نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - كتاب في حلقات (11)
4:24 م | مرسلة بواسطة
hamid
حامد الحمداني
8/9/2008
اولاً: نوري السعيد يعود للواجهة من جديد، ويشكل وزارته العاشرة
منذُ أن شكل السيد [ مزاحم الباجه جي] وزارته في 26 حزيران 1948 بدا واضحاً أنها جاءت لتمهد الطريق لعودة رجالات معاهدة بورتسموث إلى السلطة من جديد، وخاصة بعد أن طلب الوصي عبد الإله إجراء تعديل في وزارته بعد استقالة وزير الدفاع [صادق البصام ]، وتعين عدد من وزراء حكومة صالح جبر، وكان أبرزهم [شاكر الوادي] وزير الدفاع وأحد الموقعين على معاهدة بورتسموث، والذي تسلم وزارة الدفاع مجدداً.
لم تمضِ وزارة [مزاحم الباجه جي] في الحكم سوى ستة أشهر حيث قدمت استقالتها، وتم تكليف نوري السعيد بتأليف الوزارة الجديدة والتي تم تشكيلها على الشكل التالي : (1)
1 ـ نوري السعيد ـ رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية.
2 ـ شاكر الوادي ـ وزيراً للدفاع.
3 ـ عبد الإله حافظ ـ وزيراً للخارجية.
4 ـ جلال بابان ـ وزيراً للأشغال والمواصلات.
5 ـ محمد حسن كبه ـ وزيراً للعدلية.
6 ـ نجيب الراوي ـ وزيراً للمعارف.
7 ـ ضياء جعفر ـ وزيراً للاقتصاد.
8 ـ خليل إسماعيل ـ وزيراً للمالية.
9 ـ بهاء الدين نوري ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
وحال تشكيل الوزارة أعلن نوري السعيد بأنه سيضع نصب عينيه بالدرجة الأولى قضية فلسطين بغية إنقاذها من محنتها !!.
لكن الحقيقة كانت على عكس ما جاء في خطابه، ولم يكن في جعبته سوى إكمال المؤامرة التي صاغتها بريطانيا، ونفذها الحكام العرب لتصفية القضية الفلسطينية وتثبيت الكيان الصهيوني ، وهذا ما أكده [السيد طه الهاشمي] في مذكراته حيث يقول :
{إن ما جاء في الكتب المتبادلة بين الأمير [عبد الإله] و[نوري السعيد] من التنويه بقضية فلسطين إنما قصد به ذر الرماد في العيون، وأنا أتوقع أسوأ النتائج من هذه الوزارة، فسيبدأ الاعتقال والسجن، وكم الأفواه إلى أن تستقر الأمور في العراق، وسيشجع [الملك عبد لله] على اقتطاع الأرض العربية فلسطين ليضمها إلى إمارته [ شرق الأردن ]. (2)
أما السيد [كامل الجادرجي] فقد علق على عودة نوري السعيد إلى الواجهة من جديد، وتشكيله وزارته العاشرة قائلاً:
{إن عودة نوري السعيد إلى الحكم في أوائل كانون الثاني 1949هي من الأحداث البارزة في فترة ما بعد الوثبة، وقد اعتبرت عودته تصفية نهائية لآثار وثبة كانون الثاني 1948، وعودة سيطرته الكاملة على الحكم}.(3)
وهكذا جاءت هذه الوزارة وأمامها مهمات خطيرة لم يكن لأي رئيس حكومة القدرة على القيام بها سوى نوري السعيد.
ثانياً: تصفية القضية الفلسطينية:
عاد نوري السعيد إلى الحكم ليكمل فصول المؤامرة الإمبريالية على فلسطين بالتفاهم والتعاون مع [الملك عبد الله] وحكومته التي كانت برئاسة [ توفيق أبو الهدى ] .
فقد وصل أبو الهدى بغداد في 25 نيسان 1949، واجتمع بالوصي عبد الإله، وبنوري السعيد، وقد طلب أبو الهدى، بناء على توجيهات الأمير عبد الله، سحب القوات العراقية من فلسطين، وبالفعل باشرت تلك القوات الانسحاب والعودة إلى العراق، حيث وصلت طلائعها مدينة الرمادي في 29 نيسان، وبلغت بغداد في الأول من أيار. (4)
وقد سارع الملك عبد الله إلى إرسال البرقية التالية إلى أحد أكبر زعماء المنظمات الصهيونية [ موشي شرتوك ] في 15 آذار 1949 يقول فيها :
{ عزيزي شرتوك : لم يكن بحثي أمس ما عزى إليكم من التصريح عن الجبهة العراقية في حالة انسحابها إلا لأمور جوهرية هي :
عند حضور ساسون أفندي، والقائد دايان إلى الغور لمقابلتنا، بحثنا عن عدم الاطمئنان بهدنة لم يكن العراق قابلاً بها، وأن الجيش العراقي ينسحب منها.
فللرغبة في التسوية المأمولة عزمنا تسلم الجبهة العراقية،فهذا التصريح وما وقع في الجنوب من حركات يدعو للتردد في النتائج، ولذلك أحب أن تشعروا وفدكم بأن يتفق مع وفدنا على سريان اتفاقية عدم إطلاق النار في الحدود التي يشغلها الجيش العراقي حال تسلمها من قبل القوات الأردنية مع تحياتي لكم وللمستر بن غوريون}. (5)
وما أن تم انسحاب الجيش العراقي من المثلث العربي [ جنين ـ نابلس ـ طول كرم ] حتى بادر الملك عبد الله إلى تسليم اللد والرملة إلى القوات الصهيونية بحجة أن ذلك من مقتضيات اتفاقية الهدنة التي عقدت في [رودس] بين الأردن وإسرائيل، ومن متمماتها، وقد تم التسليم في 19 أيار 1949 مما أثار غضب الشعب الفلسطيني، فكان أن دفع الملك عبد الله حياته ثمناً لتلك
الخيانة، حيث جرى اغتياله في 20 تموز 1951. (6)
ويقول عبد الرزاق الحسني عن عملية سحب القوات العراقية معلقاً:
{لقد كان سحب القوات العراقية من فلسطين من القضايا الخطيرة، لأنها تتصل بشعور الشعب العربي الناقم على حكومات الدول العربية في كافة عواصمها، وكانت الحكومات العراقية المتعاقبة تخشى الإقدام على مثل هذه الحركة فاستطاعت الوزارة السعيدية العاشرة أن تقوم بهذه المهمة مستفيدة من وجود الأحكام العرفية في البلاد. (7)
سيطر على أبناء الشعب وجوم وحزن شديدين بسبب خيانة الحكام، وقد شكّل سحب القوات العراقية تحدياً سافراً لمشاعر الشعب الذي اعتبر قضية فلسطين قضيته الأولى المقدسة.
و لم يكتف حكام العراق بخيانتهم للقضية الفلسطينية هذه، بل أقدمت حكومة توفيق السويدي على إصدار قانون إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود في 2 آذار1950، وتسفيرهم إلى إسرائيل لكي يدعم قيام الدولة العبرية، ويمدها بالطاقة البشرية التي كانت بأمس الحاجة لها. (8)
وبذلك أكمل نوري السعيد فصول المؤامرة على فلسطين بالتعاون والتنسيق مع العرش الهاشمي في الأردن، والذي استحوذ على القسم العربي من فلسطين مشكلاً المملكة الأردنية الهاشمية بتخطيط من الإمبريالية البريطانية والأمريكية. (9)
ثالثاً: السعيد ينكل بالعناصر الوطنية المشاركة في الوثبة
بعد أن أكمل نوري السعيد فصول المؤامرة الأنكلو أمريكية على فلسطين توجه نحو تصفية القوى الوطنية في الداخل، بادئاً بالحزب الشيوعي الذي كان له الدور الأكبر في وثبة كانون المجيدة، وفي جعبته تصفية حساباته مع الحزب، وسائر القوى الوطنية الأخرى، ولينتقم أشد الانتقام من أولئك الذين كانوا وراء الوثبة.
كان بداية ذلك الهجوم الشرس على الحزب الشيوعي يتمثل في إعادة محاكمة السكرتير الأول للحزب يوسف سلمان [فهد] ورفاقه أعضاء المكتب السياسي[ زكي بسيم] و[حسين محمد الشبيبي] و[يهودا صديق] والذين سبق وأن حكم عليهم المجلس العرفي العسكري بالإعدام،ثم خفض الحكم فيما بعد إلى السجن المؤبد، بعد إلقاء القبض عليهم في عهد وزارة نوري السعيد التاسعة، في منتصف عام 1947، واليوم وقد سنحت الفرصة لنوري السعيد تحت ظل الأحكام العرفية لتنفيذ ما أراد تنفيذه قبل سنتين، فقد تمت إعادة محاكمتهم من قبل المجلس العرفي العسكري الذي أصدر بدوره حكم الإعدام عليهم في 10، و11 شباط 1949، وتم تنفيذ الحكم يومي 14، و15 شباط، وعلقت جثث الشهداء في ساحتي المتحف والتحرير لساعات طويلة إرهاباً للشعب، وتحدياً لمشاعره الوطنية.
كانت ردة فعل إعدام قادة الحزب الشيوعي عنيفة، عراقياً وعربياً ودولياً، حيث قامت المظاهرات المنددة بالجريمة الشنعاء لنوري السعيد وحكومته، وشنت الصحف الوطنية العراقية والعربية والأجنبية حملة شعواء على الحكومة متهمة إياها بتنفيذ مخططات الإمبرياليين الهادفة إلى كبح جماح الحركة الوطنية في العراق. (10)
ولم تقف إجراءات نوري السعيد عند هذا الحد، بل مضى في تنفيذ ما خططه له أسياده الإمبرياليون حيث جرى اعتقال أكثر من 370 فرداً من أعضاء الحزب الشيوعي وكوادره، ومارست الأجهزة القمعية في مديرية التحقيقات الجنائية [ مديرية الأمن العامة] أبشع أساليب التعذيب لأخذ الاعترافات منهم عن تنظيمات الحزب، ومات البعض منهم تحت التعذيب، وأحيل كافة المعتقلين إلى المجالس العرفية العسكرية التي حكمت بدورها عليهم بأحكام جائرة تراوحت بين السجن المؤبد والسجن لمدة ثلاث سنوات، وبمراقبة الشرطة بعد انتهاء الأحكام، ولم تقف شهية نوري السعيد للانتقام من الحزب الشيوعي إلى هذا الحد، بل سارع إلى إصدار مرسوم خطير وجائر لكبح جماح الهيئة التعليمية والطلبة وإخماد صوتها، وعزلها عن الحركة الوطنية، فجاء في هذا المرسوم انتهاكاً صارخاً للحقوق الدستورية للمواطنين، وفي ما يلي نص المرسوم: (11)
استناداً إلى الفقرة 3 من المادة السادسة والعشرين من القانون الأساسي، وبناء على ما عرضه وزير الداخلية ووافق عليه مجلس الوزراء، أمرنا بوضع المرسوم الأتي:
مرسوم:
المادة الأولى : ممنوع على هيئات التدريس في الكليات والمعاهد العلمية والمدارس، وموظفيها على اختلاف أنواعها ودرجاتها سواء كانت حكومية أم أهلية أم أجنبية ما يأتي:
1 ـ بث الدعايات السياسية بين الطلاب .
2 ـ تحريض الطلاب على مخالفة أحكام القوانين والأنظمة.
3 ـ حض الطلاب أو غيرهم على المظاهرات، أينما وكيفما تقع.
4ـ حث الطلاب على الإضراب داخل الكليات والمدارس والمعاهد العلمية وخارجها .
المادة الثانية : تعتبر هيئات التدريس في الكليات والمعاهد العلمية والمدارس، وموظفوها مسؤولين جميعاً عن الأعمال الممنوعة المبينة في المادة الأولى من هذا المرسوم لغرض المادة الرابعة، ما لم يُظهر التحقيق الموظف أو الهيئة أو الشخص الذي قام في أمر بثها، أو تحريض الطلاب، أو حثهم عليها.
المادة الثالثة : لمجلس الوزراء، بناء على اقتراح الوزير المختص أن يفصل الموظفين، والهيئات التدريسية للمدة التي يقررها إذا ثبت عليهم أحد الأعمال المبينة في المادة الأولى من هذا المرسوم، أو ثبت إهمالهم، أو تقصيرهم في إظهار مرتكبي أحد الأعمال الواردة في المادة المذكورة
المادة الرابعة : يحرم الموظفون وهيئات التدريس الذين يفصلون وفق المادة السابقة من هذا المرسوم من حقوقهم التقاعدية، سواء كانوا يستحقون إكرامية أم مرتباً تقاعديا ًخلال مدة الفصل، على أن يعطى لورثتهم راتب التقاعد،أو الإكرامية إذا وقعت الوفاة قبل انتهاء مدة الفصل.
المادة الخامسة: ينفذ هذا المرسوم من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .
المادة السادسة: على وزراء الدولة تنفيذ هذا المرسوم الذي يجب عرضه على مجلس الأمة في أول اجتماع له.
كتب في بغداد في اليوم السادس من شهر ربيع الثاني 1368 والمصادف لليوم الخامس من شباط 1949.
هكذا انتهك نوري السعيد بكل فضاعة الدستور العراقي الذي كفل الحقوق العامة للشعب، وجعل إدارات المدارس والمعاهد والكليات أجهزة بوليسية، منذراً بإنزال العقاب الصارم بكل من لا يتعاون مع الأجهزة القمعية لمحاربة الحركة الوطنية في صفوف الطلاب والأساتذة.
نفذ نوري السعيد تهديداته وقام بفصل أعداد كبيرة من المعلمين والمدرسين وأساتذة الكليات والمعاهد من وظائفهم، كما تم فصل أعداد كبيرة من طلاب الكليات والمعاهد ،انتقاما للدور البطولي الذي لعبه أولئك الطلاب أبان وثبة كانون المجيدة عام 1948.
وقد درست اللجنة المشتركة والمؤلفة من اللجنة الحقوقية ولجنة المعارف بمجلس النواب هذا المرسوم، ورفعت تقريرها حوله في 15 كانون الثاني 1951، وأصدرت قراراً برفضه لمخالفته لأحكام الدستور.
لكن رئاسة مجلس النواب، بضغط من الحكومة والبلاط ، أرجأت عرض قرار اللجنة المشتركة على المجلس، واستمر العمل بموجبه حتى عام 1955، بعد أن استنفذ أغراضه، وبعد أن وضع نوري السعيد العديد من المراسيم الأخرى الأشد وطأة منه، والأكثر عدوانية على حقوق الشعب لمحاربة القوى الوطنية، كما سنرى فيما بعد. (12)
رابعا: السعيد وعبد الإله والإمبرياليون يتآمرون على سوريا
أثارت خيانة الحكام العرب لقضية فلسطين، واندحار الجيوش العربية أمام قوات المنظمات الإرهابية الصهيونية، وقبول الحكام العرب بالهدنة المعقودة في [رودس ]مع الكيان الصهيوني، وبالتالي القبول بتقسيم فلسطين كأمر واقع، ردة فعل واسعة اجتاحت العالم العربي، وسارت المظاهرات المنددة بالحكام العرب وتخاذلهم، وانغمار معظمهم في المؤامرة الانكلو أمريكية، وخلق ذلك الوضع لدى الشعوب العربية يأساً شديداً من أولئك الحكام، وأصبحت لديهم القناعة من أن أي إصلاح للأوضاع العربية لا يمكن أن يكون دون زوال تلك الأنظمة، وأولئك الحكام .
واستغلت الإمبريالية الأمريكية تلك الظروف اكبر استغلال على الساحة السورية، نظراً لأهمية موقع سوريا الجغرافي بالنسبة لضمان أمن دولة إسرائيل، القاعدة المتقدمة للإمبريالية في قلب العالم العربي، فقد كان قيام نظام حكم وطني حقيقي في سوريا يشكل خطراً على إسرائيل.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت الولايات المتحدة تسعى جاهدة لإزاحة النفوذ البريطاني في منطقة الشرق الأوسط، والاستئثار بها لوحدها، نظراً لما تشكله هذه المنطقة من أهمية بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية حيث يوجد اكبر خزان للنفط في العالم، فيما كانت الإمبريالية البريطانية تسعى جاهدة لإحكام سيطرتها على المنطقة، فقد سعت إلى قلب الحكومة السورية، وإقامة مشروع [الهلال الخصيب] بزعامة العرش الهاشمي، وتحت هيمنتها، وقد لعب نوري السعيد دوراً كبيراً في تنفيذ المخطط البريطاني. لكن الإمبريالية الأمريكية كانت أسرع في تحركها حيث دبرت انقلاب [حسني الزعيم ] رئيس الأركان السوري ،في 30 آذار 1949، واستطاع حسني الزعيم السيطرة على الأوضاع في سوريا دون أن يلقى انقلابه أية مقاومة تذكر، مستغلاً عواطف الجماهير السورية الناقمة على الحكومة السابقة، بسبب دورها في نكبة فلسطين، وطبيعي أن يستغل حسني الزعيم تلك النكبة ليظهر نفسه بمظهر الوطني الحريص على قضية فلسطين، لكن الحقيقة لا تعدو أن تكون انقلاباً أمريكياً، حيث يقول الكاتب الأمريكي [ كوبلاند ] في كتابه [لعبة الأمم] ما يلي:{وكان انقلاب حسني الزعيم من إعدادنا وتخطيطنا، فقد قام فريق العمل السياسي بإدارة [الميجرميد] بإنشاء علاقات منتظمة مع الزعيم [حسني الزعيم]،الذي كان رئيساً لأركان الجيش السوري. ومن خلال تلك الصداقة أوحى لحسني الزعيم بفكرة الانقلاب العسكري، حيث اضطلعنا نحن في السفارة بمهمة وضع كل خطته، وإثبات كافة التفصيلات المعقدة }. (13)
أحدث انقلاب حسني الزعيم قلقاً عميقاً لدى الدوائر البريطانية والعرش الهاشمي في العراق، وأسرع نوري السعيد إلى دمشق، يستكشف طبيعة الانقلاب، واختلى السعيد بحسني الزعيم، ونصحه بالعودة إلى واجباته العسكرية، وترك الأمور السياسية، وكان نوري السعيد أثناء زيارته لدمشق يلبس بزة عسكرية برتبة كبيرة في محاولة للتأثير على قائد الانقلاب حسني الزعيم. (14)
لكن بريطانيا لم تستسلم لما حدث في سوريا، ونشطت أجهزة مخابراتها في العمل لتدبير انقلاب عسكري معاكس. ونجحت جهودها بإحداث انقلاب جديد بقيادة اللواء [سامي الحناوي] في 14 آب 1949، وقبل أن يمض على انقلاب حسني الزعيم ستة أشهر، وكان واضحا أن الانقلاب
الجديد كان بإخراج بريطاني.
تم لسامي الحناوي السيطرة على البلاد، وجرى إعدام حسني الزعيم ورئيس وزرائه [محسن ألبرازي ] بعد محاكمة لم تدم سوى ساعتين مما أثار غضب الإمبرياليين الأمريكيين.
لم يخفِ العرش الهاشمي، ونوري السعيد فرحهما وسرورهما لنجاح انقلاب [سامي الحناوي]، وسارع سامي الحناوي إلى بغداد وبصحبته الملحق العسكري العراقي [ عبد المطلب الأمين ]، واجتمع مع نوري السعيد وعبد الإله، ثم عاد في نفس اليوم إلى دمشق.
ولم تلبث حكومة بغداد أن أرسلت رئيس الديوان الملكي [ احمد مختار بابان ] إلى دمشق لمناقشة موضوع إقامة اتحاد بين العراق وسوريا لكن المشروع لم يكتب له النجاح، فقد أفلح الأمريكيون في إحداث انقلاب جديد في سوريا بقيادة العقيد [أديب الشيشكلي ] في 19 كانون الأول بالتعاون مع [ أكرم الحوراني ] و[فوزي سلو] ، وتم اعتقال سامي الحناوي . لكن أديب الشيشكلي لم يستلم الحكم بصورة رسمية، بل حكم من وراء الستار، وأعاد الحكم المدني للواجهة حتى تشرين الثاني من عام 1951، حيث قام بانقلابه الثاني، وأقال الحكومة المدنية، وأعلن نفسه دكتاتوراً للبلاد. بقي الشيشكلي في الحكم حتى شباط 1954،عندما أسقطه انقلاب جديد بقيادة [ فيصل الأناسي ] بمساعدة [ غسان جديد ]،حيث تحرك الجيش، تدعمه الأحزاب السياسية التي ضاقت الأمرين على أيدي الدكتاتور الشيشكلي، وفرض الانقلابيون على أديب الشيكلي الاستقالة وتم فرض النظام البرلماني من جديد، وذهبت جهود نوري السعيد وعبد الإله، ومن ورائهم البريطانيون أدراج الرياح.
خامساً: نوري السعيد يؤلف حزب[ الاتحاد الدستوري]:
حاول نوري السعيد تقوية مركزه وهيمنته على السلطة عن طريق جر بعض الأطراف السياسية وخاصة حزب الاستقلال للتعاون معه بموجب ميثاق وضعه السعيد بنفسه وسماه [الميثاق الوطني ]، وكان من جملة ما جاء في ذلك الميثاق مكافحة الشيوعية، ومحاربة الأعمال التي تستهدف إضعاف الحكومة أو إسقاطها، ومقاومة تلك الأعمال مقاومة فعالة و بجميع الوسائل. هذا هو جوهر ميثاق نوري السعيد الذي غلفه بعبارات عامة منمقة،كاحترام الدستور ـ الذي كان هو نفسه أول وأكثر منتهكيه ـ ومكافحة الرشوة، وتأسيس المشروعات الصناعية، وحماية حقوق العمال والفلاحين !!، وتقوية الروابط مع البلدان العربية، وغيرها من الأمور الأخرى . لكن نوري السعيد لم يُوفّق في مسعاه، فقد رد عليه زعيم حزب الاستقلال [محمد مهدي كبه] مفنداً كل ادعاءاته، ودعاه إلى العمل الجدي الصادق لإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد بموجب برنامج حدده الحزب. (15)
ولما يئس نوري السعيد من جر حزب الاستقلال للتعاون معه،لجأ إلى تأليف حزب سياسي دعاه [ حزب الاتحاد الدستوري ] وهو لا يعدو أن يكون في برنامجه صورة طبق الأصل لما جاء في ميثاقه، وقد وقع على طلب التأسيس كل من:
1ـ محمد علي محمود 2ـ موسى الشابندر 3 ـ جميل الأورفلي
4 ـ عبد الوهاب مرجان 5 ـ خليل كنه 6 ـ سعد عمر
7 ـ مجيد عباس 8 ـ احمد العامر
وقد تم منح الحزب المذكور الإجازة من قبل وزارة الداخلية في 24 تشرين الثاني1949، وضم هذا الحزب عناصر مختلفة من الإقطاعيين وأصحاب المصالح، والملاكين الكبار، والانتهازيين الطامعين بالمناصب الكبيرة وبالنيابة والوزارة، وهم جميعاً من مؤيدي السياسة البريطانية. في العراق. (16)
وبعد أن أتم نوري السعيد المهمة المناطة به،بمكافحة الحركة الوطنية، وفي المقدمة منها الحزب الشيوعي، وتقليم أظافرها، والانتقام من المشاركين بوثبة كانون الثاني المجيدة، وتصفية جميع المنجزات التي حققتها الوثبة، وبعد أن أكمل فصول المؤامرة الكبرى على القضية الفلسطينية، لم يبقَ لديه ما يؤديه في تلك المرحلة، لذا فقد تقدم باستقالة حكومته إلى الوصي في 9 كانون الأول 1949، وتم قبول الاستقالة في اليوم التالي مباشرةً.
توثيق الحلقة الحادية عشر(1) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الثامن ـ عبد الرزاق الحسني ـ ص 60 .(2) مذكرات طه الهاشمي ـ الجزء الثاني ـ ص 254 .(3) مذكرات كامل الجاد رجي ـ ص 267 .(4) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الثامن ـ الحسني ـ ص 74 .(5) نفس المصدر ـ ص 76 .(6) تاريخ الأردن في القرن العشرين ـ ص 552 .(7) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الثامن ـ الحسني ـ ص 75 .(8) نفس المصدر ـ ص 156 .(9) المصدر السابق ـ ص 85ـ87 .(10) نفس المصدر السابق (11) مذكرات توفيق السويدي ـ ص 486. (12) تقرير مجلس النواب ـ الاجتماع الاعتيادي ـ لسنة 1950 ـ ص 71. (13) لعبة الأمم ـ ص 73 ـ كوبلاند . (14) حديث اللواء عبد المطلب الأمين لعبد الرزاق الحسني ـ ص 81 ـ ج8(15) لمحات وذكريات ـ ص 114 ـ جميل الاورفلي .(16) مذكرات كامل الجاد رجي ـ ص 71 .
منذُ أن شكل السيد [ مزاحم الباجه جي] وزارته في 26 حزيران 1948 بدا واضحاً أنها جاءت لتمهد الطريق لعودة رجالات معاهدة بورتسموث إلى السلطة من جديد، وخاصة بعد أن طلب الوصي عبد الإله إجراء تعديل في وزارته بعد استقالة وزير الدفاع [صادق البصام ]، وتعين عدد من وزراء حكومة صالح جبر، وكان أبرزهم [شاكر الوادي] وزير الدفاع وأحد الموقعين على معاهدة بورتسموث، والذي تسلم وزارة الدفاع مجدداً.
لم تمضِ وزارة [مزاحم الباجه جي] في الحكم سوى ستة أشهر حيث قدمت استقالتها، وتم تكليف نوري السعيد بتأليف الوزارة الجديدة والتي تم تشكيلها على الشكل التالي : (1)
1 ـ نوري السعيد ـ رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية.
2 ـ شاكر الوادي ـ وزيراً للدفاع.
3 ـ عبد الإله حافظ ـ وزيراً للخارجية.
4 ـ جلال بابان ـ وزيراً للأشغال والمواصلات.
5 ـ محمد حسن كبه ـ وزيراً للعدلية.
6 ـ نجيب الراوي ـ وزيراً للمعارف.
7 ـ ضياء جعفر ـ وزيراً للاقتصاد.
8 ـ خليل إسماعيل ـ وزيراً للمالية.
9 ـ بهاء الدين نوري ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
وحال تشكيل الوزارة أعلن نوري السعيد بأنه سيضع نصب عينيه بالدرجة الأولى قضية فلسطين بغية إنقاذها من محنتها !!.
لكن الحقيقة كانت على عكس ما جاء في خطابه، ولم يكن في جعبته سوى إكمال المؤامرة التي صاغتها بريطانيا، ونفذها الحكام العرب لتصفية القضية الفلسطينية وتثبيت الكيان الصهيوني ، وهذا ما أكده [السيد طه الهاشمي] في مذكراته حيث يقول :
{إن ما جاء في الكتب المتبادلة بين الأمير [عبد الإله] و[نوري السعيد] من التنويه بقضية فلسطين إنما قصد به ذر الرماد في العيون، وأنا أتوقع أسوأ النتائج من هذه الوزارة، فسيبدأ الاعتقال والسجن، وكم الأفواه إلى أن تستقر الأمور في العراق، وسيشجع [الملك عبد لله] على اقتطاع الأرض العربية فلسطين ليضمها إلى إمارته [ شرق الأردن ]. (2)
أما السيد [كامل الجادرجي] فقد علق على عودة نوري السعيد إلى الواجهة من جديد، وتشكيله وزارته العاشرة قائلاً:
{إن عودة نوري السعيد إلى الحكم في أوائل كانون الثاني 1949هي من الأحداث البارزة في فترة ما بعد الوثبة، وقد اعتبرت عودته تصفية نهائية لآثار وثبة كانون الثاني 1948، وعودة سيطرته الكاملة على الحكم}.(3)
وهكذا جاءت هذه الوزارة وأمامها مهمات خطيرة لم يكن لأي رئيس حكومة القدرة على القيام بها سوى نوري السعيد.
ثانياً: تصفية القضية الفلسطينية:
عاد نوري السعيد إلى الحكم ليكمل فصول المؤامرة الإمبريالية على فلسطين بالتفاهم والتعاون مع [الملك عبد الله] وحكومته التي كانت برئاسة [ توفيق أبو الهدى ] .
فقد وصل أبو الهدى بغداد في 25 نيسان 1949، واجتمع بالوصي عبد الإله، وبنوري السعيد، وقد طلب أبو الهدى، بناء على توجيهات الأمير عبد الله، سحب القوات العراقية من فلسطين، وبالفعل باشرت تلك القوات الانسحاب والعودة إلى العراق، حيث وصلت طلائعها مدينة الرمادي في 29 نيسان، وبلغت بغداد في الأول من أيار. (4)
وقد سارع الملك عبد الله إلى إرسال البرقية التالية إلى أحد أكبر زعماء المنظمات الصهيونية [ موشي شرتوك ] في 15 آذار 1949 يقول فيها :
{ عزيزي شرتوك : لم يكن بحثي أمس ما عزى إليكم من التصريح عن الجبهة العراقية في حالة انسحابها إلا لأمور جوهرية هي :
عند حضور ساسون أفندي، والقائد دايان إلى الغور لمقابلتنا، بحثنا عن عدم الاطمئنان بهدنة لم يكن العراق قابلاً بها، وأن الجيش العراقي ينسحب منها.
فللرغبة في التسوية المأمولة عزمنا تسلم الجبهة العراقية،فهذا التصريح وما وقع في الجنوب من حركات يدعو للتردد في النتائج، ولذلك أحب أن تشعروا وفدكم بأن يتفق مع وفدنا على سريان اتفاقية عدم إطلاق النار في الحدود التي يشغلها الجيش العراقي حال تسلمها من قبل القوات الأردنية مع تحياتي لكم وللمستر بن غوريون}. (5)
وما أن تم انسحاب الجيش العراقي من المثلث العربي [ جنين ـ نابلس ـ طول كرم ] حتى بادر الملك عبد الله إلى تسليم اللد والرملة إلى القوات الصهيونية بحجة أن ذلك من مقتضيات اتفاقية الهدنة التي عقدت في [رودس] بين الأردن وإسرائيل، ومن متمماتها، وقد تم التسليم في 19 أيار 1949 مما أثار غضب الشعب الفلسطيني، فكان أن دفع الملك عبد الله حياته ثمناً لتلك
الخيانة، حيث جرى اغتياله في 20 تموز 1951. (6)
ويقول عبد الرزاق الحسني عن عملية سحب القوات العراقية معلقاً:
{لقد كان سحب القوات العراقية من فلسطين من القضايا الخطيرة، لأنها تتصل بشعور الشعب العربي الناقم على حكومات الدول العربية في كافة عواصمها، وكانت الحكومات العراقية المتعاقبة تخشى الإقدام على مثل هذه الحركة فاستطاعت الوزارة السعيدية العاشرة أن تقوم بهذه المهمة مستفيدة من وجود الأحكام العرفية في البلاد. (7)
سيطر على أبناء الشعب وجوم وحزن شديدين بسبب خيانة الحكام، وقد شكّل سحب القوات العراقية تحدياً سافراً لمشاعر الشعب الذي اعتبر قضية فلسطين قضيته الأولى المقدسة.
و لم يكتف حكام العراق بخيانتهم للقضية الفلسطينية هذه، بل أقدمت حكومة توفيق السويدي على إصدار قانون إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود في 2 آذار1950، وتسفيرهم إلى إسرائيل لكي يدعم قيام الدولة العبرية، ويمدها بالطاقة البشرية التي كانت بأمس الحاجة لها. (8)
وبذلك أكمل نوري السعيد فصول المؤامرة على فلسطين بالتعاون والتنسيق مع العرش الهاشمي في الأردن، والذي استحوذ على القسم العربي من فلسطين مشكلاً المملكة الأردنية الهاشمية بتخطيط من الإمبريالية البريطانية والأمريكية. (9)
ثالثاً: السعيد ينكل بالعناصر الوطنية المشاركة في الوثبة
بعد أن أكمل نوري السعيد فصول المؤامرة الأنكلو أمريكية على فلسطين توجه نحو تصفية القوى الوطنية في الداخل، بادئاً بالحزب الشيوعي الذي كان له الدور الأكبر في وثبة كانون المجيدة، وفي جعبته تصفية حساباته مع الحزب، وسائر القوى الوطنية الأخرى، ولينتقم أشد الانتقام من أولئك الذين كانوا وراء الوثبة.
كان بداية ذلك الهجوم الشرس على الحزب الشيوعي يتمثل في إعادة محاكمة السكرتير الأول للحزب يوسف سلمان [فهد] ورفاقه أعضاء المكتب السياسي[ زكي بسيم] و[حسين محمد الشبيبي] و[يهودا صديق] والذين سبق وأن حكم عليهم المجلس العرفي العسكري بالإعدام،ثم خفض الحكم فيما بعد إلى السجن المؤبد، بعد إلقاء القبض عليهم في عهد وزارة نوري السعيد التاسعة، في منتصف عام 1947، واليوم وقد سنحت الفرصة لنوري السعيد تحت ظل الأحكام العرفية لتنفيذ ما أراد تنفيذه قبل سنتين، فقد تمت إعادة محاكمتهم من قبل المجلس العرفي العسكري الذي أصدر بدوره حكم الإعدام عليهم في 10، و11 شباط 1949، وتم تنفيذ الحكم يومي 14، و15 شباط، وعلقت جثث الشهداء في ساحتي المتحف والتحرير لساعات طويلة إرهاباً للشعب، وتحدياً لمشاعره الوطنية.
كانت ردة فعل إعدام قادة الحزب الشيوعي عنيفة، عراقياً وعربياً ودولياً، حيث قامت المظاهرات المنددة بالجريمة الشنعاء لنوري السعيد وحكومته، وشنت الصحف الوطنية العراقية والعربية والأجنبية حملة شعواء على الحكومة متهمة إياها بتنفيذ مخططات الإمبرياليين الهادفة إلى كبح جماح الحركة الوطنية في العراق. (10)
ولم تقف إجراءات نوري السعيد عند هذا الحد، بل مضى في تنفيذ ما خططه له أسياده الإمبرياليون حيث جرى اعتقال أكثر من 370 فرداً من أعضاء الحزب الشيوعي وكوادره، ومارست الأجهزة القمعية في مديرية التحقيقات الجنائية [ مديرية الأمن العامة] أبشع أساليب التعذيب لأخذ الاعترافات منهم عن تنظيمات الحزب، ومات البعض منهم تحت التعذيب، وأحيل كافة المعتقلين إلى المجالس العرفية العسكرية التي حكمت بدورها عليهم بأحكام جائرة تراوحت بين السجن المؤبد والسجن لمدة ثلاث سنوات، وبمراقبة الشرطة بعد انتهاء الأحكام، ولم تقف شهية نوري السعيد للانتقام من الحزب الشيوعي إلى هذا الحد، بل سارع إلى إصدار مرسوم خطير وجائر لكبح جماح الهيئة التعليمية والطلبة وإخماد صوتها، وعزلها عن الحركة الوطنية، فجاء في هذا المرسوم انتهاكاً صارخاً للحقوق الدستورية للمواطنين، وفي ما يلي نص المرسوم: (11)
استناداً إلى الفقرة 3 من المادة السادسة والعشرين من القانون الأساسي، وبناء على ما عرضه وزير الداخلية ووافق عليه مجلس الوزراء، أمرنا بوضع المرسوم الأتي:
مرسوم:
المادة الأولى : ممنوع على هيئات التدريس في الكليات والمعاهد العلمية والمدارس، وموظفيها على اختلاف أنواعها ودرجاتها سواء كانت حكومية أم أهلية أم أجنبية ما يأتي:
1 ـ بث الدعايات السياسية بين الطلاب .
2 ـ تحريض الطلاب على مخالفة أحكام القوانين والأنظمة.
3 ـ حض الطلاب أو غيرهم على المظاهرات، أينما وكيفما تقع.
4ـ حث الطلاب على الإضراب داخل الكليات والمدارس والمعاهد العلمية وخارجها .
المادة الثانية : تعتبر هيئات التدريس في الكليات والمعاهد العلمية والمدارس، وموظفوها مسؤولين جميعاً عن الأعمال الممنوعة المبينة في المادة الأولى من هذا المرسوم لغرض المادة الرابعة، ما لم يُظهر التحقيق الموظف أو الهيئة أو الشخص الذي قام في أمر بثها، أو تحريض الطلاب، أو حثهم عليها.
المادة الثالثة : لمجلس الوزراء، بناء على اقتراح الوزير المختص أن يفصل الموظفين، والهيئات التدريسية للمدة التي يقررها إذا ثبت عليهم أحد الأعمال المبينة في المادة الأولى من هذا المرسوم، أو ثبت إهمالهم، أو تقصيرهم في إظهار مرتكبي أحد الأعمال الواردة في المادة المذكورة
المادة الرابعة : يحرم الموظفون وهيئات التدريس الذين يفصلون وفق المادة السابقة من هذا المرسوم من حقوقهم التقاعدية، سواء كانوا يستحقون إكرامية أم مرتباً تقاعديا ًخلال مدة الفصل، على أن يعطى لورثتهم راتب التقاعد،أو الإكرامية إذا وقعت الوفاة قبل انتهاء مدة الفصل.
المادة الخامسة: ينفذ هذا المرسوم من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .
المادة السادسة: على وزراء الدولة تنفيذ هذا المرسوم الذي يجب عرضه على مجلس الأمة في أول اجتماع له.
كتب في بغداد في اليوم السادس من شهر ربيع الثاني 1368 والمصادف لليوم الخامس من شباط 1949.
هكذا انتهك نوري السعيد بكل فضاعة الدستور العراقي الذي كفل الحقوق العامة للشعب، وجعل إدارات المدارس والمعاهد والكليات أجهزة بوليسية، منذراً بإنزال العقاب الصارم بكل من لا يتعاون مع الأجهزة القمعية لمحاربة الحركة الوطنية في صفوف الطلاب والأساتذة.
نفذ نوري السعيد تهديداته وقام بفصل أعداد كبيرة من المعلمين والمدرسين وأساتذة الكليات والمعاهد من وظائفهم، كما تم فصل أعداد كبيرة من طلاب الكليات والمعاهد ،انتقاما للدور البطولي الذي لعبه أولئك الطلاب أبان وثبة كانون المجيدة عام 1948.
وقد درست اللجنة المشتركة والمؤلفة من اللجنة الحقوقية ولجنة المعارف بمجلس النواب هذا المرسوم، ورفعت تقريرها حوله في 15 كانون الثاني 1951، وأصدرت قراراً برفضه لمخالفته لأحكام الدستور.
لكن رئاسة مجلس النواب، بضغط من الحكومة والبلاط ، أرجأت عرض قرار اللجنة المشتركة على المجلس، واستمر العمل بموجبه حتى عام 1955، بعد أن استنفذ أغراضه، وبعد أن وضع نوري السعيد العديد من المراسيم الأخرى الأشد وطأة منه، والأكثر عدوانية على حقوق الشعب لمحاربة القوى الوطنية، كما سنرى فيما بعد. (12)
رابعا: السعيد وعبد الإله والإمبرياليون يتآمرون على سوريا
أثارت خيانة الحكام العرب لقضية فلسطين، واندحار الجيوش العربية أمام قوات المنظمات الإرهابية الصهيونية، وقبول الحكام العرب بالهدنة المعقودة في [رودس ]مع الكيان الصهيوني، وبالتالي القبول بتقسيم فلسطين كأمر واقع، ردة فعل واسعة اجتاحت العالم العربي، وسارت المظاهرات المنددة بالحكام العرب وتخاذلهم، وانغمار معظمهم في المؤامرة الانكلو أمريكية، وخلق ذلك الوضع لدى الشعوب العربية يأساً شديداً من أولئك الحكام، وأصبحت لديهم القناعة من أن أي إصلاح للأوضاع العربية لا يمكن أن يكون دون زوال تلك الأنظمة، وأولئك الحكام .
واستغلت الإمبريالية الأمريكية تلك الظروف اكبر استغلال على الساحة السورية، نظراً لأهمية موقع سوريا الجغرافي بالنسبة لضمان أمن دولة إسرائيل، القاعدة المتقدمة للإمبريالية في قلب العالم العربي، فقد كان قيام نظام حكم وطني حقيقي في سوريا يشكل خطراً على إسرائيل.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت الولايات المتحدة تسعى جاهدة لإزاحة النفوذ البريطاني في منطقة الشرق الأوسط، والاستئثار بها لوحدها، نظراً لما تشكله هذه المنطقة من أهمية بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية حيث يوجد اكبر خزان للنفط في العالم، فيما كانت الإمبريالية البريطانية تسعى جاهدة لإحكام سيطرتها على المنطقة، فقد سعت إلى قلب الحكومة السورية، وإقامة مشروع [الهلال الخصيب] بزعامة العرش الهاشمي، وتحت هيمنتها، وقد لعب نوري السعيد دوراً كبيراً في تنفيذ المخطط البريطاني. لكن الإمبريالية الأمريكية كانت أسرع في تحركها حيث دبرت انقلاب [حسني الزعيم ] رئيس الأركان السوري ،في 30 آذار 1949، واستطاع حسني الزعيم السيطرة على الأوضاع في سوريا دون أن يلقى انقلابه أية مقاومة تذكر، مستغلاً عواطف الجماهير السورية الناقمة على الحكومة السابقة، بسبب دورها في نكبة فلسطين، وطبيعي أن يستغل حسني الزعيم تلك النكبة ليظهر نفسه بمظهر الوطني الحريص على قضية فلسطين، لكن الحقيقة لا تعدو أن تكون انقلاباً أمريكياً، حيث يقول الكاتب الأمريكي [ كوبلاند ] في كتابه [لعبة الأمم] ما يلي:{وكان انقلاب حسني الزعيم من إعدادنا وتخطيطنا، فقد قام فريق العمل السياسي بإدارة [الميجرميد] بإنشاء علاقات منتظمة مع الزعيم [حسني الزعيم]،الذي كان رئيساً لأركان الجيش السوري. ومن خلال تلك الصداقة أوحى لحسني الزعيم بفكرة الانقلاب العسكري، حيث اضطلعنا نحن في السفارة بمهمة وضع كل خطته، وإثبات كافة التفصيلات المعقدة }. (13)
أحدث انقلاب حسني الزعيم قلقاً عميقاً لدى الدوائر البريطانية والعرش الهاشمي في العراق، وأسرع نوري السعيد إلى دمشق، يستكشف طبيعة الانقلاب، واختلى السعيد بحسني الزعيم، ونصحه بالعودة إلى واجباته العسكرية، وترك الأمور السياسية، وكان نوري السعيد أثناء زيارته لدمشق يلبس بزة عسكرية برتبة كبيرة في محاولة للتأثير على قائد الانقلاب حسني الزعيم. (14)
لكن بريطانيا لم تستسلم لما حدث في سوريا، ونشطت أجهزة مخابراتها في العمل لتدبير انقلاب عسكري معاكس. ونجحت جهودها بإحداث انقلاب جديد بقيادة اللواء [سامي الحناوي] في 14 آب 1949، وقبل أن يمض على انقلاب حسني الزعيم ستة أشهر، وكان واضحا أن الانقلاب
الجديد كان بإخراج بريطاني.
تم لسامي الحناوي السيطرة على البلاد، وجرى إعدام حسني الزعيم ورئيس وزرائه [محسن ألبرازي ] بعد محاكمة لم تدم سوى ساعتين مما أثار غضب الإمبرياليين الأمريكيين.
لم يخفِ العرش الهاشمي، ونوري السعيد فرحهما وسرورهما لنجاح انقلاب [سامي الحناوي]، وسارع سامي الحناوي إلى بغداد وبصحبته الملحق العسكري العراقي [ عبد المطلب الأمين ]، واجتمع مع نوري السعيد وعبد الإله، ثم عاد في نفس اليوم إلى دمشق.
ولم تلبث حكومة بغداد أن أرسلت رئيس الديوان الملكي [ احمد مختار بابان ] إلى دمشق لمناقشة موضوع إقامة اتحاد بين العراق وسوريا لكن المشروع لم يكتب له النجاح، فقد أفلح الأمريكيون في إحداث انقلاب جديد في سوريا بقيادة العقيد [أديب الشيشكلي ] في 19 كانون الأول بالتعاون مع [ أكرم الحوراني ] و[فوزي سلو] ، وتم اعتقال سامي الحناوي . لكن أديب الشيشكلي لم يستلم الحكم بصورة رسمية، بل حكم من وراء الستار، وأعاد الحكم المدني للواجهة حتى تشرين الثاني من عام 1951، حيث قام بانقلابه الثاني، وأقال الحكومة المدنية، وأعلن نفسه دكتاتوراً للبلاد. بقي الشيشكلي في الحكم حتى شباط 1954،عندما أسقطه انقلاب جديد بقيادة [ فيصل الأناسي ] بمساعدة [ غسان جديد ]،حيث تحرك الجيش، تدعمه الأحزاب السياسية التي ضاقت الأمرين على أيدي الدكتاتور الشيشكلي، وفرض الانقلابيون على أديب الشيكلي الاستقالة وتم فرض النظام البرلماني من جديد، وذهبت جهود نوري السعيد وعبد الإله، ومن ورائهم البريطانيون أدراج الرياح.
خامساً: نوري السعيد يؤلف حزب[ الاتحاد الدستوري]:
حاول نوري السعيد تقوية مركزه وهيمنته على السلطة عن طريق جر بعض الأطراف السياسية وخاصة حزب الاستقلال للتعاون معه بموجب ميثاق وضعه السعيد بنفسه وسماه [الميثاق الوطني ]، وكان من جملة ما جاء في ذلك الميثاق مكافحة الشيوعية، ومحاربة الأعمال التي تستهدف إضعاف الحكومة أو إسقاطها، ومقاومة تلك الأعمال مقاومة فعالة و بجميع الوسائل. هذا هو جوهر ميثاق نوري السعيد الذي غلفه بعبارات عامة منمقة،كاحترام الدستور ـ الذي كان هو نفسه أول وأكثر منتهكيه ـ ومكافحة الرشوة، وتأسيس المشروعات الصناعية، وحماية حقوق العمال والفلاحين !!، وتقوية الروابط مع البلدان العربية، وغيرها من الأمور الأخرى . لكن نوري السعيد لم يُوفّق في مسعاه، فقد رد عليه زعيم حزب الاستقلال [محمد مهدي كبه] مفنداً كل ادعاءاته، ودعاه إلى العمل الجدي الصادق لإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد بموجب برنامج حدده الحزب. (15)
ولما يئس نوري السعيد من جر حزب الاستقلال للتعاون معه،لجأ إلى تأليف حزب سياسي دعاه [ حزب الاتحاد الدستوري ] وهو لا يعدو أن يكون في برنامجه صورة طبق الأصل لما جاء في ميثاقه، وقد وقع على طلب التأسيس كل من:
1ـ محمد علي محمود 2ـ موسى الشابندر 3 ـ جميل الأورفلي
4 ـ عبد الوهاب مرجان 5 ـ خليل كنه 6 ـ سعد عمر
7 ـ مجيد عباس 8 ـ احمد العامر
وقد تم منح الحزب المذكور الإجازة من قبل وزارة الداخلية في 24 تشرين الثاني1949، وضم هذا الحزب عناصر مختلفة من الإقطاعيين وأصحاب المصالح، والملاكين الكبار، والانتهازيين الطامعين بالمناصب الكبيرة وبالنيابة والوزارة، وهم جميعاً من مؤيدي السياسة البريطانية. في العراق. (16)
وبعد أن أتم نوري السعيد المهمة المناطة به،بمكافحة الحركة الوطنية، وفي المقدمة منها الحزب الشيوعي، وتقليم أظافرها، والانتقام من المشاركين بوثبة كانون الثاني المجيدة، وتصفية جميع المنجزات التي حققتها الوثبة، وبعد أن أكمل فصول المؤامرة الكبرى على القضية الفلسطينية، لم يبقَ لديه ما يؤديه في تلك المرحلة، لذا فقد تقدم باستقالة حكومته إلى الوصي في 9 كانون الأول 1949، وتم قبول الاستقالة في اليوم التالي مباشرةً.
توثيق الحلقة الحادية عشر(1) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الثامن ـ عبد الرزاق الحسني ـ ص 60 .(2) مذكرات طه الهاشمي ـ الجزء الثاني ـ ص 254 .(3) مذكرات كامل الجاد رجي ـ ص 267 .(4) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الثامن ـ الحسني ـ ص 74 .(5) نفس المصدر ـ ص 76 .(6) تاريخ الأردن في القرن العشرين ـ ص 552 .(7) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الثامن ـ الحسني ـ ص 75 .(8) نفس المصدر ـ ص 156 .(9) المصدر السابق ـ ص 85ـ87 .(10) نفس المصدر السابق (11) مذكرات توفيق السويدي ـ ص 486. (12) تقرير مجلس النواب ـ الاجتماع الاعتيادي ـ لسنة 1950 ـ ص 71. (13) لعبة الأمم ـ ص 73 ـ كوبلاند . (14) حديث اللواء عبد المطلب الأمين لعبد الرزاق الحسني ـ ص 81 ـ ج8(15) لمحات وذكريات ـ ص 114 ـ جميل الاورفلي .(16) مذكرات كامل الجاد رجي ـ ص 71 .
التسميات:
بحوث تاريخية
بحوث تاريخية
0 التعليقات: