نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - كتاب في حلقات (2)
3:46 م | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمداني 28/8/2008
ملاحظة هامة للقراء الكرام:
قبيل بدء عرض مسلسل نوري السعيد في شهر رمضان الكريم الذي سيجري بعد أيام، وجدت من المناسب أن أقدم للشعب العراقي على وجه الخصوص، وللعالم العربي بوجه عام فصول كتاب {نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى} الموثق، لكي يطلع الجميع على تلك المرحلة الهامة من تاريخ العراق، والدور الذي لعبه نوري السعيد فيها.
المؤلف حامد الحمداني
أولاً: حكومة السعدون تفشل في إقرار معاهدة عام 1922 الاسترقاقية
كان على حكومة عبد المحسن السعدون تنفيذ المهام الموكلة لها بانتخاب المجلس التأسيسي، وإقرار المعاهدة، وإقرار القانون الأساسي، وقانون الانتخاب، ومن أجل تنفيذ هذه المهام فقد كان على الحكومة أن تهيئ الأجواء التي تمكنها من تنفيذ هذه المهام بعد تلك الموجة العارمة التي اجتاحت العراق احتجاجاً على بنود المعاهدة التي وقعتها حكومة النقيب مع المندوب السامي البريطاني [بيرسي كوكس ] وذلك عن طريق توجيه ضربة قاصمة للقادة الوطنيين المعارضين للمعاهدة، ولرجال الدين في النجف وكربلاء الذين وقفوا بصلابة ضدها .
فقد قبضت السلطات الحكومية على الشيخ [مهدي الخالصي ] وولديه في 27 حزيران 1923، ونفتهم خارج العراق، كما نفت قريبيه الشيخين[علي تقي] و[سلمان الصفواني] وعطلت الحكومة عدد من الصحف المعارضة للمعاهدة، وقامت بحملة إرهاب للمواطنين لحملهم على المشاركة في الانتخابات المزمع أجراءها، والتي كان المندوب السامي يلح على إجرائها بأسرع وقت لغرض إقرار المعاهدة .(1)
أثار عملية إبعاد الشيخ الخالصي وولديه وقريبيه موجة احتجاجات عارمة من قبل رجال الدين في النجف وكربلاء الذين هاجموا إجراءات الحكومة، وطالبوا بعودتهم إلى العراق .
غير أن الحكومة بدلاً من أن تستجيب لمطالبهم واحتجاجاتهم أقدمت على إبعاد ما يزيد على 30 رجل دين أخر منهم إلى إيران، ووضعت تحت مراقبة الشرطة أكثر من 50 آخرين، وأشاعت جواً من الإرهاب في جميع أنحاء البلاد مما سبب في هيجان الشارع العراقي حيث خرجت الجماهير الشعبية تعلن رفضها للمعاهدة وتستنكر إجراءات الحكومة.
وبسبب تلك المعارضة الشعبية الواسعة، وبسبب الضغوط التي مارسها المندوب السامي على حكومة السيد [ عبد المحسن السعدون ] لإقرار المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922، وعلى الرغم من الإجراءات القمعية التي اتخذتها ضد المعارضة الشعبية الواسعة وقادتها الوطنيين فإن السعدون فشل في تحقيق رغبة المندوب السامي بإقرارها بسبب بنودها المجحفة بحق العراق واستقلاله، حيث أعطت تلك البنود بريطانيا الهيمنة المطلقة على مقدرات العراق، وقد حاول المندوب السامي [برسي كوكس] فرضها مستخدماً كافة وسائل الضغط على الملك والحكومة معاً، مما اضطر السعدون إلى تقديم استقالة حكومته إلى الملك فيصل في 15 تشرين الأول 1923، حيث تم قبول الاستقالة على الفور، وعهد الملك تأليف الوزارة الجديدة إلى السيد جعفر العسكري الذي اختار بدوره صهره نوري السعيد وزيراً للدفاع، لكي تأخذ هذه الحكومة على عاتقها إقرار المعاهدة، وتم تشكيل الوزارة في 22 تشرين الثاني 1923.
ثانياً : كيف تم إقرار المعاهدة ؟
في 2 نيسان 1924 قدم رئيس الوزراء[جعفر العسكري] المعاهدة العراقية البريطانية مع البروتوكول المرفق بها، والاتفاقيات المتفرعة عنها إلى المجلس التأسيسي طالباً منه إقرارها.
وحاول رئيس الوزراء تبرير ضرورة إقرار المعاهدة بصورة مستعجلة بحجة تمكين بريطانيا من إدخال العراق إلى عصبة الأمم، وتأمين الاستقلال الوطني، وحسم مسألة الحدود العراقية التركية، وقضية ولاية الموصل التي سعت تركيا بكل جهودها لضمها إليها، واستخدمت بريطانيا هذه المشكلة وسيلة ضغط على الحكومة العراقية لقبول المعاهدة المفروضة على العراق، وهذا ما أعلن عنه بصراحة أمام أعضاء المجلس [عبد المحسن السعدون ]،رئيس المجلس رداً على اعتراضات النواب الوطنيين حيث قال:
{ أيها السادة: إن الإنكليز مصرون على ربط قضية الموصل بتوقيع المعاهدة، فإما المعاهدة، وإما خسارة ولاية الموصل }. (2)
حاول رئيس الوزراء جعفر العسكري تمرير المعاهدة بأسرع ما يمكن بسبب إلحاح المندوب السامي البريطاني، لكن المعارضة طلبت توزيع لائحة المعاهدة على أعضاء المجلس لدراستها ومناقشتها، ولكي تعلن للشعب تفاصيلها، وجاء ذلك الاقتراح على لسان السيد[ ناجي السويدي] حيث جرى التصويت عليه وقبل الاقتراح وتم توزيع نسخ من المعاهدة، وطلب السيد ناجي السويدي تشكيل لجنة لتدقيق المعاهدة على أن تضم عضواً عن كل لواء، وبالفعل تم تشكيل اللجنة التي تألفت من النواب التالية أسماؤهم :
1 ـ ياسين الهاشمي 2 ـ عمر علوان
3 ـ زامل المناع 4 ـ حبيب الخيزران
5 ـ أصف أغا 6 ـ داؤد الجلبي
7 ـ فالح الصيهود 8 ـ محمد زكي
9 ـ عداي الجريان 10 ـ فهد الهذال
11ـ شريف أغا 12 ـ حبيب الطالباني
13 ـ المرزا فرج 14 ـ عبد الواحد سكر
15 ـ صالح شكارة .
باشرت اللجنة اجتماعاتها لمناقشة بنود المعاهدة حيث عقدت 29 جلسة نهارية، و20 جلسة مسائية، ودرست خلالها بنود المعاهدة، والمراسلات والوثائق المتعلقة بها، ووضعت تقريرها الذي ضم 65 صفحة.
في الوقت الذي كان المجلس التأسيسي يناقش بنود المعاهدة، كان الشارع العراق في حالة من الغليان الشديد، وكان العلماء والمحامون والمثقفون والأساتذة والطلاب ينظمون الاجتماعات والمظاهرات المطالبة بتعديل بنود المعاهدة بما يتفق وأماني الشعب في الحرية، والاستقلال الحقيقي، وكان لتلك المظاهرات والاحتجاجات أثرها الكبير على العديد من أعضاء المجلس الذين غيروا رأيهم، وطالبوا بتعديل بنود المعاهدة، وقد سبب هذا الموقف قلقاً شديداً للملك فيصل وللمندوب السامي البريطاني على حد سواء، وخاصة بعد إطلاق النار على أثنين من أعضاء المجلس المعروفين بولائهم للإنكليز وهما [ عداي الجريان ] و[سلمان البراك] مما خلق جواً من الرعب والقلق، ودفع عدد من أعضاء المجلس إلى تقديم استقالتهم، فيما امتنع البعض الآخر عن حضور جلسات المجلس بحجج مختلفة.
لقد سرتْ إشاعات في بغداد تقول أن إطلاق النار كان مدبراً من قبل الحكومة لاتخاذه مبرراً للتنكيل بالمعارضة وقمعها، واعتقال العناصر النشطة المعارضة للمعاهدة، وقيل أن الذي أطلق النار على عضوي المجلس هو أحد أزلام نوري السعيد [شاكر القره غولي]،وبالتعاون مع [عبد الله سرية].(3)
ولم تكتفِ الحكومة بكل ذلك بل لجأت إلى إغلاق العديد من صحف المعارضة كان من بينها[ الشعب] و[الاستقلال ] و[الناشئة] بغية كمّ الأصوات الوطنية المطالبة بتعديل بنود المعاهدة بما يتفق ومصالح الشعب والوطن .
لكن إصرار المعارضة الشعبية على مواصلة الكفاح ضد المعاهدة وضد سياسة الحكومة، وتصاعد الأزمة التي نشأت عن محاولة فرض المعاهدة التي كانت تنذر بتطورات خطيرة أجبرت الحكومة على تقديم استقالتها .
إلا أن الملك فيصل والمندوب السامي ضغطا على جعفر العسكري لكي يبقى في الحكم لحين إقرار المعاهدة .
كان المندوب السامي يراقب عن كثب مناقشات المجلس التأسيسي لبنود المعاهدة، وخطب الموالين والمعارضين، كما كان يراقب ما تنشره الصحف المعارضة، وتملكه شعور بالغضب لإصرار عدد كبير من أعضاء المجلس على تعديل بنود المعاهدة، وعلى تأخر إبرامها، فبعث إلى الملك فيصل بمذكرة خطيرة تنم عن التهديد، في 26 نيسان 1924،وجاء في المذكرة :
{حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل المعظم، دام ملكه:
يا صاحب الجلالة:
كثيراً ما اقُترح في أثناء المباحثات بخصوص معاهدة التحالف بين بريطانيا العظمى والعراق،والاتفاقيات المتفرعة،أن يُطلب من الحكومة البريطانية أن توافق على تعديلات في بعض الأمور التي يداخل المجلس شك بخصوصها. فلي الشرف أن أبلغ جلالتكم أن الحكومة البريطانية لا يسعها الموافقة على أي تعديلات، لا في المعاهدة ولا في البروتوكولات، ولا في الاتفاقيات، والأمر متروك للمجلس التأسيسي في أن يقبلها [ أي المعاهدة والبروتوكولات والاتفاقيات ] أو يرفضها برمتها،على نحو ما يراه الأفضل لمصلحة العراق.
إن السبب في قرار الحكومة البريطانية هذا هو أن إجراء التعديلات في المعاهدة والاتفاقيات بين توقيعها وإبرامها مخالف كل المخالفة للتعامل الدولي المقرر من أزمنة بعيدة في التاريخ، ويؤدي إلى جعل إتمام المعاهدات إتماماً نهائياً من المستحيلات تقريباً}. (4)
كانت مذكرة المندوب السامي هذه بمثابة إنذار للملك فيصل، بضرورة إقرار المعاهدة دون تغير أو تأخير.
وفي 16 أيار 1924 بعث المندوب السامي بمذكرة أخرى للملك فيصل،جاء فيها :
{يا صاحب الجلالة: لقد قمت بإيقاف حكومة صاحب الجلالة البريطانية تمام الوقوف على ما قد بدا حديثاً في العراق من الآراء والرغائب فيما يتعلق بمعاهدة التحالف بين بريطانيا العظمى والعراق والاتفاقيات المتفرعة عنها، وقد فوضتني الآن حكومة صاحب الجلالة البريطانية،بأن أبلغ جلالتكم رسمياً ما يلي :
{ إن حكومة صاحب الجلالة البريطانية لا يسعها أن تقبل قبل الإبرام أي تعديلات ما في المعاهدة والاتفاقيات التي سبق توقيعها بالنيابة عن الحكومتين، ولكن ستكون بعد الإبرام مستعدة لأن تبحث بروح الاعتدال، في كل ما قد يُرغب فيه من تعديلات في الاتفاقية المالية، هذا ولاشك في أن جلالتكم ستتخذون الوسائل لنشر هذا الكتاب}. (5)
صديق جلالتكم هنري. دوبس
ثالثاً:الشعب يتحدى والحكومة تطلق النار على المتظاهرين:
في الوقت الذي أشتد فيه ضغط المندوب السامي وحكومته على الملك فيصل والحكومة والمجلس التأسيسي من أجل الإسراع بإقرار المعاهدة العراقية البريطانية دون تأخير، ودون إجراء أي تعديل أو تغير عليها، صعّد الشعب العراقي كفاحه ضد المعاهدة، وسير المظاهرات الصاخبة المطالبة بتعديل بنودها بما يحقق السيادة الحقيقية، والاستقلال التام للعراق .
لقد أراد الشعب وقواه السياسية الوطنية تقديم الدعم الأقصى للنواب الوطنيين في المجلس التأسيسي ليكون موقفهم قوياً أثناء مناقشة بنود المعاهدة.
ولما بلغ أسماع أبناء الشعب أن المعاهدة ستناقش يوم 29 أيار 1924 خرجت مظاهرة صاخبة تندد بالمعاهدة، وتطالب بتعديلها، وتوجهت المظاهرة إلى مقر المجلس التأسيسي وأحاطت به، وكانت أصوات الغضب المنبعثة من حناجر المتظاهرين قد أجبرت رئيس الوزراء للخروج والتحدث إلى قادة المظاهرة طالباً منهم التفرق، والاعتماد على المندوبين، واعداً إياهم بعدم التفريط بحقوق الشعب وحرية العراق واستقلاله.
لكن حديثه لم ينجح في إقناع المتظاهرين، وحاولت الشرطة تفريقهم بالقوة، ولكنها فشلت في ذلك، ووقعت صِدامات عنيفة بينهم وبين المتظاهرين، مما دفع وزير الدفاع [نوري السعيد ] إلى استدعاء قوات الجيش لقمع حركة الاحتجاجات الشعبية، حيث جرت مصادمات عنيفة بين عناصر الجيش والمتظاهرين بعد أن استخدم الجيش الرصاص لتفريق المظاهرة، ووقوع إصابات عديدة في صفوف المتظاهرين العزل من السلاح، واستطاع الجيش تفريق المظاهرة. (6)
سارعت الحكومة إلى إصدار بيان رسمي في محاولة منها لتبرير استدعاء الجيش، واستخدام السلاح ضد أبناء الشعب المطالب بحريته واستقلال وطنه، كما أصدر رئيس المجلس التأسيسي في 29 أيار 1924 بياناً لتطمين أبناء الشعب معلناً أن المجلس سوف لن يفرط بحقوق الشعب مهما كانت الأحوال، وطالباً من أبناء الشعب انتظار قرار المجلس بكل اطمئنان .
وعلى اثر تلك الأحداث الدامية قرر المجلس تأجيل مناقشة المعاهدة إلى يوم السبت 3 أيار، لكن عدداً من المندوبين تغيبوا عن الحضور في ذلك اليوم، وكانت آثار الخوف والقلق بادية على وجوه الحاضرين منهم حتى أن الكثيرين منهم رفض الدخول إلى القاعة، مما اضطر رئيس المجلس إلى تأجيل الاجتماع إلى يوم 2 حزيران. وفيما بدأ الحاضرون في مغادرة بناية المجلس، حضر المندوب السامي [ هنري دوبس ] وبصحبته مستشار وزارة الداخلية المستر [كرونواليس ]، واضطر أعضاء المجلس إلى العودة إلى القاعة ليستمعوا إلى المندوب السامي.
تحدث المندوب السامي أمام الأعضاء الحاضرين بلهجة تنم عن التهديد والوعيد قائلاً:
{ بلغني أن بعض النواب قدموا تقريراً يقولون فيه أن المجلس لا يقبل إبرام المعاهدة ما لم تعطي بريطانيا ضماناً بالتعديل على أساس تقرير اللجنة التي شكلها المجلس لدراسة بنود المعاهدة، وهذا يعني في حقيقة الأمر تعديل المعاهدة، وهذا ما تعتبره حكومتي رفضاً للمعاهدة، وعلى المجلس أن يلاحظ تأثير ذلك على سير المفاوضات مع تركيا حول ولاية الموصل، فقد أخذنا معلومات بأن السير[بيرسي كوكس ] عند وصوله إلى الاستانة شاهد تسهيلات في المعاملة لإبقاء ولاية الموصل للعراق.
ولكن عند ما بلغ الأتراك سير أعمال المجلس التأسيسي العراقي تغيروا وصاروا يطلبون ولاية الموصل، وإنهم يرفضون إحالة الأمر إلى مجلس عصبة الأمم }. (7)
كانت كلمة المندوب السامي أمام الحاضرين من أعضاء المجلس التأسيسي بمثابة إنذار لهم، فإما إقرار المعاهدة وإما سلخ ولاية الموصل من العراق، مستخدماً قضية الموصل ورقة ضغط كبرى لغرض إقرار المعاهدة. وقبل أن يغادر القاعة طلب إقرار المعاهدة بشكلها الحالي واعداً أعضاء المجلس بأجراء مفاوضات لتعديل ما طالبت به اللجنة في تقريرها شرط أن يكون ذلك بعد إقرار المعاهدة .
وفي 2 حزيران 1924 أجتمع المجلس التأسيسي من جديد، وحضر الاجتماع 63 عضواً من مجموع 100، وبدأ المجلس بمناقشة بنود المعاهدة، وأثناء المناقشة حدثت مشادات عنيفة بين الأعضاء المؤيدين للحكومة والمعارضين لها، واسُتخدمت فيها أقسى العبارات.
في تلك الساعات الحرجة كان الملك فيصل يشعر نفسه واقعاً بين نارين، نار المندوب السامي البريطاني وضغطه المتواصل لإبرام المعاهدة، بما فيها من مسٍ خطيرٍ بحقوق العراق ومستقبله، ونار المعارضة الشعبية العارمة والرافضة لتلك المعاهدة، وبقي في حيرة من أمره لا يدري ماذا يفعل، وكيف يرضي المندوب السامي، ويرضي الشعب العراقي في الوقت نفسه .
وحاول الملك من خلال اللقاء الذي دعا إليه أعضاء المجلس التأسيسي يوم 9 حزيران 1924 الوصول إلى حل ما لهذه الأزمة حيث تحدث مع أعضاء المجلس قائلاً : {أنا لا أقول لكم أقبلوا المعاهدة أو ارفضوها، وإنما أقول لكم اعملوا ما ترونه الأنفع لمصلحة بلادكم فان أردتم رفضها فلا تتركوا فيصلاً معلقاً بين السماء والأرض، بل أوجدوا لنا طريقاً غير المعاهدة، فلا تضيعوا ما في أيديكم من وسيلة للمحافظة على كيانكم، وتحينوا الفرصة لتحصلوا على ما هو أكثر مما في أيديكم}. (8)
وفي 10 حزيران 1924 عقد المجلس التأسيسي جلسته الثالثة والعشرين، وأعلن رئيس المجلس أن هناك اقتراحاً من عدد من أعضاء المجلس بتأجيل البت في المعاهدة إلى حين الانتهاء من مشكلة ولاية الموصل، ثم طلب رئيس الوزراء [جعفر العسكري ] الحديث طالباً من المجلس عدم تأجيل البت في المعاهدة بسبب أمور سياسية خارجية استوجبت ذلك، وكان رئيس الوزراء يشير بذلك إلى التهديدات البريطانية المتصاعدة للملك والحكومة لإقرار المعاهدة .
لكن المجلس صوت على تأجيل الجلسة إلى اليوم التالي، وقد أثار قرار التأجيل المندوب السامي، الذي صمم على فرض المعاهدة فرضاً.
فقد تحدث المندوب السامي مع الملك فيصل بالهاتف، وأعلمه بأنه سوف يكون عنده عصر ذلك اليوم لأمرٍ هام، فيما كان قد أعد مذكرة خطيرة يطلب فيها إصدار قانون بحل المجلس التأسيسي، وإصدار أمر باحتلال بناية المجلس .
وعند وصول المندوب السامي إلى البلاط عصر ذلك اليوم سلم الملك فيصل المذكرة التالية : {لا تستطيع حكومة صاحب الجلالة البريطانية في مثل هذه الظروف أن تسمح باستمرار الحالة الراهنة التي ينشأ عنها خطر عظيم يهدد سلامة العراق الداخلية والخارجية، فأن المذاكرات الأخيرة للمجلس التأسيسي التي جرت في هذا اليوم لم تظهر أي اقتراب من الاتفاق، ولا أي أمل في اتخاذ المجلس قراراً صريحاً وسريعاً، لذا طُلب إليّ أن أوجه أنظار جلالتكم كشرط لاستمرار تأييد حكومة صاحب الجلالة البريطانية أن تصدروا فوراً بعد استشارة مجلس وزارتكم وبواسطته تعديلاً لقانون المجلس التأسيسي يخولكم حق فض المجلس في أي وقت شئتم خلال الأربعة أشهر من تاريخ افتتاح جلساته، وأن تأمروا بموجب هذا التعديل حل المجلس اعتباراً من الساعة الثانية عشرة من ليلة 10 على 11 حزيران.
وأرى من واجبي أن اطلب من جلالتكم أن تبلغوا الأمر رسمياً، بواسطة رئيس وزرائكم إلى رئيس المجلس التأسيسي قبل الساعة السابعة من صباح اليوم الحادي عشر من حزيران، وأن تصدروا التعليمات بواسطة وزير الداخلية لغلق بناية المجلس فوراً، وإحاطتها وما يجاورها بقوة من الشرطة تكفي لتنفيذ هذا الأمر}. (9)
حاول الملك فيصل وبحضور رئيس الوزراء [جعفر العسكري] وزعيم المعارضة [ياسين الهاشمي] إيجاد حل لهذه الأزمة مع المندوب السامي، وجرى بحث مستفيض حول السبل الممكنة لذلك، وقد طلب المندوب السامي أن يدعى المجلس التأسيسي إلى عقد جلسة له فوق العادة، وقبل منتصف الليل من هذا اليوم ويبرم المعاهدة كحل أخير ونهائي، وإلا يجب أن يحل المجلس.
وعلى الفور أمر الملك باستدعاء رئيس المجلس إلى الحضور، وطلب إليه الملك والمندوب السامي أن يجمع أعضاء المجلس هذه الليلة ويقرّ المعاهدة دون تأخير.
خرج رئيس المجلس وبصحبته رئيس الوزراء، واحد مرافقي الملك، وبقي المندوب السامي في البلاط ليواصل الضغط على الملك لإقرار المعاهدة قبل الساعة الثانية عشرة ليلاً، وصار مدير الشرطة يرافقه مرافق الملك وعدد من أفراد الشرطة يدورون على أعضاء المجلس ويرغمونهم على حضور الجلسة لأجل إقرار المعاهدة في تلك الليلة، فقد ذكر الحاج ناجي،أحد أعضاء المجلس أن الشرطة انتزعته من سريره وحشرته في السيارة وهو لا يعرف إن كانوا سيأخذونه إلى المشنقة أم إلى السجن، فقد كان من معارضي المعاهدة. (10)
رابعاً:المجلس يجتمع ليلاً،ويقر المعاهدة تحت التهديد:
استطاع مدير الشرطة ورجاله جمع 68 نائباً في ليلة 10 / 11 حزيران 1924 قبل منتصف الليل، وأعلن رئيس المجلس [ عبد المحسن السعدون ] عن افتتاح الجلسة، حيث تحدث إلى الحاضرين من أعضائه قائلاً:{كان مجلسكم العالي قد أجل جلسته إلى يوم الغد (الأربعاء) غير أن جلالة الملك أبلغني بأن فخامة المندوب السامي قد أبلغ جلالته بأنه لا يمكن تأجيل المذاكرات إلى الغد، لأنه يعد ذلك رفضاً للمعاهدة، وعليه فقد دعوتكم إلى الاجتماع، ومن وظيفتي أن أبلغكم ذلك}. (11)
لم يكن أمام المجلس إلا إقرار المعاهدة في تلك الليلة، حيث جرى التصويت عليها على عجل، وتحت التهديد بحل المجلس، وقد وافق عليها 37 نائباً وعارضها 24، وامتنع عن التصويت 8 أعضاء، وبذلك أقرت المعاهدة من قبل المجلس التأسيسي .
سُرّ المندوب السامي لإقرار المعاهدة، وهرع إلى البلاط الملكي حيث اجتمع إلى الملك فيصل وأبلغه أن الحكومة البريطانية تعتبر تصويت المجلس على المعاهدة وذيولها على النحو الذي تم يفي بالشروط المطلوبة في المادة 18 من المعاهدة والتي تنص على أن المعاهدة لا تبرم من قبل الفريقين الساميين المتعاقدين إلا بعد قبولها من المجلس التأسيسي .
ولابد أن أشير هنا إلى أن الأعضاء الذين وافقوا على المعاهدة قد أضافوا فقرة تقول:{ وتصبح هذه المعاهدة واتفاقياتها لاغية لا حكم لها إذا لم تحافظ الحكومة البريطانية على بقاء ولاية الموصل ضمن العراق }.
وبعد توقيع المعاهدة وحصول الإمبرياليين البريطانيين على الامتيازات النفطية صادقت عصبة الأمم في 16 كانون الأول 1925 على عائدية ولاية الموصل للعراق، وجعل حدود العراق وفقاً لما يسمى [ خط بروكسل ] ودعت عصبة الأمم العراق إلى عقد معاهدة مع بريطانيا تضمن استمرار الانتداب على العراق لمدة 25 سنة، وبالفعل تم إقرار المعاهدة الجديدة في البرلمان في 18 كانون الثاني 1926، رغم معارضة النواب الوطنيين الذين طلبوا إحالتها إلى لجنة برلمانية لدراستها ولكن دون جدوى .
أما تركيا فقد خضعت للضغط البريطاني، ووافقت على بقاء ولاية الموصل ضمن العراق، وذلك بموجب المعاهدة العراقية البريطانية التركية المعقودة في 5 حزيران 1926،على أن تمنح الحكومة البريطانية تركيا نصف مليون ليرة بريطانية تعويضاً عن حصتها في البترول، بعد أن فشلت في إقناع بريطانيا بمنحها ولاية الموصل،لقاء منحها بريطانيا امتياز استخراج النفط واستثماره فيها، لكن الحكومة البريطانية رفضت العرض التركي لأنها وجدت مصلحتها في إعادة الولاية إلى العراق بعد أن ضمنت هيمنتها المطلقة على العراق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بموجب المعاهدة التي فرضتها على المجلس التأسيسي فرضاً . وقد وجدت من الضروري أن يطلع عليها القراء لما فيها من إجحاف بحق العراق وفيما يلي نصها:
خامساً: نص المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922
جلالة ملك بريطانيا جلالة ملك العراق
بما أن جلالة ملك بريطانيا قد أعترف بفيصل أبن الحسين ملكاً دستورياً على العراق، وبما أن جلالة ملك العراق يرى من مصلحة العراق، ومما يؤول إلى تأمين سرعة تقدمه، أن يعقد مع جلالة ملك بريطانيا معاهدة على أسس التحالف.
وبما أن جلالة ملك بريطانيا قد أقتنع بأن العلاقات بينه وبين جلالة ملك العراق يمكن تحديدها الآن بأحسن وجه، وهو عقد معاهدة تحالفيه كهذه، تفضيلاً لها على أي وسيلة أخرى، فبناء على ذلك قد عين المتعاقدان الساميان وكيلين عنهما مفوضين لأجل القيام بهذا الغرض وهما:
من قِبل جلالة ملك المملكة المتحدة بريطانيا العظمى وأيرلندا والممتلكات البريطانية وراء البحار إمبراطور الهند السير [بيرسي كوكس ] المعتمد السامي البريطاني في العراق.
ومن قبل جلالة ملك العراق صاحب السماحة والفخامة عبد الرحمن النقيب رئيس الوزارة العراقية، ونقيب أشراف بغداد اللذان بعد أن تبلغ كل منهما أوراق اعتماد الآخر، ووجداها طبقاً للأصول الصحيحة المرعية، قد اتفقا على ما يأتي:
المادة الأولى:
بناء على طلب جلالة ملك العراق يتعهد جلالة ملك بريطانيا بأن يقوم في أثناء مدة هذه المعاهدة، مع التزام نصوصها، ما يقتضي لدولة العراق من المشورة والمساعدة بدون أن يمس ذلك بسيادتها الوطنية، ويمثل جلالة ملك بريطانيا بمعتمد سامٍ، وقنصل جنرال تعاونه حاشية كافية.
المادة الثانية :
يتعهد جلالة ملك العراق بأن لا يعيّن مدة هذه المعاهدة موظفاً ما في العراق من تابعية غير عراقية في الوظائف التي تقتضي إرادة ملكية بدون موافقة جلالة ملك بريطانيا، وستعقد اتفاقية منفردة لضبط عدد الموظفين البريطانيين، وشروط استخدامهم على هذا الوجه في الحكومة العراقية.
المادة الثالثة:
يوافق جلالة ملك العراق على أن ينظم قانوناً أساسياً، ليعرض على المجلس التأسيسي العراقي، ويكفل تنفيذ هذا القانون الذي يجب أن لا يحتوي على ما يخالف نصوص هذه المعاهدة، وأن يأخذ بعين الاعتبار حقوق ورغائب ومصالح جميع السكان القاطنين في العراق، ويكفل للجميع حرية الوجدان التامة، وحرية ممارسة جميع أشكال العبادة بشرط أن لا تكون مخلة بالآداب والنظام العموميين، وكذلك يكفل أن لا يكون أي تمييز بين سكان العراق، بسبب القومية أو الدين أو اللغة، ويؤمن لجميع الطوائف عدم نكران أو مساس حقها بالاحتفاظ بمدارسها لتعليم أعضائها بلغاتها الخاصة،على أن يكون ذلك موافقاً لمقتضيات التعليم العامة التي تفرضها حكومة العراق، ويجب أن يعين هذا القانون الأساسي الأصول الدستورية، تشريعية كانت أم تنفيذية، التي ستتبع في اتخاذ القرارات في الشؤون المهمة المرتبطة بمسائل المالية، والعسكرية.
المادة الرابعة:
يوافق جلالة ملك العراق، وذلك من غير المساس بنصوص المادتين 17و 18 من هذه المعاهدة،على أن يستدل بما يقدمه جلالة ملك بريطانيا من المشورة بواسطة المعتمد السامي جميع الشؤون المهمة التي تمس بتعهدات جلالة ملك بريطانيا الدولية والمالية، وذلك طول مدة هذه المعاهدة، ويستشير جلالة ملك العراق المعتمد السامي الاستشارة التامة فيما يؤدي إلى سياسة مالية ونقدية سليمة، ويؤمن ثبات وحسن نظام مالية الحكومة العراقية مادامت تلك الحكومة مديونة لحكومة صاحب الجلالة البريطانية.
المادة الخامسة:
لجلالة ملك العراق حق التمثيل السياسي في لندن، وغيرها من العواصم
والأماكن الأخرى، مما يتم الاتفاق بين الفريقين الساميين المتعاقدين، وفي الأماكن التي لا ممثل فيها لجلالة ملك العراق، يوافق جلالته على أن يعهد إلى جلالة ملك بريطانيا بحماية الرعايا العراقيين فيها، و جلالة ملك العراق هو الذي يصدر التصديق على أوراق اعتماد ممثلي الدول الأجنبية في العراق بعد موافقة جلالة ملك بريطانيا على تعينهم.
المادة السادسة:
يتعهد جلالة ملك بريطانيا بأن يسعى بإدخال العراق في عضوية عصبة الأمم في أقرب ما يمكن.
المادة السابعة:
يتعهد جلالة ملك بريطانيا بأن يقدم من الإمداد والمساعدة لقوات جلالة ملك العراق المسلحة ما يتفق عليه من وقت لآخر الفريقان المتعاقدان الساميان، وتعقد بينهما اتفاقية منفردة لتعيين مقدار هذا الإمداد، وهذه المساعدة وشروطها، وتبلغ هذه الاتفاقية إلى مجلس جمعية الأمم.
المادة الثامنة:
لا يتنازل عن أراضى ما في العراق، ولا تؤجر إلى أي دولة أجنبية، ولا توضع تحت سلطتها بأي طريقة كانت. على أن هذا لا يمنع جلالة ملك العراق من أن يتخذ ما يلزم من التدابير لإقامة الممثلين السياسيين، ولآجل
القيام بمقتضيات المادة السابقة.
المادة التاسعة :
يتعهد جلالة ملك العراق بقبول الخطة الملائمة التي يشير بها جلالة ملك بريطانيا، ويكفل تنفيذها في أمور العدلية لتأمين مصالح الأجانب، بسبب عدم تطبيق الامتيازات والصيانات التي كان يتمتع بها هؤلاء بموجب الامتيازات الأجنبية،أو العرف، ويجب أن توضع نصوص هذه الخطة في اتفاقية منفردة، وتبلغ إلى مجلس جمعية الأمم.
المادة العاشرة:
يوافق الفريقان الساميان المتعاقدان، على عقد اتفاقية منفردة، لتأمين تنفيذ المعاهدات أو الاتفاقات ،أو التعهدات، التي قد تعهد جلالة ملك بريطانيا بأن تكون نافذة فيما يتعلق بالعراق، وجلالة ملك العراق متعهد بأن يهيئ المواد
التشريعية اللازمة لتنفيذها، وتبلغ هذه الاتفاقات إلى مجلس جمعية الأمم.
المادة الحادي عشرة :
يجب أن لا يكون ميّزة ما في العراق للرعايا البريطانيين، أو لغيرهم من رعايا الدول الأجنبية الأخرى، على رعايا أية دولة هي عضو في جمعية الأمم، أو رعايا أي دولة مما قد وافق جلالة ملك بريطانيا ،بموجب معاهدة، على أن يضمن لها عين الحقوق التي تتمتع بها فيما لو كانت من أعضاء الجمعية المذكورة، وتشمل كلمة رعايا الدولة الشركات المؤلفة بموجب قوانين تلك الدولة في الأمور المتعلقة بالضرائب، أو التجارة، أو الملاحة، أو ممارسة الصناعة والمهن، أو معاملة السفن التجارية، أو السفن الهوائية الملكية، وكذلك يجب أن لا تكون ميزة ما في العراق لدولة ما من الدول المذكورة على الأخرى فيما يتعلق بمعاملة البضائع الصادرة منها أو المصدرة إليها، ويجب أن تطلق حرية مرور البضائع وسط أراضي العراق بموجب شروط عادلة.
المادة الثانية عشرة :
لا تتخذ وسيلة ما في العراق لمنع أعمال التبشير،أو المداخلة فيها ،أو لتميّز مبشر على غيره بسبب اعتقاده الديني أو جنسيته على أن لا تخل تلك الأعمال بالنظام العام، وحسن إدارة الحكومة.
المادة الثالثة عشرة :
يتعهد جلالة ملك العراق بأن يساعد بقدر ما تسمح به الأحوال الاجتماعية والدينية وغيرها على تنفيذ كل خطة عامة تتخذها جمعية الأمم لمنع الأمراض ومقاومتها، ويدخل في ذلك أمراض الحيوانات والنباتات.
المادة الرابعة عشرة :
يتعهد جلالة ملك العراق بأن يتخذ الوسائل اللازمة لسن نظام الآثار القديمة في خلال اثنتي عشر شهراً من تاريخ العمل بهذه المعاهدة، ويكفل تنفيذه.
ويكون هذا النظام مؤسساً على القواعد الملحقة بالمادة 421 من معاهدة الصلح الموقع عليها في [سيفر] في 10 آب 1920، فيقوم مقام النظام العثماني السابق للآثار القديمة، ويضمن المساواة في مسائل تحري الآثار القديمة بين رعايا جميع الدول، من أعضاء جمعية الأمم، ورعايا أية دولة مما قد وافق جلالة ملك بريطانيا بموجب معاهدة،على أن يضمن لها عين الحقوق التي تتمتع بها فيما لو كانت من ضمن أعضاء جمعية الأمم.
المادة الخامسة عشرة:
تعقد اتفاقية لتسوية العلاقات المالية بيم الفريقين الساميين ينص فيها من جهة على تسليم حكومة جلالة ملك بريطانيا إلى حكومة العراق ما يتفق عليه من المرافق العمومية، وعلى تقديم حكومة جلالة ملك بريطانيا مساعدة مالية حسبما تقتضيه الحاجة في العراق من وقت إلى آخر، وينص من جهة أخرى على تصفية حكومة العراق تدريجياً جميع الديون المتكبدة في هذا السبيل، وتبلغ هذه الاتفاقية إلى مجلس جمعية الأمم.
المادة السادسة عشرة:
يتعهد جلالة ملك بريطانيا، على قدر ما تسمح به تعهداته الدولية، بان لا يضع عقبة ما في سبيل ارتباط دولة العراق، لمقاصد جمركية وغيرها، مع من يرغب من ذلك من الدول العربية المجاورة.
المادة السابعة عشرة:
في حالة وقوع خلاف بين الفريقين المتعاقدين الساميين فيما يتعلق بتفسير نصوص هذه المعاهدة، يعرض الأمر على محكمة العدل الدولية الدائمة المنصوص عليها في المادة 14 من عهد جمعية الأمم، وإذا وجد في حالة كهذه أن هناك تناقضاً في المعاهدة بين النص الإنكليزي والنص العربي، يعتبر النص الإنكليزي المعول عليه.
المادة الثامنة عشرة:
تصبح هذه المعاهدة نافذة العمل حال ما تُصدّق من قبل الفريقين المتعاقدين الساميين بعد قبولها من المجلس التأسيسي، وتظل معمولا ًبها لمدة عشرين سنة، وعند انتهاء هذه المدة تفحص الحالة، فإذا إرتأ الفريقان الساميان المتعاقدان أنه لم يبقَ حاجة إليها يصار إلى إنهائها ،ويكون أمر الإنهاء عرضة للتثبيت من قبل جمعية الأمم، ما لم تدخل المادة السادسة في حيز التنفيذ قبل ذلك التاريخ، وفي الحالة الأخيرة يجب أن يبلغ إشعار الإنهاء إلى مجلس جمعية الأمم، ولا مانع للفريقين الساميين المتعاقدين من إعادة النظر من وقت لأخر في شروط هذه المعاهدة، وشروط الاتفاقية المنفردة الناشئة عن المواد 7، 15، 17، بقصد إدخال ما يترائى مناسبته من التعديلات، حسبما تقتضيه الظروف الراهنة آنئذٍ، وكل تعديل يتفق عليه الفريقان الساميان المتعاقدان يجب أن يبلغ إلى مجلس جمعية الأمم، ويجب أن تتبادل تواقيع التصديق في بغداد. وقد وضعت هذه المعاهدة بالإنكليزية والعربية، وستبقى صورة منها بكل من اللغتين في خزانة سجلات حكومة صاحب الجلالة البريطانية. وللبيان قد وقع الوكيلان المفاوضان المختصان على هذه المعاهدة وثبتا ختميهما ع، الموافقلت في بغداد عن نسختين اثنتين، في اليوم العاشر من شهر تشرين الأول سنة 1922،الموافق لليوم التاسع عشر من شهر صفر سنة 1341هجرية .
بيرسي كوكس عبد الرحمن النقيب
المعتمد السامي لجلالة ملك بريطانيا رئيس وزراء العراق
توثيق الحلقة الثانية
(1) العراق ـ الكتاب الأول ـ ص 356 ـ حنا بطاطو .
(2) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الأول ـ ص 38 ـ عبد الرزاق الحسني.
(3) العراق ـ الكتاب الأول ـ ص 369 ـ حنا بطاطو .
(4) المصدر السابق.
(5) نفس المصدر السابق ـ ص370 .
(6) صحيفة العالم العربي ـ العدد 58 ـ في 1 حزيران 1924 .
(7) نفس المصدر ـ العدد 65 ـ في 10 حزيران 1924 .
(8) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الأول ـ ص 228 ـ عبد الرزاق الحسني.
(9) نفس المصدر السابق .
(10) مجموعة مذكرات المجلس التأسيسي ، المجلد الأول ـ ص 431 .
(11) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الأول ـ ص 232 ـ الحسني.
ملاحظة هامة للقراء الكرام:
قبيل بدء عرض مسلسل نوري السعيد في شهر رمضان الكريم الذي سيجري بعد أيام، وجدت من المناسب أن أقدم للشعب العراقي على وجه الخصوص، وللعالم العربي بوجه عام فصول كتاب {نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى} الموثق، لكي يطلع الجميع على تلك المرحلة الهامة من تاريخ العراق، والدور الذي لعبه نوري السعيد فيها.
المؤلف حامد الحمداني
أولاً: حكومة السعدون تفشل في إقرار معاهدة عام 1922 الاسترقاقية
كان على حكومة عبد المحسن السعدون تنفيذ المهام الموكلة لها بانتخاب المجلس التأسيسي، وإقرار المعاهدة، وإقرار القانون الأساسي، وقانون الانتخاب، ومن أجل تنفيذ هذه المهام فقد كان على الحكومة أن تهيئ الأجواء التي تمكنها من تنفيذ هذه المهام بعد تلك الموجة العارمة التي اجتاحت العراق احتجاجاً على بنود المعاهدة التي وقعتها حكومة النقيب مع المندوب السامي البريطاني [بيرسي كوكس ] وذلك عن طريق توجيه ضربة قاصمة للقادة الوطنيين المعارضين للمعاهدة، ولرجال الدين في النجف وكربلاء الذين وقفوا بصلابة ضدها .
فقد قبضت السلطات الحكومية على الشيخ [مهدي الخالصي ] وولديه في 27 حزيران 1923، ونفتهم خارج العراق، كما نفت قريبيه الشيخين[علي تقي] و[سلمان الصفواني] وعطلت الحكومة عدد من الصحف المعارضة للمعاهدة، وقامت بحملة إرهاب للمواطنين لحملهم على المشاركة في الانتخابات المزمع أجراءها، والتي كان المندوب السامي يلح على إجرائها بأسرع وقت لغرض إقرار المعاهدة .(1)
أثار عملية إبعاد الشيخ الخالصي وولديه وقريبيه موجة احتجاجات عارمة من قبل رجال الدين في النجف وكربلاء الذين هاجموا إجراءات الحكومة، وطالبوا بعودتهم إلى العراق .
غير أن الحكومة بدلاً من أن تستجيب لمطالبهم واحتجاجاتهم أقدمت على إبعاد ما يزيد على 30 رجل دين أخر منهم إلى إيران، ووضعت تحت مراقبة الشرطة أكثر من 50 آخرين، وأشاعت جواً من الإرهاب في جميع أنحاء البلاد مما سبب في هيجان الشارع العراقي حيث خرجت الجماهير الشعبية تعلن رفضها للمعاهدة وتستنكر إجراءات الحكومة.
وبسبب تلك المعارضة الشعبية الواسعة، وبسبب الضغوط التي مارسها المندوب السامي على حكومة السيد [ عبد المحسن السعدون ] لإقرار المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922، وعلى الرغم من الإجراءات القمعية التي اتخذتها ضد المعارضة الشعبية الواسعة وقادتها الوطنيين فإن السعدون فشل في تحقيق رغبة المندوب السامي بإقرارها بسبب بنودها المجحفة بحق العراق واستقلاله، حيث أعطت تلك البنود بريطانيا الهيمنة المطلقة على مقدرات العراق، وقد حاول المندوب السامي [برسي كوكس] فرضها مستخدماً كافة وسائل الضغط على الملك والحكومة معاً، مما اضطر السعدون إلى تقديم استقالة حكومته إلى الملك فيصل في 15 تشرين الأول 1923، حيث تم قبول الاستقالة على الفور، وعهد الملك تأليف الوزارة الجديدة إلى السيد جعفر العسكري الذي اختار بدوره صهره نوري السعيد وزيراً للدفاع، لكي تأخذ هذه الحكومة على عاتقها إقرار المعاهدة، وتم تشكيل الوزارة في 22 تشرين الثاني 1923.
ثانياً : كيف تم إقرار المعاهدة ؟
في 2 نيسان 1924 قدم رئيس الوزراء[جعفر العسكري] المعاهدة العراقية البريطانية مع البروتوكول المرفق بها، والاتفاقيات المتفرعة عنها إلى المجلس التأسيسي طالباً منه إقرارها.
وحاول رئيس الوزراء تبرير ضرورة إقرار المعاهدة بصورة مستعجلة بحجة تمكين بريطانيا من إدخال العراق إلى عصبة الأمم، وتأمين الاستقلال الوطني، وحسم مسألة الحدود العراقية التركية، وقضية ولاية الموصل التي سعت تركيا بكل جهودها لضمها إليها، واستخدمت بريطانيا هذه المشكلة وسيلة ضغط على الحكومة العراقية لقبول المعاهدة المفروضة على العراق، وهذا ما أعلن عنه بصراحة أمام أعضاء المجلس [عبد المحسن السعدون ]،رئيس المجلس رداً على اعتراضات النواب الوطنيين حيث قال:
{ أيها السادة: إن الإنكليز مصرون على ربط قضية الموصل بتوقيع المعاهدة، فإما المعاهدة، وإما خسارة ولاية الموصل }. (2)
حاول رئيس الوزراء جعفر العسكري تمرير المعاهدة بأسرع ما يمكن بسبب إلحاح المندوب السامي البريطاني، لكن المعارضة طلبت توزيع لائحة المعاهدة على أعضاء المجلس لدراستها ومناقشتها، ولكي تعلن للشعب تفاصيلها، وجاء ذلك الاقتراح على لسان السيد[ ناجي السويدي] حيث جرى التصويت عليه وقبل الاقتراح وتم توزيع نسخ من المعاهدة، وطلب السيد ناجي السويدي تشكيل لجنة لتدقيق المعاهدة على أن تضم عضواً عن كل لواء، وبالفعل تم تشكيل اللجنة التي تألفت من النواب التالية أسماؤهم :
1 ـ ياسين الهاشمي 2 ـ عمر علوان
3 ـ زامل المناع 4 ـ حبيب الخيزران
5 ـ أصف أغا 6 ـ داؤد الجلبي
7 ـ فالح الصيهود 8 ـ محمد زكي
9 ـ عداي الجريان 10 ـ فهد الهذال
11ـ شريف أغا 12 ـ حبيب الطالباني
13 ـ المرزا فرج 14 ـ عبد الواحد سكر
15 ـ صالح شكارة .
باشرت اللجنة اجتماعاتها لمناقشة بنود المعاهدة حيث عقدت 29 جلسة نهارية، و20 جلسة مسائية، ودرست خلالها بنود المعاهدة، والمراسلات والوثائق المتعلقة بها، ووضعت تقريرها الذي ضم 65 صفحة.
في الوقت الذي كان المجلس التأسيسي يناقش بنود المعاهدة، كان الشارع العراق في حالة من الغليان الشديد، وكان العلماء والمحامون والمثقفون والأساتذة والطلاب ينظمون الاجتماعات والمظاهرات المطالبة بتعديل بنود المعاهدة بما يتفق وأماني الشعب في الحرية، والاستقلال الحقيقي، وكان لتلك المظاهرات والاحتجاجات أثرها الكبير على العديد من أعضاء المجلس الذين غيروا رأيهم، وطالبوا بتعديل بنود المعاهدة، وقد سبب هذا الموقف قلقاً شديداً للملك فيصل وللمندوب السامي البريطاني على حد سواء، وخاصة بعد إطلاق النار على أثنين من أعضاء المجلس المعروفين بولائهم للإنكليز وهما [ عداي الجريان ] و[سلمان البراك] مما خلق جواً من الرعب والقلق، ودفع عدد من أعضاء المجلس إلى تقديم استقالتهم، فيما امتنع البعض الآخر عن حضور جلسات المجلس بحجج مختلفة.
لقد سرتْ إشاعات في بغداد تقول أن إطلاق النار كان مدبراً من قبل الحكومة لاتخاذه مبرراً للتنكيل بالمعارضة وقمعها، واعتقال العناصر النشطة المعارضة للمعاهدة، وقيل أن الذي أطلق النار على عضوي المجلس هو أحد أزلام نوري السعيد [شاكر القره غولي]،وبالتعاون مع [عبد الله سرية].(3)
ولم تكتفِ الحكومة بكل ذلك بل لجأت إلى إغلاق العديد من صحف المعارضة كان من بينها[ الشعب] و[الاستقلال ] و[الناشئة] بغية كمّ الأصوات الوطنية المطالبة بتعديل بنود المعاهدة بما يتفق ومصالح الشعب والوطن .
لكن إصرار المعارضة الشعبية على مواصلة الكفاح ضد المعاهدة وضد سياسة الحكومة، وتصاعد الأزمة التي نشأت عن محاولة فرض المعاهدة التي كانت تنذر بتطورات خطيرة أجبرت الحكومة على تقديم استقالتها .
إلا أن الملك فيصل والمندوب السامي ضغطا على جعفر العسكري لكي يبقى في الحكم لحين إقرار المعاهدة .
كان المندوب السامي يراقب عن كثب مناقشات المجلس التأسيسي لبنود المعاهدة، وخطب الموالين والمعارضين، كما كان يراقب ما تنشره الصحف المعارضة، وتملكه شعور بالغضب لإصرار عدد كبير من أعضاء المجلس على تعديل بنود المعاهدة، وعلى تأخر إبرامها، فبعث إلى الملك فيصل بمذكرة خطيرة تنم عن التهديد، في 26 نيسان 1924،وجاء في المذكرة :
{حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل المعظم، دام ملكه:
يا صاحب الجلالة:
كثيراً ما اقُترح في أثناء المباحثات بخصوص معاهدة التحالف بين بريطانيا العظمى والعراق،والاتفاقيات المتفرعة،أن يُطلب من الحكومة البريطانية أن توافق على تعديلات في بعض الأمور التي يداخل المجلس شك بخصوصها. فلي الشرف أن أبلغ جلالتكم أن الحكومة البريطانية لا يسعها الموافقة على أي تعديلات، لا في المعاهدة ولا في البروتوكولات، ولا في الاتفاقيات، والأمر متروك للمجلس التأسيسي في أن يقبلها [ أي المعاهدة والبروتوكولات والاتفاقيات ] أو يرفضها برمتها،على نحو ما يراه الأفضل لمصلحة العراق.
إن السبب في قرار الحكومة البريطانية هذا هو أن إجراء التعديلات في المعاهدة والاتفاقيات بين توقيعها وإبرامها مخالف كل المخالفة للتعامل الدولي المقرر من أزمنة بعيدة في التاريخ، ويؤدي إلى جعل إتمام المعاهدات إتماماً نهائياً من المستحيلات تقريباً}. (4)
كانت مذكرة المندوب السامي هذه بمثابة إنذار للملك فيصل، بضرورة إقرار المعاهدة دون تغير أو تأخير.
وفي 16 أيار 1924 بعث المندوب السامي بمذكرة أخرى للملك فيصل،جاء فيها :
{يا صاحب الجلالة: لقد قمت بإيقاف حكومة صاحب الجلالة البريطانية تمام الوقوف على ما قد بدا حديثاً في العراق من الآراء والرغائب فيما يتعلق بمعاهدة التحالف بين بريطانيا العظمى والعراق والاتفاقيات المتفرعة عنها، وقد فوضتني الآن حكومة صاحب الجلالة البريطانية،بأن أبلغ جلالتكم رسمياً ما يلي :
{ إن حكومة صاحب الجلالة البريطانية لا يسعها أن تقبل قبل الإبرام أي تعديلات ما في المعاهدة والاتفاقيات التي سبق توقيعها بالنيابة عن الحكومتين، ولكن ستكون بعد الإبرام مستعدة لأن تبحث بروح الاعتدال، في كل ما قد يُرغب فيه من تعديلات في الاتفاقية المالية، هذا ولاشك في أن جلالتكم ستتخذون الوسائل لنشر هذا الكتاب}. (5)
صديق جلالتكم هنري. دوبس
ثالثاً:الشعب يتحدى والحكومة تطلق النار على المتظاهرين:
في الوقت الذي أشتد فيه ضغط المندوب السامي وحكومته على الملك فيصل والحكومة والمجلس التأسيسي من أجل الإسراع بإقرار المعاهدة العراقية البريطانية دون تأخير، ودون إجراء أي تعديل أو تغير عليها، صعّد الشعب العراقي كفاحه ضد المعاهدة، وسير المظاهرات الصاخبة المطالبة بتعديل بنودها بما يحقق السيادة الحقيقية، والاستقلال التام للعراق .
لقد أراد الشعب وقواه السياسية الوطنية تقديم الدعم الأقصى للنواب الوطنيين في المجلس التأسيسي ليكون موقفهم قوياً أثناء مناقشة بنود المعاهدة.
ولما بلغ أسماع أبناء الشعب أن المعاهدة ستناقش يوم 29 أيار 1924 خرجت مظاهرة صاخبة تندد بالمعاهدة، وتطالب بتعديلها، وتوجهت المظاهرة إلى مقر المجلس التأسيسي وأحاطت به، وكانت أصوات الغضب المنبعثة من حناجر المتظاهرين قد أجبرت رئيس الوزراء للخروج والتحدث إلى قادة المظاهرة طالباً منهم التفرق، والاعتماد على المندوبين، واعداً إياهم بعدم التفريط بحقوق الشعب وحرية العراق واستقلاله.
لكن حديثه لم ينجح في إقناع المتظاهرين، وحاولت الشرطة تفريقهم بالقوة، ولكنها فشلت في ذلك، ووقعت صِدامات عنيفة بينهم وبين المتظاهرين، مما دفع وزير الدفاع [نوري السعيد ] إلى استدعاء قوات الجيش لقمع حركة الاحتجاجات الشعبية، حيث جرت مصادمات عنيفة بين عناصر الجيش والمتظاهرين بعد أن استخدم الجيش الرصاص لتفريق المظاهرة، ووقوع إصابات عديدة في صفوف المتظاهرين العزل من السلاح، واستطاع الجيش تفريق المظاهرة. (6)
سارعت الحكومة إلى إصدار بيان رسمي في محاولة منها لتبرير استدعاء الجيش، واستخدام السلاح ضد أبناء الشعب المطالب بحريته واستقلال وطنه، كما أصدر رئيس المجلس التأسيسي في 29 أيار 1924 بياناً لتطمين أبناء الشعب معلناً أن المجلس سوف لن يفرط بحقوق الشعب مهما كانت الأحوال، وطالباً من أبناء الشعب انتظار قرار المجلس بكل اطمئنان .
وعلى اثر تلك الأحداث الدامية قرر المجلس تأجيل مناقشة المعاهدة إلى يوم السبت 3 أيار، لكن عدداً من المندوبين تغيبوا عن الحضور في ذلك اليوم، وكانت آثار الخوف والقلق بادية على وجوه الحاضرين منهم حتى أن الكثيرين منهم رفض الدخول إلى القاعة، مما اضطر رئيس المجلس إلى تأجيل الاجتماع إلى يوم 2 حزيران. وفيما بدأ الحاضرون في مغادرة بناية المجلس، حضر المندوب السامي [ هنري دوبس ] وبصحبته مستشار وزارة الداخلية المستر [كرونواليس ]، واضطر أعضاء المجلس إلى العودة إلى القاعة ليستمعوا إلى المندوب السامي.
تحدث المندوب السامي أمام الأعضاء الحاضرين بلهجة تنم عن التهديد والوعيد قائلاً:
{ بلغني أن بعض النواب قدموا تقريراً يقولون فيه أن المجلس لا يقبل إبرام المعاهدة ما لم تعطي بريطانيا ضماناً بالتعديل على أساس تقرير اللجنة التي شكلها المجلس لدراسة بنود المعاهدة، وهذا يعني في حقيقة الأمر تعديل المعاهدة، وهذا ما تعتبره حكومتي رفضاً للمعاهدة، وعلى المجلس أن يلاحظ تأثير ذلك على سير المفاوضات مع تركيا حول ولاية الموصل، فقد أخذنا معلومات بأن السير[بيرسي كوكس ] عند وصوله إلى الاستانة شاهد تسهيلات في المعاملة لإبقاء ولاية الموصل للعراق.
ولكن عند ما بلغ الأتراك سير أعمال المجلس التأسيسي العراقي تغيروا وصاروا يطلبون ولاية الموصل، وإنهم يرفضون إحالة الأمر إلى مجلس عصبة الأمم }. (7)
كانت كلمة المندوب السامي أمام الحاضرين من أعضاء المجلس التأسيسي بمثابة إنذار لهم، فإما إقرار المعاهدة وإما سلخ ولاية الموصل من العراق، مستخدماً قضية الموصل ورقة ضغط كبرى لغرض إقرار المعاهدة. وقبل أن يغادر القاعة طلب إقرار المعاهدة بشكلها الحالي واعداً أعضاء المجلس بأجراء مفاوضات لتعديل ما طالبت به اللجنة في تقريرها شرط أن يكون ذلك بعد إقرار المعاهدة .
وفي 2 حزيران 1924 أجتمع المجلس التأسيسي من جديد، وحضر الاجتماع 63 عضواً من مجموع 100، وبدأ المجلس بمناقشة بنود المعاهدة، وأثناء المناقشة حدثت مشادات عنيفة بين الأعضاء المؤيدين للحكومة والمعارضين لها، واسُتخدمت فيها أقسى العبارات.
في تلك الساعات الحرجة كان الملك فيصل يشعر نفسه واقعاً بين نارين، نار المندوب السامي البريطاني وضغطه المتواصل لإبرام المعاهدة، بما فيها من مسٍ خطيرٍ بحقوق العراق ومستقبله، ونار المعارضة الشعبية العارمة والرافضة لتلك المعاهدة، وبقي في حيرة من أمره لا يدري ماذا يفعل، وكيف يرضي المندوب السامي، ويرضي الشعب العراقي في الوقت نفسه .
وحاول الملك من خلال اللقاء الذي دعا إليه أعضاء المجلس التأسيسي يوم 9 حزيران 1924 الوصول إلى حل ما لهذه الأزمة حيث تحدث مع أعضاء المجلس قائلاً : {أنا لا أقول لكم أقبلوا المعاهدة أو ارفضوها، وإنما أقول لكم اعملوا ما ترونه الأنفع لمصلحة بلادكم فان أردتم رفضها فلا تتركوا فيصلاً معلقاً بين السماء والأرض، بل أوجدوا لنا طريقاً غير المعاهدة، فلا تضيعوا ما في أيديكم من وسيلة للمحافظة على كيانكم، وتحينوا الفرصة لتحصلوا على ما هو أكثر مما في أيديكم}. (8)
وفي 10 حزيران 1924 عقد المجلس التأسيسي جلسته الثالثة والعشرين، وأعلن رئيس المجلس أن هناك اقتراحاً من عدد من أعضاء المجلس بتأجيل البت في المعاهدة إلى حين الانتهاء من مشكلة ولاية الموصل، ثم طلب رئيس الوزراء [جعفر العسكري ] الحديث طالباً من المجلس عدم تأجيل البت في المعاهدة بسبب أمور سياسية خارجية استوجبت ذلك، وكان رئيس الوزراء يشير بذلك إلى التهديدات البريطانية المتصاعدة للملك والحكومة لإقرار المعاهدة .
لكن المجلس صوت على تأجيل الجلسة إلى اليوم التالي، وقد أثار قرار التأجيل المندوب السامي، الذي صمم على فرض المعاهدة فرضاً.
فقد تحدث المندوب السامي مع الملك فيصل بالهاتف، وأعلمه بأنه سوف يكون عنده عصر ذلك اليوم لأمرٍ هام، فيما كان قد أعد مذكرة خطيرة يطلب فيها إصدار قانون بحل المجلس التأسيسي، وإصدار أمر باحتلال بناية المجلس .
وعند وصول المندوب السامي إلى البلاط عصر ذلك اليوم سلم الملك فيصل المذكرة التالية : {لا تستطيع حكومة صاحب الجلالة البريطانية في مثل هذه الظروف أن تسمح باستمرار الحالة الراهنة التي ينشأ عنها خطر عظيم يهدد سلامة العراق الداخلية والخارجية، فأن المذاكرات الأخيرة للمجلس التأسيسي التي جرت في هذا اليوم لم تظهر أي اقتراب من الاتفاق، ولا أي أمل في اتخاذ المجلس قراراً صريحاً وسريعاً، لذا طُلب إليّ أن أوجه أنظار جلالتكم كشرط لاستمرار تأييد حكومة صاحب الجلالة البريطانية أن تصدروا فوراً بعد استشارة مجلس وزارتكم وبواسطته تعديلاً لقانون المجلس التأسيسي يخولكم حق فض المجلس في أي وقت شئتم خلال الأربعة أشهر من تاريخ افتتاح جلساته، وأن تأمروا بموجب هذا التعديل حل المجلس اعتباراً من الساعة الثانية عشرة من ليلة 10 على 11 حزيران.
وأرى من واجبي أن اطلب من جلالتكم أن تبلغوا الأمر رسمياً، بواسطة رئيس وزرائكم إلى رئيس المجلس التأسيسي قبل الساعة السابعة من صباح اليوم الحادي عشر من حزيران، وأن تصدروا التعليمات بواسطة وزير الداخلية لغلق بناية المجلس فوراً، وإحاطتها وما يجاورها بقوة من الشرطة تكفي لتنفيذ هذا الأمر}. (9)
حاول الملك فيصل وبحضور رئيس الوزراء [جعفر العسكري] وزعيم المعارضة [ياسين الهاشمي] إيجاد حل لهذه الأزمة مع المندوب السامي، وجرى بحث مستفيض حول السبل الممكنة لذلك، وقد طلب المندوب السامي أن يدعى المجلس التأسيسي إلى عقد جلسة له فوق العادة، وقبل منتصف الليل من هذا اليوم ويبرم المعاهدة كحل أخير ونهائي، وإلا يجب أن يحل المجلس.
وعلى الفور أمر الملك باستدعاء رئيس المجلس إلى الحضور، وطلب إليه الملك والمندوب السامي أن يجمع أعضاء المجلس هذه الليلة ويقرّ المعاهدة دون تأخير.
خرج رئيس المجلس وبصحبته رئيس الوزراء، واحد مرافقي الملك، وبقي المندوب السامي في البلاط ليواصل الضغط على الملك لإقرار المعاهدة قبل الساعة الثانية عشرة ليلاً، وصار مدير الشرطة يرافقه مرافق الملك وعدد من أفراد الشرطة يدورون على أعضاء المجلس ويرغمونهم على حضور الجلسة لأجل إقرار المعاهدة في تلك الليلة، فقد ذكر الحاج ناجي،أحد أعضاء المجلس أن الشرطة انتزعته من سريره وحشرته في السيارة وهو لا يعرف إن كانوا سيأخذونه إلى المشنقة أم إلى السجن، فقد كان من معارضي المعاهدة. (10)
رابعاً:المجلس يجتمع ليلاً،ويقر المعاهدة تحت التهديد:
استطاع مدير الشرطة ورجاله جمع 68 نائباً في ليلة 10 / 11 حزيران 1924 قبل منتصف الليل، وأعلن رئيس المجلس [ عبد المحسن السعدون ] عن افتتاح الجلسة، حيث تحدث إلى الحاضرين من أعضائه قائلاً:{كان مجلسكم العالي قد أجل جلسته إلى يوم الغد (الأربعاء) غير أن جلالة الملك أبلغني بأن فخامة المندوب السامي قد أبلغ جلالته بأنه لا يمكن تأجيل المذاكرات إلى الغد، لأنه يعد ذلك رفضاً للمعاهدة، وعليه فقد دعوتكم إلى الاجتماع، ومن وظيفتي أن أبلغكم ذلك}. (11)
لم يكن أمام المجلس إلا إقرار المعاهدة في تلك الليلة، حيث جرى التصويت عليها على عجل، وتحت التهديد بحل المجلس، وقد وافق عليها 37 نائباً وعارضها 24، وامتنع عن التصويت 8 أعضاء، وبذلك أقرت المعاهدة من قبل المجلس التأسيسي .
سُرّ المندوب السامي لإقرار المعاهدة، وهرع إلى البلاط الملكي حيث اجتمع إلى الملك فيصل وأبلغه أن الحكومة البريطانية تعتبر تصويت المجلس على المعاهدة وذيولها على النحو الذي تم يفي بالشروط المطلوبة في المادة 18 من المعاهدة والتي تنص على أن المعاهدة لا تبرم من قبل الفريقين الساميين المتعاقدين إلا بعد قبولها من المجلس التأسيسي .
ولابد أن أشير هنا إلى أن الأعضاء الذين وافقوا على المعاهدة قد أضافوا فقرة تقول:{ وتصبح هذه المعاهدة واتفاقياتها لاغية لا حكم لها إذا لم تحافظ الحكومة البريطانية على بقاء ولاية الموصل ضمن العراق }.
وبعد توقيع المعاهدة وحصول الإمبرياليين البريطانيين على الامتيازات النفطية صادقت عصبة الأمم في 16 كانون الأول 1925 على عائدية ولاية الموصل للعراق، وجعل حدود العراق وفقاً لما يسمى [ خط بروكسل ] ودعت عصبة الأمم العراق إلى عقد معاهدة مع بريطانيا تضمن استمرار الانتداب على العراق لمدة 25 سنة، وبالفعل تم إقرار المعاهدة الجديدة في البرلمان في 18 كانون الثاني 1926، رغم معارضة النواب الوطنيين الذين طلبوا إحالتها إلى لجنة برلمانية لدراستها ولكن دون جدوى .
أما تركيا فقد خضعت للضغط البريطاني، ووافقت على بقاء ولاية الموصل ضمن العراق، وذلك بموجب المعاهدة العراقية البريطانية التركية المعقودة في 5 حزيران 1926،على أن تمنح الحكومة البريطانية تركيا نصف مليون ليرة بريطانية تعويضاً عن حصتها في البترول، بعد أن فشلت في إقناع بريطانيا بمنحها ولاية الموصل،لقاء منحها بريطانيا امتياز استخراج النفط واستثماره فيها، لكن الحكومة البريطانية رفضت العرض التركي لأنها وجدت مصلحتها في إعادة الولاية إلى العراق بعد أن ضمنت هيمنتها المطلقة على العراق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بموجب المعاهدة التي فرضتها على المجلس التأسيسي فرضاً . وقد وجدت من الضروري أن يطلع عليها القراء لما فيها من إجحاف بحق العراق وفيما يلي نصها:
خامساً: نص المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922
جلالة ملك بريطانيا جلالة ملك العراق
بما أن جلالة ملك بريطانيا قد أعترف بفيصل أبن الحسين ملكاً دستورياً على العراق، وبما أن جلالة ملك العراق يرى من مصلحة العراق، ومما يؤول إلى تأمين سرعة تقدمه، أن يعقد مع جلالة ملك بريطانيا معاهدة على أسس التحالف.
وبما أن جلالة ملك بريطانيا قد أقتنع بأن العلاقات بينه وبين جلالة ملك العراق يمكن تحديدها الآن بأحسن وجه، وهو عقد معاهدة تحالفيه كهذه، تفضيلاً لها على أي وسيلة أخرى، فبناء على ذلك قد عين المتعاقدان الساميان وكيلين عنهما مفوضين لأجل القيام بهذا الغرض وهما:
من قِبل جلالة ملك المملكة المتحدة بريطانيا العظمى وأيرلندا والممتلكات البريطانية وراء البحار إمبراطور الهند السير [بيرسي كوكس ] المعتمد السامي البريطاني في العراق.
ومن قبل جلالة ملك العراق صاحب السماحة والفخامة عبد الرحمن النقيب رئيس الوزارة العراقية، ونقيب أشراف بغداد اللذان بعد أن تبلغ كل منهما أوراق اعتماد الآخر، ووجداها طبقاً للأصول الصحيحة المرعية، قد اتفقا على ما يأتي:
المادة الأولى:
بناء على طلب جلالة ملك العراق يتعهد جلالة ملك بريطانيا بأن يقوم في أثناء مدة هذه المعاهدة، مع التزام نصوصها، ما يقتضي لدولة العراق من المشورة والمساعدة بدون أن يمس ذلك بسيادتها الوطنية، ويمثل جلالة ملك بريطانيا بمعتمد سامٍ، وقنصل جنرال تعاونه حاشية كافية.
المادة الثانية :
يتعهد جلالة ملك العراق بأن لا يعيّن مدة هذه المعاهدة موظفاً ما في العراق من تابعية غير عراقية في الوظائف التي تقتضي إرادة ملكية بدون موافقة جلالة ملك بريطانيا، وستعقد اتفاقية منفردة لضبط عدد الموظفين البريطانيين، وشروط استخدامهم على هذا الوجه في الحكومة العراقية.
المادة الثالثة:
يوافق جلالة ملك العراق على أن ينظم قانوناً أساسياً، ليعرض على المجلس التأسيسي العراقي، ويكفل تنفيذ هذا القانون الذي يجب أن لا يحتوي على ما يخالف نصوص هذه المعاهدة، وأن يأخذ بعين الاعتبار حقوق ورغائب ومصالح جميع السكان القاطنين في العراق، ويكفل للجميع حرية الوجدان التامة، وحرية ممارسة جميع أشكال العبادة بشرط أن لا تكون مخلة بالآداب والنظام العموميين، وكذلك يكفل أن لا يكون أي تمييز بين سكان العراق، بسبب القومية أو الدين أو اللغة، ويؤمن لجميع الطوائف عدم نكران أو مساس حقها بالاحتفاظ بمدارسها لتعليم أعضائها بلغاتها الخاصة،على أن يكون ذلك موافقاً لمقتضيات التعليم العامة التي تفرضها حكومة العراق، ويجب أن يعين هذا القانون الأساسي الأصول الدستورية، تشريعية كانت أم تنفيذية، التي ستتبع في اتخاذ القرارات في الشؤون المهمة المرتبطة بمسائل المالية، والعسكرية.
المادة الرابعة:
يوافق جلالة ملك العراق، وذلك من غير المساس بنصوص المادتين 17و 18 من هذه المعاهدة،على أن يستدل بما يقدمه جلالة ملك بريطانيا من المشورة بواسطة المعتمد السامي جميع الشؤون المهمة التي تمس بتعهدات جلالة ملك بريطانيا الدولية والمالية، وذلك طول مدة هذه المعاهدة، ويستشير جلالة ملك العراق المعتمد السامي الاستشارة التامة فيما يؤدي إلى سياسة مالية ونقدية سليمة، ويؤمن ثبات وحسن نظام مالية الحكومة العراقية مادامت تلك الحكومة مديونة لحكومة صاحب الجلالة البريطانية.
المادة الخامسة:
لجلالة ملك العراق حق التمثيل السياسي في لندن، وغيرها من العواصم
والأماكن الأخرى، مما يتم الاتفاق بين الفريقين الساميين المتعاقدين، وفي الأماكن التي لا ممثل فيها لجلالة ملك العراق، يوافق جلالته على أن يعهد إلى جلالة ملك بريطانيا بحماية الرعايا العراقيين فيها، و جلالة ملك العراق هو الذي يصدر التصديق على أوراق اعتماد ممثلي الدول الأجنبية في العراق بعد موافقة جلالة ملك بريطانيا على تعينهم.
المادة السادسة:
يتعهد جلالة ملك بريطانيا بأن يسعى بإدخال العراق في عضوية عصبة الأمم في أقرب ما يمكن.
المادة السابعة:
يتعهد جلالة ملك بريطانيا بأن يقدم من الإمداد والمساعدة لقوات جلالة ملك العراق المسلحة ما يتفق عليه من وقت لآخر الفريقان المتعاقدان الساميان، وتعقد بينهما اتفاقية منفردة لتعيين مقدار هذا الإمداد، وهذه المساعدة وشروطها، وتبلغ هذه الاتفاقية إلى مجلس جمعية الأمم.
المادة الثامنة:
لا يتنازل عن أراضى ما في العراق، ولا تؤجر إلى أي دولة أجنبية، ولا توضع تحت سلطتها بأي طريقة كانت. على أن هذا لا يمنع جلالة ملك العراق من أن يتخذ ما يلزم من التدابير لإقامة الممثلين السياسيين، ولآجل
القيام بمقتضيات المادة السابقة.
المادة التاسعة :
يتعهد جلالة ملك العراق بقبول الخطة الملائمة التي يشير بها جلالة ملك بريطانيا، ويكفل تنفيذها في أمور العدلية لتأمين مصالح الأجانب، بسبب عدم تطبيق الامتيازات والصيانات التي كان يتمتع بها هؤلاء بموجب الامتيازات الأجنبية،أو العرف، ويجب أن توضع نصوص هذه الخطة في اتفاقية منفردة، وتبلغ إلى مجلس جمعية الأمم.
المادة العاشرة:
يوافق الفريقان الساميان المتعاقدان، على عقد اتفاقية منفردة، لتأمين تنفيذ المعاهدات أو الاتفاقات ،أو التعهدات، التي قد تعهد جلالة ملك بريطانيا بأن تكون نافذة فيما يتعلق بالعراق، وجلالة ملك العراق متعهد بأن يهيئ المواد
التشريعية اللازمة لتنفيذها، وتبلغ هذه الاتفاقات إلى مجلس جمعية الأمم.
المادة الحادي عشرة :
يجب أن لا يكون ميّزة ما في العراق للرعايا البريطانيين، أو لغيرهم من رعايا الدول الأجنبية الأخرى، على رعايا أية دولة هي عضو في جمعية الأمم، أو رعايا أي دولة مما قد وافق جلالة ملك بريطانيا ،بموجب معاهدة، على أن يضمن لها عين الحقوق التي تتمتع بها فيما لو كانت من أعضاء الجمعية المذكورة، وتشمل كلمة رعايا الدولة الشركات المؤلفة بموجب قوانين تلك الدولة في الأمور المتعلقة بالضرائب، أو التجارة، أو الملاحة، أو ممارسة الصناعة والمهن، أو معاملة السفن التجارية، أو السفن الهوائية الملكية، وكذلك يجب أن لا تكون ميزة ما في العراق لدولة ما من الدول المذكورة على الأخرى فيما يتعلق بمعاملة البضائع الصادرة منها أو المصدرة إليها، ويجب أن تطلق حرية مرور البضائع وسط أراضي العراق بموجب شروط عادلة.
المادة الثانية عشرة :
لا تتخذ وسيلة ما في العراق لمنع أعمال التبشير،أو المداخلة فيها ،أو لتميّز مبشر على غيره بسبب اعتقاده الديني أو جنسيته على أن لا تخل تلك الأعمال بالنظام العام، وحسن إدارة الحكومة.
المادة الثالثة عشرة :
يتعهد جلالة ملك العراق بأن يساعد بقدر ما تسمح به الأحوال الاجتماعية والدينية وغيرها على تنفيذ كل خطة عامة تتخذها جمعية الأمم لمنع الأمراض ومقاومتها، ويدخل في ذلك أمراض الحيوانات والنباتات.
المادة الرابعة عشرة :
يتعهد جلالة ملك العراق بأن يتخذ الوسائل اللازمة لسن نظام الآثار القديمة في خلال اثنتي عشر شهراً من تاريخ العمل بهذه المعاهدة، ويكفل تنفيذه.
ويكون هذا النظام مؤسساً على القواعد الملحقة بالمادة 421 من معاهدة الصلح الموقع عليها في [سيفر] في 10 آب 1920، فيقوم مقام النظام العثماني السابق للآثار القديمة، ويضمن المساواة في مسائل تحري الآثار القديمة بين رعايا جميع الدول، من أعضاء جمعية الأمم، ورعايا أية دولة مما قد وافق جلالة ملك بريطانيا بموجب معاهدة،على أن يضمن لها عين الحقوق التي تتمتع بها فيما لو كانت من ضمن أعضاء جمعية الأمم.
المادة الخامسة عشرة:
تعقد اتفاقية لتسوية العلاقات المالية بيم الفريقين الساميين ينص فيها من جهة على تسليم حكومة جلالة ملك بريطانيا إلى حكومة العراق ما يتفق عليه من المرافق العمومية، وعلى تقديم حكومة جلالة ملك بريطانيا مساعدة مالية حسبما تقتضيه الحاجة في العراق من وقت إلى آخر، وينص من جهة أخرى على تصفية حكومة العراق تدريجياً جميع الديون المتكبدة في هذا السبيل، وتبلغ هذه الاتفاقية إلى مجلس جمعية الأمم.
المادة السادسة عشرة:
يتعهد جلالة ملك بريطانيا، على قدر ما تسمح به تعهداته الدولية، بان لا يضع عقبة ما في سبيل ارتباط دولة العراق، لمقاصد جمركية وغيرها، مع من يرغب من ذلك من الدول العربية المجاورة.
المادة السابعة عشرة:
في حالة وقوع خلاف بين الفريقين المتعاقدين الساميين فيما يتعلق بتفسير نصوص هذه المعاهدة، يعرض الأمر على محكمة العدل الدولية الدائمة المنصوص عليها في المادة 14 من عهد جمعية الأمم، وإذا وجد في حالة كهذه أن هناك تناقضاً في المعاهدة بين النص الإنكليزي والنص العربي، يعتبر النص الإنكليزي المعول عليه.
المادة الثامنة عشرة:
تصبح هذه المعاهدة نافذة العمل حال ما تُصدّق من قبل الفريقين المتعاقدين الساميين بعد قبولها من المجلس التأسيسي، وتظل معمولا ًبها لمدة عشرين سنة، وعند انتهاء هذه المدة تفحص الحالة، فإذا إرتأ الفريقان الساميان المتعاقدان أنه لم يبقَ حاجة إليها يصار إلى إنهائها ،ويكون أمر الإنهاء عرضة للتثبيت من قبل جمعية الأمم، ما لم تدخل المادة السادسة في حيز التنفيذ قبل ذلك التاريخ، وفي الحالة الأخيرة يجب أن يبلغ إشعار الإنهاء إلى مجلس جمعية الأمم، ولا مانع للفريقين الساميين المتعاقدين من إعادة النظر من وقت لأخر في شروط هذه المعاهدة، وشروط الاتفاقية المنفردة الناشئة عن المواد 7، 15، 17، بقصد إدخال ما يترائى مناسبته من التعديلات، حسبما تقتضيه الظروف الراهنة آنئذٍ، وكل تعديل يتفق عليه الفريقان الساميان المتعاقدان يجب أن يبلغ إلى مجلس جمعية الأمم، ويجب أن تتبادل تواقيع التصديق في بغداد. وقد وضعت هذه المعاهدة بالإنكليزية والعربية، وستبقى صورة منها بكل من اللغتين في خزانة سجلات حكومة صاحب الجلالة البريطانية. وللبيان قد وقع الوكيلان المفاوضان المختصان على هذه المعاهدة وثبتا ختميهما ع، الموافقلت في بغداد عن نسختين اثنتين، في اليوم العاشر من شهر تشرين الأول سنة 1922،الموافق لليوم التاسع عشر من شهر صفر سنة 1341هجرية .
بيرسي كوكس عبد الرحمن النقيب
المعتمد السامي لجلالة ملك بريطانيا رئيس وزراء العراق
توثيق الحلقة الثانية
(1) العراق ـ الكتاب الأول ـ ص 356 ـ حنا بطاطو .
(2) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الأول ـ ص 38 ـ عبد الرزاق الحسني.
(3) العراق ـ الكتاب الأول ـ ص 369 ـ حنا بطاطو .
(4) المصدر السابق.
(5) نفس المصدر السابق ـ ص370 .
(6) صحيفة العالم العربي ـ العدد 58 ـ في 1 حزيران 1924 .
(7) نفس المصدر ـ العدد 65 ـ في 10 حزيران 1924 .
(8) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الأول ـ ص 228 ـ عبد الرزاق الحسني.
(9) نفس المصدر السابق .
(10) مجموعة مذكرات المجلس التأسيسي ، المجلد الأول ـ ص 431 .
(11) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الأول ـ ص 232 ـ الحسني.
التسميات:
بحوث تاريخية
بحوث تاريخية
0 التعليقات: