حرب الخليج الثالثة سلطات الاحتلال تُصدر قانون إدارة الدولة والنشاط الإرهابي يعم أرجاء البلاد الحلقة 13
2:55 م | مرسلة بواسطة
hamid
الحلقة 13
حامد الحمداني
21/3/2008
أولاً: قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية:
بعد أن تم تشكيل مجلس الحكم بات لزاماً أن يكون للعراق دستور مؤقت يُستند إليه مجلس الحكم في إدارة شؤون البلاد، وعليه فقد بادرت سلطات الاحتلال بوضع القانون الذي أطلق عليه [قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية] للعمل بموجبه، وقد طلب الحاكم الأمريكي بريمر من مجلس الحكم المصادقة عليه، والالتزام ببنوده من دون إجراء أي تغير أو تعديل. وقد جرى على أساس هذا القانون سن الدستور الدائم للبلاد فيما بعد كما سنرى فيما بعد. وهكذا صادق مجلس الحكم على القانون المذكور واتخاذه كدستور مؤقت للبلاد، وأعلن التزامه ببنوده دون أجراء أي تغيير أو إضافة. وسيتم تضمين الكتاب نص القانون ضمن الملاحق في آخر الكتاب من أجل إطلاع القراء عليه.
ملحق قانون إدارة الدولة : (7)
وفي الخامس من حزيران أصدر بول بريمر ملحقاً لقانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية المتضمن الأقسام الثلاثة التالية: 1ـ تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة.
2ـ مؤسسات الحكومة العراقية المؤقتة وصلاحياتها.
3 ـ البنود الخاصة بالمجلس الوطني المؤقت
ونص الملحق في قسمه الأول على أن الحكومة العراقية المؤقتة المشكلة وفق مشاورات موسعة مع جميع شرائح المجتمع العراقي والمكونة من مواطنين معروفين بكفاءتهم، ونزاهتهم تتولى السلطة السيادية لحكم العراق في موعد لا يتعدى 30 من حزيران/ يونيو الجاري.
كما نص على أن الحكومة العراقية المؤقتة معنية بإدارة شؤون العراق، والعمل بشكل خاص على تحقيق رفاهية الشعب العراقي وأمنه، وتشجيع إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، والإعداد لإجراء انتخابات وطنية في 31 من ديسمبر المقبل إن أمكن ذلك على أن لا يتعدى تاريخ 31 من يناير من العام المقبل.
وأكد الملحق أن الحكومة بصفتها المؤقتة ستمتنع عن القيام بأي أعمال تؤثر على مصير العراق مشددا على أن مثل هذه الأعمال يجب أن تحفظ للحكومات التي سيتم انتخابها من قبل الشعب العراقي بصورة ديمقراطية في المستقبل، واشترط على ضرورة أن يؤدي أعضاء الحكومة المؤقتة اليمين الدستوري أمام رئيس أعلى سلطة قضائية في العراق. ونص على أن الحكومة المؤقتة ملزمة بحل نفسها عند تشكيل الحكومة الانتقالية التي تلي الانتخابات الوطنية.
أما القسم الثاني فنص على أن الحكومة المؤقتة تعمل طبقا لقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، وأنها تتكون من رئاسة الدولة المكونة من رئيس ونائبين ومجلس وزراء بما في ذلك رئيس الوزراء، والمجلس الوطني المؤقت والسلطة القضائية .
وجاء في الملحق انه باستثناء ما يتعلق بالباب التاسع من قانون إدارة الدولة العراقية، أو ماهو منصوص عليه خلاف ذلك، فان ما ورد في قانون إدارة الدولة بشان تشكيل الحكومة العراقية الانتقالية ومؤسساتها ومسؤولياتها في هذا القانون تنطبق على الحكومة المؤقتة ومؤسساتها ومسؤوليها. وقال في هذا السياق ستحترم الحكومة المؤقتة ما هو منصوص عليه في ذلك القانون من الالتزامات التي تعود إلى الفترة الانتقالية والمبادئ الأساسية وحقوق الشعب العراقي.
كما أشار في هذا الصدد إلى أن مؤسسات حكومة إقليم كردستان والمحافظات والبلديات التي تعود إلى الحكومة ستعمل وفقا لهذا القانون. .
وأكد انه لمجلس الوزراء الصلاحية على شرط موافقة رئاسة الدولة بالإجماع لإصدار أوامر لها قوة القانون، وتبقي سارية المفعول حتى يتم إلغاؤها او تعديلها بواسطة حكومات عراقية منتخبة.
كما ستكون لمجلس الوزراء في ظل هذا القانون الصلاحية الكاملة بإجراء التعيينات واستخدام القوات المسلحة العراقية والتصديق على الاتفاقيات الدولية. . وقال أن الحكومة المؤقتة معنية بعقد الاتفاقات الدولية بيد انه نص أن صلاحياتها في هذا الشأن ستنحصر في مجالات العلاقات الدبلوماسية والمنح والمساعدات الدولية واطفاء الديون السيادية. وذكر أن للحكومة المؤقتة صلاحية تعيين أعضاء المحكمة العليا على أن يتم تصديق ذلك من قبل رئاسة الدولة في الحكومة الانتقالية المنتخبة خلال تسعين يوما من توليها السلطة والإجماع .
وفي ما يتعلق بالبند الثالث المعني بتشكيل المجلس الوطني العراقي اكدد ملحق قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية انه سيتم تشكيل واختيار المجلس الوطني المؤقت بواسطة مؤتمر وطني يعقد في بغداد خلال شهر يوليو المقبل. .
وأوضح أن عملية تنظيم المؤتمر الوطني ستتم بواسطة هيئة عليا تضم أعضاء مجلس الحكم ممن لا يتولون مناصب حكومية أخرى، ومن ممثلي الأقاليم والمحافظات والشخصيات العراقية المعروفة بنزاهتها وكفاءتها. .
ونص الملحق في فقرته الثالثة أن المجلس الوطني المؤقت يتكون من مائة عضو ومن ضمنهم أعضاء مجلس الحكم وذكر أن المجلس يجب أن ينعقد دوريا لتشجيع الحوار البناء وتكوين إجماع وطني وتقديم المشورة لرئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء. .
كما أكد أن للمجلس الوطني المؤقت سلطة مراقبة تنفيذ القوانين ومتابعة إعمال الهيئات التنفيذية، وتعيين رئيس الجمهورية أواحد نائبيه في حالات الاستقالة أو الوفاة كما له حق استجواب رئيس وأعضاء مجلس الوزراء، وأضاف أن للمجلس [حق نقض الأوامر] ألتنفيذية بثلثي أصوات أعضائه خلال عشرة أيام من تاريخ تبليغ تلك الأوامر التي تم التصديق عليها من قبل رئاسة الدولة، كما أن للمجلس الوطني المؤقت صلاحية تصديق الميزانية الوطنية للعراق للعام 2005 والتي يتم اقتراحها من قبل مجلس الوزراء، ووضع النظام الداخلي لمجلس الوزراء.
وبصدور هذا الملحق سيتم تحديد الهيكليات والصلاحيات للحكومة العراقية المؤقتة التي تتطابق تقريبا مع الصلاحيات والهيكليات الموجودة في قانون إدارة الدولة نفسه. كما انه سيوضح جليا أن الحكومة المؤقتة ستكون ذات سيادة كاملة، وذات صلاحيات كاملة، ولديها الحق بإصدار قرارات لها قوة القانون، وبإمكانها إجراء تغيير أو تعديل أي قانون موجود حاليا بما في ذلك الأوامر التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة وان الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو قانون ملحق إدارة الدولة نفسه. كما أكد عدم وجود أي قيود على صلاحية الحكومة باستثناء أنها لا تستطيع اتخاذ القرارات التي تؤثر على مصير العراق بعد الفترة المؤقتة المحددة لها.
ثانياً: ملاحظات حول قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية:
من خلال دراسة متأنية لقانون إدارة الحكم نستطيع تثبيت الملاحظات التالية: . 1 ـ إن القانون المذكور والذي كان فد اتُخذ دستوراً مؤقتاً للعراق قد جرى فرضه من قبل الدولة المحتلة، الولايات المتحدة، والحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، وفي ظل الاحتلال وقد اتخذ هذا القانون أساسا للدستور الذي شرعته لجنة برلمانية تتألف غالبيتها من أحزاب الطائفة الشيعية المتحالفة مع الحزبين القوميين الكرديين، والذي سأتحدث عن تداعياته
الخطيرة على مستقبل العراق في فصل قادم.
2 ـ إن القانون المذكور قد وضع اللبنات الأساسية لعملية تمزيق العراق من خلال فرض التشكيلات الفيدرالية للمحافظات مما شجع قوى الإسلام الطائفي الشيعي المتمثلة بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم المرتبط بوشائج لا تنفصم مع النظام الإيراني للدعوة لإقامة تكتل شيعي فيدرالي يضم 9 محافظات ذات الأغلبية الشيعية، مما يهدد في تمزيق العراق، ومن المؤسف أن قوى الأحزاب القومية الكردية قد وجدت في الحكيم حليفاً قويا بسبب ما يجمعها من أهداف مشتركة باسم الفيدرالية التي تجاوزت ما خُطط لها قبل سقوط النظام حيث باتت تمثل دولة داخل الدولة بكل مقوماتها الأساسية.
3 ـ فرض القانون بعدم جواز تعديل أي من مواده إلا في بموافقة أكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية الوطنية. وإجماع تصديق مجلس الرئاسة. مما يصبح عمليا من الصعوبة بمكان تعديل مواد القانون.
4 ـ فرض القانون الاتفاقية الأمنية التي وضعتها الولايات المتحدة في صلب القانون، والتي أعطت لقوات الاحتلال حرية الحركة في انحاء البلاد ، مما يتعارض مع سيادة واستقلال العراق، وتجاهل القانون تحديد المدة التي ستبقى فيها القوات الأمريكية والبريطانية وحلفائها فيما يدعى بالقوات المتعددة الجنسيات والتي اتخذتها الولايات المتحدة ستاراً لها.
ثالثاً: النشاط الإرهابي يعم أنحاء البلاد:
لم تكد القوات الأمريكية تدخل بغداد وتسقط حكم الطاغية صدام حسين في 9 نيسان 2003 حتى توارى البعثيون عن الأنظار خوفاً وفزعاً من مصير مجهول، وتبخر الجيش العراقي العرمرم الذي كان صدام يتباه بقوته وجبروته تاركاً سلاحه في كافة المعسكرات، وفي كل مناطق وشوارع وأزقة العراق التي زرعها الدكتاتور بهذه الأسلحة والتي وزعها على أعضاء حزبه وفدائيه [ فدائي صدام ]، وما يسمى بـ [جيش القدس ] .
كما هربت قوات الشرطة والأجهزة الأمنية المتعددة، والتي تقدر بمئات الألوف خوفا من أن ينالها غضب وعقاب الشعب جراء ما اقترفت أياديهم من جرائم بشعة بحق مئات الألوف من المواطنين الأبرياء الذين قضوا تحت التعذيب الرهيب، وفي غياهب السجون، وعلى أعواد المشانق والمثارم الوحشية البشعة، هذا بالإضافة إلى أربعة ملايين مواطن عراقي شردوا من وطنهم في مختلف بقاع العالم هرباً من بطش النظام الصدامي وأجهزته القمعية التي فاقت كل تصور.
لكن القوات الأمريكية، وبتوجيه من القيادة السياسية للولايات المتحدة لم تتخذ إي إجراء ضد أولئك الذين اعتمد عليهم الدكتاتور صدام في الحفاظ على سلطته وسلطة حزب البعث طيلة 35 عاماً من حكمهم الرهيب، بل لقد تركت القوات الأمريكية البلاد في حالة من الفوضى والفلتان الأمني لتفتح الباب واسعاً أمام العصابات الإجرامية التي أطلق سراحها صدام قبيل سقوط نظامه، والتي تقدر بعشرات الآلاف من السراق والقتلة والمجرمين المحترفين ليعيثوا في البلاد نهباً وسلبا وخراباً ودماراً لكافة المؤسسات العراقية والوزارات والدوائر الرسمية كافة، وكانت سرقة المتحف العراقي بما يحتويه من أنفس الآثار التي لا تقدر بثمن من أخطر السرقات التي تعرض لها العراق على مر السنين.
لقد كان والواجب يقتضي بحكم مسؤوليتها أن تعلن القوات الأمريكية المحتلة منع التجول في كافة أنحاء البلاد بغية السيطرة على الوضع الأمني بعد أن توارت الأجهزة الأمنية منعاً للفلتان الأمني وأعمال النهب والسلب والحرق والتخريب والتدمير، لكنها على العكس من ذلك اتخذت لنفسها موقف المتفرج على تلك الأعمال الإجرامية مما أثار الشكوك لدي المواطنين العراقيين أن قوات الاحتلال لها اليد الطولى في كل ما جرى وتتحمل كامل المسؤولية عن كل الخسائر المادية جراء سماحها باستباحة كافة مرافق البلاد وفي المقدمة منها المتحف العراقي بما يحويه من النفائس الأثرية التي لا تقدر بثمن ، والمصارف وبضمنها البنك المركزي وفروعه في الموصل والبصرة التي تعرضت للنهب على مرأى ومسمع القوات الأمريكية دون أن تتخذ أي إجراء لحمايتها،ولم تلاحق السراق والمجرمين.
لقد ركزت القوات الأمريكية جهدها لإلقاء القبض على 55 من رجال السلطة الصدامية لا غير، تاركة ذلك الجيش الجرار من الأجهزة الأمنية القتلة، وفدائي صادم، والمجرمين من أعضاء الحزب في مأمن ولم يمسهم أي أذى، ولم يتخذ تجاهها أي إجراء حتى ولو كان احترازياً، من أجل صيانة الأمن والنظام العام في البلاد بعد انهيار كل المؤسسات العراقية بما فيها المؤسسات التي تتولى صيانة الأمن في البلاد.
وهكذا وجد البعثيون أنفسهم في مأمن من الملاحقة والعقاب جراء الجرائم البشعة التي ارتكبوها بحق الشعب والوطن طيلة تلك العقود الأربعة العجاف، وبدأوا بالظهور على الساحة مرة أخرى متلبسين برداء جديد هذه المرة وبمسميات إسلامية متعددة لا صلة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، وبدأت تلك المسميات تظهر للعلن من خلال الإعلان عن الجرائم التي تنفذها على الساحة العراقية عبر وسائل الإعلام المرئية.
وإمعاناً في الجريمة بدأت العصابات البعثية تمهد السبيل لدخول عصابات القاعدة الساحة العراقية حيث تولت استقبال الوحوش الآدمية المغسولة الأدمغة من الانتحاريين عبر الحدود السورية والسعودية والإيرانية، من مختلف البلدان العربية والإسلامية بذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق، وتؤمن لهم السكن والحماية والمال والسلاح والسيارة المفخخة لتحول العراق إلى جحيم لا يطاق.
وخرجت تلك العصابات المجرمة تحمل والصواريخ والمتفجرات والأحزمة الناسفة، ومختلف أنواع الأسلحة الأخرى، بل لقد طوروا من أساليب جرائمهم باستخدام السيارات المفخخة وزراعة العبوات الناسفة ليوقعوا أكبر قدر من التخريب والتدمير وقتل الأبرياء من أبناء شعبنا بالجملة. فقد ازداد حقدهم على الشعب أضعافاً مضاعفة بعد أن فقدوا السلطة التي عاشوا في ظلها 35 عاماً يتمتعون بهبات وعطايا ومكارم دكتاتور العراق صدام حسين
على حساب بؤس وعذابات وشقاء الغالبية العظمى من الشعب العراقي المهضوم الحقوق.
لقد أصبحوا بعد سقوط النظام، وفقدان امتيازاتهم، أكثر عنفاً من أجل استعادة السلطة، تماما كما فعلوا بعد أن اسقط حكمهم شريكهم في انقلاب الثامن من شباط 1963 عبد السلام عارف، حيث لم يمضِ سوى بضعة اشهر حتى دبروا محاولة انقلابية على نظام عارف، على الرغم من أن تجربتهم في الحكم لم تتجاوز 9 أشهر، لكن محاولتهم تم إحباطها، ومع ذلك استمروا في محاولاتهم الانقلابية حتى استطاعوا تنفيذ انقلاب 17 تموز1968بتدبير ودعم من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، وامسكوا بالسلطة بيد من حديد 35 عاماً تمتعوا خلالها بثروات البلاد دون حساب.
لقد كان التغاضي عن هذه الزمرة الشرير بعد إسقاط النظام الصدامي مباشرة أحد أكبر الأخطاء التي ارُتكبتها الولايات المتحدة وقواتها في العراق، والتي دفع الشعب العراقي وما يزال ثمناً غالياً بسببها، حيث حولت عصابات القتلة حياته إلى جحيم.
ومما زاد في الطين بله إقدام الإدارة الأمريكية على حل الجيش والأجهزة الأمنية بذلك الأسلوب الخاطئ، ودون أن تحسب أي حساب ما تمثله تلك القوة الهائلة من خطورة على الأمن والنظام العام، ولاسيما وأنها مدربة تدريباً جيداً على استخدام جمع أنواع الأسلحة، والسلاح مباح أمامها في المعسكرات المهجورة، وحتى في الشوارع والطرق والمدارس التي ملأها النظام الصدامي بالسلاح استعداداً للحرب.
وقد فقد أفراد الجيش مصدر عيشهم وعيش عوائلهم على حين غرة، وكما هو معروف أن النظام السابق كان قد فرض الانتماء لحزب البعث على كل منتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، فكان حرمانهم من الوظيفة، ومن المورد الضروري للعيش قد دفع أعداد غفيرة منهم نحو حمل السلاح بوجه القوات المحتلة وقوات السلطة على حد سواء، مستخدمين كل الوسائل المتاحة لهم لتنفيذ عمليات القتل والتخريب والتدمير الذي امتد فيما بعد نحو المواطنين الآمنين.
ومما ساهم مساهمة فعّالة في تصاعد الصراع المسلح لجوء عناصر ومناصري أحزاب الإسلام السياسي الشيعي إلى عمليات التصفية الجسدية للعناصر البعثية خارج القانون والمحاكم لتصفية الحسابات التي سببها طغيان النظام الصدامي، وخاصة خلال الانتفاضة الشعبية في الثاني من آذار 1991، والتي قمعها النظام بكل وحشية، مما تسبب في استشهاد مئات الألوف من المواطنين الشيعة.
غير أن ذلك الأسلوب الانتقامي جاء بنتائج عكسية خطيرة على الأمن والنظام العام في البلاد، على عكس ما جرى في كردستان العراق، حيث جرى التعامل مع العناصر التي تعاونت مع نظام صدام ضد أبناء جلدتهم الأكراد.
لقد كان من المفروض للإدارة الأمريكية إن لا تقدم على حل الجيش والأجهزة الأمنية بتلك الصورة المتعجلة، بل كان الأمر يقتضي إصدار أمر لهذه القوات بالالتحاق بمعسكراتهم بإشراف القيادة العسكرية الأمريكية والبريطانية لتحييدهم، والنظر فيما بعد في قضايا العناصر التي كانت على صلة مباشرة مع النظام وإحالتها على التقاعد، وتقديم من يثبت عليه القيام بإعمال إجرامية بحق الشعب إلى المحاكم لينالوا ما يستحقونه من عقاب، أما الحكم على أفراد الجيش بالطرد فقد كان من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية، وكان بالإمكان كسب معظم أفراد الجيش إلى جانب السلطة الجديدة وإعادة تثقيفهم بثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية، واحترام الحريات العامة للمواطنين.
لكن قرار حل الجيش المتسرع ذاك شجع الزمرة الشريرة من أعوان نظام صدام لتكشّر عن أنيابها المتعطشة للدماء من جديد، وكان لترك قوات الاحتلال المعسكرات ومخازن الأسلحة دون حراسة أن مكّنَ هؤلاء القتلة من الحصول على مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة التي استخدموها في تفخيخ السيارات، وزراعة المتفجرات على جونب الطرق لتزهق المزيد والمزيد من أرواح المواطنين الأبرياء . وتحولت والفلوجة إلى قلعة الإرهاب التي تنطلق منها تلك العصابات لتعيث في الوطن تقتيلاً وتدميراً، وأصبحت الموصل وبعقوبة والرمادي وسامراء وتكريت وبيجي مرتعاً لجرائم الإرهابيين.
ومن جهة أخرى بدأت المليشيات التابعة للأحزاب الشيعية، وفي المقدمة منها ميلشيات بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم، وما يدعى بجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر تمارس العمليات الإرهابية هي الأخرى، واستطاع جيش المهدي أن يفرض سيطرته على مدينة النجف بقوة السلاح، فيما قوى البعث وعناصر القاعدة القادمة من مختلف البلدان العربية عبر الحدود السورية والسعودية بأعداد متصاعدة استطاعت فرض سيطرتها على والفلوجة والرمادي وسائر محافظة الأنبار، وبذلك أخذ الوضع الأمني في البلاد في التدهور يوماً بعد يوم ، وتحول العراق إلى ساحة للصراع الدامي.، واضطرت الإدارة الأمريكية للاعتراف لأول مرة في 16 تموز 2003 بمواجهة حرب العصابات.
كانت أولى الجرائم التي ارتكبتها القوى الإرهابية اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي في داخل مرقد الأمام علي بن أبي طالب على أيدي الزمرة التابعة لمقتدى الصدر، والتي جرت على رؤوس الأشهاد أمام جمع غفير من المواطنين والمسؤولين، ومن دون أن تتخذ الإجراءات القضائية بحق القتلة المجرمين!!، بل على العكس من ذلك تجرأ مقتدى الصدر على الإعلان عن تشكيل ما يسمى بـ [جيش المهدي]، وبتغاضٍ من قبل قوات الاحتلال، وقد جمع أعدادا غفيرة من أنصاره الذين كانوا بالأمس القريب من البعثيين، واستطاع السيطرة على مدينة النجف بقوة السلاح. وجاءت الجريمة الثانية التي ارتكبتها القوى الإرهابية ضد المقر الرسمي لممثلية الأمم المتحدة التي كان يرأسها الشهيد [ سيرجيوفيرا دي ميلو] ، في 18 آب/أغسطس، حيث جرى مهاجمتها وتفجيرها عن طريق سيارة مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات أدت إلى تدمير المقرب الكامل وذهب ضحية الهجوم الإجرامي أكثر من عشرين موظفا كان من بينهم الشهيد دي ميلو، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة [ كوفي عنان ] آنذاك إلى غلق المثلية في بغداد.
وكانت الجريمة الثالثة البشعة التي ارتكبت في مدينة النجف في 29 آب/أغسطس عندما فجر إرهابي سيارة مفخخة بين جموع غفيرة كانت تحيط بزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق [ محمد باقر الحكيم ] والتي ذهب ضحيتها الحكيم مع أكثر من تسعين مواطناً ، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الجرحى، وكانت جراح معظمهم بليغة.
وفي الفلوجة القريبة من بغداد سيطرة القوى الإرهابية من البعثيين وعناصر القاعدة التي بدأت تعبر الحدود السورية بإعداد كبيرة على الوضع في المدينة بقوة السلاح ، وأقدمت على قتل أربعة من الأمريكيين والتمثيل بجثثهم بشكل بشع، وجرى تعليقهم على الجسر الحديدي مما دفع سلطات الاحتلال إلى الإعداد لهجوم واسع النطاق على الفلوجة.
وفي 17 أيار 2004 جرى اغتيال رئيس مجلس الحكم السيد [ عز الدين سليم ] في عملية إرهابية بتفجير سيارة مفخخة في أحد مداخل المنطقة الخضراء أودت بحياته مع العديد من حراسه. وهكذا أخذ النشاط الإرهابي يتصاعد في البلاد يوماً بعد يوم ويؤدي بأرواح العشرات من أبناء الشعب، بالإضافة إلى التدمير والتخريب الذي تسببه تلك التفجيرات للمرافق العامة والممتلكات الخاصة التي أصبحت هدفاً للإرهابيين، بالإضافة إلى عمليات الخطف والابتزاز والاغتصاب والقتل الوحشية التي كانت تجري كل يوم. احتلالها الفعلي للعراق.
حامد الحمداني
21/3/2008
أولاً: قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية:
بعد أن تم تشكيل مجلس الحكم بات لزاماً أن يكون للعراق دستور مؤقت يُستند إليه مجلس الحكم في إدارة شؤون البلاد، وعليه فقد بادرت سلطات الاحتلال بوضع القانون الذي أطلق عليه [قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية] للعمل بموجبه، وقد طلب الحاكم الأمريكي بريمر من مجلس الحكم المصادقة عليه، والالتزام ببنوده من دون إجراء أي تغير أو تعديل. وقد جرى على أساس هذا القانون سن الدستور الدائم للبلاد فيما بعد كما سنرى فيما بعد. وهكذا صادق مجلس الحكم على القانون المذكور واتخاذه كدستور مؤقت للبلاد، وأعلن التزامه ببنوده دون أجراء أي تغيير أو إضافة. وسيتم تضمين الكتاب نص القانون ضمن الملاحق في آخر الكتاب من أجل إطلاع القراء عليه.
ملحق قانون إدارة الدولة : (7)
وفي الخامس من حزيران أصدر بول بريمر ملحقاً لقانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية المتضمن الأقسام الثلاثة التالية: 1ـ تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة.
2ـ مؤسسات الحكومة العراقية المؤقتة وصلاحياتها.
3 ـ البنود الخاصة بالمجلس الوطني المؤقت
ونص الملحق في قسمه الأول على أن الحكومة العراقية المؤقتة المشكلة وفق مشاورات موسعة مع جميع شرائح المجتمع العراقي والمكونة من مواطنين معروفين بكفاءتهم، ونزاهتهم تتولى السلطة السيادية لحكم العراق في موعد لا يتعدى 30 من حزيران/ يونيو الجاري.
كما نص على أن الحكومة العراقية المؤقتة معنية بإدارة شؤون العراق، والعمل بشكل خاص على تحقيق رفاهية الشعب العراقي وأمنه، وتشجيع إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، والإعداد لإجراء انتخابات وطنية في 31 من ديسمبر المقبل إن أمكن ذلك على أن لا يتعدى تاريخ 31 من يناير من العام المقبل.
وأكد الملحق أن الحكومة بصفتها المؤقتة ستمتنع عن القيام بأي أعمال تؤثر على مصير العراق مشددا على أن مثل هذه الأعمال يجب أن تحفظ للحكومات التي سيتم انتخابها من قبل الشعب العراقي بصورة ديمقراطية في المستقبل، واشترط على ضرورة أن يؤدي أعضاء الحكومة المؤقتة اليمين الدستوري أمام رئيس أعلى سلطة قضائية في العراق. ونص على أن الحكومة المؤقتة ملزمة بحل نفسها عند تشكيل الحكومة الانتقالية التي تلي الانتخابات الوطنية.
أما القسم الثاني فنص على أن الحكومة المؤقتة تعمل طبقا لقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، وأنها تتكون من رئاسة الدولة المكونة من رئيس ونائبين ومجلس وزراء بما في ذلك رئيس الوزراء، والمجلس الوطني المؤقت والسلطة القضائية .
وجاء في الملحق انه باستثناء ما يتعلق بالباب التاسع من قانون إدارة الدولة العراقية، أو ماهو منصوص عليه خلاف ذلك، فان ما ورد في قانون إدارة الدولة بشان تشكيل الحكومة العراقية الانتقالية ومؤسساتها ومسؤولياتها في هذا القانون تنطبق على الحكومة المؤقتة ومؤسساتها ومسؤوليها. وقال في هذا السياق ستحترم الحكومة المؤقتة ما هو منصوص عليه في ذلك القانون من الالتزامات التي تعود إلى الفترة الانتقالية والمبادئ الأساسية وحقوق الشعب العراقي.
كما أشار في هذا الصدد إلى أن مؤسسات حكومة إقليم كردستان والمحافظات والبلديات التي تعود إلى الحكومة ستعمل وفقا لهذا القانون. .
وأكد انه لمجلس الوزراء الصلاحية على شرط موافقة رئاسة الدولة بالإجماع لإصدار أوامر لها قوة القانون، وتبقي سارية المفعول حتى يتم إلغاؤها او تعديلها بواسطة حكومات عراقية منتخبة.
كما ستكون لمجلس الوزراء في ظل هذا القانون الصلاحية الكاملة بإجراء التعيينات واستخدام القوات المسلحة العراقية والتصديق على الاتفاقيات الدولية. . وقال أن الحكومة المؤقتة معنية بعقد الاتفاقات الدولية بيد انه نص أن صلاحياتها في هذا الشأن ستنحصر في مجالات العلاقات الدبلوماسية والمنح والمساعدات الدولية واطفاء الديون السيادية. وذكر أن للحكومة المؤقتة صلاحية تعيين أعضاء المحكمة العليا على أن يتم تصديق ذلك من قبل رئاسة الدولة في الحكومة الانتقالية المنتخبة خلال تسعين يوما من توليها السلطة والإجماع .
وفي ما يتعلق بالبند الثالث المعني بتشكيل المجلس الوطني العراقي اكدد ملحق قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية انه سيتم تشكيل واختيار المجلس الوطني المؤقت بواسطة مؤتمر وطني يعقد في بغداد خلال شهر يوليو المقبل. .
وأوضح أن عملية تنظيم المؤتمر الوطني ستتم بواسطة هيئة عليا تضم أعضاء مجلس الحكم ممن لا يتولون مناصب حكومية أخرى، ومن ممثلي الأقاليم والمحافظات والشخصيات العراقية المعروفة بنزاهتها وكفاءتها. .
ونص الملحق في فقرته الثالثة أن المجلس الوطني المؤقت يتكون من مائة عضو ومن ضمنهم أعضاء مجلس الحكم وذكر أن المجلس يجب أن ينعقد دوريا لتشجيع الحوار البناء وتكوين إجماع وطني وتقديم المشورة لرئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء. .
كما أكد أن للمجلس الوطني المؤقت سلطة مراقبة تنفيذ القوانين ومتابعة إعمال الهيئات التنفيذية، وتعيين رئيس الجمهورية أواحد نائبيه في حالات الاستقالة أو الوفاة كما له حق استجواب رئيس وأعضاء مجلس الوزراء، وأضاف أن للمجلس [حق نقض الأوامر] ألتنفيذية بثلثي أصوات أعضائه خلال عشرة أيام من تاريخ تبليغ تلك الأوامر التي تم التصديق عليها من قبل رئاسة الدولة، كما أن للمجلس الوطني المؤقت صلاحية تصديق الميزانية الوطنية للعراق للعام 2005 والتي يتم اقتراحها من قبل مجلس الوزراء، ووضع النظام الداخلي لمجلس الوزراء.
وبصدور هذا الملحق سيتم تحديد الهيكليات والصلاحيات للحكومة العراقية المؤقتة التي تتطابق تقريبا مع الصلاحيات والهيكليات الموجودة في قانون إدارة الدولة نفسه. كما انه سيوضح جليا أن الحكومة المؤقتة ستكون ذات سيادة كاملة، وذات صلاحيات كاملة، ولديها الحق بإصدار قرارات لها قوة القانون، وبإمكانها إجراء تغيير أو تعديل أي قانون موجود حاليا بما في ذلك الأوامر التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة وان الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو قانون ملحق إدارة الدولة نفسه. كما أكد عدم وجود أي قيود على صلاحية الحكومة باستثناء أنها لا تستطيع اتخاذ القرارات التي تؤثر على مصير العراق بعد الفترة المؤقتة المحددة لها.
ثانياً: ملاحظات حول قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية:
من خلال دراسة متأنية لقانون إدارة الحكم نستطيع تثبيت الملاحظات التالية: . 1 ـ إن القانون المذكور والذي كان فد اتُخذ دستوراً مؤقتاً للعراق قد جرى فرضه من قبل الدولة المحتلة، الولايات المتحدة، والحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، وفي ظل الاحتلال وقد اتخذ هذا القانون أساسا للدستور الذي شرعته لجنة برلمانية تتألف غالبيتها من أحزاب الطائفة الشيعية المتحالفة مع الحزبين القوميين الكرديين، والذي سأتحدث عن تداعياته
الخطيرة على مستقبل العراق في فصل قادم.
2 ـ إن القانون المذكور قد وضع اللبنات الأساسية لعملية تمزيق العراق من خلال فرض التشكيلات الفيدرالية للمحافظات مما شجع قوى الإسلام الطائفي الشيعي المتمثلة بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم المرتبط بوشائج لا تنفصم مع النظام الإيراني للدعوة لإقامة تكتل شيعي فيدرالي يضم 9 محافظات ذات الأغلبية الشيعية، مما يهدد في تمزيق العراق، ومن المؤسف أن قوى الأحزاب القومية الكردية قد وجدت في الحكيم حليفاً قويا بسبب ما يجمعها من أهداف مشتركة باسم الفيدرالية التي تجاوزت ما خُطط لها قبل سقوط النظام حيث باتت تمثل دولة داخل الدولة بكل مقوماتها الأساسية.
3 ـ فرض القانون بعدم جواز تعديل أي من مواده إلا في بموافقة أكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية الوطنية. وإجماع تصديق مجلس الرئاسة. مما يصبح عمليا من الصعوبة بمكان تعديل مواد القانون.
4 ـ فرض القانون الاتفاقية الأمنية التي وضعتها الولايات المتحدة في صلب القانون، والتي أعطت لقوات الاحتلال حرية الحركة في انحاء البلاد ، مما يتعارض مع سيادة واستقلال العراق، وتجاهل القانون تحديد المدة التي ستبقى فيها القوات الأمريكية والبريطانية وحلفائها فيما يدعى بالقوات المتعددة الجنسيات والتي اتخذتها الولايات المتحدة ستاراً لها.
ثالثاً: النشاط الإرهابي يعم أنحاء البلاد:
لم تكد القوات الأمريكية تدخل بغداد وتسقط حكم الطاغية صدام حسين في 9 نيسان 2003 حتى توارى البعثيون عن الأنظار خوفاً وفزعاً من مصير مجهول، وتبخر الجيش العراقي العرمرم الذي كان صدام يتباه بقوته وجبروته تاركاً سلاحه في كافة المعسكرات، وفي كل مناطق وشوارع وأزقة العراق التي زرعها الدكتاتور بهذه الأسلحة والتي وزعها على أعضاء حزبه وفدائيه [ فدائي صدام ]، وما يسمى بـ [جيش القدس ] .
كما هربت قوات الشرطة والأجهزة الأمنية المتعددة، والتي تقدر بمئات الألوف خوفا من أن ينالها غضب وعقاب الشعب جراء ما اقترفت أياديهم من جرائم بشعة بحق مئات الألوف من المواطنين الأبرياء الذين قضوا تحت التعذيب الرهيب، وفي غياهب السجون، وعلى أعواد المشانق والمثارم الوحشية البشعة، هذا بالإضافة إلى أربعة ملايين مواطن عراقي شردوا من وطنهم في مختلف بقاع العالم هرباً من بطش النظام الصدامي وأجهزته القمعية التي فاقت كل تصور.
لكن القوات الأمريكية، وبتوجيه من القيادة السياسية للولايات المتحدة لم تتخذ إي إجراء ضد أولئك الذين اعتمد عليهم الدكتاتور صدام في الحفاظ على سلطته وسلطة حزب البعث طيلة 35 عاماً من حكمهم الرهيب، بل لقد تركت القوات الأمريكية البلاد في حالة من الفوضى والفلتان الأمني لتفتح الباب واسعاً أمام العصابات الإجرامية التي أطلق سراحها صدام قبيل سقوط نظامه، والتي تقدر بعشرات الآلاف من السراق والقتلة والمجرمين المحترفين ليعيثوا في البلاد نهباً وسلبا وخراباً ودماراً لكافة المؤسسات العراقية والوزارات والدوائر الرسمية كافة، وكانت سرقة المتحف العراقي بما يحتويه من أنفس الآثار التي لا تقدر بثمن من أخطر السرقات التي تعرض لها العراق على مر السنين.
لقد كان والواجب يقتضي بحكم مسؤوليتها أن تعلن القوات الأمريكية المحتلة منع التجول في كافة أنحاء البلاد بغية السيطرة على الوضع الأمني بعد أن توارت الأجهزة الأمنية منعاً للفلتان الأمني وأعمال النهب والسلب والحرق والتخريب والتدمير، لكنها على العكس من ذلك اتخذت لنفسها موقف المتفرج على تلك الأعمال الإجرامية مما أثار الشكوك لدي المواطنين العراقيين أن قوات الاحتلال لها اليد الطولى في كل ما جرى وتتحمل كامل المسؤولية عن كل الخسائر المادية جراء سماحها باستباحة كافة مرافق البلاد وفي المقدمة منها المتحف العراقي بما يحويه من النفائس الأثرية التي لا تقدر بثمن ، والمصارف وبضمنها البنك المركزي وفروعه في الموصل والبصرة التي تعرضت للنهب على مرأى ومسمع القوات الأمريكية دون أن تتخذ أي إجراء لحمايتها،ولم تلاحق السراق والمجرمين.
لقد ركزت القوات الأمريكية جهدها لإلقاء القبض على 55 من رجال السلطة الصدامية لا غير، تاركة ذلك الجيش الجرار من الأجهزة الأمنية القتلة، وفدائي صادم، والمجرمين من أعضاء الحزب في مأمن ولم يمسهم أي أذى، ولم يتخذ تجاهها أي إجراء حتى ولو كان احترازياً، من أجل صيانة الأمن والنظام العام في البلاد بعد انهيار كل المؤسسات العراقية بما فيها المؤسسات التي تتولى صيانة الأمن في البلاد.
وهكذا وجد البعثيون أنفسهم في مأمن من الملاحقة والعقاب جراء الجرائم البشعة التي ارتكبوها بحق الشعب والوطن طيلة تلك العقود الأربعة العجاف، وبدأوا بالظهور على الساحة مرة أخرى متلبسين برداء جديد هذه المرة وبمسميات إسلامية متعددة لا صلة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، وبدأت تلك المسميات تظهر للعلن من خلال الإعلان عن الجرائم التي تنفذها على الساحة العراقية عبر وسائل الإعلام المرئية.
وإمعاناً في الجريمة بدأت العصابات البعثية تمهد السبيل لدخول عصابات القاعدة الساحة العراقية حيث تولت استقبال الوحوش الآدمية المغسولة الأدمغة من الانتحاريين عبر الحدود السورية والسعودية والإيرانية، من مختلف البلدان العربية والإسلامية بذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق، وتؤمن لهم السكن والحماية والمال والسلاح والسيارة المفخخة لتحول العراق إلى جحيم لا يطاق.
وخرجت تلك العصابات المجرمة تحمل والصواريخ والمتفجرات والأحزمة الناسفة، ومختلف أنواع الأسلحة الأخرى، بل لقد طوروا من أساليب جرائمهم باستخدام السيارات المفخخة وزراعة العبوات الناسفة ليوقعوا أكبر قدر من التخريب والتدمير وقتل الأبرياء من أبناء شعبنا بالجملة. فقد ازداد حقدهم على الشعب أضعافاً مضاعفة بعد أن فقدوا السلطة التي عاشوا في ظلها 35 عاماً يتمتعون بهبات وعطايا ومكارم دكتاتور العراق صدام حسين
على حساب بؤس وعذابات وشقاء الغالبية العظمى من الشعب العراقي المهضوم الحقوق.
لقد أصبحوا بعد سقوط النظام، وفقدان امتيازاتهم، أكثر عنفاً من أجل استعادة السلطة، تماما كما فعلوا بعد أن اسقط حكمهم شريكهم في انقلاب الثامن من شباط 1963 عبد السلام عارف، حيث لم يمضِ سوى بضعة اشهر حتى دبروا محاولة انقلابية على نظام عارف، على الرغم من أن تجربتهم في الحكم لم تتجاوز 9 أشهر، لكن محاولتهم تم إحباطها، ومع ذلك استمروا في محاولاتهم الانقلابية حتى استطاعوا تنفيذ انقلاب 17 تموز1968بتدبير ودعم من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، وامسكوا بالسلطة بيد من حديد 35 عاماً تمتعوا خلالها بثروات البلاد دون حساب.
لقد كان التغاضي عن هذه الزمرة الشرير بعد إسقاط النظام الصدامي مباشرة أحد أكبر الأخطاء التي ارُتكبتها الولايات المتحدة وقواتها في العراق، والتي دفع الشعب العراقي وما يزال ثمناً غالياً بسببها، حيث حولت عصابات القتلة حياته إلى جحيم.
ومما زاد في الطين بله إقدام الإدارة الأمريكية على حل الجيش والأجهزة الأمنية بذلك الأسلوب الخاطئ، ودون أن تحسب أي حساب ما تمثله تلك القوة الهائلة من خطورة على الأمن والنظام العام، ولاسيما وأنها مدربة تدريباً جيداً على استخدام جمع أنواع الأسلحة، والسلاح مباح أمامها في المعسكرات المهجورة، وحتى في الشوارع والطرق والمدارس التي ملأها النظام الصدامي بالسلاح استعداداً للحرب.
وقد فقد أفراد الجيش مصدر عيشهم وعيش عوائلهم على حين غرة، وكما هو معروف أن النظام السابق كان قد فرض الانتماء لحزب البعث على كل منتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، فكان حرمانهم من الوظيفة، ومن المورد الضروري للعيش قد دفع أعداد غفيرة منهم نحو حمل السلاح بوجه القوات المحتلة وقوات السلطة على حد سواء، مستخدمين كل الوسائل المتاحة لهم لتنفيذ عمليات القتل والتخريب والتدمير الذي امتد فيما بعد نحو المواطنين الآمنين.
ومما ساهم مساهمة فعّالة في تصاعد الصراع المسلح لجوء عناصر ومناصري أحزاب الإسلام السياسي الشيعي إلى عمليات التصفية الجسدية للعناصر البعثية خارج القانون والمحاكم لتصفية الحسابات التي سببها طغيان النظام الصدامي، وخاصة خلال الانتفاضة الشعبية في الثاني من آذار 1991، والتي قمعها النظام بكل وحشية، مما تسبب في استشهاد مئات الألوف من المواطنين الشيعة.
غير أن ذلك الأسلوب الانتقامي جاء بنتائج عكسية خطيرة على الأمن والنظام العام في البلاد، على عكس ما جرى في كردستان العراق، حيث جرى التعامل مع العناصر التي تعاونت مع نظام صدام ضد أبناء جلدتهم الأكراد.
لقد كان من المفروض للإدارة الأمريكية إن لا تقدم على حل الجيش والأجهزة الأمنية بتلك الصورة المتعجلة، بل كان الأمر يقتضي إصدار أمر لهذه القوات بالالتحاق بمعسكراتهم بإشراف القيادة العسكرية الأمريكية والبريطانية لتحييدهم، والنظر فيما بعد في قضايا العناصر التي كانت على صلة مباشرة مع النظام وإحالتها على التقاعد، وتقديم من يثبت عليه القيام بإعمال إجرامية بحق الشعب إلى المحاكم لينالوا ما يستحقونه من عقاب، أما الحكم على أفراد الجيش بالطرد فقد كان من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية، وكان بالإمكان كسب معظم أفراد الجيش إلى جانب السلطة الجديدة وإعادة تثقيفهم بثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية، واحترام الحريات العامة للمواطنين.
لكن قرار حل الجيش المتسرع ذاك شجع الزمرة الشريرة من أعوان نظام صدام لتكشّر عن أنيابها المتعطشة للدماء من جديد، وكان لترك قوات الاحتلال المعسكرات ومخازن الأسلحة دون حراسة أن مكّنَ هؤلاء القتلة من الحصول على مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة التي استخدموها في تفخيخ السيارات، وزراعة المتفجرات على جونب الطرق لتزهق المزيد والمزيد من أرواح المواطنين الأبرياء . وتحولت والفلوجة إلى قلعة الإرهاب التي تنطلق منها تلك العصابات لتعيث في الوطن تقتيلاً وتدميراً، وأصبحت الموصل وبعقوبة والرمادي وسامراء وتكريت وبيجي مرتعاً لجرائم الإرهابيين.
ومن جهة أخرى بدأت المليشيات التابعة للأحزاب الشيعية، وفي المقدمة منها ميلشيات بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم، وما يدعى بجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر تمارس العمليات الإرهابية هي الأخرى، واستطاع جيش المهدي أن يفرض سيطرته على مدينة النجف بقوة السلاح، فيما قوى البعث وعناصر القاعدة القادمة من مختلف البلدان العربية عبر الحدود السورية والسعودية بأعداد متصاعدة استطاعت فرض سيطرتها على والفلوجة والرمادي وسائر محافظة الأنبار، وبذلك أخذ الوضع الأمني في البلاد في التدهور يوماً بعد يوم ، وتحول العراق إلى ساحة للصراع الدامي.، واضطرت الإدارة الأمريكية للاعتراف لأول مرة في 16 تموز 2003 بمواجهة حرب العصابات.
كانت أولى الجرائم التي ارتكبتها القوى الإرهابية اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي في داخل مرقد الأمام علي بن أبي طالب على أيدي الزمرة التابعة لمقتدى الصدر، والتي جرت على رؤوس الأشهاد أمام جمع غفير من المواطنين والمسؤولين، ومن دون أن تتخذ الإجراءات القضائية بحق القتلة المجرمين!!، بل على العكس من ذلك تجرأ مقتدى الصدر على الإعلان عن تشكيل ما يسمى بـ [جيش المهدي]، وبتغاضٍ من قبل قوات الاحتلال، وقد جمع أعدادا غفيرة من أنصاره الذين كانوا بالأمس القريب من البعثيين، واستطاع السيطرة على مدينة النجف بقوة السلاح. وجاءت الجريمة الثانية التي ارتكبتها القوى الإرهابية ضد المقر الرسمي لممثلية الأمم المتحدة التي كان يرأسها الشهيد [ سيرجيوفيرا دي ميلو] ، في 18 آب/أغسطس، حيث جرى مهاجمتها وتفجيرها عن طريق سيارة مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات أدت إلى تدمير المقرب الكامل وذهب ضحية الهجوم الإجرامي أكثر من عشرين موظفا كان من بينهم الشهيد دي ميلو، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة [ كوفي عنان ] آنذاك إلى غلق المثلية في بغداد.
وكانت الجريمة الثالثة البشعة التي ارتكبت في مدينة النجف في 29 آب/أغسطس عندما فجر إرهابي سيارة مفخخة بين جموع غفيرة كانت تحيط بزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق [ محمد باقر الحكيم ] والتي ذهب ضحيتها الحكيم مع أكثر من تسعين مواطناً ، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الجرحى، وكانت جراح معظمهم بليغة.
وفي الفلوجة القريبة من بغداد سيطرة القوى الإرهابية من البعثيين وعناصر القاعدة التي بدأت تعبر الحدود السورية بإعداد كبيرة على الوضع في المدينة بقوة السلاح ، وأقدمت على قتل أربعة من الأمريكيين والتمثيل بجثثهم بشكل بشع، وجرى تعليقهم على الجسر الحديدي مما دفع سلطات الاحتلال إلى الإعداد لهجوم واسع النطاق على الفلوجة.
وفي 17 أيار 2004 جرى اغتيال رئيس مجلس الحكم السيد [ عز الدين سليم ] في عملية إرهابية بتفجير سيارة مفخخة في أحد مداخل المنطقة الخضراء أودت بحياته مع العديد من حراسه. وهكذا أخذ النشاط الإرهابي يتصاعد في البلاد يوماً بعد يوم ويؤدي بأرواح العشرات من أبناء الشعب، بالإضافة إلى التدمير والتخريب الذي تسببه تلك التفجيرات للمرافق العامة والممتلكات الخاصة التي أصبحت هدفاً للإرهابيين، بالإضافة إلى عمليات الخطف والابتزاز والاغتصاب والقتل الوحشية التي كانت تجري كل يوم. احتلالها الفعلي للعراق.
التسميات:
بحوث تاريخية
بحوث تاريخية
0 التعليقات: