حرب أكتوبر 973 العربية الإسرائيلية في ذكراها الخامسة والثلاثين
4:33 م | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمداني
أولا: وفاة عبد الناصر وتولي السادات الحكم :في الثامن والعشرين من أيلول 1970 أعلن راديو القاهرة نبأ وفات عبد الناصر، وقيل أن الوفاة كانت بسبب نوبة قلبية حادة داهمته، ولا تزال الشكوك تدور حول حقيقة تلك الأزمة القلبية حتى اليوم.
وابتهجت إسرائيل ومن ورائها الإمبريالية لمغادرة عبد الناصر الساحة، بعد سنوات من الصراع خاضتها ضد الأمة العربية منذُ تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، والنهوض الثوري في العالم العربي الذي أحدثته حركة التحرر العربي التي قادها عبد الناصر، رغم كل الأخطاء التي وقع فيها، والتي لو لم تقع لكان الحال قد تغير كثيراً بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي، والصراع العربي مع الإمبريالية، وبشكل خاص موقف عبد الناصر من قائد ثورة 14 تموز الزعيم[عبد الكريم قاسم]،فقد كانت الظروف تقتضي ، بل تحتم تعاون مصر والعراق بقيادة ناصر وقاسم ، من أجل دفع حركة التحرر العربي إلى الأمام، بدلاً من الصراع، والأحقاد التي وصلت حد التآمر على الكيان العراقي، وتأييد انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 ، وما جره على العراق وشعبه من ويلات ومآسي لا توصف، والضرر البليغ الذي لحق بكفاح العالم العربي للتحرر من هيمنة الإمبريالية، وتبين فيما بعد أن عبد الناصر كان ضحية خداع البعثيين، وشريكهم عبد السلام عارف، ورغبته الجامحة لقيادة العالم العربي .
أحدثت وفاة عبد الناصر فراغاً كبير في مصر والعالم العربي على حد سواء، في ظل ظروف بالغة الخطورة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية الإعداد للحرب التي كان عبد الناصر يدرك أن لا مفر منها بسبب التعنت والاستفزاز الإسرائيلي الوقح. ولذلك فقد كان من الأهمية بمكان ملئ الفراغ الذي أحدثه وفاة عبد الناصر المفاجئة بأسرع ما يمكن والسير قدما ًفي عملية التهيئة لحرب التحرير.
كان أنور السادات ،وقتذاك، يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وبموجب الدستور يتولى نائب الرئيس الحكم، في حالة شغور منصب الرئاسة لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد من قبل مجلس الأمة، وبترشيح من الاتحاد الاشتراكي.
وقبل إجراء الانتخاب كان هناك بالإضافة إلى السادات منافساً آخر ،هو [حسين الشافعي ] ،أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952، ذو الاتجاه الإسلامي، هذا بالإضافة إلى كتلة [ علي صبري ] الناصرية الممسكة بجميع المراكز العليا في الدولة من مجلس الوزراء، ومجلس الأمة، والاتحاد الاشتراكي، وكان بمقدور هذه الكتلة أن تتحكم في منْ يخلف عبد الناصر، لكن سوء تقديرهم لأنور السادات، واعتقادهم أنه شخص ضعيف يسهل السيطرة عليه دفعهم إلى تأييد ترشيحه للرئاسة، وهكذا كان، وتم انتخاب أنور السادات رئيساً للجمهورية، وهو لم يكد يصدق نفسه، فقد كان يعرف مركزه تماما،ً ويعرف مركز مجموعة [ علي صبري ]، وكانت تلك غلطة الناصريين الكبرى التي دفعوا ثمنها غالياً، ودفعت الأمة العربية تبعاً لذلك مستقبلها الذي وضعه السادات رهينة بأيدي الإمبرياليين الأمريكيين لسنين طويلة.
أما أنور السادات فقد وضع نصب عينيه مسألة التخلص من الكتلة الناصرية بزعامة علي صبري، وبقية رفاق عبد الناصر، والاستحواذ على السلطة كاملة وحدة بعيداً عن أي تأثير، أو نفوذ لما كان يسميه بـ [ مراكز القوة ].
ولم تمضِ مدة طويلة حتى تمكن السادات، بدعم من قائد الحرس الجمهوري وعدد من كبار الضباط الموالين له من توجيه ضربته لمجموعة علي صبري وإزاحتها عن السلطة، بل وزجها في السجون،ليصبح بعد ذلك الحاكم المطلق للبلاد، ويصفي كل آثار الناصرية .
بعد أن تسنى للسادات تصفية القوى الناصرية، وكتلة علي صبري، أقدم على أخطر عملية تخص أمن مصر وشعبها، وتخص قضية الحرب التي أوقف عبد الناصر حياته لأجلها، فقد قرر السادات في تموز 1972، ودون سابق إنذار إخراج الخبراء السوفيت من مصر،الذين كان لهم الدور الكبير في حماية مصر من قصف الطائرات الإسرائيلية، ولهم الدور الأكبر في تدريب وإعداد الجيش المصري ليوم المعركة التي كان الشعب ينتظرها بفارغ الصبر ليثأر لكرامته التي امتهنت يوم 5 حزيران 967.
شكل القرار صدمة كبرى للشعب المصري، وللحكومة السوفيتية، بعد كل الذي فعلوه من أجل مصر والعالم العربي، وتساءل الناس كيف يستطيع السادات محاربة إسرائيل المدعومة كل الدعم أمريكياً وقد جرد نفسه وبلده من سنده القوي الاتحاد السوفيتي ؟
ثانياً: حرب 6 تشرين الأول 1973:لم يكن بمقدور السادات أن يتخلى عن الهدف الذي كان يصبو إليه الشعب المصري وقواته المسلحة، إلا وهو تحرير الأراضي العربية المحتلة، ورد الكرامة العربية التي أهانتها إسرائيل في حرب حزيران 967 ، كما أن الجيش المصري كان قد وصل إلى أهبة الاستعداد لتنفيذ الإرادة الوطنية، إذ لابدّ من قيام الحرب،أو تقويض عرش السادات.
وهكذا اتخذ السادات قرار الحرب، ولكنه لم يكن يرمي إلى نفس الهدف الذي كان يهدف إليه عبد الناصر، بل كان يرمي إلى غايتين محددتين هما:
1 ـ التخلص من ضغط الجيش الذي كان ينتظر المعركة بفارغ الصبر والضغط الشعبي العارم، والتواق للنصر على إسرائيل،ورد كرامته المهانة.
2 ـ تحريك حالة اللا سلم واللا حرب، وإيجاد الذريعة للتفاوض مع إسرائيل، وعقد معاهدة سلام معها.
هكذا إذاً قرر السادات أن يخوض الحرب، وجري الاتصال مع الرئيس السوري حافظ الأسد، واتفق معه على التنسيق بين الجيشين لكي يجعلا الجيش الإسرائيلي يحارب على جبهتين في آن واحد، مما يجعل مهمة الجيش الإسرائيلي عسيرة. كما جرى الاتفاق على ساعة الصفر، وهي الساعة الثانية بعد الظهر يوم الجمعة المصادف 6 تشرين الأول 1973.
اندلاع الحرب: في تمام الساعة الثانية بعد ظهر يوم الجمعة المصادف 6 تشرين الأول 973 ،انطلقت 200 طائرة حربية مصرية نحو أهدافها شرق قناة السويس وبدأت بقصف الأهداف الإسرائيلية على طول القناة، وعلى كافة مطارات العدو في سيناء وتجمع دباباته ومدرعاته.
وبعد عشرة دقائق انطلقت فوهات 2000 مدفع تصلي بحممها القوات الإسرائيلية شرق القناة، في حين كانت قوات مظلية قد قامت بالإنزال وراء خطوط العدو وقرب المضايق، كما بدأ 600 مدفع ذات المدى القصير، بضرب خط بارليف والقوات المتواجدة عليه.
وفي الساعة الثانية والثلث ، أنزلت القوات المصرية 800 قارب مطاطي يحمل كل واحد منها 8 أفراد، تحت وابل من غطاء ناري، وبعد أن تمكن الكوماندوس من الضفادع البشرية من تعطيل أنابيب قاذفات اللهب التي أعدتها إسرائيل من قبل لتغطية القناة باللهب، ومنع أي محاولة للجيش المصري للعبور إلى الضفة الشرقية.
وهكذا تمكنت القوات المصرية من العبور، حيث استطاع 800 ضابط و13500 جندي من الوصول إلى الضفة الشرقية، واحتلال عدد من رؤوس الجسور. وقامت على الأثر قوات من الهندسة بفتح 60 ثغرة في خط بارليف، عن طريق ضخ شديد للماء من أنابيب أُعدت سلفاً، وجرى نصب مضخات قوية لضخ الماء، حيث تمكنت من إزاحة [ 90000] متر مكعب من التراب من خط بارليف.
وفي الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم العظيم كان (1500) ضابط و [22000]جندي قد عبروا القناة .
وفي الساعة الخامسة والنصف، طلب السادات السفير السوفيتي للتحدث معه وأبلغه بنشوب الحرب، وفي تلك اللحظة بلغ عدد القوات المصرية شرق القناة [2000] ضابط ،و[ 30000]جندي .(1)
وعند الساعة العاشرة والنصف ليلاً كانت القوات المصرية قد نصبت 8 جسور ضخمة، و4 جسور خفيفة، و31 معدية، لنقل القوات المدرعة والجنود إلى الضفة الشرقية للقناة، وعند حلول منتصف الليل كانت 5 فرق عسكرية كاملة من المدرعات والمشاة قد عبرت القناة، وحاصرت مواقع العدو، حيث جرى استسلام أكثر من نصفها. (2)
أما على الجبهة السورية، فقد انطلقت الطائرات، والمدفعية، والدبابات السورية نحو أهدافها في هضبة الجولان، وتخطت التحصينات الإسرائيلية متقدمة نحو مدينة القنيطرة عاصمة الجولان.
لقد تحققت معجزة العبور نحو الضفة الشرقية للقناة بوقت قياسي، وبخسائر لا تصدق، فقد كان عدد الشهداء المصريين 64 جنديا، والجرحى 420 وإعطاب 17 دبابة، و26 مدرعة، وهذا العدد اقل بكثير جداً مما كان قد وضع في حسابات القيادة العسكرية .
وفي اليوم التالي 7 أكتوبر، كان الجيش المصري قد وسع مناطق سيطرته شرق القناة حتى بلغت بعمق من بين 7ـ 9 كم . وفي هذا اليوم أتصل الرئيس السوفيتي برجنيف بالسادات مهنئاً إياه على العبور، وأبلغه استعداد السوفيت لتقديم كل دعم ومساعدة يطلبها الجيش المصري.
لم تكن تمضي سوى 20 ساعة على بدء الهجوم، وكان الجيش المصري بكامل قوته ومعنوياته العالية، واندفاعه الشديد حتى بادر السادات بالاتصال بوزير الخارجية الأمريكية [هنري كيسنجر] عن طريق القناة السرية عبر المخابرات الأمريكية، حيث أرسل مستشاره حافظ إسماعيل رسالة إلى كيسنجر يعلمه بما يلي:
1 ـ إن هدف مصر هو تحقيق السلام مع إسرائيل.
2ـ إن مصر لا تنوي تعميق الهجوم، وتوسيع المواجهة.
3 ـ إن مصر تطالب إسرائيل إعلان قبولها مبدأ الانسحاب من الأرضي المحتلة.
4 ـ إن مصر توافق على حرية الملاحة في مضايق تيران.
وهكذا فاحت رائحة الخيانة منذُ بداية الحرب، حيث وجه السادات خنجره إلى ظهر الجيش المصري، وسلاح إسرائيل فوق رؤوس الجيش السوري، فقد تلقف [ هنري كيسنجر ] رسالة السادات بفرح غامر، وحولها إلى إسرائيل لكي تركز جهدها العسكري نحو الجبهة السورية، بسبب خطورتها وقربها من العمق الإسرائيلي.
بدأت القوات السورية تتلقى الضربات الإسرائيلية المركزة، حيث دارت المعارك الشرسة بين الجيشين السوري والإسرائيلي، وخسرت سوريا في معركة واحدة دامت بضع ساعات ما بين 400 ـ 600 دبابة، في حين أوقف السادات هجومه بحجة الوقفة التعبوية!!، على الرغم من اتصال السوفيت به وإعلامه أن أقمارهم التجسسية قد اكتشفت أن إسرائيل قد سحبت معظم مدرعاتها من منطقة الممرات، ولم يبقَ لها سوى لواءين مدرعين فقط ، وأن بإمكان الجيش المصري القضاء عليها بكل سهولة، وبوقت قصير، طالبين منه بإلحاح تطوير الهجوم والاستيلاء على الممرات ذات المواقع الإستراتيجي الهامة جداً بالنسبة للدفاعات المصرية التي يصعب على العدو اجتيازها، وفي نفس الوقت تضطر إسرائيل إلى سحب قسم من مدرعاتها في مواجهة الجيش السوري .
لقد قدم اللواء [ حسن البدري ] ـ رئيس مركز القيادة رقم 10 ـ في اليوم الثاني لنشوب الحرب [7 تشرين الأول ] تقريراً للسادات طالباً فيه تطوير الهجوم والاندفاع نحو المضايق بأسرع وقت واحتلالها، لإبعاد أي خطر محتمل عن الجيش المصري، وأشار في تقريره أن الوقت الذي يضيع هو بكل تأكيد في صالح الجيش الإسرائيلي.
إلا أن السادات أغمض عينيه وصم أذنيه مرة أخرى، ولم يأمر بتطوير الهجوم إلا يوم 14 تشرين الأول، مانحاً إسرائيل الفرصة لتدمير الجيش السوري، وإعادة تحشيد قواتها المدرعة بمواجهة الجيش المصري، وإضاعة فرصة تاريخية في إمكانية دحر الجيش الإسرائيلي.
وبضغط من ضباط أركان جيشه، أقدم السادات على الهجوم في 14 تشرين الأول، وكانت إسرائيل قد أكملت تحشيد قواتها المدرعة، بعد تحييد الجبهة السورية، واستعدت كامل الاستعداد للهجوم المصري، حيث وقعت معركة كبرى خسر فيها الجانب المصري ما يزيد على 240 دبابة حتى الظهر، وفشل الهجوم، واستغل الإسرائيليون ذلك الفشل بالتقدم وتطوير هجومهم المضاد حتى تمكنوا من خرق الجبهة المصرية ما بين الجيشين الثاني والثالث، والتقدم نحو قناة السويس في منطقة [ الدفرسوار]، وتمكنت قواتهم من السيطرة على رأس جسر لها على القناة، ونصب الجسور فوقها، والعبور بدباباتهم يوم 15 تشرين الأول نحو الضفة الغربية للقناة، حيث عبرت ما يزيد على 800 دبابة إسرائيلية، وطوقت الجيش الثالث المصري ومنعت وصول الإمدادات الغذائية والمياه عنه، وعرضته لمخاطر جسيمة، وأعلنت رئيسة وزراء إسرائيل [ كولدا مائير] أن قواتها تحارب الآن غرب قناة السويس، وأنها وصلت إلى الكيلو 101 عن القاهرة.
كما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي [ موشي دايان] أن قواته الآن في طريقها إلى دمشق.
وفي 16 تشرين الأول خطب السادات في مجلس الأمة، مقدماً مشروعاً للسلام مع إسرائيل، وكان يبدو متهالكاً على كسب ود الولايات المتحدة التي وضعت كل ثقلها لدعم القوات الإسرائيلية بالسلاح، ومشجعة إياها على مواصلة الهجوم المضاد.
وفي 17 تشرين الأول قررت الدول العربية المنتجة للنفط تخفيض إنتاجها بنسبة 5% فوراً، وإضافة 5% كل شهر حتى تنسحب إسرائيل، وقرر الملك فيصل ملك السعودية تخفيض إنتاج النفط بنسبة 10 % فوراً كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وأدى ذلك الإجراء إلى حدوث ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، مما أثار غيض الولايات المتحدة حيث اعتبرت هذا القرار يشكل تهديداً خطيراً للمصالح الأمريكية، مما لا يمكن السكوت عليه، وقد دفع الملك فيصل حياته فيما بعد، بسبب ذلك القرار.
وفي ظل تلك الظروف البالغة الصعوبة بالنسبة للجيش السوري، حيث بدأ موقفه يضعف شيئاً فشيئاً أمام القوات الإسرائيلية،على الرغم من إسراع الاتحاد السوفيتي إلى تعويض خسائره من الأسلحة الثقيلة والمعدات، فقد أبدى استعداده إلى إرسال 3 فرق مدرعة محمولة جواً إلى سوريا، إذا ما أقدمت إسرائيل على مهاجمة دمشق .
ثالثاً : حكام العراق والحرب لم يُبلّغ حكام العراق بقرار الحرب، فقد كانت العلاقات العراقية المصرية والعراقية السورية على أسوأ حال، فعلى الجانب العراقي السوري كان الصراع بين جناحي البعث في البلدين قائماً ومستمراً، والعلاقات مقطوعة، كما أن العلاقات على الجانب المصري كانت قد وصلت إلى أسوأ حال بسبب تهجم حكام العراق على مصر وعبد الناصر بسبب موقفه من مشروع روجرز، عبر الإذاعة والتلفزيون والصحافة، ولذلك فقد فوجئ العراق بوقوع الحرب، عند ما أعلنت وكالات الأنباء قيامها، وكان العراق آنذاك في شبه حرب استنزاف مع إيران، بعد إقدام حكامه على إلغاء معاهدة عام 1937 مع إيران حول اقتسام مياه شط العرب. كما أن أوضاع الحرب في كردستان العراق قد أخذت جانباً كبيراً من الجيش العراقي، ومع ذلك أرسل العراق عدداً من أسراب طائراته الحربية إلى مصر، حيث شاركت منذُ اليوم الأول من الحرب فوق قناة السويس واستشهد عدد من الطيارين العراقيين في المعركة.
كما سارع العراق إلى الاتصال بالاتحاد السوفيتي طالباً منه الضغط على إيران لكي لا تستغل سحب قطعات من القوات العراقية وإرسالها إلى سوريا، وبالفعل وجه الاتحاد السوفيتي تحذيراً إلى إيران من مغبة استغلال الظروف والاعتداء على العراق، وحرك السوفيت بعض قطعاتهم الحربية نحو الحدود الإيرانية. وهكذا تسنى لحكام العراق إرسال المزيد من القوات العراقية إلى سوريا، ولعبت تلك القوات دوراً مشهوداً في إيقاف زحف المدرعات الإسرائيلية نحو دمشق، وأمنت لها الحماية، بعد أن تعرضت لخطر كبير.
غير أن الذي حدث بعد ذلك هو أن السادات أعلن قبوله وقف إطلاق النار من جانب واحد ودون استشارة سوريا، وحتى دون إعلام الرئيس حافظ الأسد بقراره المفاجئ، متخطياً قرار التنسيق بين الجبهتين الذي قامت على أساسه الحرب، مما جعل سوريا بموقف صعب للغاية، إذ لم يعد بإمكانها الاستمرار بالحرب لوحدها لعدم وجود توازن للقوى بينها وبين إسرائيل مما أضطر الرئيس الأسد إلى القبول بوقف إطلاق النار مرغماً، فقد كان الاستمرار في الحرب بعد خروج مصر منها لا يعني لسوريا سوى الانتحار لا غير.
بادر حكام العراق حال موافقة سوريا على وقف إطلاق النار إلى شن الهجوم على القرار متهمين القيادة السورية بالتخاذل، وقرروا على الفور سحب قواتهم العسكرية وأعادتها إلى العراق، معرضين سوريا لخطر جدي حيث كان وقف إطلاق النار هشاً، وغير مأمون، ويشكل خطراً كبيراً على سوريا، ولاسيما وأن إسرائيل لم تلتزم بقرار وقف إطلاق النار مع مصر، واستمرت قواتها بالتقدم، واحتلال المزيد من الأراضي غرب القناة بهدف تطويق الجيش الثالث المصري في سيناء.
كانت القوت الإسرائيلية تتجاهل وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية، وتتوسع للوصول إلى أبعد مسافة ممكنة حتى تمكنت من تطويق مدينة السويس، وبذلك أصبح الجيش الثالث المصري مطوقاً ، وبلغت القوات الإسرائيلية على بعد 100 كيلومتر من القاهرة ، ولم يكن أمام دبابات العدو الإسرائيلي البالغة 800 دبابة سوى 72 دبابة مصرية تدافع عن القاهرة. سارع الاتحاد السوفيتي إلى إرسال ما يزيد على 280 دبابة إلى مصر على عجل، وخلال 48 ساعة عن طريق ميناء الإسكندرية، لتمكين الجيش المصري من الوقوف أمام زحف القوات الإسرائيلية.
كما أن الرئيس اليوغسلافي [جوزيف بروس تيتو]قدم لمصر هدية تتضمن لواء مدرع كامل فوراً، كما قدمت الحكومة الجزائرية لواء مدرع كامل فوراً كذلك، وهكذا أصبح لدى مصر غرب القناة حوالي 800 دبابة تقف بوجه الدبابات الإسرائيلية لحماية القاهرة.
كان موقف الاتحاد السوفيتي الحازم الذي وصل إلى درجة استعداه لإرسال قواته العسكرية إلى مصر وسوريا لردع الهجوم الإسرائيلي، واضطرار الولايات المتحدة إلى الإيعاز لقادة إسرائيل للتوقف عن خرق قرار وقف إطلاق النار، واحتلال المزيد من الأراضي العربية.
موقف الأردن من الحرب:لم يدخل الأردن الحرب رغم كل الضغوطات التي مارسها الشعب الأردني على حكامه بالوقوف إلى جانب سوريا، ولاسيما أن الجبهة الأردنية طويلة وتمس خاصرة إسرائيل، وقد طلب الاتحاد السوفيتي من الملك حسين الدخول في الحرب إلى جانب سوريا لتخفيف الضغط عنها، وتوجيه ضرباته إلى خاصرة إسرائيل ، إلا أن الملك حسين تجاهل الطلب السوفيتي، وعلى الضد من ذلك طلب هنري كيسنجر من الملك حسين عدم التدخل في الحرب مهدداً الأردن بالاحتلال إذا ما أقدم على ذلك.، ولذلك آثر الملك حسين عدم الدخول في الحرب، والتريث انتظاراً للنتائج التي تسفر عنها الحرب .
صدور القرار 338 لوقف الحرب: في 22تشرين الأول 1973 صدر قرار مجلس الأمن 338 القاضي بوقف القتال، وإجراء مفاوضات بين الطرفين ، وتم ذلك بعد إجراء المشاورات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ، حيث وصل كيسنجر إلى موسكو، وتباحث مع القادة السوفيت ، وتم الاتفاق على القرار المذكور .
إلا أن إسرائيل أخذت تخرق القرار، وتحاول التوسع واحتلال المزيد من الأراضي حتى تمكنت من تطويق الجيش المصري الثالث، ومدينة السويس، مما أثار غضب الاتحاد السوفيتي حيث سارع برجنيف بالاتصال بالرئيس الأمريكي نيكسون طالباً منه على الفور وخلال ساعتين إيقاف العمليات الحربية الإسرائيلية ، والعودة إلى خطوط 22 تشرين الأول مهدداً بالتدخل العسكري، واضطرت الولايات المتحدة على الموافقة على قرار جديد لمجلس الأمن رقم 339 يطلب من إسرائيل العودة إلى خطوط وقف إطلاق النار في 22 تشرين الأول.
رابعاً: الاتحاد السوفيتي يوجه إنذاراً للولايات المتحدة:استمرت إسرائيل في عملياتها الحربية وتوسعها مما اضطر برجنيف إلى إرسال إنذار شديد اللهجة إلى الولايات المتحدة يقول فيه:
{ إن استمرار العدوان الإسرائيلي سوف يسفر عن عواقب وخيمة إذا لم يتوقف على الفور، ونظراً لأن إسرائيل لم تلتزم بقرارات مجلس الأمن ، ونظراً كما يبدو أن الولايات المتحدة ينقصها الرغبة في التعاون بفرض تطبيقه، فإن الاتحاد السوفيتي يقرر نفسه منفرداً اتخاذ الخطوات الضرورية العاجلة لتأكيد احترام وقف إطلاق النار، فلا يمكن لإسرائيل أن تفلت من مسؤولية انتهاكها}.
وعلى الفور أمر برجنيف ثلاث فرق محمولة جواً بالتهيؤ للطوارئ، وتحرك الأسطول السوفيتي في البحر المتوسط.
وفي 25 تشرين الأول تقدم السادات بطلب إرسال قوات سوفيتية أمريكية مشتركة لغرض تثبيت وقف إطلاق النار وعودة القوات الإسرائيلية إلى مواقعها السابقة في 22 تشرين الأول، وقد أيد السوفيت الطلب لكن الولايات المتحدة رفضته، وفي نفس الوقت أخذت القطعات البحرية السوفيتية تتحرك بسرعة نحو البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، ووضعت القوات السوفيتية في ألمانيا الديمقراطية في حالة الإنذار.
واكتشفت المخابرات الأمريكية تحرك 22 طائرة نقل أنطونوف تحمل كل منها 200 جندياً بكامل أسلحتهم وقد وصلت بوادبست في طريقها إلى مصر.
تصاعد الأزمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي: رداً على التحركات السوفيتية أعلنت الولايات المتحدة حالة التأهب في القوات المسلحة الأمريكية للدرجة الثالثة، ووضعت القوات الاستراتيجية في حالة الإنذار، وأخطرت الفرقة 82 المحمولة جواً والمتواجدة في ألمانيا الغربية بالاستعداد للحركة، وتم توجيه حاملة الطائرات [ روزفلت]من إيطاليا، وحاملة الطائرات أندرس في جزيرة كريت، وحاملة الطائرات جون كندي في المحيط الأطلسي بالتوجه نحو البحر الأبيض المتوسط، وقد أعلن كيسنجر قائلا: {إن أخبارنا سوف تصل السوفيت قبل وصول ردنا عليهم}، وكان هذا لا يعني سوى تحدي الولايات المتحدة للاتحاد السوفيتي، وهكذا بلغ التوتر أقصى درجاته بين المعسكرين الشرقي والغربي مهدداً في أية لحظة بنشوب حرب لا أحد يعرف مداها ، ولاسيما وأن الطرفين يمتلكان ترسانة جبارة من الأسلحة النووية باستطاعتها تدمير الكرة الأرضية .
السادات يلتقي حافظ الأسد في الكويت:في السادس من كانون الأول جرى لقاء بين السادات وحافظ الأسد بحضور أمير الكويت ، وقد جرى عتاب شديد من قبل الأسد على قرار السادت ألإنفرادي بوقف القتال وعدم استشارة سوريا، وعدم الالتزام بالتنسيق والتفاهم الذي تم قبل الحرب، وعلى تقديم السادات لمشروعه للسلام مع إسرائيل في 16 تشرين الأول، وبالنظر للظروف الخطيرة التي كانت تمر بها سوريا، فقد تم الاتفاق بين الرئيسين السوري والمصري على فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما.
وعند عودة السادات إلى مصر ماراً بالسعودية، التقى بالملك فيصل ملك السعودية محاولاً إقناعه باستقبال وزير الخارجية الأمريكية كيسنجر، لكن الملك رفض ذلك بسبب موقفه بجانب إسرائيل، وكان حقد كيسنجر يغلي في صدره، وأضمر الانتقام من الملك فيصل عقاباً له على تخفيض إنتاج النفط حيث تم تدبير خطة لاغتياله فيما بعد .
كيسنجر في القاهرة
في 6 كانون الأول وصل هنري كيسنجر إلى القاهرة وبصحبته وفد كبير في طريقه إلى الصين، وقد اختلى مع السادات منفرداً يوم 7 كانون الأول لمدة 3 ساعات تم خلالها ترتيب الأمور معه، وجرى الاتفاق على إقامة علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة ، وتنسيقاً كاملاً معها في الشرق الأوسط وأفريقيا ، وجرى الاتفاق على قيام الولايات المتحدة بحماية نظام السادات وحمايته الشخصية.
كما جرى الاتفاق على خمس نقاط فيما يخص الحرب بين مصر وإسرائيل طرحها كيسنجر على السادات، وقد تبين فيما بعد أن هذه النقاط كانت من وضع رئيسة الوزراء الإسرائيلية [كولدا مايئير] كما ورد في مذكرات كيسنجر نفسه، وقد طلب السادات من كيسنجر أن تكون المقترحات الخمس باسم مصر وليس باسم إسرائيل أو أمريكا لكي لا يحرج أمام الشعب المصري والشعوب العربية ، كما طلب منه عدم التحدث عن موافقة مصر على عبور السفن المتوجهة إلى إسرائيل من مضيق باب المندب الذي كانت قد أغلقته مصر عند بداية الحرب.
أولا: وفاة عبد الناصر وتولي السادات الحكم :في الثامن والعشرين من أيلول 1970 أعلن راديو القاهرة نبأ وفات عبد الناصر، وقيل أن الوفاة كانت بسبب نوبة قلبية حادة داهمته، ولا تزال الشكوك تدور حول حقيقة تلك الأزمة القلبية حتى اليوم.
وابتهجت إسرائيل ومن ورائها الإمبريالية لمغادرة عبد الناصر الساحة، بعد سنوات من الصراع خاضتها ضد الأمة العربية منذُ تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، والنهوض الثوري في العالم العربي الذي أحدثته حركة التحرر العربي التي قادها عبد الناصر، رغم كل الأخطاء التي وقع فيها، والتي لو لم تقع لكان الحال قد تغير كثيراً بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي، والصراع العربي مع الإمبريالية، وبشكل خاص موقف عبد الناصر من قائد ثورة 14 تموز الزعيم[عبد الكريم قاسم]،فقد كانت الظروف تقتضي ، بل تحتم تعاون مصر والعراق بقيادة ناصر وقاسم ، من أجل دفع حركة التحرر العربي إلى الأمام، بدلاً من الصراع، والأحقاد التي وصلت حد التآمر على الكيان العراقي، وتأييد انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 ، وما جره على العراق وشعبه من ويلات ومآسي لا توصف، والضرر البليغ الذي لحق بكفاح العالم العربي للتحرر من هيمنة الإمبريالية، وتبين فيما بعد أن عبد الناصر كان ضحية خداع البعثيين، وشريكهم عبد السلام عارف، ورغبته الجامحة لقيادة العالم العربي .
أحدثت وفاة عبد الناصر فراغاً كبير في مصر والعالم العربي على حد سواء، في ظل ظروف بالغة الخطورة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية الإعداد للحرب التي كان عبد الناصر يدرك أن لا مفر منها بسبب التعنت والاستفزاز الإسرائيلي الوقح. ولذلك فقد كان من الأهمية بمكان ملئ الفراغ الذي أحدثه وفاة عبد الناصر المفاجئة بأسرع ما يمكن والسير قدما ًفي عملية التهيئة لحرب التحرير.
كان أنور السادات ،وقتذاك، يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وبموجب الدستور يتولى نائب الرئيس الحكم، في حالة شغور منصب الرئاسة لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد من قبل مجلس الأمة، وبترشيح من الاتحاد الاشتراكي.
وقبل إجراء الانتخاب كان هناك بالإضافة إلى السادات منافساً آخر ،هو [حسين الشافعي ] ،أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952، ذو الاتجاه الإسلامي، هذا بالإضافة إلى كتلة [ علي صبري ] الناصرية الممسكة بجميع المراكز العليا في الدولة من مجلس الوزراء، ومجلس الأمة، والاتحاد الاشتراكي، وكان بمقدور هذه الكتلة أن تتحكم في منْ يخلف عبد الناصر، لكن سوء تقديرهم لأنور السادات، واعتقادهم أنه شخص ضعيف يسهل السيطرة عليه دفعهم إلى تأييد ترشيحه للرئاسة، وهكذا كان، وتم انتخاب أنور السادات رئيساً للجمهورية، وهو لم يكد يصدق نفسه، فقد كان يعرف مركزه تماما،ً ويعرف مركز مجموعة [ علي صبري ]، وكانت تلك غلطة الناصريين الكبرى التي دفعوا ثمنها غالياً، ودفعت الأمة العربية تبعاً لذلك مستقبلها الذي وضعه السادات رهينة بأيدي الإمبرياليين الأمريكيين لسنين طويلة.
أما أنور السادات فقد وضع نصب عينيه مسألة التخلص من الكتلة الناصرية بزعامة علي صبري، وبقية رفاق عبد الناصر، والاستحواذ على السلطة كاملة وحدة بعيداً عن أي تأثير، أو نفوذ لما كان يسميه بـ [ مراكز القوة ].
ولم تمضِ مدة طويلة حتى تمكن السادات، بدعم من قائد الحرس الجمهوري وعدد من كبار الضباط الموالين له من توجيه ضربته لمجموعة علي صبري وإزاحتها عن السلطة، بل وزجها في السجون،ليصبح بعد ذلك الحاكم المطلق للبلاد، ويصفي كل آثار الناصرية .
بعد أن تسنى للسادات تصفية القوى الناصرية، وكتلة علي صبري، أقدم على أخطر عملية تخص أمن مصر وشعبها، وتخص قضية الحرب التي أوقف عبد الناصر حياته لأجلها، فقد قرر السادات في تموز 1972، ودون سابق إنذار إخراج الخبراء السوفيت من مصر،الذين كان لهم الدور الكبير في حماية مصر من قصف الطائرات الإسرائيلية، ولهم الدور الأكبر في تدريب وإعداد الجيش المصري ليوم المعركة التي كان الشعب ينتظرها بفارغ الصبر ليثأر لكرامته التي امتهنت يوم 5 حزيران 967.
شكل القرار صدمة كبرى للشعب المصري، وللحكومة السوفيتية، بعد كل الذي فعلوه من أجل مصر والعالم العربي، وتساءل الناس كيف يستطيع السادات محاربة إسرائيل المدعومة كل الدعم أمريكياً وقد جرد نفسه وبلده من سنده القوي الاتحاد السوفيتي ؟
ثانياً: حرب 6 تشرين الأول 1973:لم يكن بمقدور السادات أن يتخلى عن الهدف الذي كان يصبو إليه الشعب المصري وقواته المسلحة، إلا وهو تحرير الأراضي العربية المحتلة، ورد الكرامة العربية التي أهانتها إسرائيل في حرب حزيران 967 ، كما أن الجيش المصري كان قد وصل إلى أهبة الاستعداد لتنفيذ الإرادة الوطنية، إذ لابدّ من قيام الحرب،أو تقويض عرش السادات.
وهكذا اتخذ السادات قرار الحرب، ولكنه لم يكن يرمي إلى نفس الهدف الذي كان يهدف إليه عبد الناصر، بل كان يرمي إلى غايتين محددتين هما:
1 ـ التخلص من ضغط الجيش الذي كان ينتظر المعركة بفارغ الصبر والضغط الشعبي العارم، والتواق للنصر على إسرائيل،ورد كرامته المهانة.
2 ـ تحريك حالة اللا سلم واللا حرب، وإيجاد الذريعة للتفاوض مع إسرائيل، وعقد معاهدة سلام معها.
هكذا إذاً قرر السادات أن يخوض الحرب، وجري الاتصال مع الرئيس السوري حافظ الأسد، واتفق معه على التنسيق بين الجيشين لكي يجعلا الجيش الإسرائيلي يحارب على جبهتين في آن واحد، مما يجعل مهمة الجيش الإسرائيلي عسيرة. كما جرى الاتفاق على ساعة الصفر، وهي الساعة الثانية بعد الظهر يوم الجمعة المصادف 6 تشرين الأول 1973.
اندلاع الحرب: في تمام الساعة الثانية بعد ظهر يوم الجمعة المصادف 6 تشرين الأول 973 ،انطلقت 200 طائرة حربية مصرية نحو أهدافها شرق قناة السويس وبدأت بقصف الأهداف الإسرائيلية على طول القناة، وعلى كافة مطارات العدو في سيناء وتجمع دباباته ومدرعاته.
وبعد عشرة دقائق انطلقت فوهات 2000 مدفع تصلي بحممها القوات الإسرائيلية شرق القناة، في حين كانت قوات مظلية قد قامت بالإنزال وراء خطوط العدو وقرب المضايق، كما بدأ 600 مدفع ذات المدى القصير، بضرب خط بارليف والقوات المتواجدة عليه.
وفي الساعة الثانية والثلث ، أنزلت القوات المصرية 800 قارب مطاطي يحمل كل واحد منها 8 أفراد، تحت وابل من غطاء ناري، وبعد أن تمكن الكوماندوس من الضفادع البشرية من تعطيل أنابيب قاذفات اللهب التي أعدتها إسرائيل من قبل لتغطية القناة باللهب، ومنع أي محاولة للجيش المصري للعبور إلى الضفة الشرقية.
وهكذا تمكنت القوات المصرية من العبور، حيث استطاع 800 ضابط و13500 جندي من الوصول إلى الضفة الشرقية، واحتلال عدد من رؤوس الجسور. وقامت على الأثر قوات من الهندسة بفتح 60 ثغرة في خط بارليف، عن طريق ضخ شديد للماء من أنابيب أُعدت سلفاً، وجرى نصب مضخات قوية لضخ الماء، حيث تمكنت من إزاحة [ 90000] متر مكعب من التراب من خط بارليف.
وفي الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم العظيم كان (1500) ضابط و [22000]جندي قد عبروا القناة .
وفي الساعة الخامسة والنصف، طلب السادات السفير السوفيتي للتحدث معه وأبلغه بنشوب الحرب، وفي تلك اللحظة بلغ عدد القوات المصرية شرق القناة [2000] ضابط ،و[ 30000]جندي .(1)
وعند الساعة العاشرة والنصف ليلاً كانت القوات المصرية قد نصبت 8 جسور ضخمة، و4 جسور خفيفة، و31 معدية، لنقل القوات المدرعة والجنود إلى الضفة الشرقية للقناة، وعند حلول منتصف الليل كانت 5 فرق عسكرية كاملة من المدرعات والمشاة قد عبرت القناة، وحاصرت مواقع العدو، حيث جرى استسلام أكثر من نصفها. (2)
أما على الجبهة السورية، فقد انطلقت الطائرات، والمدفعية، والدبابات السورية نحو أهدافها في هضبة الجولان، وتخطت التحصينات الإسرائيلية متقدمة نحو مدينة القنيطرة عاصمة الجولان.
لقد تحققت معجزة العبور نحو الضفة الشرقية للقناة بوقت قياسي، وبخسائر لا تصدق، فقد كان عدد الشهداء المصريين 64 جنديا، والجرحى 420 وإعطاب 17 دبابة، و26 مدرعة، وهذا العدد اقل بكثير جداً مما كان قد وضع في حسابات القيادة العسكرية .
وفي اليوم التالي 7 أكتوبر، كان الجيش المصري قد وسع مناطق سيطرته شرق القناة حتى بلغت بعمق من بين 7ـ 9 كم . وفي هذا اليوم أتصل الرئيس السوفيتي برجنيف بالسادات مهنئاً إياه على العبور، وأبلغه استعداد السوفيت لتقديم كل دعم ومساعدة يطلبها الجيش المصري.
لم تكن تمضي سوى 20 ساعة على بدء الهجوم، وكان الجيش المصري بكامل قوته ومعنوياته العالية، واندفاعه الشديد حتى بادر السادات بالاتصال بوزير الخارجية الأمريكية [هنري كيسنجر] عن طريق القناة السرية عبر المخابرات الأمريكية، حيث أرسل مستشاره حافظ إسماعيل رسالة إلى كيسنجر يعلمه بما يلي:
1 ـ إن هدف مصر هو تحقيق السلام مع إسرائيل.
2ـ إن مصر لا تنوي تعميق الهجوم، وتوسيع المواجهة.
3 ـ إن مصر تطالب إسرائيل إعلان قبولها مبدأ الانسحاب من الأرضي المحتلة.
4 ـ إن مصر توافق على حرية الملاحة في مضايق تيران.
وهكذا فاحت رائحة الخيانة منذُ بداية الحرب، حيث وجه السادات خنجره إلى ظهر الجيش المصري، وسلاح إسرائيل فوق رؤوس الجيش السوري، فقد تلقف [ هنري كيسنجر ] رسالة السادات بفرح غامر، وحولها إلى إسرائيل لكي تركز جهدها العسكري نحو الجبهة السورية، بسبب خطورتها وقربها من العمق الإسرائيلي.
بدأت القوات السورية تتلقى الضربات الإسرائيلية المركزة، حيث دارت المعارك الشرسة بين الجيشين السوري والإسرائيلي، وخسرت سوريا في معركة واحدة دامت بضع ساعات ما بين 400 ـ 600 دبابة، في حين أوقف السادات هجومه بحجة الوقفة التعبوية!!، على الرغم من اتصال السوفيت به وإعلامه أن أقمارهم التجسسية قد اكتشفت أن إسرائيل قد سحبت معظم مدرعاتها من منطقة الممرات، ولم يبقَ لها سوى لواءين مدرعين فقط ، وأن بإمكان الجيش المصري القضاء عليها بكل سهولة، وبوقت قصير، طالبين منه بإلحاح تطوير الهجوم والاستيلاء على الممرات ذات المواقع الإستراتيجي الهامة جداً بالنسبة للدفاعات المصرية التي يصعب على العدو اجتيازها، وفي نفس الوقت تضطر إسرائيل إلى سحب قسم من مدرعاتها في مواجهة الجيش السوري .
لقد قدم اللواء [ حسن البدري ] ـ رئيس مركز القيادة رقم 10 ـ في اليوم الثاني لنشوب الحرب [7 تشرين الأول ] تقريراً للسادات طالباً فيه تطوير الهجوم والاندفاع نحو المضايق بأسرع وقت واحتلالها، لإبعاد أي خطر محتمل عن الجيش المصري، وأشار في تقريره أن الوقت الذي يضيع هو بكل تأكيد في صالح الجيش الإسرائيلي.
إلا أن السادات أغمض عينيه وصم أذنيه مرة أخرى، ولم يأمر بتطوير الهجوم إلا يوم 14 تشرين الأول، مانحاً إسرائيل الفرصة لتدمير الجيش السوري، وإعادة تحشيد قواتها المدرعة بمواجهة الجيش المصري، وإضاعة فرصة تاريخية في إمكانية دحر الجيش الإسرائيلي.
وبضغط من ضباط أركان جيشه، أقدم السادات على الهجوم في 14 تشرين الأول، وكانت إسرائيل قد أكملت تحشيد قواتها المدرعة، بعد تحييد الجبهة السورية، واستعدت كامل الاستعداد للهجوم المصري، حيث وقعت معركة كبرى خسر فيها الجانب المصري ما يزيد على 240 دبابة حتى الظهر، وفشل الهجوم، واستغل الإسرائيليون ذلك الفشل بالتقدم وتطوير هجومهم المضاد حتى تمكنوا من خرق الجبهة المصرية ما بين الجيشين الثاني والثالث، والتقدم نحو قناة السويس في منطقة [ الدفرسوار]، وتمكنت قواتهم من السيطرة على رأس جسر لها على القناة، ونصب الجسور فوقها، والعبور بدباباتهم يوم 15 تشرين الأول نحو الضفة الغربية للقناة، حيث عبرت ما يزيد على 800 دبابة إسرائيلية، وطوقت الجيش الثالث المصري ومنعت وصول الإمدادات الغذائية والمياه عنه، وعرضته لمخاطر جسيمة، وأعلنت رئيسة وزراء إسرائيل [ كولدا مائير] أن قواتها تحارب الآن غرب قناة السويس، وأنها وصلت إلى الكيلو 101 عن القاهرة.
كما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي [ موشي دايان] أن قواته الآن في طريقها إلى دمشق.
وفي 16 تشرين الأول خطب السادات في مجلس الأمة، مقدماً مشروعاً للسلام مع إسرائيل، وكان يبدو متهالكاً على كسب ود الولايات المتحدة التي وضعت كل ثقلها لدعم القوات الإسرائيلية بالسلاح، ومشجعة إياها على مواصلة الهجوم المضاد.
وفي 17 تشرين الأول قررت الدول العربية المنتجة للنفط تخفيض إنتاجها بنسبة 5% فوراً، وإضافة 5% كل شهر حتى تنسحب إسرائيل، وقرر الملك فيصل ملك السعودية تخفيض إنتاج النفط بنسبة 10 % فوراً كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وأدى ذلك الإجراء إلى حدوث ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، مما أثار غيض الولايات المتحدة حيث اعتبرت هذا القرار يشكل تهديداً خطيراً للمصالح الأمريكية، مما لا يمكن السكوت عليه، وقد دفع الملك فيصل حياته فيما بعد، بسبب ذلك القرار.
وفي ظل تلك الظروف البالغة الصعوبة بالنسبة للجيش السوري، حيث بدأ موقفه يضعف شيئاً فشيئاً أمام القوات الإسرائيلية،على الرغم من إسراع الاتحاد السوفيتي إلى تعويض خسائره من الأسلحة الثقيلة والمعدات، فقد أبدى استعداده إلى إرسال 3 فرق مدرعة محمولة جواً إلى سوريا، إذا ما أقدمت إسرائيل على مهاجمة دمشق .
ثالثاً : حكام العراق والحرب لم يُبلّغ حكام العراق بقرار الحرب، فقد كانت العلاقات العراقية المصرية والعراقية السورية على أسوأ حال، فعلى الجانب العراقي السوري كان الصراع بين جناحي البعث في البلدين قائماً ومستمراً، والعلاقات مقطوعة، كما أن العلاقات على الجانب المصري كانت قد وصلت إلى أسوأ حال بسبب تهجم حكام العراق على مصر وعبد الناصر بسبب موقفه من مشروع روجرز، عبر الإذاعة والتلفزيون والصحافة، ولذلك فقد فوجئ العراق بوقوع الحرب، عند ما أعلنت وكالات الأنباء قيامها، وكان العراق آنذاك في شبه حرب استنزاف مع إيران، بعد إقدام حكامه على إلغاء معاهدة عام 1937 مع إيران حول اقتسام مياه شط العرب. كما أن أوضاع الحرب في كردستان العراق قد أخذت جانباً كبيراً من الجيش العراقي، ومع ذلك أرسل العراق عدداً من أسراب طائراته الحربية إلى مصر، حيث شاركت منذُ اليوم الأول من الحرب فوق قناة السويس واستشهد عدد من الطيارين العراقيين في المعركة.
كما سارع العراق إلى الاتصال بالاتحاد السوفيتي طالباً منه الضغط على إيران لكي لا تستغل سحب قطعات من القوات العراقية وإرسالها إلى سوريا، وبالفعل وجه الاتحاد السوفيتي تحذيراً إلى إيران من مغبة استغلال الظروف والاعتداء على العراق، وحرك السوفيت بعض قطعاتهم الحربية نحو الحدود الإيرانية. وهكذا تسنى لحكام العراق إرسال المزيد من القوات العراقية إلى سوريا، ولعبت تلك القوات دوراً مشهوداً في إيقاف زحف المدرعات الإسرائيلية نحو دمشق، وأمنت لها الحماية، بعد أن تعرضت لخطر كبير.
غير أن الذي حدث بعد ذلك هو أن السادات أعلن قبوله وقف إطلاق النار من جانب واحد ودون استشارة سوريا، وحتى دون إعلام الرئيس حافظ الأسد بقراره المفاجئ، متخطياً قرار التنسيق بين الجبهتين الذي قامت على أساسه الحرب، مما جعل سوريا بموقف صعب للغاية، إذ لم يعد بإمكانها الاستمرار بالحرب لوحدها لعدم وجود توازن للقوى بينها وبين إسرائيل مما أضطر الرئيس الأسد إلى القبول بوقف إطلاق النار مرغماً، فقد كان الاستمرار في الحرب بعد خروج مصر منها لا يعني لسوريا سوى الانتحار لا غير.
بادر حكام العراق حال موافقة سوريا على وقف إطلاق النار إلى شن الهجوم على القرار متهمين القيادة السورية بالتخاذل، وقرروا على الفور سحب قواتهم العسكرية وأعادتها إلى العراق، معرضين سوريا لخطر جدي حيث كان وقف إطلاق النار هشاً، وغير مأمون، ويشكل خطراً كبيراً على سوريا، ولاسيما وأن إسرائيل لم تلتزم بقرار وقف إطلاق النار مع مصر، واستمرت قواتها بالتقدم، واحتلال المزيد من الأراضي غرب القناة بهدف تطويق الجيش الثالث المصري في سيناء.
كانت القوت الإسرائيلية تتجاهل وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية، وتتوسع للوصول إلى أبعد مسافة ممكنة حتى تمكنت من تطويق مدينة السويس، وبذلك أصبح الجيش الثالث المصري مطوقاً ، وبلغت القوات الإسرائيلية على بعد 100 كيلومتر من القاهرة ، ولم يكن أمام دبابات العدو الإسرائيلي البالغة 800 دبابة سوى 72 دبابة مصرية تدافع عن القاهرة. سارع الاتحاد السوفيتي إلى إرسال ما يزيد على 280 دبابة إلى مصر على عجل، وخلال 48 ساعة عن طريق ميناء الإسكندرية، لتمكين الجيش المصري من الوقوف أمام زحف القوات الإسرائيلية.
كما أن الرئيس اليوغسلافي [جوزيف بروس تيتو]قدم لمصر هدية تتضمن لواء مدرع كامل فوراً، كما قدمت الحكومة الجزائرية لواء مدرع كامل فوراً كذلك، وهكذا أصبح لدى مصر غرب القناة حوالي 800 دبابة تقف بوجه الدبابات الإسرائيلية لحماية القاهرة.
كان موقف الاتحاد السوفيتي الحازم الذي وصل إلى درجة استعداه لإرسال قواته العسكرية إلى مصر وسوريا لردع الهجوم الإسرائيلي، واضطرار الولايات المتحدة إلى الإيعاز لقادة إسرائيل للتوقف عن خرق قرار وقف إطلاق النار، واحتلال المزيد من الأراضي العربية.
موقف الأردن من الحرب:لم يدخل الأردن الحرب رغم كل الضغوطات التي مارسها الشعب الأردني على حكامه بالوقوف إلى جانب سوريا، ولاسيما أن الجبهة الأردنية طويلة وتمس خاصرة إسرائيل، وقد طلب الاتحاد السوفيتي من الملك حسين الدخول في الحرب إلى جانب سوريا لتخفيف الضغط عنها، وتوجيه ضرباته إلى خاصرة إسرائيل ، إلا أن الملك حسين تجاهل الطلب السوفيتي، وعلى الضد من ذلك طلب هنري كيسنجر من الملك حسين عدم التدخل في الحرب مهدداً الأردن بالاحتلال إذا ما أقدم على ذلك.، ولذلك آثر الملك حسين عدم الدخول في الحرب، والتريث انتظاراً للنتائج التي تسفر عنها الحرب .
صدور القرار 338 لوقف الحرب: في 22تشرين الأول 1973 صدر قرار مجلس الأمن 338 القاضي بوقف القتال، وإجراء مفاوضات بين الطرفين ، وتم ذلك بعد إجراء المشاورات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ، حيث وصل كيسنجر إلى موسكو، وتباحث مع القادة السوفيت ، وتم الاتفاق على القرار المذكور .
إلا أن إسرائيل أخذت تخرق القرار، وتحاول التوسع واحتلال المزيد من الأراضي حتى تمكنت من تطويق الجيش المصري الثالث، ومدينة السويس، مما أثار غضب الاتحاد السوفيتي حيث سارع برجنيف بالاتصال بالرئيس الأمريكي نيكسون طالباً منه على الفور وخلال ساعتين إيقاف العمليات الحربية الإسرائيلية ، والعودة إلى خطوط 22 تشرين الأول مهدداً بالتدخل العسكري، واضطرت الولايات المتحدة على الموافقة على قرار جديد لمجلس الأمن رقم 339 يطلب من إسرائيل العودة إلى خطوط وقف إطلاق النار في 22 تشرين الأول.
رابعاً: الاتحاد السوفيتي يوجه إنذاراً للولايات المتحدة:استمرت إسرائيل في عملياتها الحربية وتوسعها مما اضطر برجنيف إلى إرسال إنذار شديد اللهجة إلى الولايات المتحدة يقول فيه:
{ إن استمرار العدوان الإسرائيلي سوف يسفر عن عواقب وخيمة إذا لم يتوقف على الفور، ونظراً لأن إسرائيل لم تلتزم بقرارات مجلس الأمن ، ونظراً كما يبدو أن الولايات المتحدة ينقصها الرغبة في التعاون بفرض تطبيقه، فإن الاتحاد السوفيتي يقرر نفسه منفرداً اتخاذ الخطوات الضرورية العاجلة لتأكيد احترام وقف إطلاق النار، فلا يمكن لإسرائيل أن تفلت من مسؤولية انتهاكها}.
وعلى الفور أمر برجنيف ثلاث فرق محمولة جواً بالتهيؤ للطوارئ، وتحرك الأسطول السوفيتي في البحر المتوسط.
وفي 25 تشرين الأول تقدم السادات بطلب إرسال قوات سوفيتية أمريكية مشتركة لغرض تثبيت وقف إطلاق النار وعودة القوات الإسرائيلية إلى مواقعها السابقة في 22 تشرين الأول، وقد أيد السوفيت الطلب لكن الولايات المتحدة رفضته، وفي نفس الوقت أخذت القطعات البحرية السوفيتية تتحرك بسرعة نحو البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، ووضعت القوات السوفيتية في ألمانيا الديمقراطية في حالة الإنذار.
واكتشفت المخابرات الأمريكية تحرك 22 طائرة نقل أنطونوف تحمل كل منها 200 جندياً بكامل أسلحتهم وقد وصلت بوادبست في طريقها إلى مصر.
تصاعد الأزمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي: رداً على التحركات السوفيتية أعلنت الولايات المتحدة حالة التأهب في القوات المسلحة الأمريكية للدرجة الثالثة، ووضعت القوات الاستراتيجية في حالة الإنذار، وأخطرت الفرقة 82 المحمولة جواً والمتواجدة في ألمانيا الغربية بالاستعداد للحركة، وتم توجيه حاملة الطائرات [ روزفلت]من إيطاليا، وحاملة الطائرات أندرس في جزيرة كريت، وحاملة الطائرات جون كندي في المحيط الأطلسي بالتوجه نحو البحر الأبيض المتوسط، وقد أعلن كيسنجر قائلا: {إن أخبارنا سوف تصل السوفيت قبل وصول ردنا عليهم}، وكان هذا لا يعني سوى تحدي الولايات المتحدة للاتحاد السوفيتي، وهكذا بلغ التوتر أقصى درجاته بين المعسكرين الشرقي والغربي مهدداً في أية لحظة بنشوب حرب لا أحد يعرف مداها ، ولاسيما وأن الطرفين يمتلكان ترسانة جبارة من الأسلحة النووية باستطاعتها تدمير الكرة الأرضية .
السادات يلتقي حافظ الأسد في الكويت:في السادس من كانون الأول جرى لقاء بين السادات وحافظ الأسد بحضور أمير الكويت ، وقد جرى عتاب شديد من قبل الأسد على قرار السادت ألإنفرادي بوقف القتال وعدم استشارة سوريا، وعدم الالتزام بالتنسيق والتفاهم الذي تم قبل الحرب، وعلى تقديم السادات لمشروعه للسلام مع إسرائيل في 16 تشرين الأول، وبالنظر للظروف الخطيرة التي كانت تمر بها سوريا، فقد تم الاتفاق بين الرئيسين السوري والمصري على فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما.
وعند عودة السادات إلى مصر ماراً بالسعودية، التقى بالملك فيصل ملك السعودية محاولاً إقناعه باستقبال وزير الخارجية الأمريكية كيسنجر، لكن الملك رفض ذلك بسبب موقفه بجانب إسرائيل، وكان حقد كيسنجر يغلي في صدره، وأضمر الانتقام من الملك فيصل عقاباً له على تخفيض إنتاج النفط حيث تم تدبير خطة لاغتياله فيما بعد .
كيسنجر في القاهرة
في 6 كانون الأول وصل هنري كيسنجر إلى القاهرة وبصحبته وفد كبير في طريقه إلى الصين، وقد اختلى مع السادات منفرداً يوم 7 كانون الأول لمدة 3 ساعات تم خلالها ترتيب الأمور معه، وجرى الاتفاق على إقامة علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة ، وتنسيقاً كاملاً معها في الشرق الأوسط وأفريقيا ، وجرى الاتفاق على قيام الولايات المتحدة بحماية نظام السادات وحمايته الشخصية.
كما جرى الاتفاق على خمس نقاط فيما يخص الحرب بين مصر وإسرائيل طرحها كيسنجر على السادات، وقد تبين فيما بعد أن هذه النقاط كانت من وضع رئيسة الوزراء الإسرائيلية [كولدا مايئير] كما ورد في مذكرات كيسنجر نفسه، وقد طلب السادات من كيسنجر أن تكون المقترحات الخمس باسم مصر وليس باسم إسرائيل أو أمريكا لكي لا يحرج أمام الشعب المصري والشعوب العربية ، كما طلب منه عدم التحدث عن موافقة مصر على عبور السفن المتوجهة إلى إسرائيل من مضيق باب المندب الذي كانت قد أغلقته مصر عند بداية الحرب.
التسميات:
بحوث تاريخية
بحوث تاريخية
0 التعليقات: