حرب الخليج الثالثة ـ الحلقة 23 الاستفتاء العام يقر الدستور الجديد!
3:21 م | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمداني
27/6/2008
أولاً: الاستفتاء العام يقر الدستور الجديد!
جاء إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق النتائج النهائية للاستفتاء الذي جري في 15 أكتوبر تشرين الأول2005 والتي اظهرت أن الدستور قد جرى إقراره من قبل الشعب حيث صوت 79 في المئة من الناخبين بقبول الدستور، وأن 21 في المئة من المصوتين عارضوه، بينما بلغت نسبة الإقبال على الاستفتاء 63 % من مجموع المواطنين الذين يحق لهم التصويت، وهم يمثلون الطائفة السنية.(1)
كان إسقاط الدستور يتطلب رفض أكثر من ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات، غير أنه من بين 18 محافظة كانت هناك محافظتان فقط قد رفضت الدستور بأكثرية ثلثي الأصوات هي محافظتي الأنبار وصلاح الدين، وقال عضو المفوضية العليا للانتخابات فريد أيار إن نسبة تأييد مسودة الدستور في محافظة نينوى ذات الأغلبية السنية هي التي حسمت الموقف حيث أيده 44,92% مقابل رفض 55,08% في نينوى حيث شارك 718 ألفا و758 ناخبا من اصل مليون و343 ألفا و381 شخصا مسجلا في سجل الناخبين، وكانت نسبة المقترعين الذين قالوا نعم 322 ألفا و869 مقابل 395 ألفا و889 شخصا صوتوا برفضه.
وتابع إن السيد أيار قائلاً الفارق هو 11% فقد كانت الطائفة السنية تتحتاج إلى 88 الف صوتا لكي تتغير نتيجة الاستفتاء، وقد لعب الأكراد الدور الحاسم في هذه النتيجة، فقد رفضت محافظتان ذات غالبية من العرب السنة هما محافظة صلاح الدين بنسبة 81,75% ومحافظة الأنبار بنسبة 96,95% الدستور ما أسفر عن تركيز الأنظار على نينوى بصفتها صاحبة الكلمة الفصل. ويشار إلى أن مسودة الدستور تسقط في حال رفضها من قبل ثلاث محافظات بغالبية ثلثي الأصوات.
وقد اتهم الموصليون الأحزاب القومية الكردية التي عملت المستحيل من أجل إقرار الدستور الذي كانت لهم اليد الطولى في إقرار مواده، بتزوير الاستفتاء، والتلاعب بأعداد الناخبين الكرد، من خلال تكريد مناطق واسعة من أطراف محافظة الموصل، وبالتالي التأثير على نتائج الاستفتاء إدراكا منهم أن تصويت ثلثي الناخبين في الموصل برفض الدستور كان سيسقطه، في حين عمل قادة الحزبين الكرديين جلال الطالباني ومسعود البارزاني على عدم بلوغ الرافضين للدستور نسبة ثلثي الأصوات، حيث كانت عملية التصويت في الموصل فرصتهم التاريخية في تحقيق حلمهم بتثبيت الكيان الذي شيدوه في شمال العراق بدعم وحماية الولايات المتحدة وبريطانيا على أثر الانتفاضة التي اعقبت حرب الخليج الثانية عام 1991. . كما وجهت القوى والأحزاب السنية الاتهامات المباشرة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتزوير إرادة الشعب العراقي في محافظة الموصل للحيلولة دون إسقاط الدستور، وقد رفض فريد أيار الناطق باسم المفوضية الاتهامات بحدوث تلاعب في النتائج مشيرا إلى انه كانت هناك عملية تدقيق مطولة قبل إعلان النتائج، ولكن أشرف قاضي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان قال إن الاستفتاء قد أظهر كيف صارت حالة الاستقطاب خطيرة في العراق. (2)
ثانيا: الطائفة السنية ترفض الدستور ونتائج الاستفتاء
وهكذا جاء الاستفتاء على الدستور مخيباً ليس فقط لآمال الطائفة السنية، بل لسائر القوى العلمانية التي وجدت في الدستور مشروع لتقسيم البلاد، وللحرب الأهلية، واستمرار تدهور الوضع الخطير في البلاد، وجاء أول رد فعل بعد إعلان نتائج الاستفتاء من قبل زعماء المعارضة السنية الذين عبروا عن رفضهم نتائج الاستفتاء التي أقرت الدستور الدائم في 25 تشرين الأول2005، متهمين الطرف الآخر بالتزوير، واتهم عدد من الشخصيات السنية التي شاركت بالمفاوضات على مسودة الدستور المفوضية العليا المستقلة بالإذعان للضغوط الأمريكية،والتلاعب بالنتائج لصالح الزعماء الشيعة والأكراد الذين سيطروا على الحكومة والبرلمان وسائر مرافق الدولة. . وأعلن زعماء المعارضة بأن هذه النتيجة ستثنيهم عن المشاركة في الانتخابات التي ستجري في كانون الأول المقبل، ودعوا الأمم المتحدة للتدخل معلننين عدم القبول بإجراء أي استفتاء أو انتخابات من دون مراقبين دوليين. . وكانت الحكومة العراقية قد بذلت جهدها لتهدئة الوضع الأمني في البلاد من خلال محاولة إشراك الطائفة السنية في العملية السياسية، لكن الدستور جاء معمقاً للانقسامات الطائفية، حيث أعطى الدستور الطائفة الشيعة والأكراد سلطة وسيطرة واسعة على ثروة البلاد، وفي مقدمتها الموارد النفطية من خلال مشروع إقامة الفيدراليات الشيعية والكردية.(3) ومن جهته قال الرئيس الأمريكي بوش إن ملايين العراقيين قد صوتوا في انتخابات كانون الثاني 2005، ولم يكن عدد كبير من الأفراد يعتقد أن هذا أمر ممكن. وتم صياغة الدستور الجديد، وكما تعلمون أنها وثيقة أثارت نقاشات وجدلا، فقد أبدى البعض تحفظات بشأنها أو دعمها جزئيا، لكنها تبقى وثيقة يمكن تعديلها من قبل حكومة تنتخب ديموقراطيا تماما كما حصل مع الدستور الأمريكي، ومضى الرئيس بوش في الحديث قائلاً: إن [الدستور الأمريكي] أثار قلقا أيضا عندما تم تبنيه للمرة الأولى، وتم تعديله على الفور. (4)
ثالثا: حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة باشتراك السنة
بعد أن تم إعداد الدستور الجديد من قبل اللجنة المشكلة من قبل البرلمان وإقراره في الاستفتاء، جاءت الخطوة التالية القاضية بحل البرلمان وأجراء انتخابات برلمانية جديدة تتولى بموجب الدستور الجديد الذي أصبح نافذ المفعول، انتخاب رئيس للجمهورية ونائبين للرئيس، ورئيس للوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة.
كان واضحاً أن أحزاب الإسلام السياسي الشيعية التي دخلت الانتخابات تحت قائمة الائتلاف العراقي، وقائمة التحالف الكردستاني ستقطف مرة أخرى ثمار الانتخابات الجديدة بكل تأكيد، مما يعني ذلك استمرار عزل المعارضة السنية، واستمرار التدهور الأمني في البلاد. وعلى الرغم من استطاعة الإدارة الأمريكية إقناع جبهة التوافق التي يتزعمها الحزب الإسلامي الطائفي السني بزعامة طارق الهاشمي، وحلفائه جبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلق وغيرها من التنظيمات السنية الأخرى المشاركة في الانتخابات بعد أن طمأنت قادة هذه القوى بإجراء تعديلات على الدستور بعد الانتخابات بما يلبي مطالب الطائفة السنية التي جرى تهميشها داعية إياهم إلى المساهمة في تهدئة الأوضاع.
وبالفعل استطاعت الحكومة إجراء الانتخابات في جو من الهدوء النسبي لم تشهده البلاد منذ سقوط نظام صدام، مما يؤكد العلاقة الوثيقة بين القيادات السنية والشيعية وبين العناصر المسلحة التي أغرقت الشوارع والطرق العراقية بدماء الأبرياء، حيث أوعز قادة الطرفين إلى الميليشيات التابعة لهم بتهدئة الوضع في البلاد خلال الانتخابات، والسماح للمواطنين المشاركة فيها دون خوف من السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة والقذائف والرصاص المنهمر فوق رؤوس المواطنين كل يوم.
لم يكن هناك تصويت لبرنامج السياسي بل جرى التصويت بدوافع الانتماء الديني أو الطائفي أو القومي بسبب الظرف الخاص الذي كان يمر به العراق، وشاركت بعض القوى السنية في الانتخابات بعد أن قاطعت الانتخابات السابقة، وبالتالي عن صياغة الدستور،مبعدة نفسها عن التأثير الفعال في القرار السياسي، مما أحدث خللا في توازن مجلس النواب العراقي المؤقت السابق. وجاءت نتائج الانتخابات التي جرت في 15 كانون الأول 2005، وبعد التصويت على الدستور العراقي الدائم الذي تم في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005 بمجلس نيابي ضم 275 عضوا لكي يتولى تشكيل حكومة تتولى السلطة لمدة أربع سنوات.
وبحسب توزيع المفوضية العليا التي أشرفت على الانتخابات فقد تم تخصيص 59 من مقاعد البرلمان لمحافظة بغداد و 19 لمحافظة نينوى و 16 لمحافظة البصرة و 15 لمحافظة السليمانية و 13 لمحافظة أربيل و 12 لمحافظة ذي قار و 11 لمحافظة بابل و 10 لمحافظة ديالى و 9 لكل من محافظة الأنبار و محافظة كركوك و 8 لكل من محافظة صلاح الدين و محافظة النجف و محافظة القادسية و 7 لكل من محافظة ميسان و محافظة دهوك و 6 لكل من محافظة كربلاء و محافظة المثنى.
أما بالنسبة للمقاعد ال45 المتبقية فقد منحت للأقليات التي لم تستطع المنافسة مع القوائم الكبرى و للمرأة العراقية إذا أخفقت في الحصول على نسبة 25% من المقاعد التي اقرها الدستور. (5)
وقد شارك في الانتخابات العديد من الأحزاب المؤتلفة كان أبرزها:
1 ـ الائتلاف العراقي الموحد: وقد ضم الأحزاب الشيعية الدينية وهي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، و حزب الدعوة الاسلامية و التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، وحزب الفضيلة، وقد حصلت على 128 مقعداً.
2 ـ التحالف الكردستاني: وقد ضم الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الشيوعي الكردستاني، والحزب الاشتراكي الكردستاني وحزب كادحي كردستان، وقد حصلت على 53 مقعداً.
3 ـ القائمة العراقية الوطنية: وهو تحالف علماني بقيادة رجل الولايات المتحدة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، وضم الحزب الشيوعي العراقي، والعديد من الشخصيات السياسية المستقلة كان من بينها الدكتور مهدي الحافظ والسيد غازي الياور، وقد حصلت على 25مقعداً.
4 ـ قائمة المؤتمر الوطني العراقي: بقيادة أحمد الجلبي، والذي انسحب من قائمة الائتلاف الشيعية، وفشلت في الحصول على أي مقعد. وقد تم منح الجلبي مقعداً من المقاعد التعويضية.
5 ـ قائمة التوافق : التي ضمت الحزب الإسلامي والعديد من التجمعات الطائفية السنية ، وقد حصلت على 44 مقعداً.
6 ـ جبهة الحوار: بزعامة الدكتور صالح المطلك، وحصلت على 11 مقعداً. 7ـ قائمة المصالحة والحوار: بزعامة مشعان الجبوري، وقد حصلت على 3 مقاعد. . 8 ـ قائمة الرساليون: القريبة من الصدريين، وقد حصلت على مقعدين.
9 ـ قائمة الرافدين المسيحية: وقد حصلت على مقعد واحد.
10ـ الجبهة التركمانية والأيزيديين وقائمة مثال الآلوسي: حصلوا على مقعد واحد لكل منهم.
وبقيت المقاعد التعويضية البالغة 45 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 275 مقعداً فقد جرى توزيعها على القوائم الفائزة كل بنسبة أصواتها . (6)
وهكذا أظهرت الانتخابات الجديدة أن الائتلاف الشيعي قد خسر 12 مقعداً في البرلمان الجديد في حين خسر التحالف الكردي 22 مقعداً وخسر ت القائمة العراقية بزعامة علاوي 15 مقعداً ، أما قائمة المؤتمر الوطني العراقي بقيادة الدكتور احمد الجلبي فقد فشلت في الحصول على أي مقعد في البرلمان الجديد بعد أن خرج من قائمة الائتلاف الشيعي .
تسبب إعلان النتائج الانتخابات بقيام المظاهرات احتجاجا على تلك النتائج حيث أعلن ممثلي القوائم الأخرى أن الانتخابات قد جرى تزويرها لصالح ائتلاف الأحزاب الشيعية الدينية. (7)
أما هيئة علماء المسلمين السنية التي ضمت القوى الرجعية وعناصر بعثية، فقد أعلنت أن الانتخابات غير شرعية طالما جرت في ظل الاحتلال، وطالبت الأحزاب السنية والعلمانية بإعادتها بدعوى حصول تزوير فيها ومضايقة وتهديد واستفزاز الناخبين. (8) . إن ما أفرزته الانتخابات الثانية من نتائج، وما أثير حولها من شكوك واتهامات بالتزوير من جانب العديد من قادة القوائم المشاركة في الانتخابات، وقبلها الانتخابات البرلمانية السابقة والتي قاطعتها الطائفة السنية، والدستور الذي اقره البرلمان السابق وما أثير حوله، وحول الاستفتاء من شكوك وقلق من قبل جانب كبير من أبناء الشعب، والوضع الأمني المتدهور جراء النشاط الإرهابي لقوى الفاشية والظلام، والذي يعصف بالبلاد ويزهق أرواح الأبرياء، والفساد المستشري في جهاز الدولة من القمة حتى القاعدة، والفقر والبطالة وتردي الحالة المعيشية للشعب، والوباء الذي يتمثل بالمليشيات المختلفة التي تعيث بالبلاد حيث الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والسجون خارج السلطة والقانون، وقوات الشرطة والجيش والأجهزة الأمنية الأخرى المخترقة من قبل عناصر هذه المليشيات، والتي باتت لا تمثل السلطة الرسمية بقدر ما تمثل الأحزاب المنتمية لها، وقوات الاحتلال الأمريكية المهيمنة على مقدرات العراق، والتي تخطط لحكم العراق إلى أمد طويل من وراء الستار، كل هذه الأمور أدخلت العراق وشعبه في مأزق خطير ينذر بكارثة كبرى تهدد بشكل جدي مصير ومستقبل العراق وشعبه. وقد دفعت هذه الأوضاع الكارثية الإدارة الأمريكية إلى التفكير بإشراك أحزاب الطائفة السنية في السلطة في محاولة لتهدئة الموقف.
رابعا: الإدارة الأمريكية تنجح في إشراك السنة في السلطة
كانت الطائفية التي مهد لها الدكتاتور صدام حسين بحملته الإيمانية المزيفة، والتي اعتمدها الحاكم الأمريكي بول بريمر في تشكيله مجلس الحكم، وتشكيل الحكومة المؤقتة فيما بعد، والانتخابات السابقة واللاحقة كلها تمثل عاملاً حاسماً في ترسيخ جذورها، وتعميق مخاطرها على مستقبل العراق. كما أن التعصب القومي الشوفيني، والكراهية أخذت بالتصاعد بوتائر متسارعة بين مكونات الشعب العراقي بحيث غدا المواطن السني يكره الشيعي، والشيعي يكره السني،الكردي يكره العربي والعربي يكره الكردي، والتركماني يكره الكردي والكردي يكره التركماني، دعك عن القلق الشديد الذي ينتاب الطوائف الأخرى من المسيحيين والصابئة والأيزيدية جراء تنامي الطائفية البغيضة والشوفينية القومية المتعصبة والخطيرة، ومحاولات البعض فرض أجندتهم المتخلفة على الآخرين بالقوة والترهيب، بل لقد تجاوزت ذلك إلى حد الاغتيال، ونسف محلات بيع المشروبات الروحية، ومحلات الحلاقين الرجالية منها والنسائية، وفرض الحجاب على المرأة، والعودة بها القهقرى إلى العصور القديمة بحجة مخالفة الشريعة!!. . وبدأت النغمات تتصاعد بالدعوة إلى استقلال كردستان تارة، والجنوب والفرات الأوسط تارة أخرى، وأصبح العراق فريسة لكل من يملك القوة والمليشيات المسلحة ليحقق طموحاته في تمزيق العراق، وإشعال نيران الحرب الأهلية التي تنذر بالدمار والخراب وإغراق البلاد بالدماء من أجل الاستئثار بالسلطة والثروة.
ما كان في حسبان الشعب العراقي الذي كان تواقاً للخلاص من نظام طاغية العصر صدام وحزبه الفاشي، والخروج من ذلك الوضع القاسي، ليصبح ضحية وضع أشد فتكاً وأفضع.
كما لم يدر في خلده أن يشهد هذا الصراع العنيف بين قادة الكتل والأحزاب السياسية على السلطة، تاركين الشعب تحت رحمة القوى الإرهابية الصدامية والظلامية التي حولت حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، جراء الجرائم التي يقترفونها كل يوم بدم بارد، وعن عزمٍ وتصميم لإنزال اكبر الخسائر البشرية والمادية بالشعب العراقي، بسياراتهم المفخخة، والعبوات المزروعة على الطرق والشوارع، والأحزمة الناسفة للانتحاريين الظلاميين المجرمين، حتى بات المواطن العراقي لا يأتمن على نفسه حتى في بيته.
وبدلا من أن توحد القوى والأحزاب السياسية التي عارضت نظام الطاغية صدام جهودها للتصدي لهذا الوباء الخطير الذي يعصف بالبلاد فقد جرى تحويل مجرى الصراع بين هذه القوى إلى صراع طائفي خطير بين الشيعة والسنة !!، ووصل هذا الصراع إلى الحد الذي جرت فيه أعمال القتل الوحشية على الهوية، ولعب الإعلام المتخلف والمتعصب لهذه القوى دوراً خطيراً في تحشيد العناصر المتخلفة وغير المنضبطة، وزجها في هذا الصراع الرهيب الذي ينذر بكارثة كبرى إذا لم تبادر هذه القوى على معالجة الأمر قبل فوات الأوان.
لكن المؤسف أن هذه القوى قد تخلت عن وطنيتها العراقية واضعة نصب أعينها الحصول على المكاسب والمغانم من خلال سعيها الحثيث للإمساك بالسلطة حتى لو احتراق العراق بأهله.
ففي حين نشهد كل يوم عشرات بل مئات الضحايا من المواطنين المقتولين خنقاً أو ذبحاً أو رصاصة بالرأس وهم معصوبي الأعين ومكتفي الأيدي على يد تلك العناصر الإرهابية التي لم تبقَ وقفاً على العناصر الصدامية والظلامية، بل يشاركها اليوم العناصر المحسوبة على الطائفة الشيعية بما فيها عناصر تنتسب إلى قوات الأمن المفروض فيها حماية الأمن والنظام العام، والحفاظ على امن المواطنين، وقد اعترفت وزارة الداخلية بأن عصابات الموت في الأجهزة الأمنية قد مارست هذا العمل الشنيع بحق المواطنين الأبرياء. (9)
إن هذه القوى قد فقدت ثقة الشعب بها جراء مواقفها إلا مسؤولة، وتخليها عن وطنيتها العراقية، فقد وضعت بعض القوى السياسية عنبها في سلة إيران، وأخرى وضعت عنبها في سلة سوريا، وثالثة وضعت عنبها في سلة السعودية، ورابعة وضعت عنبها في سلة أمريكا و بريطانيا، ولكل منها أجندتها وأهدافها البعيدة المدى مستعينة بما تقدمها هذه الدول من دعم مادي ولوجستي لقاء الخدمات التي تقدمها هي لهذه الدول بالضد من مصالح الشعب والوطن .
ولم تتعلم هذه القوى الدرس من تجارب التاريخ، وتناست كل تلك المؤتمرات التي كانت تعقدها يوم كانت في المعارضة خارج الوطن، وتوافقها على وحدة الجهود لبناء عراق ديمقراطي موحد، ينعم فيه شعبنا بالحرية والعدالة الاجتماعية التي حُرم منها لعقود طويلة. (10)
لقد تخلت هذه القوى عن الشعب في أحلك محنة تعصف به، ولم يعد ما يهمها سوى تحقيق مآربها الأنانية، وتعطشها للسلطة والاستئثار بها، والسعي لتحقيق أهدافها الخاصة حتى ولو أدت إلى تمزيق العراق شعباً ووطناً. القد بات الشعب العراقي تنتابه خيبة أمل كبرى بحكامه، فقد تلاشى الأمل الذي كان يحلم به، وأصابه اليأس من إصلاح الأوضاع المأساوية التي يعيش بظلها، فلا أمان واطمئنان على الحياة، ولا خدمات اجتماعية وصحية وثقافية، والبطالة بلغت أعلى معدلاتها، والأمراض والجوع والفقر تنخر بالمجتمع، والحكام عنه لاهون، وعلى السلطة يتصارعون، ولخدمة المحتلين يتسابقون.
وبسبب تلك الظروف البالغة الخطورة وجدت الإدارة الأمريكية أن إشراك الطائفة السنية في السلطة أمر لا مفر منه للسيطرة على الوضع الأمني في البلاد والخروج من المأزق التي وقعت فيه قواتها العسكرية التي باتت تدفع ثمناً باهظاً في الأفراد والمعدات يوماً بعد يوم، وفي تكاليف الحرب التي بدأت تتصاعد بأرقام قياسية أثارت أعضاء مجلس النواب الأمريكي الديمقراطيين حيث بدأوا حملة واسعة مطالبين بسحب القوات الأمريكية من العراق.(11)
وهكذا بدأت الإدارة الأمريكية مغازلة الحزب الإسلامي السني، وجبهة
الحوار وعدد من القوى السياسية السنية الأخرى في محاولة لإشراكها في العملية السياسية، واستطاعت إقناعها في المشاركة في السلطة بعد أن وعدتها بإعادة النظر في العديد من مواد الدستور المختلف عليها بما يرضي الطائفة السنية التي سعت القوى الأخرى لتهميشها.
لكن تلك المواعيد المتعلقة في إعادة النظر في مواد الدستور المختلف عليه ظلت تتناولها التجاذبات بين أحزاب السلطة المتمثلة بالمجلس الأعلى، وحرب الدعوة، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وبين أحزاب الطائفة السنية بمختلف توجهاتها، من دون أي إجراء حقيقي لتنفيذ تلك الوعود التي جرى على أساسها المشاركة في الانتخابات البرلمانية الثانية وكذلك المشاركة في السلطة، واستمرت المماطلات من قبل أحزاب السلطة، مما اضطر في نهاية المطاف قادة أحزاب الطائفة السنية إلى الانسحاب من الحكومة والبرلمان، وأدى الأمر إلى استمرار التدهور الأمني في البلاد، وبالتالي استمرار الكارثة التي بات الشعب العراقي يعيش في ظلها منذ سقوط نظام الدكتاتور صدام في التاسع من نيسان 2003 وحتى يومنا هذا .
27/6/2008
أولاً: الاستفتاء العام يقر الدستور الجديد!
جاء إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق النتائج النهائية للاستفتاء الذي جري في 15 أكتوبر تشرين الأول2005 والتي اظهرت أن الدستور قد جرى إقراره من قبل الشعب حيث صوت 79 في المئة من الناخبين بقبول الدستور، وأن 21 في المئة من المصوتين عارضوه، بينما بلغت نسبة الإقبال على الاستفتاء 63 % من مجموع المواطنين الذين يحق لهم التصويت، وهم يمثلون الطائفة السنية.(1)
كان إسقاط الدستور يتطلب رفض أكثر من ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات، غير أنه من بين 18 محافظة كانت هناك محافظتان فقط قد رفضت الدستور بأكثرية ثلثي الأصوات هي محافظتي الأنبار وصلاح الدين، وقال عضو المفوضية العليا للانتخابات فريد أيار إن نسبة تأييد مسودة الدستور في محافظة نينوى ذات الأغلبية السنية هي التي حسمت الموقف حيث أيده 44,92% مقابل رفض 55,08% في نينوى حيث شارك 718 ألفا و758 ناخبا من اصل مليون و343 ألفا و381 شخصا مسجلا في سجل الناخبين، وكانت نسبة المقترعين الذين قالوا نعم 322 ألفا و869 مقابل 395 ألفا و889 شخصا صوتوا برفضه.
وتابع إن السيد أيار قائلاً الفارق هو 11% فقد كانت الطائفة السنية تتحتاج إلى 88 الف صوتا لكي تتغير نتيجة الاستفتاء، وقد لعب الأكراد الدور الحاسم في هذه النتيجة، فقد رفضت محافظتان ذات غالبية من العرب السنة هما محافظة صلاح الدين بنسبة 81,75% ومحافظة الأنبار بنسبة 96,95% الدستور ما أسفر عن تركيز الأنظار على نينوى بصفتها صاحبة الكلمة الفصل. ويشار إلى أن مسودة الدستور تسقط في حال رفضها من قبل ثلاث محافظات بغالبية ثلثي الأصوات.
وقد اتهم الموصليون الأحزاب القومية الكردية التي عملت المستحيل من أجل إقرار الدستور الذي كانت لهم اليد الطولى في إقرار مواده، بتزوير الاستفتاء، والتلاعب بأعداد الناخبين الكرد، من خلال تكريد مناطق واسعة من أطراف محافظة الموصل، وبالتالي التأثير على نتائج الاستفتاء إدراكا منهم أن تصويت ثلثي الناخبين في الموصل برفض الدستور كان سيسقطه، في حين عمل قادة الحزبين الكرديين جلال الطالباني ومسعود البارزاني على عدم بلوغ الرافضين للدستور نسبة ثلثي الأصوات، حيث كانت عملية التصويت في الموصل فرصتهم التاريخية في تحقيق حلمهم بتثبيت الكيان الذي شيدوه في شمال العراق بدعم وحماية الولايات المتحدة وبريطانيا على أثر الانتفاضة التي اعقبت حرب الخليج الثانية عام 1991. . كما وجهت القوى والأحزاب السنية الاتهامات المباشرة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتزوير إرادة الشعب العراقي في محافظة الموصل للحيلولة دون إسقاط الدستور، وقد رفض فريد أيار الناطق باسم المفوضية الاتهامات بحدوث تلاعب في النتائج مشيرا إلى انه كانت هناك عملية تدقيق مطولة قبل إعلان النتائج، ولكن أشرف قاضي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان قال إن الاستفتاء قد أظهر كيف صارت حالة الاستقطاب خطيرة في العراق. (2)
ثانيا: الطائفة السنية ترفض الدستور ونتائج الاستفتاء
وهكذا جاء الاستفتاء على الدستور مخيباً ليس فقط لآمال الطائفة السنية، بل لسائر القوى العلمانية التي وجدت في الدستور مشروع لتقسيم البلاد، وللحرب الأهلية، واستمرار تدهور الوضع الخطير في البلاد، وجاء أول رد فعل بعد إعلان نتائج الاستفتاء من قبل زعماء المعارضة السنية الذين عبروا عن رفضهم نتائج الاستفتاء التي أقرت الدستور الدائم في 25 تشرين الأول2005، متهمين الطرف الآخر بالتزوير، واتهم عدد من الشخصيات السنية التي شاركت بالمفاوضات على مسودة الدستور المفوضية العليا المستقلة بالإذعان للضغوط الأمريكية،والتلاعب بالنتائج لصالح الزعماء الشيعة والأكراد الذين سيطروا على الحكومة والبرلمان وسائر مرافق الدولة. . وأعلن زعماء المعارضة بأن هذه النتيجة ستثنيهم عن المشاركة في الانتخابات التي ستجري في كانون الأول المقبل، ودعوا الأمم المتحدة للتدخل معلننين عدم القبول بإجراء أي استفتاء أو انتخابات من دون مراقبين دوليين. . وكانت الحكومة العراقية قد بذلت جهدها لتهدئة الوضع الأمني في البلاد من خلال محاولة إشراك الطائفة السنية في العملية السياسية، لكن الدستور جاء معمقاً للانقسامات الطائفية، حيث أعطى الدستور الطائفة الشيعة والأكراد سلطة وسيطرة واسعة على ثروة البلاد، وفي مقدمتها الموارد النفطية من خلال مشروع إقامة الفيدراليات الشيعية والكردية.(3) ومن جهته قال الرئيس الأمريكي بوش إن ملايين العراقيين قد صوتوا في انتخابات كانون الثاني 2005، ولم يكن عدد كبير من الأفراد يعتقد أن هذا أمر ممكن. وتم صياغة الدستور الجديد، وكما تعلمون أنها وثيقة أثارت نقاشات وجدلا، فقد أبدى البعض تحفظات بشأنها أو دعمها جزئيا، لكنها تبقى وثيقة يمكن تعديلها من قبل حكومة تنتخب ديموقراطيا تماما كما حصل مع الدستور الأمريكي، ومضى الرئيس بوش في الحديث قائلاً: إن [الدستور الأمريكي] أثار قلقا أيضا عندما تم تبنيه للمرة الأولى، وتم تعديله على الفور. (4)
ثالثا: حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة باشتراك السنة
بعد أن تم إعداد الدستور الجديد من قبل اللجنة المشكلة من قبل البرلمان وإقراره في الاستفتاء، جاءت الخطوة التالية القاضية بحل البرلمان وأجراء انتخابات برلمانية جديدة تتولى بموجب الدستور الجديد الذي أصبح نافذ المفعول، انتخاب رئيس للجمهورية ونائبين للرئيس، ورئيس للوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة.
كان واضحاً أن أحزاب الإسلام السياسي الشيعية التي دخلت الانتخابات تحت قائمة الائتلاف العراقي، وقائمة التحالف الكردستاني ستقطف مرة أخرى ثمار الانتخابات الجديدة بكل تأكيد، مما يعني ذلك استمرار عزل المعارضة السنية، واستمرار التدهور الأمني في البلاد. وعلى الرغم من استطاعة الإدارة الأمريكية إقناع جبهة التوافق التي يتزعمها الحزب الإسلامي الطائفي السني بزعامة طارق الهاشمي، وحلفائه جبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلق وغيرها من التنظيمات السنية الأخرى المشاركة في الانتخابات بعد أن طمأنت قادة هذه القوى بإجراء تعديلات على الدستور بعد الانتخابات بما يلبي مطالب الطائفة السنية التي جرى تهميشها داعية إياهم إلى المساهمة في تهدئة الأوضاع.
وبالفعل استطاعت الحكومة إجراء الانتخابات في جو من الهدوء النسبي لم تشهده البلاد منذ سقوط نظام صدام، مما يؤكد العلاقة الوثيقة بين القيادات السنية والشيعية وبين العناصر المسلحة التي أغرقت الشوارع والطرق العراقية بدماء الأبرياء، حيث أوعز قادة الطرفين إلى الميليشيات التابعة لهم بتهدئة الوضع في البلاد خلال الانتخابات، والسماح للمواطنين المشاركة فيها دون خوف من السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة والقذائف والرصاص المنهمر فوق رؤوس المواطنين كل يوم.
لم يكن هناك تصويت لبرنامج السياسي بل جرى التصويت بدوافع الانتماء الديني أو الطائفي أو القومي بسبب الظرف الخاص الذي كان يمر به العراق، وشاركت بعض القوى السنية في الانتخابات بعد أن قاطعت الانتخابات السابقة، وبالتالي عن صياغة الدستور،مبعدة نفسها عن التأثير الفعال في القرار السياسي، مما أحدث خللا في توازن مجلس النواب العراقي المؤقت السابق. وجاءت نتائج الانتخابات التي جرت في 15 كانون الأول 2005، وبعد التصويت على الدستور العراقي الدائم الذي تم في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005 بمجلس نيابي ضم 275 عضوا لكي يتولى تشكيل حكومة تتولى السلطة لمدة أربع سنوات.
وبحسب توزيع المفوضية العليا التي أشرفت على الانتخابات فقد تم تخصيص 59 من مقاعد البرلمان لمحافظة بغداد و 19 لمحافظة نينوى و 16 لمحافظة البصرة و 15 لمحافظة السليمانية و 13 لمحافظة أربيل و 12 لمحافظة ذي قار و 11 لمحافظة بابل و 10 لمحافظة ديالى و 9 لكل من محافظة الأنبار و محافظة كركوك و 8 لكل من محافظة صلاح الدين و محافظة النجف و محافظة القادسية و 7 لكل من محافظة ميسان و محافظة دهوك و 6 لكل من محافظة كربلاء و محافظة المثنى.
أما بالنسبة للمقاعد ال45 المتبقية فقد منحت للأقليات التي لم تستطع المنافسة مع القوائم الكبرى و للمرأة العراقية إذا أخفقت في الحصول على نسبة 25% من المقاعد التي اقرها الدستور. (5)
وقد شارك في الانتخابات العديد من الأحزاب المؤتلفة كان أبرزها:
1 ـ الائتلاف العراقي الموحد: وقد ضم الأحزاب الشيعية الدينية وهي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، و حزب الدعوة الاسلامية و التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، وحزب الفضيلة، وقد حصلت على 128 مقعداً.
2 ـ التحالف الكردستاني: وقد ضم الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الشيوعي الكردستاني، والحزب الاشتراكي الكردستاني وحزب كادحي كردستان، وقد حصلت على 53 مقعداً.
3 ـ القائمة العراقية الوطنية: وهو تحالف علماني بقيادة رجل الولايات المتحدة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، وضم الحزب الشيوعي العراقي، والعديد من الشخصيات السياسية المستقلة كان من بينها الدكتور مهدي الحافظ والسيد غازي الياور، وقد حصلت على 25مقعداً.
4 ـ قائمة المؤتمر الوطني العراقي: بقيادة أحمد الجلبي، والذي انسحب من قائمة الائتلاف الشيعية، وفشلت في الحصول على أي مقعد. وقد تم منح الجلبي مقعداً من المقاعد التعويضية.
5 ـ قائمة التوافق : التي ضمت الحزب الإسلامي والعديد من التجمعات الطائفية السنية ، وقد حصلت على 44 مقعداً.
6 ـ جبهة الحوار: بزعامة الدكتور صالح المطلك، وحصلت على 11 مقعداً. 7ـ قائمة المصالحة والحوار: بزعامة مشعان الجبوري، وقد حصلت على 3 مقاعد. . 8 ـ قائمة الرساليون: القريبة من الصدريين، وقد حصلت على مقعدين.
9 ـ قائمة الرافدين المسيحية: وقد حصلت على مقعد واحد.
10ـ الجبهة التركمانية والأيزيديين وقائمة مثال الآلوسي: حصلوا على مقعد واحد لكل منهم.
وبقيت المقاعد التعويضية البالغة 45 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 275 مقعداً فقد جرى توزيعها على القوائم الفائزة كل بنسبة أصواتها . (6)
وهكذا أظهرت الانتخابات الجديدة أن الائتلاف الشيعي قد خسر 12 مقعداً في البرلمان الجديد في حين خسر التحالف الكردي 22 مقعداً وخسر ت القائمة العراقية بزعامة علاوي 15 مقعداً ، أما قائمة المؤتمر الوطني العراقي بقيادة الدكتور احمد الجلبي فقد فشلت في الحصول على أي مقعد في البرلمان الجديد بعد أن خرج من قائمة الائتلاف الشيعي .
تسبب إعلان النتائج الانتخابات بقيام المظاهرات احتجاجا على تلك النتائج حيث أعلن ممثلي القوائم الأخرى أن الانتخابات قد جرى تزويرها لصالح ائتلاف الأحزاب الشيعية الدينية. (7)
أما هيئة علماء المسلمين السنية التي ضمت القوى الرجعية وعناصر بعثية، فقد أعلنت أن الانتخابات غير شرعية طالما جرت في ظل الاحتلال، وطالبت الأحزاب السنية والعلمانية بإعادتها بدعوى حصول تزوير فيها ومضايقة وتهديد واستفزاز الناخبين. (8) . إن ما أفرزته الانتخابات الثانية من نتائج، وما أثير حولها من شكوك واتهامات بالتزوير من جانب العديد من قادة القوائم المشاركة في الانتخابات، وقبلها الانتخابات البرلمانية السابقة والتي قاطعتها الطائفة السنية، والدستور الذي اقره البرلمان السابق وما أثير حوله، وحول الاستفتاء من شكوك وقلق من قبل جانب كبير من أبناء الشعب، والوضع الأمني المتدهور جراء النشاط الإرهابي لقوى الفاشية والظلام، والذي يعصف بالبلاد ويزهق أرواح الأبرياء، والفساد المستشري في جهاز الدولة من القمة حتى القاعدة، والفقر والبطالة وتردي الحالة المعيشية للشعب، والوباء الذي يتمثل بالمليشيات المختلفة التي تعيث بالبلاد حيث الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والسجون خارج السلطة والقانون، وقوات الشرطة والجيش والأجهزة الأمنية الأخرى المخترقة من قبل عناصر هذه المليشيات، والتي باتت لا تمثل السلطة الرسمية بقدر ما تمثل الأحزاب المنتمية لها، وقوات الاحتلال الأمريكية المهيمنة على مقدرات العراق، والتي تخطط لحكم العراق إلى أمد طويل من وراء الستار، كل هذه الأمور أدخلت العراق وشعبه في مأزق خطير ينذر بكارثة كبرى تهدد بشكل جدي مصير ومستقبل العراق وشعبه. وقد دفعت هذه الأوضاع الكارثية الإدارة الأمريكية إلى التفكير بإشراك أحزاب الطائفة السنية في السلطة في محاولة لتهدئة الموقف.
رابعا: الإدارة الأمريكية تنجح في إشراك السنة في السلطة
كانت الطائفية التي مهد لها الدكتاتور صدام حسين بحملته الإيمانية المزيفة، والتي اعتمدها الحاكم الأمريكي بول بريمر في تشكيله مجلس الحكم، وتشكيل الحكومة المؤقتة فيما بعد، والانتخابات السابقة واللاحقة كلها تمثل عاملاً حاسماً في ترسيخ جذورها، وتعميق مخاطرها على مستقبل العراق. كما أن التعصب القومي الشوفيني، والكراهية أخذت بالتصاعد بوتائر متسارعة بين مكونات الشعب العراقي بحيث غدا المواطن السني يكره الشيعي، والشيعي يكره السني،الكردي يكره العربي والعربي يكره الكردي، والتركماني يكره الكردي والكردي يكره التركماني، دعك عن القلق الشديد الذي ينتاب الطوائف الأخرى من المسيحيين والصابئة والأيزيدية جراء تنامي الطائفية البغيضة والشوفينية القومية المتعصبة والخطيرة، ومحاولات البعض فرض أجندتهم المتخلفة على الآخرين بالقوة والترهيب، بل لقد تجاوزت ذلك إلى حد الاغتيال، ونسف محلات بيع المشروبات الروحية، ومحلات الحلاقين الرجالية منها والنسائية، وفرض الحجاب على المرأة، والعودة بها القهقرى إلى العصور القديمة بحجة مخالفة الشريعة!!. . وبدأت النغمات تتصاعد بالدعوة إلى استقلال كردستان تارة، والجنوب والفرات الأوسط تارة أخرى، وأصبح العراق فريسة لكل من يملك القوة والمليشيات المسلحة ليحقق طموحاته في تمزيق العراق، وإشعال نيران الحرب الأهلية التي تنذر بالدمار والخراب وإغراق البلاد بالدماء من أجل الاستئثار بالسلطة والثروة.
ما كان في حسبان الشعب العراقي الذي كان تواقاً للخلاص من نظام طاغية العصر صدام وحزبه الفاشي، والخروج من ذلك الوضع القاسي، ليصبح ضحية وضع أشد فتكاً وأفضع.
كما لم يدر في خلده أن يشهد هذا الصراع العنيف بين قادة الكتل والأحزاب السياسية على السلطة، تاركين الشعب تحت رحمة القوى الإرهابية الصدامية والظلامية التي حولت حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، جراء الجرائم التي يقترفونها كل يوم بدم بارد، وعن عزمٍ وتصميم لإنزال اكبر الخسائر البشرية والمادية بالشعب العراقي، بسياراتهم المفخخة، والعبوات المزروعة على الطرق والشوارع، والأحزمة الناسفة للانتحاريين الظلاميين المجرمين، حتى بات المواطن العراقي لا يأتمن على نفسه حتى في بيته.
وبدلا من أن توحد القوى والأحزاب السياسية التي عارضت نظام الطاغية صدام جهودها للتصدي لهذا الوباء الخطير الذي يعصف بالبلاد فقد جرى تحويل مجرى الصراع بين هذه القوى إلى صراع طائفي خطير بين الشيعة والسنة !!، ووصل هذا الصراع إلى الحد الذي جرت فيه أعمال القتل الوحشية على الهوية، ولعب الإعلام المتخلف والمتعصب لهذه القوى دوراً خطيراً في تحشيد العناصر المتخلفة وغير المنضبطة، وزجها في هذا الصراع الرهيب الذي ينذر بكارثة كبرى إذا لم تبادر هذه القوى على معالجة الأمر قبل فوات الأوان.
لكن المؤسف أن هذه القوى قد تخلت عن وطنيتها العراقية واضعة نصب أعينها الحصول على المكاسب والمغانم من خلال سعيها الحثيث للإمساك بالسلطة حتى لو احتراق العراق بأهله.
ففي حين نشهد كل يوم عشرات بل مئات الضحايا من المواطنين المقتولين خنقاً أو ذبحاً أو رصاصة بالرأس وهم معصوبي الأعين ومكتفي الأيدي على يد تلك العناصر الإرهابية التي لم تبقَ وقفاً على العناصر الصدامية والظلامية، بل يشاركها اليوم العناصر المحسوبة على الطائفة الشيعية بما فيها عناصر تنتسب إلى قوات الأمن المفروض فيها حماية الأمن والنظام العام، والحفاظ على امن المواطنين، وقد اعترفت وزارة الداخلية بأن عصابات الموت في الأجهزة الأمنية قد مارست هذا العمل الشنيع بحق المواطنين الأبرياء. (9)
إن هذه القوى قد فقدت ثقة الشعب بها جراء مواقفها إلا مسؤولة، وتخليها عن وطنيتها العراقية، فقد وضعت بعض القوى السياسية عنبها في سلة إيران، وأخرى وضعت عنبها في سلة سوريا، وثالثة وضعت عنبها في سلة السعودية، ورابعة وضعت عنبها في سلة أمريكا و بريطانيا، ولكل منها أجندتها وأهدافها البعيدة المدى مستعينة بما تقدمها هذه الدول من دعم مادي ولوجستي لقاء الخدمات التي تقدمها هي لهذه الدول بالضد من مصالح الشعب والوطن .
ولم تتعلم هذه القوى الدرس من تجارب التاريخ، وتناست كل تلك المؤتمرات التي كانت تعقدها يوم كانت في المعارضة خارج الوطن، وتوافقها على وحدة الجهود لبناء عراق ديمقراطي موحد، ينعم فيه شعبنا بالحرية والعدالة الاجتماعية التي حُرم منها لعقود طويلة. (10)
لقد تخلت هذه القوى عن الشعب في أحلك محنة تعصف به، ولم يعد ما يهمها سوى تحقيق مآربها الأنانية، وتعطشها للسلطة والاستئثار بها، والسعي لتحقيق أهدافها الخاصة حتى ولو أدت إلى تمزيق العراق شعباً ووطناً. القد بات الشعب العراقي تنتابه خيبة أمل كبرى بحكامه، فقد تلاشى الأمل الذي كان يحلم به، وأصابه اليأس من إصلاح الأوضاع المأساوية التي يعيش بظلها، فلا أمان واطمئنان على الحياة، ولا خدمات اجتماعية وصحية وثقافية، والبطالة بلغت أعلى معدلاتها، والأمراض والجوع والفقر تنخر بالمجتمع، والحكام عنه لاهون، وعلى السلطة يتصارعون، ولخدمة المحتلين يتسابقون.
وبسبب تلك الظروف البالغة الخطورة وجدت الإدارة الأمريكية أن إشراك الطائفة السنية في السلطة أمر لا مفر منه للسيطرة على الوضع الأمني في البلاد والخروج من المأزق التي وقعت فيه قواتها العسكرية التي باتت تدفع ثمناً باهظاً في الأفراد والمعدات يوماً بعد يوم، وفي تكاليف الحرب التي بدأت تتصاعد بأرقام قياسية أثارت أعضاء مجلس النواب الأمريكي الديمقراطيين حيث بدأوا حملة واسعة مطالبين بسحب القوات الأمريكية من العراق.(11)
وهكذا بدأت الإدارة الأمريكية مغازلة الحزب الإسلامي السني، وجبهة
الحوار وعدد من القوى السياسية السنية الأخرى في محاولة لإشراكها في العملية السياسية، واستطاعت إقناعها في المشاركة في السلطة بعد أن وعدتها بإعادة النظر في العديد من مواد الدستور المختلف عليها بما يرضي الطائفة السنية التي سعت القوى الأخرى لتهميشها.
لكن تلك المواعيد المتعلقة في إعادة النظر في مواد الدستور المختلف عليه ظلت تتناولها التجاذبات بين أحزاب السلطة المتمثلة بالمجلس الأعلى، وحرب الدعوة، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وبين أحزاب الطائفة السنية بمختلف توجهاتها، من دون أي إجراء حقيقي لتنفيذ تلك الوعود التي جرى على أساسها المشاركة في الانتخابات البرلمانية الثانية وكذلك المشاركة في السلطة، واستمرت المماطلات من قبل أحزاب السلطة، مما اضطر في نهاية المطاف قادة أحزاب الطائفة السنية إلى الانسحاب من الحكومة والبرلمان، وأدى الأمر إلى استمرار التدهور الأمني في البلاد، وبالتالي استمرار الكارثة التي بات الشعب العراقي يعيش في ظلها منذ سقوط نظام الدكتاتور صدام في التاسع من نيسان 2003 وحتى يومنا هذا .
التسميات:
بحوث تاريخية
بحوث تاريخية
0 التعليقات: