عدد الزائرين للموقع

Web Hit Counter

المواضيع ألعشرة الأخيرة

معالم وشخصيات تأريخية

حقيبة الكـتب

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

احصائية الموقع

المتواجدين :

صدام يتصدر مزيفي التاريخ (هكذا جرى تدبير انقلاب 17 تموز 1968) - (2)


حامد الحمداني
بعد اطلاعي على الحلقات التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط عن التحقيقات التي أجرتها المخابرات الأمريكية مع صدام حسين بعد اعتقاله والتي ظهر بها صدام متصدراً لمزيفي التاريخ، والذي لم يقل الحقيقة في كل ما ذكر، وجد من الضروري أن أقدم للقراء هذه الحقائق عن انقلاب 17 تموز 1968، ومن يقف وراء الانقلاب ، وكيف جرى تنفيذه إنصافا للتاريخ .
 
أولاً: موقف الشعب العراقي من انقلاب 17 تموز 1968:قابل الشعب العراقي انقلاب 17 تموز بالقلق البالغ وعدم الارتياح، بسبب التاريخ الدموي للبعثيين، عندما جاءوا إلى الحكم إثر انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963، واغرقوا البلاد بالدماء، واستباحوا حرمات المنازل، وزجوا بمئات الألوف من الوطنيين في غياهب السجون، ومارسوا أبشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي ضدهم، وفصلوا عشرات الألوف من أعمالهم، ووظائفهم، ومدارسهم، وكلياتهم، وصفوا كل مكاسب ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.
وفي الوقت نفسه شعر البعثيون بالضعف، بسبب ابتعاد جماهير الشعب عنهم، ودفعهم خوفهم من فقدان السلطة إلى اللجوء إلى الأساليب الوحشية والعنيفة لإخافة القوى العسكرية والسياسية، ومنعها من القيام بأي تحرك ضد سلطتهم، وقد توجوا عملهم ذلك بحملة إعدامات وحشية لعدد من المواطنين، بتهمة التجسس للأجنبي!!، وتعليقهم بصورة وحشية في ساحة التحرير، فقد أعدم البعثيون 29 ضابطاً وضابط صف رمياً بالرصاص، بالإضافة إلى 12 مدنياً أُعدموا شنقاً.
كما أقدم البعثيون على إعدام 77 ضابطاً، في 7 شباط 1969، بتهمة الاشتراك في محاولة انقلابية مزعومة بقيادة الزعيم الركن عبد الغني الراوي، شريكهم في جريمة انقلاب 8 شباط 1963، والذي تمكن من الأفلات والهرب إلى إيران.
لقد جرت حملة الإعدامات تلك، بعد محاكمات صورية سريعة، من قبل طه ياسين رمضان،الملقب بالجزراوي، ولقبه الشعب العراقي بالجزار، وبمعيته عدد من أعضاء القيادة القطرية للحزب، وجميعهم لا يحملون أية صفة قانونية، وخلال دقائق معدودة كانت المحاكمات تجري وتصدر أحكامها، وتنفذ الإعدامات بالضباط المتهمين بالمحاولة الانقلابية المزعومة، وقد ظهر بعد ذلك أن العديد من أولئك المعدومين ثبت عدم تورطهم بأية محاولة انقلابية، وتم إرسال رسائل اعتذار إلى ذويهم !!.
وبصرف النظر عن صحة أو كذب وقوع تلك المحاولة، فقد كان هدف البعثيين إفهام القوى السياسية والعسكرية أن حزب البعث سوف يضرب بيدٍ من حديد كل من يفكر بالتصدي لحكمه، أو معارضته.
ثانياً:صدام حسين الشخصية الثانية في السلطة البعثية:عُرف صدام لدي الشعب العراقي لأول مرة عند اشتراكه في محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1959، وكان لا يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، حيث فشلت المحاولة، وهرب صدام ومعه عدد من زمرة الاغتيال إلى سوريا، ثم أنتقل منها إلى القاهرة، بضيافة الحكومة المصرية، وبقي هناك حتى وقوع انقلاب 8 شباط 1963، حيث عاد إلى العراق ليساهم مع زمر القتلة في عمليات التعذيب والقتل الوحشية ضد الشيوعيين، وسائر الوطنيين الديمقراطيين.
وخلال فترة بقائه في القاهرة تلقفته السفارة الأمريكية لتجنيده لمصلحة المخابرات الأمريكية، فقد ذكر وزير الدفاع السوري [مصطفى طلاس] في مقابلة صحفية مع صحيفة الشرق الأوسط، بأن الرئيس عبد الناصر قد أخبره عند مقابلته له في القاهرة لتعزيته باستشهاد الفريق رئيس أركان الجيش المصري [عبد المنعم رياض] خلال حرب الاستنزاف عام 1969، أن صدام حسين هو رجل أمريكا الأول في المنطقة، وإنه كان دائم التردد على السفارة الأمريكية بالقاهر، وأن المخابرات المصرية قد صورت ورصدت كل تحركاته واتصالاته بالسفارة الأمريكية!!.
ولد صدام حسين في 28 نيسان 1937، من أب غير معروف عنه شيئاً، حيث أن صدام كان قد عاش في كنف خاله الضابط المتقاعد خير الله طلفاح مسلط.
كان صدام حسين يظهر ميولاً عدوانية منذُ بداية نشأته، وعندما صار صبياً أقترف أول جرائمه بقتله أحد أقربائه الشهيد الحاج سعدون، مسؤول الحزب الشيوعي في تكريت، كما حاول قتل أحد مدرسيه حيث أطلق عليه الرصاص وطرد على أثر ذلك من المدرسة.
أنخرط صدام حسين في صفوف حزب البعث بعد ثورة 14 تموز1958، ولعب دوراً بارزاً في أعمال الاعتداء والإجرام الذي مارسه الحزب ضد العناصر الوطنية، وقد حكمت عليه محكمة الشعب بالإعدام لاشتراكه في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم.
وعندما عاد حزب البعث إلى الحكم بعد انقلاب 17 ـ 30 تموز ليمارس أعمال التعذيب والقتل في قصر النهاية ضد العناصر الوطنية من الشيوعيين والقاسميين، وبدأ نجمه بالصعود بعد تنفيذ الانقلاب الثاني على كتلة عبد الرزاق النايف - إبراهيم عبد الرحمن الداوؤد، شركائهم في انقلاب 17 تموز، بعد ثلاثة عشر يوماً، حيث لعب صدام الدور الرئيسي في اعتقال وتسفير النايف، حيث جرى تعينه نائباً لمجلس قيادة الثورة الذي جرى تشكيله فور إزاحة النايف والداؤد.
وبدأ صدام يعزز مركزه في النظام البعثي الجديد حتى تسنى له الانقلاب على سيده أحمد حسن البكر عام 1979، وأعلن نفسه رئيساً للجمهورية، وقائداً عاماً للقوات المسلحة، ومنح نفسه رتبة [مهيب ركن]، وهي أعلى رتبة عسكرية في الجيش، رغم كونه لم يسبق أن أدى حتى الخدمة العسكرية في حياته، وأصبح هو القائد، والمخطط لحروبه العدوانية ضد إيران، والكويت، وحرب الخليج الثانية، وحرب الخليج الثالثة التي انتهت بسقوط حكمه الكريه، دافعاً بمئات الألوف من الشباب العراقي إلى محارق الموت، وجالباً للشعب العراقي من الويلات والماسي ما يعجز القلم عن وصفها.
ثالثاً: الصراع داخل قيادة حزب البعث:لم تكد تمضِ غير مدة قصيرة على حكم حزب البعث حتى طغى الصراع داخل قيادة الحزب على سطح الأحداث، فقد سعى صدام حسين منذُ الأيام الأولى لانقلاب 30 تموز 968 إلى تعزيز سلطته على سائر قيادي الحزب بمختلف الأساليب، سواء بتدبير حوادث السيارات، أو الاغتيال، أو السجن، أو الإعفاء من المناصب.
ففي 15 تشرين الأول 1970 صدر مرسوم جمهوري بإعفاء حردان التكريتي من منصبه كقائد عام للقوات المسلحة، وانتهى فيما بعد بالقتل غيلة في الكويت.
وفي 28 أيلول 1971 صدر مرسوم جمهوري بإعفاء صالح مهدي عماش من منصب نائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، وانتهى فيما بعد إلى القتل بالسم.
وفي نفس العام جرى طرد وزير الخارجية، وعضو القيادة القطرية وعضو مجلس قيادة الثورة عبد الكريم الشيخلي، وانتهى به المطاف إلى القتل غيلة في أحد شوارع بغداد.
كما قُتل الدكتور ناصر الحاني ،عرّاب انقلاب 17 تموز، وصلة الوصل بين كتلة النايف وحزب البعث من جهة والمخابرات الأمريكية مدبرة الانقلاب من جهة أخرى، في محاولة لطمس أسرار الانقلاب وارتباطه بالمخابرات الأمريكية، وجرى تقطيع جثته ووضعت في كيس والقي الكيس تحت أحد جسور بغداد. وبدأ صدام حسين الذي كان مسؤولاً عن جهاز حنين، الخاص بتنفيذ الاغتيالات، بتنفيذ سلسلة واسعة من الاغتيالات شملت قادة بارزين في حزب البعث من المدنيين والعسكريين كان من بينهم كل من:
1 ـ اللواء الركن إبراهيم فيصل الأنصاريـ معاون رئيس أركان الجيش.
2 ـ أحمد العزاوي ـ عضو القيادتين القطرية والقومية ـ فُجرت سيارته.
3 ـ اللواء بشير الطالب ـ المنسق مع الأمريكيين لانقلاب 17 تموز.
4 ـ تركي سعيد عبد الباقي ـ قيادي بعثي قتل في السجن عام 1982.
5 ـ جاسم مخلص التكريتي ـ شقيق مولود مخلص قتل في التسعينات.
6ـ جعفر العيد ـ عضو القيادة القطرية ـ قتل مسموماً بالثاليوم.
7 ـ العميد جابر حسن حداد ـ أحد المساهمين في انقلاب 8 شباط ـ اعدم.
8 ـ حامد الدليمي ـ عضو المكتب العسكري ـ قتل في السجن.
9 ـ اللواء الركن حامد الورد ـ أعدم في نيسان 1989.
10 ـ حسن محمد رضا الذهب ـ عضو القيادة القطرية ـ قتل في السجن
11ـ العميد حميد التكريتي ـ سكرتير البكر ـ قتل عام 79 قبيل الانقلاب على البكر.
12ـ فؤاد الركابي ـ أمين سر القيادة القطرية في الخمسينات قتل في السجن
13 ـ الدكتور راجي التكريتي قتل بصورة بشعة بتهمة التآمر على صدام.
14 ـ رشيد مصلح ـ الحاكم العسكري ـ اعدم بتهمة العمالة للمخابرات الأمريكية.
15 ـ العميد رياض القدو ـ قائد فرقة قتل في السجن بصورة بشعة.
16ـ الدكتور رياض حسين ـ وزير الصحة ـ قائد بعثي ـ قتل على يد صدام
17 ـ العميد طارق حمد العبد الله ـ مدير مكتب البكر، ووزير الصناعة قتل في بيته وادعى نظام صدام أنه انتحر.
18 ـ طاهر يحيى ـ رئيس وزراء ـ سجن وعذب في قصر النهاية وتوفي بعد خروجه من السجن بأيام .
19ـ اللواء الركن صلاح عبود التكريتي ـ قتل بحادث سيارة مدبر.
20 ـ اللواء الركن سعدون غيدان ـ أحد أعمدة انقلاب 17 تموز قتل مسموماً
21 ـ شفيق الكمالي ـ عضو القيادتين القطرية والقومية قتل مع ابنه.
22ـ شاذل طاقة ـ وزير الخارجية ـ مات مسموماً بالثاليوم.
23 ـ عبد الكريم هاني ـ وزير بعثي بعد انقلاب 8 شباط قتله النظام عام 93 بتهمة التآمر على نظام صدام.
24ـ عبد الرحمن البزاز ـ رئيس وزراء سابق ـ سجن وعذب في قصر النهاية وتوفي بعد إطلاق سراحه بأيام.
25 ـ العميد الركن مصطفى نصرت عضو مجلس قيادة الثورة وعضو المكتب العسكري، والذي قاد الهجوم على وزارة الدفاع في انقلاب 8 شباط، قتل وهُدم بيته، وادعى النظام أن القتل كان لأسباب أخلاقية.
25 ـ اللواء الركن عدنان خير الله طفاح ـ وزير الدفاع ـ قتل في حادث طائرة سمتية مدبر من قبل صدام شخصياً .
26 ـ اللواء الركن عبد العزيز العقيلي ـ وزير دفاع ـ قتل تحت التعذيب.
27ـ مرتضى الحديثي ـ وزير الخارجيةـ وعضو القيادة القطرية ـ قتل تحت التعذيب الشديد لفترة طويلة وسلمت جثته لزوجته وكان وزنه 30 كيلو غرام .
28ـ عبد الخالق السامرائي عضو القيادتين القطرية والقومية، ومنظر الحزب، حُكم عليه بالسجن لمدة طويلة ، ثم جرى إعدامه دون محاكمة بتهمة المشاركة في مؤامرة على نظام صدام.

ويطول الحديث عن المئات من الذين قتلوا على يد نظام صدام، إما بالإعدام ، أو بحوادث السيارات، أو بالسجن والتعذيب، أو بالتسميم بالثاليوم، وكل ذلك جرى لكي لا يدع صدام أي منافس له لخلافة البكر.
ولم ينته مسلسل التنكيل والقتل الذي مارسه صدام حسين مع رفاق حزبه أبداً، وما هذه سوى أمثلة قليلة من تلك الجرائم التي توّجها صدام حين قام بالانقلاب على سيده وولي نعمته البكر بقتله اثنان وعشرين من قادة الحزب بأبشع أساليب التعذيب، ومن ثم تصفية البكر نفسه الذي مات مسموماً كما اعترف بذلك صهر صدام حسين كامل.
كان واضحاً أن حردان التكريتي وصالح مهدي عماش يمثلان عقبة كأداء أمام صدام حسين من أجل بسط سيطرته على الحزب والدولة، وبإزاحتهما تم له ما أراد، وأصبح الحاكم الفعلي للعراق في الوقت الذي كان فيه أحمد حسن البكر على قمة الحكم، حيث كان المشرف على كافة الأجهزة الأمنية، والمخابراتية، والتي استخدمها في إزاحة، وتصفية كل من أعتقد أنه عقبة أمام طموحه بالوصول إلى قمة السلطة.
رابعاً: محاولة ناظم كزار الانقلابية: ناظم كزار الجلاد الذي عينه الانقلابيون يوم 30 تموز1968 مديراً للأمن العام كان معروفٌ جيداً لدى أبناء الشعب العراقي جميعاً يكونه جزار البعث أيام حكم الحزب بعد انقلاب 8 شباط 1963، حيث كان يترأس الهيئة التحقيقية التي ضمت عمار علوش وخالد طبرة وعباس الخفاجي وآخرون، والتي اتخذت من بناية محكمة الشعب مقراً لها، ومارست أبشع أساليب التعذيب والقتل بحق الشيوعيين وسائر الوطنيين، وصارت جرائمهم تتردد على كل لسان.
وبعد انقلاب البعثيين على شريكهم النايف في 30 تموز 1968 جرى تعينه مديراً للأمن العام بالنظر لما عرف عنه من الجرائم بعه انقلاب 8 شباط.
كان لناظم كزار طموح لا حدود له، وكان هدفه الوصول إلى قمة السلطة، وقد وجد الفرصة سانحة له بعد توليه لرئاسة جهاز الأمن لكي ينتزع السلطة من الثنائي البكر وصدام.
لعب صدام دوراً في دفع ناظم كزار إلى المغامرة من خلال خطة خبيثة لضرب عصفورين بحجر واحدة، فإذا نجحت الخطة تولى هو الرئاسة، وإن فشلت تخلص من ناظم كزار الرجل القوي في الجهاز الأمني.
وهكذا جرى تدبير الخطة لاغتيال البكر مع مجموعة من البعثيين في 30 حزيران 1973 إثناء استقبال البكر في المطار بعد عودته من بلغاريا، واستطاع كزار استدراج وزير الدفاع [حماد شهاب] ووزير الداخلية [سعدون غيدان] واعتقالهما.
لكن الحركة الانقلابية لم تكن معدة بالشكل الذي يمكنها من النجاح، وسرعان ما تهاوت وفشلت، وحاول ناظم كزار الهرب إلى إيران، بعد أن اخذ الوزيرين كرهائن.
إلا أن قوات الحكومة لحقته، مما دفعه الموقف الصعب الذي وجد نفسه فيه، إلى قتل حماد شهاب، وإصابة سعدون غيدان بجروح بالغة، قبل أن يلقى القبض عليه، وعلى العديد من أعوانه، وإعادتهم إلى بغداد، حيث جري تعذيبهم بصورة بشعة، تماماً كما كان كزار يفعل مع الشيوعيين، وتم قتلهم جميعا تحت التعذيب في 8 تموز 973.
كما جرى إعدام أحد أعوانه المدعو [محمد فاضل] الذي كان يشغل منصب رئيس المكتب العسكري للحزب في اليوم التالي المصادف 9 تموز 1973.
أستغل صدام حسين تلك المحاولة للتخلص من أقوى القيادات الحزبية، منظّر الحزب، وانضج القيادات فيه [عبد الخالق السامرائي] بدعوى كاذبة بعلاقته بمحاولة ناظم كزار، حيث حكم عليه بالسجن لمدة عشرين عاماً، وأودع سجن أبو غريب، ثم أعدمه صدام حسين بعد قيامه بانقلابه ضد البكر، واستلامه السلطة بتهمة اشتراكه في مؤامرة لقلب حكمه رغم كونه يقبع في السجن منذُ عدة أعوام، فقد كان صدام يخشاه وهو في السجن، بالنظر لمنزلته بين رفاق حزبه.
خامساً: صدام حسين ينشئ الجيش الشعبيكان شعور حزب البعث بالضعف، وعدم تجاوب الشعب مع سياسته،لا بل كرهه لهذا الحزب، الذي أذاق الشعب المرارة يوم انقلاب 8 شباط الأسود، وبعد انقلاب 30 تموز 968 . كان خوف البعثيين من أن يقوم الجيش بمحاولة الإطاحة بحكمهم.
ولذلك فقد تفتق ذهن صدام حسين في إنشاء جيش حزبي أطلق عليه اسم [الجيش الشعبي]، بدلاً من الحرس القومي السيئ الصيت.
مارس البعثيون مختلف وسائل الضغط والإكراه لإجبار المواطنين على الانخراط في صفوف الحزب أولاً، ومن ثم في صفوف الجيش الشعبي، حتى أصبح واجباً على كل حزبي الانخراط فيه، وسعوا إلى تسليحه وإعطائه الصلاحيات الواسعة لملاحقة الوطنيين، وتقديم التقارير الحزبية عن أي نشاط مشكوك فيه ضد السلطة.
كما قام البعثيون بإدخال أعداد كبيرة من عناصرهم في دورات قصيرة لتخريجهم ضباطاً خلال ستة أشهر، في محاولة للسيطرة علي الجيش.
لقد دفع البعثيون المواطنين قسراً للانضمام لحزبهم، وتعرض الذين رفضوا الانتماء إلى ضغوط هائلة، وتهديدات، واتهامات باطلة، فقد كان البعثيون يوجهون تهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي، أو حزب الدعوة الإسلامية، لكل من يرفض الانتماء لحزبهم، ومعلوم أن السلطة البعثية كانت قد أصدرت قانوناً يحكم بالإعدام على من ينتمي إلى حزب غير مجاز.
وهكذا فقد انضوى تحت جناح حزب البعث أعداد كبيرة من المواطنين خوفاً ورعباً من أساليب البعث القمعية والوحشية، كما أنضوي أعداد كثيرة من الناس حباً في نيل المكاسب والوظائف، وجني الأرباح والمغانم.
كما سيطر حزب البعث على كافة المنظمات الجماهيرية، والنقابات المهنية وأجبروا أعضاءها على الانتماء لحزبهم، وأصدروا قانوناً يحكم بالإعدام على كل عضو في الحزب انتمى إلى حزب آخر، وكان قد أنسحب من حزب البعث.
كما بدءوا بتغير المناهج والكتب المدرسية، مستهدفين غسل أدمغة الطلاب بشعارات البعث الكاذبة، والبعيدة كل البعد عن الحقيقة، ووجهوا وسائل الإعلام، من إذاعة وتلفزيون وصحافة، والكتب التي تمجد حزب البعث وشعاراته في الوحدة والحرية والاشتراكية!!، والتي عمل الحزب على الضد منها تماماً طيلة سنوات حكمه.
سادساً: النظام البعثي يحاول التقرب من الشعب وقواه السياسية شعر نظام البعث أن سياسته الإرهابية تجاه جماهير الشعب، وإجبارها بمختلف أساليب الضغط والإكراه للانتماء لحزب البعث جعلها تزداد نفوراً منهم، وتتمنى أن تشهد ساعة الخلاص من حكمهم الفاشي، ولذلك فقد حاول حزبهم التخفيف من هذا الشعور، وتبييض صفحتهم السوداء في عيون الشعب،عن طريق القيام بعدد من الإجراءات التي يمكن أن تُكسبهم شيئاً من السمعة، والتعاطف معهم، وكانت أهم تلك الإجراءات:

1ـ محاولة حل المشكلة الكردية التي كانت تقلقهم كثيراً، وتستنزف الكثير موارد البلاد، إضافة إلى الخسائر البشرية الجسيمة، ولذلك فقد سارعوا إلى إصدار بيان 21 آذار المعروف، وأعلنوا اعترافهم بحقوق الشعب الكردي!.

2ـ حاول النظام كسب الفلاح العراقي إلى جانبه، حيث قام ببعض الإجراءات التي تؤثر على وضعه الاقتصادي والاجتماعي، فقد أصدر قرارا منع بموجبه طرد الفلاحين من أرضهم لأي سبب كان، كما ألغى النظام حق اختيار الإقطاعي للأرض، والغوا مبدأ التعويض للإقطاعي عن الأراضي المصادرة بموجب قانون الإصلاح الزراعي.
كما خفض الحد الأقصى لمساحة الأرض التي يحق للإقطاعي الاحتفاظ بها إلى 2000 دونم كحد أعلى، وادخل التأمين الصحي في الريف، وربط عدداً كبيراً من القرى بشبكة القوة الكهربائية، كما جرى استصلاح حوالي 4 ملايين دونم من الأراضي الزراعية، وخفض أسعار الآلات الزراعية والأسمدة، وأنشأ الأسواق الشعبية للفواكه والخضروات دون وساطة.
كان هدف النظام من كل هذه الإجراءات جر الفلاح العراقي إلى صفوف حزب البعث، حيث كان الفلاحون يدينون بالولاء لثورة 14 تموز وقائدها عبد الكريم قاسم، الذي أصدر قانون الإصلاح الزراعي بعد قيام الثورة عام 1958، وحررهم من نير الإقطاع.

3 ـ وفي المجال القومي، أخذ النظام يزايد على القضية الفلسطينية، معلناً رفضه للقرار رقم 242، الصادر من مجلس الأمن الدولي عام 1967، كما أعلن رفضه لمشروع [ روجرز] لوقف حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل عام 1970، واخذ يتهجم على الرئيس عبد الناصر،عبر الإذاعة والتلفزيون، والصحافة، لقبوله بالمشروع، وإعطائه فرصة للحل السلمي، في الوقت الذي كان الرئيس عبد الناصر يعمل بأقصى جهده على تقوية الجيش المصري، وتهيئته للمعركة الفاصلة مع العدو إسرائيل، إذا لم تنسحب من جميع الأراضي العربية المحتلة في حرب حزيران 1967.

4 ـ حاول النظام كسب جماهير الشعب، من خلال مسألة النفط، والعلاقات مع الشركات النفطية، ومسألة استغلال حقل الرميلة الشمالي وطنياً.
ففي نيسان 1972، بدأ العراق بالإنتاج في الحقل المذكور، بمساعدة الاتحاد السوفيتي، مما أثار حنق الشركات النفطية الاحتكارية العاملة في العراق، والتي قررت معاقبة العراق، ولجأت إلى تخفيض الإنتاج في حقول كركوك من 57 مليون طن سنوياً إلى 30 مليون، وقد أدى ذلك الإجراء إلى انخفاض كبير في مداخيل العراق من واردات النفط، وكان له بالغ التأثير على الوضع الاقتصادي للبلاد.
حاول النظام إقناع شركات النفط بالرجوع عن قرار خفض الإنتاج دون جدوى، مما دفع حكومة البعث، بعد مفاوضات طويلة مع شركات النفط الاحتكارية، إلى الإقدام على تأميم شركة نفط العراق في1 حزيران 1972، وأدى هذا القرار إلى تصاعد حمى الصراع، وإعلان مقاطعة النفط العراقي، مسببين للعراق أزمة اقتصادية خانقة عكست آثارها على حياة جماهير الشعب، حيث أقدمت حكومة البعث على اقتطاع 10 % من دخول الموظفين، وسائر العاملين في قطاعات الدولة تحتسب كدين لهم على الحكومة، كما قامت الحكومة بالعديد من الإجراءات التقشفية، واستمر الحال على هذا الوضع حتى آذار 1973 حيث توصلت الحكومة وشركات النفط إلى نوع من التسوية، وبقى النفط تحت سيطرة العراق.

أثار اتفاق التسوية مع شركات النفط، مع بقاء النفط تحت سيطرة العراق، موجة عارمة من الفرح لدى القيادة البعثية، حيث أظهرتها الأحداث وكأنها قد نازلت شركات النفط الاحتكارية، والدول التي تدعمها، وانتصرت عليها، وحققت حلم الشعب العراقي في استغلال نفطه وطنياً، وادعى البعثيون لنفسهم صفات الوطنية، واستطاعوا بالفعل جر أوساط عريضة من الشعب إلى جانبهم، لا بل استطاعوا خداع الحزب الشيوعي، وجره للتعاون معهم، ومن ثم التحالف في إطار ما سمي آنذاك بـ {الجبهة الوطنية، والقومية التقدمية}.

لكن البعثيين لم يكونوا مؤمنين حقاً بالجبهة ولا بالتعاون، وأثبتت الأحداث أن خطوتهم تلك كانت تكتيكية، كي يتمكن الحزب من تثبيت أركان حكمه من جهة، وكشف تنظيمات الحزب الشيوعي وقياداته وكوادره من جهة أخرى، تمهيداً لتوجيه الضربة القاضية له،على غرار الضربة التي وجهوها له بعد انقلاب 8 شباط 1963، وهذا ما جرى فعلاً ما بين عامي 1978 ـ 1979.

0 التعليقات:

ترجم الموقع

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean

ألباحث حامد الحمداني

تجد هنا أرشيف موقع حامد الحمداني

آخرالمواضيــع

مواقع مختارة

حقيبة الكـتب