نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - كتاب في حلقات (14)
4:28 م | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمداني
14/9/2008
أولاً: الأحزاب الوطنية تشكل جبهة وطنية لخوض الانتخابات:
رداً على سياسة السلطة الحاكمة المتجاهلة لإرادة الشعب، دعت الأحزاب والقوى السياسية، والمنظمات الديمقراطية والنقابات، إلى لقاء يهدف إلى تشكيل جبهة موحدة لخوض الانتخابات.
وبالفعل تم اللقاء الذي حضره ممثلون عن الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال، والحزب الشيوعي، وحركة أنصار السلام، ومنظمات الطلاب والشباب، والنقابات العمالية، والمهنية،كنقابة المحامين، والأطباء، وممثلي الفلاحين، وتدارس الجميع موضوع إقامة جبهة وطنية لخوض الانتخابات العامة، وقد تم التوقيع على الميثاق في 12 أيار 1954، وكان لهذا الميثاق وقع الصاعقة على الفئة الحاكمة، فقد تضمن الميثاق البنود التالية :
1ـ إطلاق الحريات الديمقراطية، كحرية الرأي والنشر، والاجتماع، والتظاهر، والإضراب، وتأليف الجمعيات، وحق التنظيم السياسية والنقابي.
2ـ الدفاع عن حرية الانتخابات.
3ـ إلغاء معاهدة 1930، والقواعد العسكرية، وجلاء الجيوش الأجنبية، ورفض جميع المحالفات العسكرية الاستعمارية، بما فيها الحلف التركي الباكستاني، وأي نوع من أنواع الدفاع المشترك.
4ـ رفض المساعدات العسكرية الأمريكية التي يراد بها تقييد سيادة العراق، وربطه بالمحالفات العسكرية الاستعمارية [ النقطة الرابعة ].
5ـ العمل على إلغاء امتيازات الشركات الأجنبية الاحتكارية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنهاء دور الإقطاع، وحل المشاكل الاقتصادية القائمة، ومشكلة البطالة ،وغلاء المعيشة، ورفع مستوى معيشة الشعب بوجه عام، وتشجيع الصناعة الوطنية وحمايتها.
6ـ العمل على إزالة الآثار الأليمة التي خلفتها كارثة الفيضان، وذلك بإسكان المشردين من ضحايا الكارثة، وتعويض المتضررين، وتأليف لجنة نزيهة محايدة لتحديد مسؤولية المقصرين ، واتخاذ كل ما يلزم لدرء
لدرء أخطار الفيضان في المستقبل.
7ـ التضامن مع الشعوب العربية، واستقلال البلاد العربية، وتحرير فلسطين
8 ـ العمل على إبعاد العراق والبلاد العربية عن ويلات الحرب.
وقد وقع على الميثاق كل من السادة:
1ـ ممثل الحزب الوطني الديمقراطي
2 ـ ممثل حزب الاستقلال
3 ـ ممثل الفلاحين ـ نايف الحسن
4 ـ ممثل العمال ـ كليبان صالح
5 ـ ممثل الشباب ـ صفاء الحافظ
6 ـ ممثل الأطباء ـ د.احمد الجلبي
7 ـ ممثل المحامين ـ عبد الستار ناجي
8 ـ ممثل الطلاب ـ مهدي عبد الكريم
وطبيعي أن الخمسة الأخيرين كانوا يمثلون الحزب الشيوعي، بسبب الحظر المفروض على الحزب، وملاحقة أعضائه، ومؤيديه، فقد جرى الاتفاق على تمثيل الحزب الشيوعي بهذه الطريقة. (1)
أحدث إعلان ميثاق الجبهة الوطنية في 12 أيار 1954 زلزالاً كبيراً لدى السلطة الحاكمة، التي أقلقها أشد القلق اللقاء بين الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال،والحزب الشيوعي، بهذا الشكل العلني الواسع الذي ينم عن التحدي، وأخذت السلطة الحاكمة تبذل قصارى جهدها للحيلولة دون نجاح مرشحي الجبهة الوطنية في الانتخابات بكل الوسائل والسبل، من إرهاب وتزوير ورشاوى وغيرها.
وفي المقابل نشطت الجبهة الوطنية في تعبئة الجماهير الشعبية لخوض المعركة الانتخابية، وتحدي إجراءات السلطة مهما كلف الأمر.
وبذلت القوى المؤيدة للبلاط، و بضمنها حزبا نوري السعيد، وصالح جبر،الاتحاد الدستوري، وحزب الأمة الاشتراكي، وشيوخ الإقطاع الموالين للبلاط ، مكونين جبهة واحدة، رغم التنافس بين البلاط وكتلة نوري السعيد، والذي بدا واضحاً عند تأليف وزارة أرشد العمري التي لم يدخلها أحد من حزب نوري السعيد، لكي يضمن عبد الإله أغلبية موالية له في الانتخابات.
تم تحديد يوم الأربعاء المصادف 9 حزيران للانتخاب، وكان النشاط من الطرفين يجري على قدم وساق، ولازلت أذكر ذلك اليوم الذي جرت فيه الانتخابات، والأيام التي سبقتها، حيث كانت القوى الوطنية تعمل كخلية نحل في أعداد وتعبئة الجماهير للمشاركة في الانتخاب، والتصويت لمرشحي الجبهة الوطنية في الموصل، وكان لي شرف المساهمة النشطة بتلك الحملة الانتخابية، وعملنا المستحيل من أجل فوز كافة مرشحي الجبهة الوطنية، وإفشال مرشحي الحكومة والبلاط، رغم كل المحاولات التي بذلتها الإدارة والأجهزة الأمنية للتلاعب في الانتخابات حينا، وفي التهديد وإخافة الناس البسطاء حيناً آخر.
لقد كان ذاك اليوم عيداً وطنياً كبيراً لدى أبناء الشعب في الموصل، فقد فاز مرشحي الجبهة الوطنية بالمقاعد الأربعة المخصصة لمدينة الموصل، وخرجت الجماهير الشعبية في اليوم التالي لتوديع النواب المنتخبين في طريقهم إلى بغداد لحضور الجلسة الأولى للمجلس النيابي، وقابلتنا الشرطة بالهراوات، وأخذت تلاحق جماهير الشعب، وتم اعتقال أعداد منهم.
لكن الانتخابات في بقية المناطق كانت بعيدة كل البعد عن التمثيل الحقيقي لإرادة الشعب، بسبب هيمنة الإقطاعيين الواسعة، وبسبب تدخلات السلطة، وخاصة في بغداد والمدن الرئيسة، فكانت النتيجة فوز 11 نائباً من الجبهة الوطنية من مجموع عدد النواب البالغ 135نائباً، فيما فاز من أعوان الوصي 51 نائباً، وفاز من حزب صالح جبر 21 نائباً، وفاز 38 إقطاعياً بالتزكية، دون منافس. (2)
وقد رفعت الجبهة الوطنية مذكرة إلى الحكومة، وموجهة بالذات إلى وزير الداخلية في 1 حزيران 1954، تحتج فيها على الانتهاكات الصارخة، والتدخلات غير المشروعة في تلك الانتخابات، وحرمان مرشحي الجبهة الوطنية من حق الدعاية الانتخابية، وعقد الاجتماعات الانتخابية مع جماهير الشعب، ومنع الاجتماعات العامة، وإشاعة الإرهاب بين الناس، واعتقال مؤيدي الجبهة الوطنية، وزجهم في السجون بشكل سافر أمام أعين الجماهير الشعبية لإرعابهم، ومنعهم من التصويت لمرشحي الجبهة الوطنية، كما جرى إبعاد مرشحي الجبهة الوطنية في الحلة والكوت عن مناطقهم الانتخابية مخفورين، حيث تم نقلهم بالسيارات المسلحة.
كما جرت مذبحة في مدينة الحي عندما حاول أبناء الشعب تقديم المرشح المنافس للإقطاعي الكبير [عبد الله الياسين ]، حيث قام رجاله البالغ عددهم أكثر من 100 مسلح بالاعتداء عل أبناء الشعب، وقد ذهب ضحية الاعتداء المسلح أحد المواطنين، وجرح 15 آخرين. (3)
أثارت المذبحة هيجاناً شديداً لدى الجماهير الشعبية، وهبت المظاهرات المنددة بالإقطاع والحكومة، وقد شارك في المظاهرات سائر أبناء الحي نساءً ورجالاً، وقد تصدت لهم قوات الشرطة بكل وسائل القمع، حيث وقع المزيد من الجرحى، ألقت الشرطة القبض على 74 مواطناً أحيل 52 فرداً منهم إلى المحاكمة، وحكم على المناضل الشيوعي [ علي الشيخ حسين ] بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم به، وعلى الباقين بالسجن لمدد مختلفة. بهذا الأسلوب أجرت السلطة الحاكمة الانتخابات لتضمن فوز مرشحي النظام.
ومع أن عدد الفائزين من مرشحي الجبهة الوطنية كان 11 نائباً فقط، فقد أقلق ذلك العدد السلطة كثيراً، وهالها أن ترى نخبة مثقفة واعية على مقاعد البرلمان تقف بالمرصاد للمخططات الإمبريالية التي يراد بها ربط العراق بالأحلاف العدوانية، وبدأت السلطة تفكر بالتخلص من هذا البرلمان منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات.
لم يعقد المجلس الجديد سوى جلسة واحدة في يوم الاثنين 26 تموز 1954، فقد صدرت الإرادة الملكية بتعطيله حتى تم حله على يد حكومة نوري السعيد، التي خلفت حكومة العمري بعد الانتخابات، وصدرت الإرادة الملكية بحله في 3 آب 1954، لكي يجري نوري السعيد انتخابات جديدة يحول فيها دون وصول أي معارض إلى البرلمان، فكان مجلس التزكية المعروف، والذي سنتحدث عنه فيما بعد.
ثانياً: نوري السعيد يعود إلى الحكم ليصفي الحركة الوطنية
أثار قيام الجبهة الوطنية ونجاحها في إيصال 11 نائباً إلى البرلمان، على الرغم من التدخلات السافرة للحكومة لصالح مرشحيها، والضغوط التي مارستها ضد مرشحي الجبهة الوطنية، أثارت قلق السفارة البريطانية في وقت كانت تعد العدة لإدخال العراق في حلف جديد أطلق عليه فيما بعد[حلف بغداد] ضم تركيا والباكستان والولايات المتحدة وبريطانيا، وبمناسبة الانتهاء من إجراء الانتخابات الجديدة قدمت حكومة [أرشد العمري] استقالتها حسب ما ينص عليه الدستور، وتم قبول الاستقالة في 3 آب، وخلال المدة الممتدة ما بين 17 تموز و 3 آب نشطت السفارة البريطانية في مسعاها لتكليف نوري السعيد بتأليف الوزارة الجديدة، وطلبت من عبد الإله شخصياً السفر إلى لندن على أول طائرة، ومصالحة نوري السعيد وإقناعه بالعودة إلى بغداد، وتكليفه بتشكيل الوزارة، نظراً لأن المهام التي تنتظرها الحكومة الجديدة كبيرة جداً، بعد أن أوشكت معاهدة 1930 على نهاية مدتها، وليس هناك غير نوري السعيد قادرٌ على تحدي إرادة الشعب، وأداء هذه المهمة. (4)
و بالفعل نفذ عبد الإله إرادة الحكومة البريطانية وسفارتها في بغداد، وسافر إلى لندن لمصالحة نوري السعيد، وإقناعه بالعودة إلى بغداد وتأليف الوزارة الجديدة، وأعطاه الحرية الكاملة في اختيار أعضاء وزارته. (5)
أما نوري السعيد فقد اشترط على عبد الإله تلبية الشروط التالية لقبول هذه المهمة وهي: (6)
1 ـ حل المجلس النيابي المنتخب، وإجراء انتخابات جديدة.
2ـ حل جميع الأحزاب السياسية، والمنظمات، والجمعيات، والنقابات والنوادي.
3 ـ إلغاء جميع امتيازات الصحف، ومنح امتيازات جديدة لعدد محدود من المناصرين للسلطة.
4ـ شن حرب لا هوادة فيها على القوى الوطنية، وعلى الحريات الديمقراطية.
و كان لنوري السعيد ما أراد مادام ذلك يتفق وإرادة الإنكليز، وعاد إلى بغداد ليؤلف أسوأ وزارة في تاريخ العراق منذ قيام الحكم الملكي، كما سنرى فيما بعد، وتم تأليفها في 3 آب 1954، وجاءت على الشكل التالي:
1 ـ نوري السعيد رئيساً للوزراء، و وزيراً للدفاع.
2 ـ سعيد قزاز ـ وزيراً للداخلية.
3ـ موسى الشابندر ـ وزيراً للخارجية.
4ـ شاكر الوادي ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
5 ـ محمد علي محمود ـ وزيراً للعدلية.
6 ـ ضياء جعفر ـ وزيراً للمالية.
7ـ عبد الوهاب مرجان ـ وزيراً للزراعة.
8 ـ عبد المجيد محمود ـ وزيراً للأعمار.
9 ـ نديم الباجه جي ـ وزيراً للاقتصاد.
10 ـ محمد حسن سلمان ـ وزيراً للصحة.
11 ـ خليل كنه ـ وزيراً للمعارف.
12 ـ صالح صائب الجبوري ـ وزيراً للمواصلات والأشغال .
13 ـ علي الشرقي ـ وزيراً بلا وزارة .
14 ـ أحمد مختار بابان ـ وزيراً بلا وزارة .
15 ـ برهان الدين باش أعيان ـ وزيراً بلا وزارة
16 ـ رشدي الجلبي ـ وزيراً بلا وزارة .
ثالثاً:السعيد يبدأ هجومه ويصفي كل مظاهر الديمقراطية:
لم يكد نوري السعيد يفرغ من تأليف وزارته الحادية عشرة حتى باشر بأعنف هجوم مضاد على القوى والأحزاب الوطنية، وفي جعبته تصفية أي مظهر من مظاهر الديمقراطية، وكبح جماح تلك القوى بأقسى الوسائل والإجراءات، فكان باكورة هجومه حل مجلس النواب، حيث استحصل الإرادة الملكية بحله تمهيداً لإبعاد أي عنصر معارض من المجلس عن طريق إجراء انتخابات مزيفه لم يعرف لها العراق مثيلاً حيث دُعي المجلس الذي جاء به نوري السعيد [ مجلس التزكية ] نظراً لفوز 121 نائباً بالتزكيةـ أي دون منافس ـ من مجموع 135 نائباً، وحتى النواب الآخرون فكانوا من أعوان السعيد كذلك. (7)
لقد منع نوري السعيد أي عنصر معارض من ترشيح نفسه، واضطرت الأحزاب الوطنية إلى مقاطعة الانتخابات التي جرت في 12 أيلول 1954، في ظل إرهاب وحشي لم يشهد له الشعب مثيلاً. وقد أدى سلوك الحكومة السعيدية هذا إلى وقوع المظاهرات الدامية، وسقوط العديد من الشهداء والجرحى في مناطق عدة، وخاصة في السليمانية، حيث تصدت قوات الشرطة للمظاهرات الشعبية مستخدمة السلاح، وتعاملت مع أبناء الشعب بأبشع أسلوب.
لقد شهد العراق أسوا الانتخابات في تاريخه الحديث، والذي ُيعدّ وصمة عار في جبين السلطة الحاكمة التي لم تتحمل وجود 11 من النواب المعارضين في المجلس، فأقدمت على حله لتمهد السبيل لتصفية الحقوق والحريات الديمقراطية، وتنفيذ المخطط الإمبريالي الهادف لربط العراق بالأحلاف العدوانية.
رابعاً: السعيد يحل البرلمان، ويصدر مجموعة من المراسيم
بعد أن تم لنوري السعيد حل المجلس النيابي، وإجراء انتخابات مجلس التزكية، بعد أن حرم القوى والأحزاب الوطنية من الترشيح لتلك الانتخابات، تابع هجومه لتصفية ما تبقى من مظاهر الديمقراطية بإصدار المراسيم التي مسخت الدستور، ومحت آخر ما تبقى من حقوق وحريات الشعب. وفيما يلي بعض تلك المراسيم: (8)
1 ـ مرسوم رقم 16 لسنة 1954:
وقد تضمن هذا المرسوم إضافة الفقرة التالية إلى قانون العقوبات البغدادي رقم 51 لسنة 1938، وتنص الإضافة على ما يلي :{ سواء كان ذلك بصورة مباشرة، أو بواسطة هيئات، أو منظمات تهدف إلى خدمة أغراض المذهب المذكور، تحت ستار أي اسم كان، كأنصار السلام، والشبيبة الديمقراطية، وما شاكل ذلك}.
وكانت المادة التي ألحقت بها هذه الفقرة قد نصت على ما يلي :{كل من حبّذ، أو روّج أيا من المذاهب الاشتراكية البلشفيةـ الشيوعيةـ والفوضوية والإباحية !!، وما يماثلها، التي ترمي إلى تغير نظام الحكم، والمبادئ والأوضاع السياسية للهيئة الاجتماعية المضمونة بالقانون الأساسي جرماً يستحق عقوبة الحبس لمدة 7 سنوات، أو الحبس المؤبد أو الإعدام، إذا كان التحبيذ بين القوات المسلحة}.
وبذلك أصبح الانتماء لحركة أنصار السلام، والشبيبة الديمقراطية جريمة تستحق عقوبة السجن ما بين الحبس لمدة 7 سنوات والإعدام !! .
2 ـ مرسوم رقم 17 لسنة 1954 بإسقاط الجنسية العراقية:
وقد نص هذا المرسوم على ما يلي: . المادة الأولى: لمجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الداخلية، إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي المحكوم وفق قانون ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم 51 لسنة 1938.
المادة الثانية : لوزير الداخلية اعتقال الشخص المسقطة عنه الجنسية العراقية فور صدور قرار مجلس الوزراء بذلك، والاحتفاظ به إلى أن يتم إبعاده عن العراق.
وكان من بين الشخصيات الوطنية التي أسقطت عنها الجنسية العراقية بموجب هذا المرسوم السادة كل من:
1 ـ المحامي عزيز شريف 2 ـ المحامي كامل قزانجي
3 ـ الدكتور صفاء الحافظ 4 ـ المحامي توفيق منير
5 ـ المحامي عدنان الراوي 6 ـ الشاعر كاظم السماوي
3 ـ مرسوم رقم 18 لسنة 1954، الخاص بغلق النقابات:
المادة الأولى:
لمجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الداخلية، أن يقرر غلق أي نقابة مؤسسة وفق قانونها الخاص، بصورة دائمة أو مؤقتة، عندما تسلك النقابة مسلكاً يمس الأمن العام، أو النظام العام، ويسبب إقلاق الراحة، مما يدل على خروجها عن الأسس والمبادئ التي أسست من أجلها.
المادة الثانية :
عند غلق النقابة وفق المادة الأولى تنقل السلطات والواجبات المودعة إلى اللجان المذكورة في ذلك القانون، إلى الوزير المختص، أو من ينوب عنه.
وقد جاء في الأسباب الموجبة للمرسوم ما يلي :
ثبت أن بعض النقابات قد خرجت على أهدافها، واستغلت كيانها القانوني للترويج لمذاهب ينص القانون على تجريم من يحبذوها، أو يروجها، خدمة لأغراض وأهداف لا تمت بصلة إلى مصلحة النقابة !!، حتى أن بعض هذه النقابات قد استغلت كيانها القانوني لإقلاق الراحة العامة والإخلال بالأمن والنظام العام !!.
وهكذا أصبح مصير النقابات العمالية وغيرها من النقابات المهنية معلقاً بإرادة وزير الداخلية الذي أمر بحل كافة النقابات التي سبق أن جرى تأليفها، وقامت الحكومة بتأليف عدد من النقابات المزيفة، ونصبت العديد من رجالها، ومن وكلاء جهاز الأمن على رأسها.
4 ـ مرسوم رقم 19 لسنة 1954 بحل الأحزاب السياسية والجمعيات والنوادي:
وبموجب هذا المرسوم ألغت وزارة الداخلية كافة الأحزاب السياسية، والجمعيات، والنوادي، ودور التمثيل[المسارح] في العراق، وأصدر وزير الداخلية بياناً أوضح فيه ما يلي:
{ لقد أصبحت الجمعيات والنوادي المبينة أدناه [قائمة تضم 465 جمعية ونادي ومسرح ملغاة] من تاريخ نفاذ المرسوم في 22 أيلول ، وذلك بحكم المادة 25 منه، ولذلك فإنه في حالة ما إذا رغب القائمون بشؤون تلك الجمعيات والنوادي سابقاً الاستمرار في تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها، عليهم تقديم طلبات جديدة إلى وزارة الداخلية إذا كان يراد تأسيس هذه الجمعيات والنوادي في بغداد، وإلى المتصرف المختص إن كان يراد تأسيسها خارجه.
ب ـ يشمل ما جاء في الفقرة الأولى من هذا البيان أية جمعية، أو نادٍ لم يرد ذكرها ضمن الجمعيات والنوادي المبينة أدناه، وهو مجاز من وزارة الداخلية، وكان يمارس أعماله حتى صدور المرسوم المشار إليه.
ج ـ تقدم الطلبات أنفاً إلى مأمور التسجيل في ديوان وزارة الداخلية لقاء وصل}. وجاء في الأسباب الموجبة لهذا المرسوم :
[ أصبحت الجمعيات وسيلة فعالة في توجيه الشعب، وأداة ذات حدين تعمل في البناء أو في الهدم، وقد أخذت بعض الجمعيات تجاهر بالدعوة إلى مذاهب ومبادئ يعاقب عليها القانون، كما أن بعضها أخذ يدعو إلى استغلال طرق الشغب، وإشاعة الفوضى خدمة لأغراض مؤسسات أجنبية !!، مع علمه بأن هذه الدعوة تتعارض ونظامه الذي أعلنه، وأجيز بمقتضاه.
كما أن بعضها استغل الامتيازات التي منحها القانون لها، ولصحافتها فأخذ يحرض الناس في الصحف التي تنطق بلسانه على الشغب!!، والقيام بأعمال ثورية لقلب نظام الحكم، وإن بعضها قد طغت عليها الأنانية الفردية، فجعلت مصلحة الحزب فوق مصلحة البلاد].
بهذه العقلية كان نوري السعيد يريد إدارة دفة الحكم في البلاد، سالباً كل الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، ومسخ الأحزاب، والنقابات، والصحافة، وسخرها لخدمة النظام والإمبريالية.
5 ـ مرسوم رقم 24 لسنة 1954 بإلغاء امتيازات الصحف :
وبموجب المادة 41 من هذا لمرسوم، قررت وزارة الداخلية في 12 كانون الأول 1954 إلغاء امتيازات الصحف والمجلات المنوحة بموجب قانون المطبوعات رقم 57 لسنة 1933،على أن يتقدم أصحابها بطلبات جديدة للحصول على امتيازات جديدة، ولم تمنح الحكومة سوى 7 امتيازات لصحف تسبح بحمد البلاط والحكومة، وهذا هو نص المادة 41 من المرسوم المذكور:
[ تلغى إجازات الصحف، والمجلات كافة، الممنوحة بموجب قانون المطبوعات رقم 57 لسنة 1933، وتعديله رقم 33 لسنة 1934، بعد مضي 30 يوماً اعتباراً من تاريخ نفاذ المرسوم، ويشمل الإلغاء إجازات الصحف والمجلات المعطلة، والمتوقفة عن النشر لأي سبب كان] .
وجاء في الأسباب الموجبة لهذا المرسوم ما يلي :
[ رأت الوزارة ـ استكمالاً لسياستها ـ أن قانون المطبوعات الصادر سنة 1933 يحتوي على نواقص كثيرة وخطيرة، كانت مصدراً لإشاعة الفوضى، وبث التفرقة بين أبناء الشعب !!، والتمول من مصادر سرية، بقصد ترويج مبادئ حرمها القانون، أو يستخدم الصحافة كأداة للكسب عن طريق التهديد !! والتشهير، فأصدرت مرسوم المطبوعات رقم 24 لسنة 1954، الذي اشترطت أحكامه أن تتوفر لدى صاحب المطبوع بعض الشروط اللازمة لكي يكون أهلاً لأداء رسالة الصحافة ] !!.
6 ـ مرسوم رقم 25 لسنة 1954 الخاص بالاجتماعات العامة
وبموجب هذا المرسوم أعطي الحق لوزير الداخلية بمنع أي تجمع،أو اجتماع ،أو مظاهرة، كما أعطى له الحق بتفريق المظاهرات بالقوة، إذا عرضت الأمن العام والنظام للإخلال، وإذا كان المتظاهرون، أو قسم منهم يهتفون هتافات ضد نظام الحكم لغرض إثارة الجمهور ضد الأمن والنظام، أو يحملون لافتات من هذا النوع!!.
خامساً: رد فعل الأحزاب الوطنية على مراسيم نوري السعيد:
أحدثت المراسيم التي أصدرتها حكومة نوري السعيد ردة فعل عنيفة لدى سائر الأحزاب السياسية الوطنية، والمنظمات المهنية والنقابية، وسائر الجماهير الشعبية التي استنكرت هذه السياسة الرعناء للحكومة، والهادفة إلى تجريد الشعب من كل الوسائل التي يدافع بواسطتها عن حقوقه، وحرياته العامة،وانهالت برقيات الاحتجاج والعرائض التي تستنكر هذه الإجراءات التي جردت الدستور من سائر نصوصه الخاصة بحقوق وحريات الشعب.
كما أصدر الحزب الوطني الديمقراطي البيان التالي الموجه للشعب حول مخاطر تلك المراسيم الجائرة التي فرّغت الدستور من محتواه.
بيان إلى الشعب العراقي الكريم:
بالرغم من تحذيرنا للحكومة من فظاعة العمل الذي نوه عنه رئيس الوزراء السيد نوري السعيد عند مجيئه إلى الحكم، من الأقدام على إسقاط الجنسية العراقية عن الشيوعيين، فقد صدر يوم أمس مرسوماً بهذا الأمر، مع مرسومين آخرين، أحدهما يمنح وزير الداخلية حق حل النقابات المهنية المشكلة وفق قانون خاص، والأخر يوسع حكم ذيل قانون العقوبات رقم 51 لسنة 1938، بحيث تشمل عقوبة تحبيذ المبادئ الشيوعية، بعض الجماعات التي لا يمكن أن يشملها مفهوم الشيوعية، أو يمكن أن تنضوي تحت ظلها بأي شكل من الأشكال.
إن حزبنا الوطني الديمقراطي، الذي يؤمن بالديمقراطية، ويقوم نهجه على العمل على تطبيقها، وضمان الحريات السياسية جميعاً، يرى أن خير طريق للإصلاح والتقدم هو أن يفسح المجال لكل عقيدة، أو رأي أو حركة سياسية بالعمل، سواء كانت متفقة معنا في الرأي أو مخالفة لنا لأننا نرى أن التجارب على مدى التاريخ قد اثبت أن تضارب الآراء ومناقشتها هما الطريق الصحيح لدحر الآراء التي لا تتفق معها، وأنه لا يمكن أن يثبت النظام ما لم يقم على قناعة وإيمان بالمبادئ التي يقوم عليها. لذلك فنحن نرى أن هذه المراسيم الرجعية التي أصدرتها الحكومة الحاضرة تعتبر أفظع مما قامت به أية حكومة، ليس في العراق فحسب بل وفي العالم اجمع، لا لأنها تخالف المبادئ الديمقراطية، وتخرق الدستور، بل لأنها ضربت عرض الحائط بأحد الحقوق الطبيعية المقدسة للإنسان، وهو حق المواطنة، لأنها تضمن التوسع في اضطهاد الرأي والحرية السياسية، بتعاريف غامضة مما يفسح مجالاً أوسع لاضطهاد كل نشاط سياسي. وقد رأينا كيف أن المجالس العرفية العسكرية، وبعض المحاكم والسلطات الحكومية كانت قد اعتبرت المتهم شيوعياً، ليس من يثبت عليه اعتناقه لهذا المذهب فقط، بل أن كثيراً من الذين لم يكن لهم من ذنب سوى اشتراكهم ببعض الحركات أو المظاهرات، أو الذين يملكون بعض الكتب والنشرات التي لم يكن بعضها حتى ليتصل بالشيوعية، وعلى ذلك يمكننا أن نتصور الخطر الجسيم الذي يهدد حرية الرأي بإضافة مجال أوسع في التوسع بالتفسير والتعريف في تطبيق أحكام هي في الأصل مخالفة للمبادئ الديمقراطية، والحريات العامة. إن حق كل شخص في جنسية البلد الذي ولد فيه من أب من ذلك البلد حق طبيعي لم يكتسب بقانون، وإنما هو حق ولد معه، ولا يحق لأي قوة في العالم أن تنتزع حقه في هذه الجنسية، وعلى هذا الرأي أجمع الحقوقيون في العالم أجمع. وإذا كان بين الحقوقيين من يجيز استرجاع الجنسية من شخص اكتسبها هو نفسه عن طريق التجنس، فليس في العالم حقوقي واحد يجيز أن تسلب الجنسية من شخص اكتسبها بالولادة. وإلى جانب ذلك فإن هذا المرسوم يخالف القانون الأساسي العراقي الذي يمنع بصورة مطلقة نفي العراقيين إلى الخارج، ويخالف الإعلان الدولي لحقوق الإنسان الذي وقع عليه العراق، ومن السخرية أن يسعى العراق للاشتراك في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهو يصدر مثل هذه التشريعات البعيدة عن كل مفهوم إنساني، والمخالفة لكل مبدأ قانوني، مما يجعل العراق موضع استنكار العالم أجمع بإصداره هذا التشريع. إن الحكومة العراقية قد بزّت أكثر حكومات العالم رجعية في هذه الإجراءات التي جعلت الوضع السياسي في العراق أضيق خناقاً على حرية الرأي، والعمل السياسي مما هو عليه في أي قطر آخر. إن الحوادث القريبة والبعيدة قد برهنت على أن الاضطهاد، وخنق الحريات، والتمادي في سن القوانين الرجعية، كل ذلك لا يجدِ نفعاً في حماية الأوضاع البالية التي تسبب التذمر والشكوى، بل على العكس، فهو يؤدي إلى فرض الدكتاتورية بكل ما يرافقها من مظالم شنيعة، وأعمال فضيعة، لابد وأن توقظ في النهاية ضمير الأمة، فتعمل على إزالتها. إن الحزب الوطني الديمقراطي يطالب بإلغاء هذه المراسيم، وإحلال وضع يبعث الطمأنينة لدى الناس، ويهيئ جواً صالحاً، بعيداً عن التحدي والاستفزاز، للعمل على تحقيق الإصلاحات الكثيرة الني تحتاجها البلاد تلك الإصلاحات التي لا يمكن أن تكون حقيقية ونافعة إلا إذا تحققت في وضع تسوده الحريات، ويطمأن الناس فيه على حقوقهم وحرياتهم ، و يأمنون على نفوسهم من اضطهاد الرأي والعقيدة. (9)
رداً على سياسة السلطة الحاكمة المتجاهلة لإرادة الشعب، دعت الأحزاب والقوى السياسية، والمنظمات الديمقراطية والنقابات، إلى لقاء يهدف إلى تشكيل جبهة موحدة لخوض الانتخابات.
وبالفعل تم اللقاء الذي حضره ممثلون عن الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال، والحزب الشيوعي، وحركة أنصار السلام، ومنظمات الطلاب والشباب، والنقابات العمالية، والمهنية،كنقابة المحامين، والأطباء، وممثلي الفلاحين، وتدارس الجميع موضوع إقامة جبهة وطنية لخوض الانتخابات العامة، وقد تم التوقيع على الميثاق في 12 أيار 1954، وكان لهذا الميثاق وقع الصاعقة على الفئة الحاكمة، فقد تضمن الميثاق البنود التالية :
1ـ إطلاق الحريات الديمقراطية، كحرية الرأي والنشر، والاجتماع، والتظاهر، والإضراب، وتأليف الجمعيات، وحق التنظيم السياسية والنقابي.
2ـ الدفاع عن حرية الانتخابات.
3ـ إلغاء معاهدة 1930، والقواعد العسكرية، وجلاء الجيوش الأجنبية، ورفض جميع المحالفات العسكرية الاستعمارية، بما فيها الحلف التركي الباكستاني، وأي نوع من أنواع الدفاع المشترك.
4ـ رفض المساعدات العسكرية الأمريكية التي يراد بها تقييد سيادة العراق، وربطه بالمحالفات العسكرية الاستعمارية [ النقطة الرابعة ].
5ـ العمل على إلغاء امتيازات الشركات الأجنبية الاحتكارية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنهاء دور الإقطاع، وحل المشاكل الاقتصادية القائمة، ومشكلة البطالة ،وغلاء المعيشة، ورفع مستوى معيشة الشعب بوجه عام، وتشجيع الصناعة الوطنية وحمايتها.
6ـ العمل على إزالة الآثار الأليمة التي خلفتها كارثة الفيضان، وذلك بإسكان المشردين من ضحايا الكارثة، وتعويض المتضررين، وتأليف لجنة نزيهة محايدة لتحديد مسؤولية المقصرين ، واتخاذ كل ما يلزم لدرء
لدرء أخطار الفيضان في المستقبل.
7ـ التضامن مع الشعوب العربية، واستقلال البلاد العربية، وتحرير فلسطين
8 ـ العمل على إبعاد العراق والبلاد العربية عن ويلات الحرب.
وقد وقع على الميثاق كل من السادة:
1ـ ممثل الحزب الوطني الديمقراطي
2 ـ ممثل حزب الاستقلال
3 ـ ممثل الفلاحين ـ نايف الحسن
4 ـ ممثل العمال ـ كليبان صالح
5 ـ ممثل الشباب ـ صفاء الحافظ
6 ـ ممثل الأطباء ـ د.احمد الجلبي
7 ـ ممثل المحامين ـ عبد الستار ناجي
8 ـ ممثل الطلاب ـ مهدي عبد الكريم
وطبيعي أن الخمسة الأخيرين كانوا يمثلون الحزب الشيوعي، بسبب الحظر المفروض على الحزب، وملاحقة أعضائه، ومؤيديه، فقد جرى الاتفاق على تمثيل الحزب الشيوعي بهذه الطريقة. (1)
أحدث إعلان ميثاق الجبهة الوطنية في 12 أيار 1954 زلزالاً كبيراً لدى السلطة الحاكمة، التي أقلقها أشد القلق اللقاء بين الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال،والحزب الشيوعي، بهذا الشكل العلني الواسع الذي ينم عن التحدي، وأخذت السلطة الحاكمة تبذل قصارى جهدها للحيلولة دون نجاح مرشحي الجبهة الوطنية في الانتخابات بكل الوسائل والسبل، من إرهاب وتزوير ورشاوى وغيرها.
وفي المقابل نشطت الجبهة الوطنية في تعبئة الجماهير الشعبية لخوض المعركة الانتخابية، وتحدي إجراءات السلطة مهما كلف الأمر.
وبذلت القوى المؤيدة للبلاط، و بضمنها حزبا نوري السعيد، وصالح جبر،الاتحاد الدستوري، وحزب الأمة الاشتراكي، وشيوخ الإقطاع الموالين للبلاط ، مكونين جبهة واحدة، رغم التنافس بين البلاط وكتلة نوري السعيد، والذي بدا واضحاً عند تأليف وزارة أرشد العمري التي لم يدخلها أحد من حزب نوري السعيد، لكي يضمن عبد الإله أغلبية موالية له في الانتخابات.
تم تحديد يوم الأربعاء المصادف 9 حزيران للانتخاب، وكان النشاط من الطرفين يجري على قدم وساق، ولازلت أذكر ذلك اليوم الذي جرت فيه الانتخابات، والأيام التي سبقتها، حيث كانت القوى الوطنية تعمل كخلية نحل في أعداد وتعبئة الجماهير للمشاركة في الانتخاب، والتصويت لمرشحي الجبهة الوطنية في الموصل، وكان لي شرف المساهمة النشطة بتلك الحملة الانتخابية، وعملنا المستحيل من أجل فوز كافة مرشحي الجبهة الوطنية، وإفشال مرشحي الحكومة والبلاط، رغم كل المحاولات التي بذلتها الإدارة والأجهزة الأمنية للتلاعب في الانتخابات حينا، وفي التهديد وإخافة الناس البسطاء حيناً آخر.
لقد كان ذاك اليوم عيداً وطنياً كبيراً لدى أبناء الشعب في الموصل، فقد فاز مرشحي الجبهة الوطنية بالمقاعد الأربعة المخصصة لمدينة الموصل، وخرجت الجماهير الشعبية في اليوم التالي لتوديع النواب المنتخبين في طريقهم إلى بغداد لحضور الجلسة الأولى للمجلس النيابي، وقابلتنا الشرطة بالهراوات، وأخذت تلاحق جماهير الشعب، وتم اعتقال أعداد منهم.
لكن الانتخابات في بقية المناطق كانت بعيدة كل البعد عن التمثيل الحقيقي لإرادة الشعب، بسبب هيمنة الإقطاعيين الواسعة، وبسبب تدخلات السلطة، وخاصة في بغداد والمدن الرئيسة، فكانت النتيجة فوز 11 نائباً من الجبهة الوطنية من مجموع عدد النواب البالغ 135نائباً، فيما فاز من أعوان الوصي 51 نائباً، وفاز من حزب صالح جبر 21 نائباً، وفاز 38 إقطاعياً بالتزكية، دون منافس. (2)
وقد رفعت الجبهة الوطنية مذكرة إلى الحكومة، وموجهة بالذات إلى وزير الداخلية في 1 حزيران 1954، تحتج فيها على الانتهاكات الصارخة، والتدخلات غير المشروعة في تلك الانتخابات، وحرمان مرشحي الجبهة الوطنية من حق الدعاية الانتخابية، وعقد الاجتماعات الانتخابية مع جماهير الشعب، ومنع الاجتماعات العامة، وإشاعة الإرهاب بين الناس، واعتقال مؤيدي الجبهة الوطنية، وزجهم في السجون بشكل سافر أمام أعين الجماهير الشعبية لإرعابهم، ومنعهم من التصويت لمرشحي الجبهة الوطنية، كما جرى إبعاد مرشحي الجبهة الوطنية في الحلة والكوت عن مناطقهم الانتخابية مخفورين، حيث تم نقلهم بالسيارات المسلحة.
كما جرت مذبحة في مدينة الحي عندما حاول أبناء الشعب تقديم المرشح المنافس للإقطاعي الكبير [عبد الله الياسين ]، حيث قام رجاله البالغ عددهم أكثر من 100 مسلح بالاعتداء عل أبناء الشعب، وقد ذهب ضحية الاعتداء المسلح أحد المواطنين، وجرح 15 آخرين. (3)
أثارت المذبحة هيجاناً شديداً لدى الجماهير الشعبية، وهبت المظاهرات المنددة بالإقطاع والحكومة، وقد شارك في المظاهرات سائر أبناء الحي نساءً ورجالاً، وقد تصدت لهم قوات الشرطة بكل وسائل القمع، حيث وقع المزيد من الجرحى، ألقت الشرطة القبض على 74 مواطناً أحيل 52 فرداً منهم إلى المحاكمة، وحكم على المناضل الشيوعي [ علي الشيخ حسين ] بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم به، وعلى الباقين بالسجن لمدد مختلفة. بهذا الأسلوب أجرت السلطة الحاكمة الانتخابات لتضمن فوز مرشحي النظام.
ومع أن عدد الفائزين من مرشحي الجبهة الوطنية كان 11 نائباً فقط، فقد أقلق ذلك العدد السلطة كثيراً، وهالها أن ترى نخبة مثقفة واعية على مقاعد البرلمان تقف بالمرصاد للمخططات الإمبريالية التي يراد بها ربط العراق بالأحلاف العدوانية، وبدأت السلطة تفكر بالتخلص من هذا البرلمان منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات.
لم يعقد المجلس الجديد سوى جلسة واحدة في يوم الاثنين 26 تموز 1954، فقد صدرت الإرادة الملكية بتعطيله حتى تم حله على يد حكومة نوري السعيد، التي خلفت حكومة العمري بعد الانتخابات، وصدرت الإرادة الملكية بحله في 3 آب 1954، لكي يجري نوري السعيد انتخابات جديدة يحول فيها دون وصول أي معارض إلى البرلمان، فكان مجلس التزكية المعروف، والذي سنتحدث عنه فيما بعد.
ثانياً: نوري السعيد يعود إلى الحكم ليصفي الحركة الوطنية
أثار قيام الجبهة الوطنية ونجاحها في إيصال 11 نائباً إلى البرلمان، على الرغم من التدخلات السافرة للحكومة لصالح مرشحيها، والضغوط التي مارستها ضد مرشحي الجبهة الوطنية، أثارت قلق السفارة البريطانية في وقت كانت تعد العدة لإدخال العراق في حلف جديد أطلق عليه فيما بعد[حلف بغداد] ضم تركيا والباكستان والولايات المتحدة وبريطانيا، وبمناسبة الانتهاء من إجراء الانتخابات الجديدة قدمت حكومة [أرشد العمري] استقالتها حسب ما ينص عليه الدستور، وتم قبول الاستقالة في 3 آب، وخلال المدة الممتدة ما بين 17 تموز و 3 آب نشطت السفارة البريطانية في مسعاها لتكليف نوري السعيد بتأليف الوزارة الجديدة، وطلبت من عبد الإله شخصياً السفر إلى لندن على أول طائرة، ومصالحة نوري السعيد وإقناعه بالعودة إلى بغداد، وتكليفه بتشكيل الوزارة، نظراً لأن المهام التي تنتظرها الحكومة الجديدة كبيرة جداً، بعد أن أوشكت معاهدة 1930 على نهاية مدتها، وليس هناك غير نوري السعيد قادرٌ على تحدي إرادة الشعب، وأداء هذه المهمة. (4)
و بالفعل نفذ عبد الإله إرادة الحكومة البريطانية وسفارتها في بغداد، وسافر إلى لندن لمصالحة نوري السعيد، وإقناعه بالعودة إلى بغداد وتأليف الوزارة الجديدة، وأعطاه الحرية الكاملة في اختيار أعضاء وزارته. (5)
أما نوري السعيد فقد اشترط على عبد الإله تلبية الشروط التالية لقبول هذه المهمة وهي: (6)
1 ـ حل المجلس النيابي المنتخب، وإجراء انتخابات جديدة.
2ـ حل جميع الأحزاب السياسية، والمنظمات، والجمعيات، والنقابات والنوادي.
3 ـ إلغاء جميع امتيازات الصحف، ومنح امتيازات جديدة لعدد محدود من المناصرين للسلطة.
4ـ شن حرب لا هوادة فيها على القوى الوطنية، وعلى الحريات الديمقراطية.
و كان لنوري السعيد ما أراد مادام ذلك يتفق وإرادة الإنكليز، وعاد إلى بغداد ليؤلف أسوأ وزارة في تاريخ العراق منذ قيام الحكم الملكي، كما سنرى فيما بعد، وتم تأليفها في 3 آب 1954، وجاءت على الشكل التالي:
1 ـ نوري السعيد رئيساً للوزراء، و وزيراً للدفاع.
2 ـ سعيد قزاز ـ وزيراً للداخلية.
3ـ موسى الشابندر ـ وزيراً للخارجية.
4ـ شاكر الوادي ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
5 ـ محمد علي محمود ـ وزيراً للعدلية.
6 ـ ضياء جعفر ـ وزيراً للمالية.
7ـ عبد الوهاب مرجان ـ وزيراً للزراعة.
8 ـ عبد المجيد محمود ـ وزيراً للأعمار.
9 ـ نديم الباجه جي ـ وزيراً للاقتصاد.
10 ـ محمد حسن سلمان ـ وزيراً للصحة.
11 ـ خليل كنه ـ وزيراً للمعارف.
12 ـ صالح صائب الجبوري ـ وزيراً للمواصلات والأشغال .
13 ـ علي الشرقي ـ وزيراً بلا وزارة .
14 ـ أحمد مختار بابان ـ وزيراً بلا وزارة .
15 ـ برهان الدين باش أعيان ـ وزيراً بلا وزارة
16 ـ رشدي الجلبي ـ وزيراً بلا وزارة .
ثالثاً:السعيد يبدأ هجومه ويصفي كل مظاهر الديمقراطية:
لم يكد نوري السعيد يفرغ من تأليف وزارته الحادية عشرة حتى باشر بأعنف هجوم مضاد على القوى والأحزاب الوطنية، وفي جعبته تصفية أي مظهر من مظاهر الديمقراطية، وكبح جماح تلك القوى بأقسى الوسائل والإجراءات، فكان باكورة هجومه حل مجلس النواب، حيث استحصل الإرادة الملكية بحله تمهيداً لإبعاد أي عنصر معارض من المجلس عن طريق إجراء انتخابات مزيفه لم يعرف لها العراق مثيلاً حيث دُعي المجلس الذي جاء به نوري السعيد [ مجلس التزكية ] نظراً لفوز 121 نائباً بالتزكيةـ أي دون منافس ـ من مجموع 135 نائباً، وحتى النواب الآخرون فكانوا من أعوان السعيد كذلك. (7)
لقد منع نوري السعيد أي عنصر معارض من ترشيح نفسه، واضطرت الأحزاب الوطنية إلى مقاطعة الانتخابات التي جرت في 12 أيلول 1954، في ظل إرهاب وحشي لم يشهد له الشعب مثيلاً. وقد أدى سلوك الحكومة السعيدية هذا إلى وقوع المظاهرات الدامية، وسقوط العديد من الشهداء والجرحى في مناطق عدة، وخاصة في السليمانية، حيث تصدت قوات الشرطة للمظاهرات الشعبية مستخدمة السلاح، وتعاملت مع أبناء الشعب بأبشع أسلوب.
لقد شهد العراق أسوا الانتخابات في تاريخه الحديث، والذي ُيعدّ وصمة عار في جبين السلطة الحاكمة التي لم تتحمل وجود 11 من النواب المعارضين في المجلس، فأقدمت على حله لتمهد السبيل لتصفية الحقوق والحريات الديمقراطية، وتنفيذ المخطط الإمبريالي الهادف لربط العراق بالأحلاف العدوانية.
رابعاً: السعيد يحل البرلمان، ويصدر مجموعة من المراسيم
بعد أن تم لنوري السعيد حل المجلس النيابي، وإجراء انتخابات مجلس التزكية، بعد أن حرم القوى والأحزاب الوطنية من الترشيح لتلك الانتخابات، تابع هجومه لتصفية ما تبقى من مظاهر الديمقراطية بإصدار المراسيم التي مسخت الدستور، ومحت آخر ما تبقى من حقوق وحريات الشعب. وفيما يلي بعض تلك المراسيم: (8)
1 ـ مرسوم رقم 16 لسنة 1954:
وقد تضمن هذا المرسوم إضافة الفقرة التالية إلى قانون العقوبات البغدادي رقم 51 لسنة 1938، وتنص الإضافة على ما يلي :{ سواء كان ذلك بصورة مباشرة، أو بواسطة هيئات، أو منظمات تهدف إلى خدمة أغراض المذهب المذكور، تحت ستار أي اسم كان، كأنصار السلام، والشبيبة الديمقراطية، وما شاكل ذلك}.
وكانت المادة التي ألحقت بها هذه الفقرة قد نصت على ما يلي :{كل من حبّذ، أو روّج أيا من المذاهب الاشتراكية البلشفيةـ الشيوعيةـ والفوضوية والإباحية !!، وما يماثلها، التي ترمي إلى تغير نظام الحكم، والمبادئ والأوضاع السياسية للهيئة الاجتماعية المضمونة بالقانون الأساسي جرماً يستحق عقوبة الحبس لمدة 7 سنوات، أو الحبس المؤبد أو الإعدام، إذا كان التحبيذ بين القوات المسلحة}.
وبذلك أصبح الانتماء لحركة أنصار السلام، والشبيبة الديمقراطية جريمة تستحق عقوبة السجن ما بين الحبس لمدة 7 سنوات والإعدام !! .
2 ـ مرسوم رقم 17 لسنة 1954 بإسقاط الجنسية العراقية:
وقد نص هذا المرسوم على ما يلي: . المادة الأولى: لمجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الداخلية، إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي المحكوم وفق قانون ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم 51 لسنة 1938.
المادة الثانية : لوزير الداخلية اعتقال الشخص المسقطة عنه الجنسية العراقية فور صدور قرار مجلس الوزراء بذلك، والاحتفاظ به إلى أن يتم إبعاده عن العراق.
وكان من بين الشخصيات الوطنية التي أسقطت عنها الجنسية العراقية بموجب هذا المرسوم السادة كل من:
1 ـ المحامي عزيز شريف 2 ـ المحامي كامل قزانجي
3 ـ الدكتور صفاء الحافظ 4 ـ المحامي توفيق منير
5 ـ المحامي عدنان الراوي 6 ـ الشاعر كاظم السماوي
3 ـ مرسوم رقم 18 لسنة 1954، الخاص بغلق النقابات:
المادة الأولى:
لمجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الداخلية، أن يقرر غلق أي نقابة مؤسسة وفق قانونها الخاص، بصورة دائمة أو مؤقتة، عندما تسلك النقابة مسلكاً يمس الأمن العام، أو النظام العام، ويسبب إقلاق الراحة، مما يدل على خروجها عن الأسس والمبادئ التي أسست من أجلها.
المادة الثانية :
عند غلق النقابة وفق المادة الأولى تنقل السلطات والواجبات المودعة إلى اللجان المذكورة في ذلك القانون، إلى الوزير المختص، أو من ينوب عنه.
وقد جاء في الأسباب الموجبة للمرسوم ما يلي :
ثبت أن بعض النقابات قد خرجت على أهدافها، واستغلت كيانها القانوني للترويج لمذاهب ينص القانون على تجريم من يحبذوها، أو يروجها، خدمة لأغراض وأهداف لا تمت بصلة إلى مصلحة النقابة !!، حتى أن بعض هذه النقابات قد استغلت كيانها القانوني لإقلاق الراحة العامة والإخلال بالأمن والنظام العام !!.
وهكذا أصبح مصير النقابات العمالية وغيرها من النقابات المهنية معلقاً بإرادة وزير الداخلية الذي أمر بحل كافة النقابات التي سبق أن جرى تأليفها، وقامت الحكومة بتأليف عدد من النقابات المزيفة، ونصبت العديد من رجالها، ومن وكلاء جهاز الأمن على رأسها.
4 ـ مرسوم رقم 19 لسنة 1954 بحل الأحزاب السياسية والجمعيات والنوادي:
وبموجب هذا المرسوم ألغت وزارة الداخلية كافة الأحزاب السياسية، والجمعيات، والنوادي، ودور التمثيل[المسارح] في العراق، وأصدر وزير الداخلية بياناً أوضح فيه ما يلي:
{ لقد أصبحت الجمعيات والنوادي المبينة أدناه [قائمة تضم 465 جمعية ونادي ومسرح ملغاة] من تاريخ نفاذ المرسوم في 22 أيلول ، وذلك بحكم المادة 25 منه، ولذلك فإنه في حالة ما إذا رغب القائمون بشؤون تلك الجمعيات والنوادي سابقاً الاستمرار في تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها، عليهم تقديم طلبات جديدة إلى وزارة الداخلية إذا كان يراد تأسيس هذه الجمعيات والنوادي في بغداد، وإلى المتصرف المختص إن كان يراد تأسيسها خارجه.
ب ـ يشمل ما جاء في الفقرة الأولى من هذا البيان أية جمعية، أو نادٍ لم يرد ذكرها ضمن الجمعيات والنوادي المبينة أدناه، وهو مجاز من وزارة الداخلية، وكان يمارس أعماله حتى صدور المرسوم المشار إليه.
ج ـ تقدم الطلبات أنفاً إلى مأمور التسجيل في ديوان وزارة الداخلية لقاء وصل}. وجاء في الأسباب الموجبة لهذا المرسوم :
[ أصبحت الجمعيات وسيلة فعالة في توجيه الشعب، وأداة ذات حدين تعمل في البناء أو في الهدم، وقد أخذت بعض الجمعيات تجاهر بالدعوة إلى مذاهب ومبادئ يعاقب عليها القانون، كما أن بعضها أخذ يدعو إلى استغلال طرق الشغب، وإشاعة الفوضى خدمة لأغراض مؤسسات أجنبية !!، مع علمه بأن هذه الدعوة تتعارض ونظامه الذي أعلنه، وأجيز بمقتضاه.
كما أن بعضها استغل الامتيازات التي منحها القانون لها، ولصحافتها فأخذ يحرض الناس في الصحف التي تنطق بلسانه على الشغب!!، والقيام بأعمال ثورية لقلب نظام الحكم، وإن بعضها قد طغت عليها الأنانية الفردية، فجعلت مصلحة الحزب فوق مصلحة البلاد].
بهذه العقلية كان نوري السعيد يريد إدارة دفة الحكم في البلاد، سالباً كل الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، ومسخ الأحزاب، والنقابات، والصحافة، وسخرها لخدمة النظام والإمبريالية.
5 ـ مرسوم رقم 24 لسنة 1954 بإلغاء امتيازات الصحف :
وبموجب المادة 41 من هذا لمرسوم، قررت وزارة الداخلية في 12 كانون الأول 1954 إلغاء امتيازات الصحف والمجلات المنوحة بموجب قانون المطبوعات رقم 57 لسنة 1933،على أن يتقدم أصحابها بطلبات جديدة للحصول على امتيازات جديدة، ولم تمنح الحكومة سوى 7 امتيازات لصحف تسبح بحمد البلاط والحكومة، وهذا هو نص المادة 41 من المرسوم المذكور:
[ تلغى إجازات الصحف، والمجلات كافة، الممنوحة بموجب قانون المطبوعات رقم 57 لسنة 1933، وتعديله رقم 33 لسنة 1934، بعد مضي 30 يوماً اعتباراً من تاريخ نفاذ المرسوم، ويشمل الإلغاء إجازات الصحف والمجلات المعطلة، والمتوقفة عن النشر لأي سبب كان] .
وجاء في الأسباب الموجبة لهذا المرسوم ما يلي :
[ رأت الوزارة ـ استكمالاً لسياستها ـ أن قانون المطبوعات الصادر سنة 1933 يحتوي على نواقص كثيرة وخطيرة، كانت مصدراً لإشاعة الفوضى، وبث التفرقة بين أبناء الشعب !!، والتمول من مصادر سرية، بقصد ترويج مبادئ حرمها القانون، أو يستخدم الصحافة كأداة للكسب عن طريق التهديد !! والتشهير، فأصدرت مرسوم المطبوعات رقم 24 لسنة 1954، الذي اشترطت أحكامه أن تتوفر لدى صاحب المطبوع بعض الشروط اللازمة لكي يكون أهلاً لأداء رسالة الصحافة ] !!.
6 ـ مرسوم رقم 25 لسنة 1954 الخاص بالاجتماعات العامة
وبموجب هذا المرسوم أعطي الحق لوزير الداخلية بمنع أي تجمع،أو اجتماع ،أو مظاهرة، كما أعطى له الحق بتفريق المظاهرات بالقوة، إذا عرضت الأمن العام والنظام للإخلال، وإذا كان المتظاهرون، أو قسم منهم يهتفون هتافات ضد نظام الحكم لغرض إثارة الجمهور ضد الأمن والنظام، أو يحملون لافتات من هذا النوع!!.
خامساً: رد فعل الأحزاب الوطنية على مراسيم نوري السعيد:
أحدثت المراسيم التي أصدرتها حكومة نوري السعيد ردة فعل عنيفة لدى سائر الأحزاب السياسية الوطنية، والمنظمات المهنية والنقابية، وسائر الجماهير الشعبية التي استنكرت هذه السياسة الرعناء للحكومة، والهادفة إلى تجريد الشعب من كل الوسائل التي يدافع بواسطتها عن حقوقه، وحرياته العامة،وانهالت برقيات الاحتجاج والعرائض التي تستنكر هذه الإجراءات التي جردت الدستور من سائر نصوصه الخاصة بحقوق وحريات الشعب.
كما أصدر الحزب الوطني الديمقراطي البيان التالي الموجه للشعب حول مخاطر تلك المراسيم الجائرة التي فرّغت الدستور من محتواه.
بيان إلى الشعب العراقي الكريم:
بالرغم من تحذيرنا للحكومة من فظاعة العمل الذي نوه عنه رئيس الوزراء السيد نوري السعيد عند مجيئه إلى الحكم، من الأقدام على إسقاط الجنسية العراقية عن الشيوعيين، فقد صدر يوم أمس مرسوماً بهذا الأمر، مع مرسومين آخرين، أحدهما يمنح وزير الداخلية حق حل النقابات المهنية المشكلة وفق قانون خاص، والأخر يوسع حكم ذيل قانون العقوبات رقم 51 لسنة 1938، بحيث تشمل عقوبة تحبيذ المبادئ الشيوعية، بعض الجماعات التي لا يمكن أن يشملها مفهوم الشيوعية، أو يمكن أن تنضوي تحت ظلها بأي شكل من الأشكال.
إن حزبنا الوطني الديمقراطي، الذي يؤمن بالديمقراطية، ويقوم نهجه على العمل على تطبيقها، وضمان الحريات السياسية جميعاً، يرى أن خير طريق للإصلاح والتقدم هو أن يفسح المجال لكل عقيدة، أو رأي أو حركة سياسية بالعمل، سواء كانت متفقة معنا في الرأي أو مخالفة لنا لأننا نرى أن التجارب على مدى التاريخ قد اثبت أن تضارب الآراء ومناقشتها هما الطريق الصحيح لدحر الآراء التي لا تتفق معها، وأنه لا يمكن أن يثبت النظام ما لم يقم على قناعة وإيمان بالمبادئ التي يقوم عليها. لذلك فنحن نرى أن هذه المراسيم الرجعية التي أصدرتها الحكومة الحاضرة تعتبر أفظع مما قامت به أية حكومة، ليس في العراق فحسب بل وفي العالم اجمع، لا لأنها تخالف المبادئ الديمقراطية، وتخرق الدستور، بل لأنها ضربت عرض الحائط بأحد الحقوق الطبيعية المقدسة للإنسان، وهو حق المواطنة، لأنها تضمن التوسع في اضطهاد الرأي والحرية السياسية، بتعاريف غامضة مما يفسح مجالاً أوسع لاضطهاد كل نشاط سياسي. وقد رأينا كيف أن المجالس العرفية العسكرية، وبعض المحاكم والسلطات الحكومية كانت قد اعتبرت المتهم شيوعياً، ليس من يثبت عليه اعتناقه لهذا المذهب فقط، بل أن كثيراً من الذين لم يكن لهم من ذنب سوى اشتراكهم ببعض الحركات أو المظاهرات، أو الذين يملكون بعض الكتب والنشرات التي لم يكن بعضها حتى ليتصل بالشيوعية، وعلى ذلك يمكننا أن نتصور الخطر الجسيم الذي يهدد حرية الرأي بإضافة مجال أوسع في التوسع بالتفسير والتعريف في تطبيق أحكام هي في الأصل مخالفة للمبادئ الديمقراطية، والحريات العامة. إن حق كل شخص في جنسية البلد الذي ولد فيه من أب من ذلك البلد حق طبيعي لم يكتسب بقانون، وإنما هو حق ولد معه، ولا يحق لأي قوة في العالم أن تنتزع حقه في هذه الجنسية، وعلى هذا الرأي أجمع الحقوقيون في العالم أجمع. وإذا كان بين الحقوقيين من يجيز استرجاع الجنسية من شخص اكتسبها هو نفسه عن طريق التجنس، فليس في العالم حقوقي واحد يجيز أن تسلب الجنسية من شخص اكتسبها بالولادة. وإلى جانب ذلك فإن هذا المرسوم يخالف القانون الأساسي العراقي الذي يمنع بصورة مطلقة نفي العراقيين إلى الخارج، ويخالف الإعلان الدولي لحقوق الإنسان الذي وقع عليه العراق، ومن السخرية أن يسعى العراق للاشتراك في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهو يصدر مثل هذه التشريعات البعيدة عن كل مفهوم إنساني، والمخالفة لكل مبدأ قانوني، مما يجعل العراق موضع استنكار العالم أجمع بإصداره هذا التشريع. إن الحكومة العراقية قد بزّت أكثر حكومات العالم رجعية في هذه الإجراءات التي جعلت الوضع السياسي في العراق أضيق خناقاً على حرية الرأي، والعمل السياسي مما هو عليه في أي قطر آخر. إن الحوادث القريبة والبعيدة قد برهنت على أن الاضطهاد، وخنق الحريات، والتمادي في سن القوانين الرجعية، كل ذلك لا يجدِ نفعاً في حماية الأوضاع البالية التي تسبب التذمر والشكوى، بل على العكس، فهو يؤدي إلى فرض الدكتاتورية بكل ما يرافقها من مظالم شنيعة، وأعمال فضيعة، لابد وأن توقظ في النهاية ضمير الأمة، فتعمل على إزالتها. إن الحزب الوطني الديمقراطي يطالب بإلغاء هذه المراسيم، وإحلال وضع يبعث الطمأنينة لدى الناس، ويهيئ جواً صالحاً، بعيداً عن التحدي والاستفزاز، للعمل على تحقيق الإصلاحات الكثيرة الني تحتاجها البلاد تلك الإصلاحات التي لا يمكن أن تكون حقيقية ونافعة إلا إذا تحققت في وضع تسوده الحريات، ويطمأن الناس فيه على حقوقهم وحرياتهم ، و يأمنون على نفوسهم من اضطهاد الرأي والعقيدة. (9)
بغداد في 1 أيلول 1954
كامل الجادرجي
رئيس الحزب الوطني الديمقراطي
كامل الجادرجي
رئيس الحزب الوطني الديمقراطي
كما قدم السيد [كامل الجادرجي ] زعيم الحزب الوطني الديمقراطي، و[محمد مهدي كبه] زعيم حزب الاستقلال مذكرتان بهذا المعنى إلى الملك. ورداً على البيان الذي أصدره الأستاذ الجادرجي، أقدمت حكومة نوري السعيد على حل الحزب الوطني الديمقراطي، وسحب إجازته متهمة إياه في بيان أذاعه مدير التوجيه والإذاعة العام [حسن الطالباني] بالتضليل والتمويه، وإحداث الشغب والبلبلة في صفوف الشعب!!، والإخلال بالأمن والنظام، وتشويه نظام الحكم، وبث الفوضى والاضطراب في البلاد !!، و إقلاق الراحة العامة، وإلى غيرها من المعزوفات التي مجها الشعب، والتي كان يرددها نوري السعيد ضد كل القوى الخيرة الهادفة لخدمة المواطن العراقي، وخدمة الأمة العربية، ومحاربة الإمبريالية، والتسلط والدكتاتورية.
و قد احتج الحزب على قرار الحكومة بحله وسحب إجازته، في 4 أيلول 1954، وتحدى السلطة الحاكمة، معلناً أن قرار حلّ الحزب غير شرعي ومخالف للقانون، وأحكام القانون الأساسي، وطالب بإلغاء القرار. (10)
سادساً: السعيد يقطع علاقات العراق بالإتحاد السوفيتي:
زيادة في إيغال نوري السعيد في العداء للشيوعية، وإرضاءً لأسياده الإمبرياليين، أقدم على قطع علاقات العراق بالاتحاد السوفيتي في الأول كانون من الثاني 1955، متهماً السفارة السوفيتية في بغداد بأنها قد أصبحت وكراً للنشاط الشيوعي في العراق، وبذلك عزل البلاد عن دول المعسكر الاشتراكي، قاطعاً جميع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية معها، وليجعل من علاقات العراق أحادية الجانب، ومرتبطة كلياً بعجلة الإمبريالية، فقد صدر بيان رسمي بتوقيع مدير التوجيه والإذاعة العام في 3 كانون الثاني 1955 جاء فيه:
{استدعى وكيل وزارة الخارجية القائم بالأعمال السوفيتي وابلغه قرار الحكومة العراقية بتعطيل التمثيل الدبلوماسي بين العراق والاتحاد السوفيتي في الوقت الحاضر}.(11)
سابعا: نوري السعيد يفرض على العراق حلف بغداد
لم يأتِ نوري السعيد إلى الحكم، ويؤلف وزارته الثانية عشرة في 3 آب 1954 ، إلا من أجل ربط العراق بالأحلاف الإمبريالية، ممهداً السبيل إلى ذلك بحملته المسعورة ضد كل مظاهر الديمقراطية، عن طريق إصدار مراسيمه سيئة الصيت، والتي أراد بها أن يستبق الأحداث، بقمع أية معارضة من جانب الشعب وقواه الوطنية ضد الأحلاف الإمبريالية، معلناً الحرب على الأحزاب والجمعيات والنقابات الوطنية والصحافة، وحتى النوادي الاجتماعية.
لقد مارست الإمبريالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ضغوطاً شديدة على البلدان العربية بغية جرها إلى مشروعات الدفاع الأنكلو أمريكية عن الشرق الأوسط بغية عزل الاتحاد السوفيتي ، وإبعاده عن المنطقة ذات الأهمية القوى نظراً لما تحويه من أكبر خزين هائل للنفط في العالم.
وعليه فقد سعت الولايات المتحدة إلى التغلغل في بلدان المنطقة عن طريق إغرائها بمشاريعها ومساعداتها الاقتصادية التي وعدت حكامها بها وكان منها: (12)
1ـ قروض بنك الإنشاء والتعمير.
2 ـ البنك الدولي وصندوق البنك الدولي .
3 ـ مشروعات النقطة الرابعة .
4 ـ مشروع فولبرايت .
كان هدف الولايات المتحدة،عبر هذه المشاريع ، الهيمنة على هذه البلدان سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وخاصة بعد أن أحست بتعمق الوعي الوطني لدى شعوب هذه المنطقة، وتنامي كفاحها من أجل تحقيق الحرية والاستقلال الحقيقيين، وقلقها على مستقبل المنطقة الشديدة الحساسية في العالم أجمع.
ورغم أن بريطانيا كانت تتمتع بنفوذ كبير في هذه البلدان، بحكم احتلالها إبان الحرب العالمية الأولى، إلا أنها لم تستطع الوقوف أمام مطامح الولايات المتحدة في انتزاع جانب كبير من نفوذها بحكم تبعيتها للولايات المتحدة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية كأقوى قوة في العالم، واضطرت بريطانيا إلى التنازل عن هيمنتها المطلقة على المنطقة للولايات المتحدة حفاظاً على علاقاتها بها من جهة، وعلى بقايا هيبتها من جهة أخرى.
ففي 14 تشرين الأول 1951 أصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بياناً دعت فيه الدول العربية إلى الاشتراك في منظمة للدفاع عن الشرق الأوسط، وأن تضع هذه البلدان قواعدها العسكرية، وموانئها وطرق مواصلاتها تحت تصرف القائد العام للمنطقة.
ثم أعقبته ببيان ثاني في 10 تشرين الثاني 1951 لممارسة الضغط على الدول العربية من أجل الالتحاق بالمشاريع الأمريكية قائلة:
{ إن الدفاع عن الشرق الأوسط يمثل أمراً حيوياً للعالم الحر}. (13)
لكن تلك الضغوط قوبلت من قبل الشعوب العربية بمقاومة عنيفة، وكذلك من بعض الحكومات العربية.
فلم تثمر جهود الولايات المتحدة في جر مصرـ أكبر الدول العربيةـ بقيادة عبد الناصرـ وكذلك سوريا، وحتى السعودية إلى ذلك المشروع.
لقد وقف عبد الناصر ضد محاولاتها لجر بقية الدول العربية إلى أحلافها الإمبريالية عدا العراق، الذي كانت بريطانيا تهيمن عليه هيمنة مطلقة، وجاءت بنوري السعيد، رجل المهمات الصعبة، والذي تعتمد عليه كل الاعتماد، إلى الحكم من جديد لينفذ المشروع الإمبريالي القاضي بربط العراق بالمشاريع الإمبريالية.
وبعد أن صفى نوري السعيد جميع مظاهر الديمقراطية، وأغلق الأحزاب السياسية، والصحف الوطنية، والنقابات، والجمعيات، وحل البرلمان وأجرى الانتخابات التي عرفت بانتخابات مجلس التزكية، حيث منع أي معارض لسياسته من الترشيح في تلك لانتخابات، وبذلك ضمن البرلمان الذي يصادق على تلك المشاريع دون أي معارضة.
وتفتق ذهن الإمبرياليين عن أسلوب جديد لجر المنطقة لأحلافها يعتمد على الاتفاقات الثنائية فكان باكورة خططهم إقامة حلف بين باكستان وتركيا في نيسان عام 1954.
وهكذا بدأ نوري السعيد بتنفيذ المخطط الإمبريالي، مبتدئاً بالتوقيع على [ميثاق التعاون مع تركيا] في 24 شباط 1955، ثم ما لبثت بريطانيا أن وقعت على انضمامها إلى الميثاق المذكور في نيسان 1955، وبذلك ضمنت لنفسها بديلاً لمعاهدة 1930، ومعاهدة بورتسموث التي قبرها الشعب العراقي بوثبته المجيدة في كانون الثاني 1948. فقد حصلت بريطانيا بموجب اللاحق السرية للحلف على امتيازات أكبر بكثير من معاهدة 1930، وضمنت لنفسها عن طريق الحلف الهيمنة المطلقة على مقدرات العراق .
ولم يجرأ نوري السعيد على عرض الملاحق السرية على البرلمان، وحتى على جانب كبير من أعضاء وزارته، وبقيت سراً حتى تم كشفها من قبل بريطانيا عندما سمحت بعد سنين طويلة على نشر تلك الوثائق التي تضمنت تلك الملاحق السرية، وبادر السيد عبد الرزاق الحسني إلى نشرها في الطبعة الحديثة لتاريخ الوزارات العراقية، في الجزء التاسع منه. (14)
وفي 23 أيلول انضمت الباكستان إلى الحلف، ثم تلاها انضمام إيران في 3 تشرين الثاني 1955. وألح نوري السعيد على الولايات المتحدة للدخول في الحلف بصورة رسمية، لكن الولايات المتحدة آثرت أن تقود الحلف من وراء الستار عن طريق انضمامها إلى العديد من لجان الحلف حيث انضمت إلى جناحه العسكري، وإلى لجانه الأمنية، والاقتصادية المنبثقة عن الميثاق، وتم تبديل أسم الميثاق إلى [ميثاق حلف بغداد] وأصبحت بغداد مقراً للحلف، ووكراً للمؤامرات الإمبريالية على البلدان العربية، وخاصة سوريا، حيث جرت محاولات عديدة لإسقاط النظام فيها وضمها للحلف، وقد أثر الميثاق تأثيراً سلبياً كبيراً على حركة التحرر العربي الصاعدة، وأدى إلى الانقسام والاستقطاب في العالم العربي. (15)
وفي الوقت نفسه شكل الحلف ضمانة كبرى لإسرائيل، فقد جاء في تصريح لوكيل وزارة الخارجية الأمريكية ما يلي :
[ إن حلف بغداد ينطوي على ضمانة لإسرائيل، وإن سياستنا تقوم على خلق جهاز دفاعي عسكري في منطقة الشرق الأوسط تكون فيه إسرائيل جنباً إلى جنب مع البلدان العربية] .
وحاول نوري السعيد بأقصى جهده ضم الأردن إلى الحلف، مقدماً للملك حسين الكثير من الإغراءات والمساعدات المادية، كما قدمت بريطانيا من جهتها المزيد من الإغراءات والمساعدات للملك حسين إذا ما قرر الانضمام للحلف، وقد وافق الملك حسين على الانضمام للحلف، وأرسل وفداً إلى بغداد للتداول في شروط الانضمام .
لكن الوفد الأردني ما كاد يعود إلى عمان في 8 كانون الأول 1955 حتى جوبه بمظاهرات صاخبة عمت أرجاء البلاد، اضطرت على أثرها حكومة السيد [ سعيد المفتي ] إلى تقديم استقالتها للملك حسين، الذي سارع إلى تأليف وزارة جديدة برئاسة السيد [هزاع المجالي ] الذي سارع إلى الطلب من الموفد البريطاني الجنرال [تمبلر] بمغادرة البلاد بغية تهدئة الأوضاع. لكن المظاهرات أخذت بالاتساع ، واتخذت أشكالاً عنيفة، وتعرضت العديد من ممتلكات الدولة إلى التخريب، وحرق العديد من الدوائر، واضطر الملك حسين بغية امتصاص الغضب الشعبي، إلى إنهاء خدمات [ كلوب باشا ] قائد الجيش الأردني، والطلب منه مغادرة البلاد، وتعيين قائد أردني للجيش مكانه. (16)
وكانت المعارضة الشديدة لمصر وسوريا والسعودية لحلف بغداد عاملاً حاسماً في تخلي الملك حسين عن الانضمام للحلف، فقد تعهدت هذه البلدان إلى تعويض الأردن عن كافة المساعدات العراقية والبريطانية والأمريكية التي وعد بها، مما دفع نوري السعيد إلى الطلب من الولايات المتحدة الامتناع عن دفع ثمن مشترياتها من النفط السعودي عقاباً لها لتعهدها بمساعدة الأردن، وأعلن بكل صراحة قائلاً :
{ لو قبلت الولايات المتحدة اقتراحي هذا لانهارت مقاومة مصر وسوريا والسعودية ولبنان والأردن، ولتمكنا من إيجاد تسوية عربية إسرائيلية}.(17)
شن الرئيس عبد الناصر، الذي كان يتزعم حركة التحرر العربي آنذاك، حملة متواصلة على حكومة نوري السعيد، وحلف بغداد، والإمبريالية، ولعبت إذاعة [صوت العرب ] دوراً كبيراً في الدعاية ضد نوري السعيد والمشاريع التي يروج لها في المنطقة.
واضطر نوري السعيد إلى إصدار بيان رسمي في 6 أيار 1955 ندد فيه بالموقف المصري، وبصوت العرب، ودعا الحكومة المصرية إلى التراجع هم موقفها تجاه الحكومة العراقية، ومحذراً إياها في الوقت نفسه باتخاذ ما يراه مناسباً للرد على هذا الموقف. (18)
أدى ذلك الصراع إلى القطيعة بين العراق والدول العربية المتحررة، والتي استمرت حتى سقوط النظام الملكي في ثورة الرابع عشر من تموز 1958.
توثيق الحلقة الرابعة عشر
(1) صحيفة صوت الأهالي ـ العدد 187ـ في 16 مايس 1954 .(2) تقرير مدير مجلس النواب لسنة 1954 ـ ص 2 .(3) صحيفة لواء الاستقلال ـ العدد 1892 ـ في 2 حزيران 1954 .(4) ماذا جرى في الشرق الأوسط ـ ص 1954 ـ النشاشيبي .(5) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء التاسع ـ ص 133 ـ الحسني .(6) نفس المصدر السابق ـ ص 134 ت136 .(7) الوقائع العراقية ـ في 3 آب 1954 .(8) مجموعة الأنظمة والقوانين لسنة 1954 ـ ص 168 .(9) نفس المصدر السابق .(10) صحيفة صوت الأهالي ـ العدد262 ـ في 18 آب 1954 .(11) صحيفة الزمان ـ العدد 5126 ـ في 3 أيلول 1954 .(12) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء التاسع ـ ص 209 ـ الحسني (13) نفس المصدر السابق .(14) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء التاسع ـ ص 239 ـ الحسني . (15) الخليج العربي ـ ص93 ـ جان جاك بيرسي ـ (16) ظهور وسقوط إيدن ـ ص244 ـ أنطوني نثنك .(17) مذكرات أنطوني إيدن ـ الجزء الثاني ـ ص 134 .(18) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء التاسع ـ ص 224 ـ الحسني.
ملاحظة : للحصول على نسخة من الكتاب يرجى الاتصال بالمؤلف على العنوان التالي:
Alhamdany34@gmail.com
و قد احتج الحزب على قرار الحكومة بحله وسحب إجازته، في 4 أيلول 1954، وتحدى السلطة الحاكمة، معلناً أن قرار حلّ الحزب غير شرعي ومخالف للقانون، وأحكام القانون الأساسي، وطالب بإلغاء القرار. (10)
سادساً: السعيد يقطع علاقات العراق بالإتحاد السوفيتي:
زيادة في إيغال نوري السعيد في العداء للشيوعية، وإرضاءً لأسياده الإمبرياليين، أقدم على قطع علاقات العراق بالاتحاد السوفيتي في الأول كانون من الثاني 1955، متهماً السفارة السوفيتية في بغداد بأنها قد أصبحت وكراً للنشاط الشيوعي في العراق، وبذلك عزل البلاد عن دول المعسكر الاشتراكي، قاطعاً جميع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية معها، وليجعل من علاقات العراق أحادية الجانب، ومرتبطة كلياً بعجلة الإمبريالية، فقد صدر بيان رسمي بتوقيع مدير التوجيه والإذاعة العام في 3 كانون الثاني 1955 جاء فيه:
{استدعى وكيل وزارة الخارجية القائم بالأعمال السوفيتي وابلغه قرار الحكومة العراقية بتعطيل التمثيل الدبلوماسي بين العراق والاتحاد السوفيتي في الوقت الحاضر}.(11)
سابعا: نوري السعيد يفرض على العراق حلف بغداد
لم يأتِ نوري السعيد إلى الحكم، ويؤلف وزارته الثانية عشرة في 3 آب 1954 ، إلا من أجل ربط العراق بالأحلاف الإمبريالية، ممهداً السبيل إلى ذلك بحملته المسعورة ضد كل مظاهر الديمقراطية، عن طريق إصدار مراسيمه سيئة الصيت، والتي أراد بها أن يستبق الأحداث، بقمع أية معارضة من جانب الشعب وقواه الوطنية ضد الأحلاف الإمبريالية، معلناً الحرب على الأحزاب والجمعيات والنقابات الوطنية والصحافة، وحتى النوادي الاجتماعية.
لقد مارست الإمبريالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ضغوطاً شديدة على البلدان العربية بغية جرها إلى مشروعات الدفاع الأنكلو أمريكية عن الشرق الأوسط بغية عزل الاتحاد السوفيتي ، وإبعاده عن المنطقة ذات الأهمية القوى نظراً لما تحويه من أكبر خزين هائل للنفط في العالم.
وعليه فقد سعت الولايات المتحدة إلى التغلغل في بلدان المنطقة عن طريق إغرائها بمشاريعها ومساعداتها الاقتصادية التي وعدت حكامها بها وكان منها: (12)
1ـ قروض بنك الإنشاء والتعمير.
2 ـ البنك الدولي وصندوق البنك الدولي .
3 ـ مشروعات النقطة الرابعة .
4 ـ مشروع فولبرايت .
كان هدف الولايات المتحدة،عبر هذه المشاريع ، الهيمنة على هذه البلدان سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وخاصة بعد أن أحست بتعمق الوعي الوطني لدى شعوب هذه المنطقة، وتنامي كفاحها من أجل تحقيق الحرية والاستقلال الحقيقيين، وقلقها على مستقبل المنطقة الشديدة الحساسية في العالم أجمع.
ورغم أن بريطانيا كانت تتمتع بنفوذ كبير في هذه البلدان، بحكم احتلالها إبان الحرب العالمية الأولى، إلا أنها لم تستطع الوقوف أمام مطامح الولايات المتحدة في انتزاع جانب كبير من نفوذها بحكم تبعيتها للولايات المتحدة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية كأقوى قوة في العالم، واضطرت بريطانيا إلى التنازل عن هيمنتها المطلقة على المنطقة للولايات المتحدة حفاظاً على علاقاتها بها من جهة، وعلى بقايا هيبتها من جهة أخرى.
ففي 14 تشرين الأول 1951 أصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بياناً دعت فيه الدول العربية إلى الاشتراك في منظمة للدفاع عن الشرق الأوسط، وأن تضع هذه البلدان قواعدها العسكرية، وموانئها وطرق مواصلاتها تحت تصرف القائد العام للمنطقة.
ثم أعقبته ببيان ثاني في 10 تشرين الثاني 1951 لممارسة الضغط على الدول العربية من أجل الالتحاق بالمشاريع الأمريكية قائلة:
{ إن الدفاع عن الشرق الأوسط يمثل أمراً حيوياً للعالم الحر}. (13)
لكن تلك الضغوط قوبلت من قبل الشعوب العربية بمقاومة عنيفة، وكذلك من بعض الحكومات العربية.
فلم تثمر جهود الولايات المتحدة في جر مصرـ أكبر الدول العربيةـ بقيادة عبد الناصرـ وكذلك سوريا، وحتى السعودية إلى ذلك المشروع.
لقد وقف عبد الناصر ضد محاولاتها لجر بقية الدول العربية إلى أحلافها الإمبريالية عدا العراق، الذي كانت بريطانيا تهيمن عليه هيمنة مطلقة، وجاءت بنوري السعيد، رجل المهمات الصعبة، والذي تعتمد عليه كل الاعتماد، إلى الحكم من جديد لينفذ المشروع الإمبريالي القاضي بربط العراق بالمشاريع الإمبريالية.
وبعد أن صفى نوري السعيد جميع مظاهر الديمقراطية، وأغلق الأحزاب السياسية، والصحف الوطنية، والنقابات، والجمعيات، وحل البرلمان وأجرى الانتخابات التي عرفت بانتخابات مجلس التزكية، حيث منع أي معارض لسياسته من الترشيح في تلك لانتخابات، وبذلك ضمن البرلمان الذي يصادق على تلك المشاريع دون أي معارضة.
وتفتق ذهن الإمبرياليين عن أسلوب جديد لجر المنطقة لأحلافها يعتمد على الاتفاقات الثنائية فكان باكورة خططهم إقامة حلف بين باكستان وتركيا في نيسان عام 1954.
وهكذا بدأ نوري السعيد بتنفيذ المخطط الإمبريالي، مبتدئاً بالتوقيع على [ميثاق التعاون مع تركيا] في 24 شباط 1955، ثم ما لبثت بريطانيا أن وقعت على انضمامها إلى الميثاق المذكور في نيسان 1955، وبذلك ضمنت لنفسها بديلاً لمعاهدة 1930، ومعاهدة بورتسموث التي قبرها الشعب العراقي بوثبته المجيدة في كانون الثاني 1948. فقد حصلت بريطانيا بموجب اللاحق السرية للحلف على امتيازات أكبر بكثير من معاهدة 1930، وضمنت لنفسها عن طريق الحلف الهيمنة المطلقة على مقدرات العراق .
ولم يجرأ نوري السعيد على عرض الملاحق السرية على البرلمان، وحتى على جانب كبير من أعضاء وزارته، وبقيت سراً حتى تم كشفها من قبل بريطانيا عندما سمحت بعد سنين طويلة على نشر تلك الوثائق التي تضمنت تلك الملاحق السرية، وبادر السيد عبد الرزاق الحسني إلى نشرها في الطبعة الحديثة لتاريخ الوزارات العراقية، في الجزء التاسع منه. (14)
وفي 23 أيلول انضمت الباكستان إلى الحلف، ثم تلاها انضمام إيران في 3 تشرين الثاني 1955. وألح نوري السعيد على الولايات المتحدة للدخول في الحلف بصورة رسمية، لكن الولايات المتحدة آثرت أن تقود الحلف من وراء الستار عن طريق انضمامها إلى العديد من لجان الحلف حيث انضمت إلى جناحه العسكري، وإلى لجانه الأمنية، والاقتصادية المنبثقة عن الميثاق، وتم تبديل أسم الميثاق إلى [ميثاق حلف بغداد] وأصبحت بغداد مقراً للحلف، ووكراً للمؤامرات الإمبريالية على البلدان العربية، وخاصة سوريا، حيث جرت محاولات عديدة لإسقاط النظام فيها وضمها للحلف، وقد أثر الميثاق تأثيراً سلبياً كبيراً على حركة التحرر العربي الصاعدة، وأدى إلى الانقسام والاستقطاب في العالم العربي. (15)
وفي الوقت نفسه شكل الحلف ضمانة كبرى لإسرائيل، فقد جاء في تصريح لوكيل وزارة الخارجية الأمريكية ما يلي :
[ إن حلف بغداد ينطوي على ضمانة لإسرائيل، وإن سياستنا تقوم على خلق جهاز دفاعي عسكري في منطقة الشرق الأوسط تكون فيه إسرائيل جنباً إلى جنب مع البلدان العربية] .
وحاول نوري السعيد بأقصى جهده ضم الأردن إلى الحلف، مقدماً للملك حسين الكثير من الإغراءات والمساعدات المادية، كما قدمت بريطانيا من جهتها المزيد من الإغراءات والمساعدات للملك حسين إذا ما قرر الانضمام للحلف، وقد وافق الملك حسين على الانضمام للحلف، وأرسل وفداً إلى بغداد للتداول في شروط الانضمام .
لكن الوفد الأردني ما كاد يعود إلى عمان في 8 كانون الأول 1955 حتى جوبه بمظاهرات صاخبة عمت أرجاء البلاد، اضطرت على أثرها حكومة السيد [ سعيد المفتي ] إلى تقديم استقالتها للملك حسين، الذي سارع إلى تأليف وزارة جديدة برئاسة السيد [هزاع المجالي ] الذي سارع إلى الطلب من الموفد البريطاني الجنرال [تمبلر] بمغادرة البلاد بغية تهدئة الأوضاع. لكن المظاهرات أخذت بالاتساع ، واتخذت أشكالاً عنيفة، وتعرضت العديد من ممتلكات الدولة إلى التخريب، وحرق العديد من الدوائر، واضطر الملك حسين بغية امتصاص الغضب الشعبي، إلى إنهاء خدمات [ كلوب باشا ] قائد الجيش الأردني، والطلب منه مغادرة البلاد، وتعيين قائد أردني للجيش مكانه. (16)
وكانت المعارضة الشديدة لمصر وسوريا والسعودية لحلف بغداد عاملاً حاسماً في تخلي الملك حسين عن الانضمام للحلف، فقد تعهدت هذه البلدان إلى تعويض الأردن عن كافة المساعدات العراقية والبريطانية والأمريكية التي وعد بها، مما دفع نوري السعيد إلى الطلب من الولايات المتحدة الامتناع عن دفع ثمن مشترياتها من النفط السعودي عقاباً لها لتعهدها بمساعدة الأردن، وأعلن بكل صراحة قائلاً :
{ لو قبلت الولايات المتحدة اقتراحي هذا لانهارت مقاومة مصر وسوريا والسعودية ولبنان والأردن، ولتمكنا من إيجاد تسوية عربية إسرائيلية}.(17)
شن الرئيس عبد الناصر، الذي كان يتزعم حركة التحرر العربي آنذاك، حملة متواصلة على حكومة نوري السعيد، وحلف بغداد، والإمبريالية، ولعبت إذاعة [صوت العرب ] دوراً كبيراً في الدعاية ضد نوري السعيد والمشاريع التي يروج لها في المنطقة.
واضطر نوري السعيد إلى إصدار بيان رسمي في 6 أيار 1955 ندد فيه بالموقف المصري، وبصوت العرب، ودعا الحكومة المصرية إلى التراجع هم موقفها تجاه الحكومة العراقية، ومحذراً إياها في الوقت نفسه باتخاذ ما يراه مناسباً للرد على هذا الموقف. (18)
أدى ذلك الصراع إلى القطيعة بين العراق والدول العربية المتحررة، والتي استمرت حتى سقوط النظام الملكي في ثورة الرابع عشر من تموز 1958.
توثيق الحلقة الرابعة عشر
(1) صحيفة صوت الأهالي ـ العدد 187ـ في 16 مايس 1954 .(2) تقرير مدير مجلس النواب لسنة 1954 ـ ص 2 .(3) صحيفة لواء الاستقلال ـ العدد 1892 ـ في 2 حزيران 1954 .(4) ماذا جرى في الشرق الأوسط ـ ص 1954 ـ النشاشيبي .(5) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء التاسع ـ ص 133 ـ الحسني .(6) نفس المصدر السابق ـ ص 134 ت136 .(7) الوقائع العراقية ـ في 3 آب 1954 .(8) مجموعة الأنظمة والقوانين لسنة 1954 ـ ص 168 .(9) نفس المصدر السابق .(10) صحيفة صوت الأهالي ـ العدد262 ـ في 18 آب 1954 .(11) صحيفة الزمان ـ العدد 5126 ـ في 3 أيلول 1954 .(12) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء التاسع ـ ص 209 ـ الحسني (13) نفس المصدر السابق .(14) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء التاسع ـ ص 239 ـ الحسني . (15) الخليج العربي ـ ص93 ـ جان جاك بيرسي ـ (16) ظهور وسقوط إيدن ـ ص244 ـ أنطوني نثنك .(17) مذكرات أنطوني إيدن ـ الجزء الثاني ـ ص 134 .(18) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء التاسع ـ ص 224 ـ الحسني.
ملاحظة : للحصول على نسخة من الكتاب يرجى الاتصال بالمؤلف على العنوان التالي:
Alhamdany34@gmail.com
التسميات:
بحوث تاريخية
بحوث تاريخية
0 التعليقات: