عدد الزائرين للموقع

Web Hit Counter

المواضيع ألعشرة الأخيرة

معالم وشخصيات تأريخية

حقيبة الكـتب

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

احصائية الموقع

المتواجدين :

دروس وعبر من ثورة 14 تموز المجيدة

حامد الحمداني
 2/7/2008
لم تكن ثورة الرابع عشر من تموز 1958 انقلاباً عسكرياً كما يحلو لبعض الكتاب، بل كانت في واقع الأمر ثورة شعبية قادها الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم بدعم وإسناد حاسمين من قبل جبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت عام 1957 وضمت الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث القوميين، واللذين رفضا انضمام الحزب الديمقراطي الكردستاني مما اضطر الحزب الشيوعي إلى عقد اتفاق ثنائي معه. فكان الدعم الشعبي الهادر بقيادة جبهة الاتحاد الوطني العامل الحاسم في نجاح الثورة.
التآمر على الثورة


لكن الحزبين القوميين بقيادة عبد السلام عارف، الشخص الثاني في قيادة الثورة ما لبث في التآمر على الثورة وهي في أيامها الأولى ومحاولة اغتصاب السلطة بدعوى إقامة الوحدة الفورية مع العربية المتحدة آنذاك بقيادة عبد الناصر، والتي أثبت التاريخ كذبها وتنكر أصحابها للوحدة المزعومة بعد انقلابهم المشؤوم في 8 شباط 1963 .
ولقد وقفت الأحزاب الديمقراطية المتمثلة بالحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي،والحزب الديمقراطي الكردستاني بصلابة دفاعاً عن الثورة ومنجزاتها، وكان موقفها آنذاك أمرا طبيعيا حيث كانت تناضل من أجل عراق ديمقراطي متحرر من أية هيمنة أجنبية، وضمان الحقوق والحريات العامة، وحرية التنظيم الحزبي والنقابي والجمعيات، وحرية الصحافة، وإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، وتشريع دستور دائم للبلاد يضمن كافة حقوق وحريات الشعب بكل فئاته وقومياته،وتولي حكومة دستورية حكم البلاد تكون مسؤولة أمام البرلمان.
لكن الأحداث التي جرت في البلاد والثورة ما تزال في أيامها الأولي عطلت المسيرة الديمقراطية، وأدخلت البلاد في دوامة العنف والعنف المضاد، وأدى ذلك بالتالي إلى ارتكاب أخطاء جسيمة من جانب السلطة المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم والأحزاب الديمقراطية الملتفة حول الثورة، وتحولت المواقف إلى الاختلاف والصراع الذي اضرّ بكل تأكيد بالغ الضرر بمستقبل العراق والحركة الديمقراطية، وأدى في نهاية الأمر إلى اغتيال الثورة بعد أن استطاعت قوى الردة البعثية والقومية، وأذناب الاستعمار من استغلال التدهور الحاصل في العلاقات بين قيادة الثورة والأحزاب الديمقراطية والتي أدت إلى عزل قيادة الثورة المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم، واستطاعت اغتيال الثورة في انقلاب الثامن من شباط 1963 الفاشي، وإغراق القوى الديمقراطية بالدماء في حملة تصفية لم يشهد لها العراق مثيلاً من قبل.
مكاسب الثورة


فهل كان هناك مبرر لوقوع ذلك الصراع بين حلفاء الأمس، ومن يتحمل مسؤوليته؟


وما هي الأخطاء التي ارتكبتها جميع الأطراف؟
في حقيقة الأمر أن جميع الأطراف كانت قد ارتكبت الأخطاء التي ما ينبغي أن تقع فيها، فالأحزاب الديمقراطية الثلاثة كلها تتفق على كون الزعيم عبد الكريم قاسم كان شخصية وطنية صادقة لا شائبة فيها، حارب الاستعمار، وحقق الحرية والاستقلال الحقيقي لوطنه.
لقد قاد الزعيم الثورة بدعم وإسناد من هذه القوى، وحقق إنجازات كبيرة في الحقل الوطني وكان في مقدمة تلك الإنجازات:
1 ـ الخروج من حلف بغداد،وتحرير العراق من الهيمنة الإمبريالية.


2 ـ الخروج من منطقة الإسترليني وتحرير العملة العراقية.


3ـ إصدار قانون الإصلاح الزراعي وتحرير الفلاحين الذين يشكلون 70% من نفوس العراق وإنقاذهم من طغيان الإقطاع وكان القانون يمثل بحق ثورة اجتماعية كبرى.


4 ـ إصدار القانون رقم 80 الذي تم بموجبه سحب 99.5 % من المناطق النفطية من شركات النفط، وتأسيس شركة النفط الوطنية من اجل استثمار الثروة النفطية وطنيا.


5 ـ السماح للأحزاب السياسية بممارسة نشاطها بحرية في بادئ الأمر، وإطلاق حرية الصحافة، وحرية تشكيل المنظمات والنقابات منذ انبثاق الثورة على الرغم من عدم وجود قانون ينظم مسألة تأليف الأحزاب السياسية.
ولم يكن عبد الكريم قاسم شوفينياً، بل كان على علاقة مع العديد من الشخصيات الديمقراطية المعروفة وعلى صلة بالأحزاب الوطنية ذات الخط الديمقراطي، وقد أبلغ عدداً من أولئك القادة الوطنيين بموعد الثورة، وضم العديد منهم الى حكومته.
فالطرفان المتمثلان بالسلطة بقيادة عبد الكريم قاسم والأحزاب الديمقراطية الثلاثة الوارد ذكرها تمثل قوى وطنية، وأن أي تناقض بين هذه القوى يعتبر تناقضا ثانويا، في حين أن القوى القومية التي تخلت عن جبهة الإتحاد الوطني، وانسحبت من الحكومة، وتآمرت على ثورة تموز وقيادتها مستخدمة أسلوب العنف لاغتصاب السلطة كانت قد فقدت صفتها الوطنية، وبذلك أصبح التناقض بينها وبين السلطة والأحزاب الديمقراطية الثلاثة يمثل تناقضاً أساسياً.
كان على السلطة المتمثلة بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، والأحزاب الديمقراطية الثلاثة أن تدرك المخاطر الحقيقية التي تمثلها تلك القوى المتآمرة على الثورة، والقوى التي تقف وراءها وتدعمها، فالجميع كانوا في حقيقة الأمر في سفينة واحدة، والمتمثلة بالثورة، وأن غرقها سيعني بلا شك غرق الجميع، وهذا هو الذي حدث بالفعل بعد نجاح انقلاب الثامن من شباط الفاشي عام 1963، حيث لم تسلم أي من هذه القوى من بطش السلطة الانقلابية.
فلماذا حدث كل هذا؟


ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟


وإنصافاً للحقيقة التي عايشت أحداثها بكل تفاصيلها بحكم ارتباطي بالحزب الشيوعي آنذاك أستطيع القول أن الجميع وبلا استثناء يتحملون مسؤولية ما حدث، واليوم وبعد مضي 50 عاماً على حلول تلك الكارثة التي حلت بالعراق وشعبه نتيجة ذلك الانقلاب الدموي الفاشي فإن استذكار مسببات ذلك الحدث أمرٌ هام جداً يستحق الدراسة والتمحيص للخروج بالدروس البليغة للحركة الوطنية لكي لا تقع بمثل تلك الأخطاء من جديد.
لقد أخطأت الأحزاب الوطنية في طريقة التعامل مع الزعيم عبد الكريم قاسم، وتغليب التناقض الثانوي على التناقض الرئيسي، مما أدى إلى فقدان الثقة بيم الطرفين.
وفي الوقت نفسه أخطأ الزعيم عبد الكريم قاسم في تعامله مع هذه القوى الوطنية ظناً منه أن الأخطار تأتيه من اليسار وليس من جانب القوى اليمينية التي مارست ونفذت الحركات التآمرية ضد الثورة وقيادتها فعلياً.
لكن الذي لا يجب إغفاله أن الزعيم عبد الكريم كان فرداً أولاً، وكان قريب عهد بالسياسة ثانياً، فلم يكن مركزه العسكري يمكنه من مزاولة أي نشاط سياسي، وعليه فإن احتمالات وقوعه بالخطأ كبيرة شئنا ذلك أم أبينا.
لكن الأحزاب السياسية التي تقودها لجان مركزية، ومكاتب سياسية كانت قد تمرست في النشاط السياسي، وهي تجتمع لدراسة وتمحيص القرارات السياسية قبل اتخاذها، فإن وقوعها في الخطأ ينبغي أن يكون في أضيق الحدود إن وقع، مع تحمل المسؤولية عن ذلك إذ من المفروض إن تحرص على عدم الوقوع في الخطأ، ولاسيما حينما يتعلق الخطأ بمستقبل ومصير شعب بأكمله.
ولكون الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم كان في قمة السلطة فقد كان بإمكانه أن يفعل الكثير من أجل صيانة الثورة، والحفاظ على لحمة الصف الوطني، واليقظة والحذر من غدر قوى الردة، لكنه لم يدرك خطورة الموقف ووقع في تلك الأخطاء الخطيرة والتي يمكن أن نلخصها بالتالي:
مسؤولية الزعيم الراحل


1 ـ لقد اخطأ الزعيم عبد الكريم في سياسة عفا الله عما سلف، وسياسة فوق الميول وفوق الاتجاهات، وعفا عن الذين تآمروا عليه وعلى الثورة جميعاً، وأطلق سراحهم في محاولة منه لخلق حالة من التوازن بين القوى الوطنية المساندة للثورة، والقوى الساعية لاغتيالها، وكان ذلك الموقف خطأً قاتلاً يتحمل هو مسؤوليته الكاملة.
2 ـ لقد اعتقد عبد الكريم قاسم أن الخطر الحقيقي يأتيه من قوى اليسار[القوى الديمقراطية] وبوجه خاص من [الحزب الشيوعي] الذي وقع في أخطاء كبيرة ما كان له أن يقع فيها بحيث تحولت الشكوك لدى الزعيم إلى القناعة أن الحزب الشيوعي قد بات قاب قوسين أو أدنى من انتزاع السلطة، ومما زاد في قناعة الزعيم هذا الموقف الذي وقفته بعض قيادات الحزب الوطني الديمقراطي بغياب زعيم الحزب المرحوم كامل الجادرجي والتي أدخلت في روعه الخطورة التي بات يمثلها الحزب الشيوعي على سلطته، فقرر تقليم أظافر الحزب وأضعاف نفوذه الطاغي في الشارع العراقي آنذاك، وكانت باكورة إجراءاته سحب السلاح من المقاومة الشعبية، ومن ثم إلغاءها بدلاً من إصلاحها، ولو كانت المقاومة باقية يوم الثامن من شباط لما تسنى للانقلابيين النجاح في انقلابهم.
لقد كان رد فعل الزعيم يمثل الرد على الخطأ بخطأ أعظم وأفدح، حيث افتقد قوى واسعة ومؤثرة أكبر التأثير في الساحة العراقية، وعزل نفسه عن الشعب، مما سهل للانقلابيين تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة في الثامن من شباط 1963.
3 ـ لقد اخطأ الزعيم في أسلوب التعامل مع القيادة الكردية المتمثلة بالزعيم مصطفى البارزاني، على الرغم من أنه لم يكن يحمل أي أفكار شوفينية تجاه القومية الكردية، وأن استقباله للسيد البارزاني ورفاقه العائدين من الاتحاد السوفيتي، وتكريمهم، والتأكيد على الحقوق القومية للشعب الكردي في الدستور المؤقت، يؤكد هذا الموقف لديه، في حين أن القوى القومية التي نفذت انقلاب 8 شباط كانت غارقة في شوفينيتها وكراهيتها للشعب الكردي بحيث لم تصبر على المباشرة بقمع الحركة الكردية سوى أقل من أربعة أشهر، على الرغم من تحالفها مع الانقلابيين قبل وقوع الانقلاب، منزلة الخراب والدمار بكردستان بشكل وحشي يندى له جبين الإنسانية.
4 ـ لقد اخطأ عبد الكريم قاسم في تقييمه لمسألة الصراع مع القوى المضادة للثورة،الذي أججته قرارات الثورة، وخاصة فيما يخص قانون الإصلاح الزراعي، الذي أحدث ثورة اجتماعية حقيقية، سلبت السلطة من الإقطاعيين دعائم الإمبريالية. ولذلك فقد بدأ الرجعيون والإقطاعيون وكل المتضررين من ثورة تموز بتجميع صفوفهم وبعث نشاطهم من جديد، على أثر الموقف الذي أتخذه عبد الكريم قاسم من الشيوعيين والقوى القومية الكردية. لقد استغلت الرجعية تلك الظروف من أجل تنفيذ هجمتها الشرسة ضد القوى الديمقراطية سند الثورة وحاميها، وإضعاف السلطة، وعزلها عن الشعب.
الصراع مع شركات النفط


5 ـ لقد أخطأ عبد الكريم قاسم في تقييمه لخطورة الصراع مع شركات النفط، من أجل انتزاع حقوق العراق في ثروته النفطية، والحفاظ على استقلاله الوطني، وإصداره القانون رقم 80 لسنة 961، والذي أنتزع بموجبه 99.5% من مناطق امتياز تلك الشركات من سيطرة شركات النفط الاحتكارية، والعمل على استغلالها وطنياً.
لقد كان الصراع على أشده مع شركات النفط، وتبادل الطرفان التهديدات، وكان آخر كلمة لوفد شركات النفط هي التحدي، وكان الوفد يعني ما يقول، فكانت مؤامرتهم الدنيئة على ثورة 14 تموز وقيادتها، والأمر المؤسف حقاً هو أن عبد الكريم قاسم لم يأخذ الحيطة والحذر من أحابيل ومؤامرات شركات النفط حرصاً على مصالحها، حتى ولو أدى ذلك إلى إغراق العراق بالدماء.
لقد كان على عبد الكريم قاسم إن يدخل في صراعه مع شركات النفط محصناً بجبهة شعبية قوية قوامها هذه الأحزاب الوطنية والديمقراطية التي تقف إلى جانبه وتدعم موقفه لا أن يدخل في صراع معها غير مبرر إطلاقاً فتستغل الإمبريالية موقفه الضعيف لتنفذ مؤامرتها الدنيئة بنجاح في الثامن من شباط 63 .
6 ـ لقد اخطأ الزعيم عبد الكريم قاسم بلجوئه إلى القوة العسكرية لحل التناقض مع قيادة الحركة الكردية، مما سبب إضعافاً خطيراً للسلطة، وشق جبهة الاتحاد الوطني، ودفع الحزب الديمقراطي الكردستاني للتعاون مع انقلابيي 8 شباط 1963 .
إطالة فترة الانتقال وإجراء الانتخابات وتشريع الدستور الدائم


كانت إطالة الفترة الانتقالية والتأخر في إجراء الانتخابات العامة وتشريع دستور دائم للبلاد والتي استغرقت 4 سنوات، أحد العوامل الرئيسية في نشوب الخلافات بين القوى الوطنية والسلطة المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم، وتحول الخلافات نحو الصراع بين الأطراف الوطنية والسلطة.
لم يكن هناك مبرر لإطالة فترة الانتقال طيلة هذه المدة، وكان بالإمكان اختزالها لمدة أقصاها سنتين، والتوجه نحو إجراء انتخاب مجلس تأسيسي يأخذ على عاتقه تشريع دستور دائم للبلاد، وعرضه على الشعب في استفتاء عام، ليتم بعد ذلك قيام حكومة ديمقراطية تمثل إرادة الشعب.
لكن الزعيم عبد الكريم شاء أن يختار لنفسه أن يكون [فوق الميول وفوق الاتجاهات ]!!، و[سياسة عفا الله عما سلف] وأطلق سراح المتآمرين الذين أطلقوا عليه الرصاص في رأس القرية والمحكومين بالإعدام، وفي الوقت نفسه أصدرت المحاكم العسكرية في عهده احكام الاعدام بحق العشرات من الشيوعيين والديمقراطيين، وحاول أن يخلق نوعاً من التوازن بين حماة الثورة والمدافعين عنها، والحريصين على صيانتها، وبين الذين تآمروا عليها وحاولوا مراراً وتكراراً إسقاطها والاستيلاء على السلطة. وهذه هي إحدى أخطائه الجسيمة التي أوصلته إلى تلك النهاية المحزنة، وأوصلت الشعب العراقي إلى الكارثة.
تعمق الصراع مع القيادة الكردية


كانت ثالثة الأثافي في تدهور الأوضاع السياسية في البلاد، وانقسام القوى الوطنية، حدوث الخلافات العميقة بين قيادة عبد الكريم قاسم وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مصطفى البارزاني، ولجوء الطرفين إلى الصراع المسلح، واستخدام السلطة للجيش في حسم ذلك الصراع.
بدأت العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والسلطة بالتدهور عام 1961، عندما هاجمت صحيفة الحزب [ خه بات ] أسلوب السلطة في إدارة شؤون البلاد، وطالبت بإلغاء الأحكام العرفية، وإنهاء فترة الانتقال، وإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، وسن دستور دائم للبلاد، وإطلاق سراح السجناء السياسيين الأكراد واحترام الحياة الحزبية،وحرية الصحافة.
كان الرد من قِبل عبد الكريم قاسم أن أمر بغلق مقر الحزب في بغداد، وغلق صحيفة الحزب ومطاردة قادته، واعتقال البعض منهم في آذار 1961، واستمرت العلاقة بين الطرفين بالتدهور حتى بلغت مداها في شهر تموز من ذلك العام.
وفي 20 تموز 961، قدم المكتب السياسي للحزب مذكرة إلى الزعيم عبد الكريم قاسم تضمنت العديد من المطالب. لكن عبد الكريم قاسم تجاهل المذكرة، واستمر في حشد قواته العسكرية في المناطق المحاذية لإيران، حيث كانت قد اندلعت حركة تمرد بقيادة اثنين من كبار الإقطاعيين هما كل من [رشيد لولان ] و[ عباس مامند] بدعم وإسناد من النظام الإيراني، والسفارة الأمريكية في طهران، وقد أستهدف رشيد لولان، وعباس مامند إلغاء قانون الإصلاح الزراعي، فيما استهدفت الإمبريالية الأمريكية وعميلها شاه إيران زعزعة النظام الجديد في العراق وإسقاطه.
أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد استهل صراعه مع السلطة بإعلان الإضراب العام في منطقة كردستان في 6 أيلول 961، حيث توقفت كافة الأعمال، و أصاب المنطقة شلل تام، وقام المسلحون البيشمركة باحتلال مناطق واسعة من كردستان حاملين السلاح بوجه السلطة.
كان على القيادة الكردية أن تقدر دوافع تلك الحركة، والقائمين بها، والمحرضين عليها، ومموليها، وعدم تغليب التناقض الثانوي على التناقض الرئيسي مع الإمبريالية وأذنابها سواء كانوا عرباً كما هي الحال مع حزب البعث وحلفائه القوميين، أو كانوا من الكرد، كما هو الحال مع تمرد الاقطاعيين رشيد لولان وعباس مامند.
كما أن عبد الكريم قاسم فضل هو الآخر اللجوء إلى استخدام القوة، ورفض الحوار وحل المشاكل مع القيادة الكردية، وإيجاد الحلول الصائبة للقضية الكردية حسب ما نصت عليه المادة الثالثة من الدستور المؤقت.
ظن اعيم عبد الكريم قاسم أن اللجوء إلى السلاح سينهي الأزمة خلال أيام، ويصفي كل معارضة لسياسته في البلاد، لكن حساباته كانت خاطئة، وبعيدة جداً عن واقع الحال، وكانت تلك الحرب في كردستان أحد أهم العوامل التي أدت إلى اغتيال ثورة 14 تموز يوم الثامن من شباط 1963 .
لقد رد الزعيم عبد الكريم قاسم بدفع المزيد من قطعات الجيش في 9 أيلول 961، لضرب الحركة الكردية مستخدمأً كافة الأسلحة، والطائرات، وهكذا امتدت المعارك وتوسعت لتشمل كافة أرجاء كردستان.
ولم تجدِ نفعاً كل النداءات التي وجهها الحزب الشيوعي لكلا الطرفين لإيقاف القتال، واللجوء إلى الحوار، وإيجاد حل سلمي للقضية الكردية، حيث شن الحزب الشيوعي حملة واسعة شملت كافة أنحاء العراق تحت شعار [ السلم في كردستان،والديمقراطية للعراق ] وقد أثارت تلك الحملة غضب الزعيم عبد الكريم قاسم على الحزب، وتعرض المئات من رفاق الحزب للاعتقال والتعذيب وحتى السجن وكنت أحدهم، لكن تلك الجهود باءت بالفشل، ولم تلقَ الاستجابة من الطرفين، واستمرت الحرب بينهما حتى وقوع انقلاب 8 شباط 1963 .
مسؤولية مشتركة


ومن المؤسف أن يقع قادة الحركة الكردية في خطأ جسيم آخر، عندما تعاملوا في البداية مع انقلابيي شباط 1963، ظناً منهم أن بالإمكان حصول الشعب الكردي على حقوقه القومية المشروعة على أيدي أولئك القوميين الفاشيين والمتعصبين.
وهكذا فلم تمض ِسوى أربعة أشهر على انقلاب 8 شباط، حتى بادر الانقلابيون في 10 حزيران 1963 إلى شن حملة عسكرية هوجاء على الشعب الكردي، لم يشهد لها مثيلاً من قبل، منزلين فيه الويلات والمآسي و ألوف القتلى، وتهديم القرى، وتهجير الشعب الكردي.
لقد تمزقت الوحدة الوطنية، وتحولت الجبهة الوطنية إلى الصراع المرير بين أطرافها، ومع السلطة جراء الأخطاء القاتلة لكافة الأحزاب السياسية والسلطة على حد سواء، فقد كان لكل طرف حصة ونصيب في تلك الأخطاء التي أدت إلى التمزق والصراع، وضياع الثورة، وتصفية كل مكاسب الشعب، وإغراق البلاد بالدماء. ولاشك أن عبد الكريم قاسم يتحمل القسط الأكبر من مسؤولية تلك الأخطاء، لأنه كان على قمة السلطة، وكان بمقدوره أن يفعل الكثير من أجل إعادة اللحمة للصف الوطني، ومعالجة المشاكل، والتناقضات التي نشأت، والتي يمكن أن تنشأ مستقبلاً، بروح من الود والتفاهم، والمصلحة العامة لشعبنا ووطننا.
كان بمقدوره أن يعمل على إنهاء فترة الانتقال ويجري انتخاب المجلس التأسيسي، وسن الدستور الدائم للبلاد وإرساء الحكم على أسس ديمقراطية صلبه، ولو فعل ذلك لتجنّب، وجنّب الشعب العراقي كل تلك الويلات والمصائب والمصير المظلم الذي حلّ بالبلاد على أيدي انقلابيي 8 شباط 1963 .
طريق الشعب - العدد 215


ليوم 2/7/2008


0 التعليقات:

ترجم الموقع

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean

ألباحث حامد الحمداني

تجد هنا أرشيف موقع حامد الحمداني

آخرالمواضيــع

مواقع مختارة

حقيبة الكـتب