أضواء على أحداث كركوك في الذكرى الأولى لثورة 14 تموز
10:38 ص | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمداني
يتناول بعض الكتاب بين الحين والآخرأحداث كركوك في الذكرى الأولى لثورة 14 تموز 1958 ، تتضمن أحداثاً مشوهة عن ما جرى في ذلك اليوم ، واضعين مسؤولية لما جرى من أحداث مؤسفة على طرف واحد بأسلوب اقل ما يقال عنه الرغبة في نكأ الجراح التي مضى عليها 47 عاماً ، مما لا يخدم بأي شكل من الأشكال الوحدة الوطنية التي نحن بأشد الحاجة إليها اليوم أكثر من أي يوم مضى ، وعليه فقد وجدت من الصائب أن أكتب عن تلك الأحداث بكل تجرد وموضوعية ، تدفعني الرغبة في تضميد الجراح والتطلع نحو المستقبل من أجل تشييد عراق حر تسوده قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، راجياً أن يتسع صدر الآخرين لهذا الحوار خدمة للحقيقة أولاً ،ولوحدة قوى الشعب العراقي في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخه السياسي ثانياً .
وقبل الولوج في تلك الأحداث التي وقعت في كركوك، في الذكرى الأولى لثورة الرابع عشر من تموز 958 ، لابد أن نستعرض أحوال المدينة ، والظروف التي كانت سائدة فيها ، والمشاكل التي كانت تعاني منها ، والتي كان لها الدور الأكبر في تلك الأحداث .
أولاً : التركيب السكاني لمدينة كركوك في الأحداث :
إن مدينة كركوك تضم ثلاث قوميات ، التركمانية ، والكردية ، والعربية ، وهناك بالإضافة إلى ذلك أقلية آشورية .
كانت العلاقة بين القوميتين ، الكردية والتركمانية يسودها جوٌ من التوتر والريبة منذُ زمن طويل ، يمتد إلى أيام الحكم العثماني ، وكان هناك صراعٌ للسيطرة على المدينة ، ولما قامت ثورة 14 تموز 958 ، وقف الأكراد إلى جانب الثورة وساندوها بشكل حاسم ، فيما وقف التركمان بعيدين عن تلك الثورة ،على أقل تقدير،وكان لاصطفاف الأكراد مع جبهة الاتحاد الوطني ، ودفاعهم عن الثورة ، أثرٌ كبير في ازدياد حنق التركمان على الأكراد ، كما أن الأكراد لم يشعروا يوماً بالاطمئنان للتركمان ، الذين ظلوا يدينون بالولاء لتركيا ، ولم ينسى الأكراد ما فعلته الدولة العثمانية بهم .لقد أستمر تنامي الكره لتركيا ، بسبب موقفها من الشعب الكردي في جنوب تركيا والذي يشكل حوالي 15 مليون نسمة .
لقد وقعت أحداث عديدة في كركوك ، وكانت مؤشراً على عمق الهوة بين التركمان ، والأكراد حيث قام التركمان باغتيال عدد من الأكراد ، أذكر من بينهم [ سيد ولي ] و[ محمد الشربتجي] ومهاجمة [احمد رضا] بماء النار [حامض الكبريتيك ] .
كما قامت زمرة منهم بزرع قنبلة تحت سيارة الزعيم الكردي [مصطفى البارزاني] لمحاولة اغتياله ، ولحسن الحظ تم اكتشاف القنبلة وتعطيلها قبل انفجارها ، فقد كانت تلك المحاولة ستؤدي لو نجحت إلى مذبحة لا أحد يعرف مداها .
ثانياً : احتفالات الذكرى الأولى للثورة ، ووقوع الأحداث :
أقترب موعد الذكرى الأولى لقيام ثورة الرابع عشر من تموز، وجرت الاستعدادات اللازمة للاحتفال بهذه المناسبة ، في مختلف أنحاء البلاد ، وجرت اتصالات في كركوك مع الجانب التركماني من أجل أن يكون الاحتفال بهذه الذكرى مشتركاً بين كل القوى السياسية وكل القوميات ، فثورة 14 تموز ثورة الشعب العراقي كله ، بمختلف فئاته وانتماءاته وقومياته .
غير أن الطورانيين المتعصبين رفضوا ذلك رفضاً قاطعاً وأصروا على أن تكون احتفالاتهم منفردة ، وفشلت كل المحاولات للجمع بين الأطراف .
وعلى هذا الأساس ، تقرر أن تأخذ مسيرة الاحتفال خط سيرٍ بعيدٍ عن منطقة تجمع التركمان المتعصبين ،حرصاً على عدم وقوع أي احتكاك بين الطرفين .
نظمت المسيرة من قبل الحزب الشيوعي ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ، ودعيت [ مسيرة الجبهة الوطنية ] ،وتقرر أن تكون ساحة المدرسة الثانوية ، مكان تجمع المسيرة ، ثم تنطلق إلى الشارع الرئيسي في [ قورية ] ، ثم تمر أمام الثكنة العسكرية ، قرب الجسر، بالقرب من القلعة القديمة ، ثم إلى الجسر الثاني ، حيث تتجه إلى شارع أطلس ، ومن ثم تعود المسيرة إلى المكان الذي انطلقت منه ، في ساحة الثانوية ، وقد قررت قيادة المسيرة عدم العبور إلى [ الصوب الصغير ] ، منطقة تجمع التركمان ، تجنباً لأي احتكاك .
بدأت المسيرة بصورة نظامية ، تعلوها الشعارات المقررة سلفاً ، والتي تدعوا إلى وحدة القوى الوطنية ،من أجل دعم مسيرة الثورة ،وكان يتقدمها مجموعات كبيرة من الأطفال يحملون حمامات السلام ،وهذا أكبر دليل على أنه لم تكن في نية القائمين بالمسيرة ،ولا في تفكيرهم الاحتكاك ،أو التصادم مع القوميين التركمان،وكل ما قيل عن تصميم مسبق للمسيرة لمهاجمة التركمان أمرٌ عارٍ عن الصحة اختلقته الرجعية ، وعملاء شركات النفط من أجل الإساءة للشيوعيين والبارتيين .
يلي مجموعة الأطفال في المسيرة مجموعة النساء ، من رابطة الدفاع عن حقوق المرأة ثم بقية المنظمات والنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الفلاحية، والتحق بالمسيرة عدد كبير من الجنود ومن المقاومة الشعبية .
وما أن دخلت المسيرة [شارع أطلس] ، ومرت قرب [كازينو14 تموز ] ، حتى انهال عليها القوميون التركمان المتعصبون ، بالحجارة ،وقطع الطابق ،من سطح الكازينو ، ثم ما لبثوا أن انهالوا عليهم الرصاص من كل جانب ، وحلت الفوضى بالمسيرة ،وأخذ المشاركون يتزاحمون ويندفعون للخروج من الشارع الضيق ، وديس عدد منهم تحت الأرجل ، واستطاع بعض المشاركين في المسيرة شق طريقهم نحو مصدر النيران والحجارة فيما راحت الجموع تزحف فوق بعضها البعض في جو من الفزع والفوضى ، وكان منظر الأطفال والأقدام تدوسهم مؤلم جداً ، كما سقط العديد من النساء بين الأرجل .
لم يكن في تلك اللحظة من الممكن السيطرة على جموح وغضب الجماهير الشعبية ، بينما الرصاص والحجارة ما زالا ينهمران عليهم من القلعة القديمة ، وقد أستمر إطلاق الرصاص منها ثلاثة أيام متتالية ، ولم يسكت إلا بعد أن قام الجيش والمقاومة الشعبية بتمشيط القلعة ، وقد جرت مشاركة المقاومة الشعبية بطلب من قيادة الفرقة الثانية ، بموجب توجيهات وصلتها من بغداد وكان حصيلة تلك الأحداث مقتل [ 32 ] فرداً من التركمان ، وتم اعتقال عدد آخر منهم وضعوا رهن التحقيق .
ثالثاً : نتائج أحداث كركوك ،وانعكاساتها :
إن ما حدث في كركوك ، لم يكن إلا عدواناً أثيماً ، دبرته القوى الرجعية ، المعادية لثورة 14 تموز ومسيرتها ،ولم يكن عملاء شركات النفط بعيدين عن تلك الأحداث ، ومحرضين عليها .
لقد جرى تضخيم تلك الأحداث ،وفبركة وقائع لم تقع إطلاقاً ،وظهرت شائعاتهم التي كانت تقول أنه كانت هناك مجزرة أُعد لها مسبقاً ، وذهب ضحيتها المئات ، بل الألوف ، ملصقين أشنع التهم بالحزب الشيوعي من أجل استعداء السلطة عليه ، وجرى تصوير جثث عدد من القتلى من جهات مختلفة ، وكانت الوجوه مشوهة لكي يقال أن عدد القتلى كان كبيراً ، كما تكّشف فيما بعد ،أن كثيراً من صور حرب التحرير الجزائرية ،وجرائم المستعمرين الفرنسيين ضد الشعب الجزائري قد استخدمت في ذلك التزييف ، لكي يصوروا ما حدث وكأنه مجزرة كبرى قام بها الشيوعيون ضد التركمان ، ولاحظوا هنا أن التركيز قد جرى على الشيوعيين وحدهم دون القوى الأخرى ، في حين كان الحزب دائم الحرص على تمتين عرى الاخوة العربية التركمانية ، وبيانات الحزب المنشورة في صحيفته [ اتحاد الشعب ] خير دليل على ذلك ، فقد ورد في الصحيفة في عددها الصادر في 27 آذار 959 ما يلي :
{ إننا ننبه أولئك الرجعيين ،الشوفينيين الذين يوغرون صدور التركمان ،ويثيرون المخاوف بين الكردي والعربي والتركماني ،ويزرعون في عين الوقت بذور الفتن ، ويبثون الشكوك والأكاذيب بين الجماهير الكردية ضد إخواننا التركمان ،إننا ندعو المواطنين الكرام إلى التزام جانب الحذر واليقظة ،والتمسك بعرى الاخوة والاتحاد بين مختلف القوميات } .
وفي شهادة مدير شرطة كركوك أمام المجلس العرفي العسكري حول الأحداث قال :
[ إنه بسبب العداء المستحكم بين التركمان والأكراد ، وبالنظر إلى الاستفزازات التي قام بها التركمان ، والتي سبقت المسيرة ، وفي أثنائها ، اتخذت التدابير المقتضية من قبلنا ، وفي حوالي الساعة السابعة ، عندما وصلت المسيرة إلى الجسر القديم ، وهي في طريقها إلى القلعة ، اقتربت منها مظاهرة للتركمان ، وكان أهلها يركبون سيارات تابعة للجيش ، فتدخلت الشرطة ، وحجزت بين الطرفين ، وتقدمت المسيرة حتى وصلت إلى مقهى 14 تموز ، وهي مقهى يرتادها التركمان ، وعلى حين غرة انهالت الأحجار فوق رؤوس المشاركين في المسيرة ، وصار هرج ومرج ، ثم تطور ذلك إلى استخدام السلاح ، ودوى صوت إطلاق الرصاص على المسيرة .
أخذ الجنود يطلقون الرصاص ، لإسكات مصدر النيران والحجارة ، وُقتل نتيجة ذلك 20 فرداً من التركمان ، وجرى سحل بعضهم ،وهو أمرٌ مرفوض ومدان ، وكان من بينهم[ عطا خير الله] و [عثمان الجايجي] صاحب المقهى ، واثنان من أبناء مختار محلة الخاصة [فؤاد عثمان] ، وبلغ عدد الجرحى من الطرفين [ 130] فرداً ، وقد جرى خلال تلك الأحداث مهاجمة 70 مقهى ومحل تجاري عائدة للتركمان ، وجرى نهبها ،أو إحراقها ،وكان للأكراد دور كبير فيها .
رابعاً:الزعيم يهاجم الشيوعيين ويتوعد بمعاقبة المسؤولين عن الأحداث:
بدأت التقارير والصور والعرائض من قبل التركمان ، تنهال على عبد الكريم قاسم ، تتهم الشيوعيين بتدبير مجزرة في كركوك ضدهم ، وصدّق قاسم تلك التقارير والصور ، قبل أن يجري أي تحقيق ، ربما لم يدرك ألاعيب الرجعية ، وعملاء شركات النفط ، التي غذت تلك الأحداث وضخمتها من أجل تمزيق وحدة القوى الوطنية ، وبالتالي إضعاف السلطة ، وعزلها عن أشد المدافعين عنها .
وربما أراد قاسم نفسه بالذات تضخيم تلك الأحداث واتخاذها مبرراً لإضعاف الحزب الشيوعي وتحجيمه بعد أن تنامت قوته ، وتوسع تأثيره على مجرى الأحداث في البلاد ،فلقد سارع الزعيم إلى عقد مؤتمر صحفي تحدث فيه عن الأحداث قائلاً :
{ إن الفوضويون يتوجهون إلى المنازل التي أُشروا عليها سابقاً في خرائطهم ، فأخرجوا أصحابها وفتكوا بهم } .
وقد تبين فيما بعد أن دائرة الكهرباء هي التي قامت بوضع إشارات على الدور ، لأسباب فنية وإدارية تتعلق بعملها .
وفي 2 آب 959 ذكر قاسم أن عدد القتلى كان ( 79 ) فرداً ، ثم عاد في 2 كانون الثاني وأكد أن عدد القتلى لا يتجاوز (32 ) فرداً ، وقد تأكد للمجلس العرفي العسكري أن عدد القتلى كان ( 32 ) فرداً منهم (29 ) تركمانياً ،و( 3 ) أكراد ، وجرح ( 130 ) فرداً بينهم (6) أكراد أستمر قاسم في مهاجمة الحزب الشيوعي ، وكانت خطاباته عنيفة جداً ، وتصريحاته لا تخلو من التهديد والوعيد ، وكان رد فعله عنيفاً أثناء خطابه في كنيسة مار يوسف ، وفي مؤتمره الصحفي ، وفي حديثه مع وفد اتحاد نقابات العمال في 4 آب 959 .
ففي خطابه في كنيسة مار يوسف قال عبد الكريم قاسم :
{ إن ما حدث أخيراً في كركوك ، فأني اشجبه تماماً ، وباستطاعتنا أيها الاخوة أن نسحق كل من يتصدى لأبناء الشعب بأعمال فوضوية نتيجة للحزازات ، والأحقاد ،والتعصب الأعمى . أنني سأحاسب حساباً عسيراً أولئك الذين اعتدوا على حرية الشعب في كركوك ، بصورة خاصة ، ثم أضاف قاسم قائلاً :
أولئك الذين يّدعون بالحرية ، ويدّعون بالديمقراطية لا يعتدون على أبناء الشعب اعتداءً وحشياً . إن أحداث كركوك لطخة سوداء في تاريخنا ،ولطخة سوداء في تاريخ ثورتنا . هل فعل ذلك جنكيز خان ،أو هولاكو من قبل ؟ ، هل هذه هي مدنية القرن العشرين ؟ لقد ذهب ضحية هذه الحوادث 79 قتيلاً ، يضاف إليهم 46 شخصاً دُفنوا أحياء ، وقد تم إنقاذ البعض منهم } .
لكن قاسم ما لبث أن تراجع قليلاً عن كلامه قائلاً : { إننا لا نلقي اللوم والمسؤولية على مبدأ ،أو حزب معين فالأفراد هم المسؤولون عن هذه ، وسنحاسبهم كأفراد ،ولا نريد اضطهاد المنظمات }!!!.
لقد كان قاسم في تلك الأيام على غير عادته قد فقد توازنه ، وانساق بشكل عاطفي أنساه ما أعتاد عليه من حذر ، وصبر وأناة ، فكانت خطاباته تلقي الحطب على الحريق ، وتبين أن ما ورد حول دفن الأحياء لا أساس له من الصحة ، كما ورد في محاكمات المجلس العرفي العسكري .
وتبين فيما بعد أن قاسم أراد استغلال تلك الأحداث كذريعة لتحجيم الحزب الشيوعي وإضعافه ،وضربه ،بعد أن تصاعد نفوذه في صفوف الجماهير ،وقد أرعبته مسيرة الأول من أيار 959 التي رفع خلالها الحزب الشيوعي شعار إشراكه في السلطة التالي : { عاش زعيمي عبد الكريمٍ، الحزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيم } .
هكذا إذاً وجد قاسم أن استخدام أحداث الموصل وكركوك خير ذريعة لتوجيه ضربته للحزب .
ولابد لكل منصف وحيادي أن يسأل :
1 ـ مْن بدأ الاعتداء على المسيرة ؟ ومن أطلق النار ،وقذف الحجارة ؟
2ـ منْ زور الصور ، وصوّر الأحداث كأنها مجزرة كبرى قالت عنها إذاعة [صوت العرب ] بأن عدد القتلى بلغ [ 3500 فرداً ] ؟
3 ـ هل خُدع قاسم بالتقارير التي نُقلت له عن تلك الأحداث ؟ وهل كان من الصعب عليه الوصول للحقيقة ؟
4 ـ هل كان قاسم يعرف الحقيقة ، لكنه أراد استخدام تلك الأحداث لتوجيه ضربته للحزب الشيوعي ؟
5 ـ هل كان بمقدور الحزب الشيوعي خلال تلك الأحداث السيطرة على الجماهير الغاضبة ، ومنع القتولات التي حصلت، وما رافقها من سحل للجثث؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تلقي الضوء على تلك الأحداث التي كانت تمثل بداية الانتكاسة لثورة الرابع عشر من تموز ، واستمرت في تراجعها حتى وقوع انقلاب الثامن شباط الفاشي عام963 .
لقد قام قاسم بتشكيل لجنتين تحقيقيتين ، وأرسل الأولى إلى الموصل ، والثانية إلى كركوك ، وزودها مسبقا بأسماء ابرز الشيوعيين المعروفين في المدينتين المذكورتين مع مذكرات بإلقاء القبض عليهم حيث جرى اعتقالهم ، وطافت سيارات عسكرية مجهزة بمكبرات الصوت داعية الناس إلى التقدم للشهادة ضد المعتقلين ، المتهمين بأحداث الموصل وكركوك ، وأُحيل المعتقلون إلى المجالس العرفية العسكرية لتحكم عليهم بأحكام قاسية وطويلة ، وسيق المحكومون إلى سجن [ نقرة السلمان ] السيئ الصيت ، والذي أنشأه نوري السعيد في وسط الصحراء بعيداً عن أهلهم وذويهم .
وحينما وقع انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 وجد الانقلابيون الصيد في القفص حيث أسرعوا إلى إعادة محاكمتهم من جديد ، خلافاً للقانون ، بعد أن استخدموا معهم أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي ، وأصدروا بحق العديد منهم أحكام الموت ، ونفذوها في شوارع الموصل ،وكركوك .
خامساً : ما هو رد فعل الحزب الشيوعي على إجراءات قاسم ؟
جاء رد فعل الحزب الشيوعي على الهجوم الذي شنه قاسم عليه سريعاً ، حيث أعلن الحزب في مقال افتتاحي لصحيفة الحزب [ اتحاد الشعب ] وجاء فيه :
{ قيل عنا بأننا نؤمن بالعنف ، ضمن إطار الحركة الوطنية ، وبعلاقاتنا مع القوي الوطنية الأخرى إن هذا محض دس وافتراء ، يقصد به التشهير ليس إلا، وكنا قد أكدنا في مقال افتتاحي معروف ، نُشر منذُ زمن بعيد ، بأن الأسلوب هو المحك ، ولكن يبدو الآن أن هناك نية متقصدة لُيقرن هذا الموقف الصحيح الثابت باندفاع بعض البسطاء ، وغير الحزبيين من جماهير الشعب .
نحن ندين بصورة مطلقة كل أشكال الاعتداء على الناس الأبرياء ، وأي عمل من أعمال التعذيب حتى بحق الخونة . إن إدانتنا لهذه الممارسات هي إدانة مبدأية }.
وفي الثالث من آب 959 ، نشر الحزب موجز التقرير الموسع لاجتماع اللجنة المركزية للحزب الذي أكد على إدانة كل شكل من أشكال الاعتداء ، والعنف ضد الخصوم السياسيين ، وكل أعمال القتل أو السحل أو النهب والحرق ، التي حدثت في كركوك ، مؤكداً على أهمية الحلف بين الحزب والسلطة ، وكافة القوى الوطنية من أجل دفع مسيرة الثورة إلى أمام لتحقيق أماني الشعب ، مؤكداً السير بخطى ثابتة مع قيادة الثورة ، وحماية مكتسباتها التي هي ثمرة تضحيات كبيرة عبر السنين .
أتسم موقف الحزب الشيوعي بعد أحداث كركوك بالتراجع حرصاً منه بعدم الإضرار بالعلاقة مع السلطة ، ولم يتخذ موقف الدفاع عن نفسه ضد الهجمة الشرسة التي شنتها القوى الرجعية ضده ، وساعدها جهاز السلطة الموروث عن العهد الملكي ، وكان لموقف قاسم من الحزب الأثر الحاسم في دعم تلك الهجمة من أجل تقليص دور الحزب وتحجيمه ، وتوجيه الضربات المتتالية له .
لقد وقعت جميع الأطراف في الخطأ ، وكل طرف يتحمل جانباً من المسؤولية ، وهذه هي حقيقة ما جرى في كركوك ، ولا بد لي في النهاية أن أقول أن كل أعمال العدوان والتمثيل بالجثث ، وأعمال النهب والسلب والحرق هي عمليات مدانة من أي جهة صدرت ، ولا بد لنا أن نتوجه إلى المستقبل بقلوب عامرة بالمحبة والتعاون والتكاتف بين سائر القوى الوطنية ، وسائر القوميات العراقية المتآخية من أجل الخروج بشعبنا ووطننا من هذه الظروف الخطيرة التي نمر بها لكي نوصل وطنا وشعبنا إلى شاطئ الحرية والسلام والعيش الرغيد في مجتمع تسوده الألفة والمحبة بين سائر مكونات شعبنا عرباً وأكراداً ، وتركماناً وآشوريون ،شيعة وسنة ، مسلمون ومسيحيون ، فالوطن في خطر، والجميع في سفينة واحدة ، وإذا غرقت لا سمح الله فسيغرق الجميع دون استثناء .
التسميات:
بحوث تاريخية
بحوث تاريخية
0 التعليقات: