق النار ، وغيرها من التفاصيل ، وأنا لأريد أن أناقش الأمور بهذا المستوى ،إنني أعرض اتفاقاً تاريخياً بين مصر والولايات المتحدة ، فأنا على استعداد لإجراء تغير كامل في السياسة المصرية في مقابل حل شامل لأزمة الشرق الأوسط !! ، إنكم تظنون أنني أحب السوفييت، وقد أرسلت لكم رسالة عندما طردت خبراءهم ، وعساكرهم في العام الماضي ، ومعنى ذلك أنني أكرههم أكثر منكم ولكنكم لم تفهموا الإشارة ولم تردوا عليّ ووصلت الأمور الى ما وصلت إليه يوم } .


وقد رد عليه كيسنجر وسأله عما يعنيه ، فكان جواب السادات: {أنا على استعداد لتغير توجهات السياسة المصرية 180ْ، إذا كنتم لا تريدون الروس في المنطقة ، فأنا لا أريدهم أكثر منكم ، وإذا كنتم تريدون إخراجهم ، فأنا أستطيع تحقيق هذا الهدف أحسن منكم ، وسوف أخرجهم عرايا ، كما ولدتهم أمهاتهم !! }.


وسكت السادات منتظراً رد فعل كيسنجر على عرضه ، وكانت المفاجئة أن أجابه كيسنجر :


{ سيادة الرئيس إنني لا أستطيع أن أفكر في سياسة مشتركة بعيدة المدى مهما بدت


مغرية لنا ،بينما سيف الحظر البترولي معلق فوق رؤوسنا ، ومضى يقول إن الضرر البالغ الذي أحدثه فرض حظر على تصدير النفط العربي إلى الولايات المتحدة على هيبة هذا البلد الكبير أولاً ، وعلى مصالحه الاقتصادية ودوره القائد في الاقتصاد العالمي ثانياً}.


وكان لكيسنجر ما أراد ، فقد سارع السادات بالطلب من الملك فيصل بإلغاء قرار فرض الحضر ، لصالح المعركة !! ، وقد أجابه الملك فيصل بأن عليه أن يقدم له طلباً كتابياً رسمياً يشير إلى أن إلغاء حضر البترول هو في صالح المعركة !!، وكان له ما أراد ، حيث تم إلغاء الحضر ، وإلغاء قرار تخفيض الإنتاج فيما بعد .


لقد تبدت خيانة السادات للقضية الوطنية والعربية منذُ اليوم الثاني للحرب ، عندما أوقف الهجوم ورفض تطويره ، واحتلال الممرات الإستراتيجية ، وترك سوريا تحت رحمة الضربات الإسرائيلية الجوية منها والمدرعة ، ضارباً عرض الحائط باتفاق التنسيق بين الجيشين ، ووصل به الأمر إلى وقف القتال دون أن يخبر الأسد ، وحتى عندما ألح عليه قادة جيشه بإبلاغ الأسد بالقرار أجابهم قائلاً: [ليخبرهم الروس بذلك ] !!! .






0 التعليقات:

ترجم الموقع
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean
ألباحث حامد الحمداني

تجد هنا أرشيف موقع حامد الحمداني
آخرالمواضيــع
مواقع مختارة
حقيبة الكـتب