6:10 ص | مرسلة بواسطة
Hamid Sharif Suleiman
من ذاكرة التاريخ
انقلاب رشيد عالي الكيلاني
والعقداء الأربعة
الحلقة الأولى 1/2
حامد الحمداني
2/10/2018
تدهور العلاقات العراقية البريطانية:
على اثر قرار حكومة الكيلاني بالتريث في قطع العلاقات
مع إيطاليا التي دخلت الحرب الى جانب المانيا، رغم إلحاح السفير البريطاني، بدأت
العلاقات العراقية البريطانية تأخذ بالتأزم ولاسيما بعد أن وصل إلى علم الحكومة البريطانية
الاتصالات التي أجراها وزير الخارجية ناجي شوكت مع السفير الألماني في تركيا [ فون
بابن] .
لقد أدرك السفير البريطاني صعوبة التعاون مع
حكومة الكيلاني، وأخذ
يتحين الفرصة لإسقاطها، وبالمقابل أخذت حكومة الكيلاني تضيق على تحركات الإنكليز
ووسائل دعاياتهم ضد دول المحور متذرعة بعدم رغبة الحكومة بخلق مشاكل لها مع هذه
الدول.
وازدادت الأزمة تصاعداً عندما رفضت بريطانيا
تزويد الجيش العراقي بالأسلحة التي كان بأمس الحاجة لها، حيث قيدت معاهدة 1930
العراق بشراء الأسلحة البريطانية فقط ، فلما وجدت حكومة الكيلاني أن الباب موصود
أمامها للحصول على السلاح البريطاني لجأت إلى إيطاليا واليابان لشراء الأسلحة منهما،
وكان رد الفعل البريطاني على خطوة حكومة الكيلاني أن امتنعت الحكومة البريطانية عن
شراء القطن العراقي رغم
تدني أسعاره، مما دفع بحكومة الكيلاني إلى عقد اتفاقية مع اليابان باعت بموجبها
جميع محصول القطن ومحصول التمور لها، مما أثار غضب الحكومة البريطانية إلى أقصى
الحدود، ولاسيما وأن اليابان كانت قد دخلت الحرب إلى جانب المانيا .
ومن جانب آخر أقدمت حكومة الكيلاني على إقامة
العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، مما أوصل العلاقات بين العراق
وبريطانيا إلى أقصى درجات التأزم، بحيث أبلغ السفير البريطاني نوري السعيد بأن
الحكومة البريطانية لم تعد تثق بحكومة الكيلاني، وأن على العراق أن يختار بين
الاحتفاظ بحكومة الكيلاني، أو الاحتفاظ بصداقة بريطانيا العظمى.
وهكذا بدأ الصراع المكشوف بين الحكومة
البريطانية والسفير البريطاني، وسارع الكيلاني إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء لبحث
التدخل البريطاني السافر بشؤون العراق الداخلية، وتقرر تقديم احتجاج رسمي إلى
الحكومة البريطانية على تصرفات سفيرها في بغداد.
ولممارسة المزيد من الضغوط على حكومة
الكيلاني لجأت بريطانيا إلى الولايات المتحدة داعية إياها للضغط على حكومة
الكيلاني، فقد اتصل السفير
الأمريكي بالكيلاني وطلب منه التعاون مع الحكومة البريطانية، ومنع دعاية الكراهية لبريطانيا بين صفوف
الشعب العراقي .
وقد
أكد الكيلاني للسفير الأمريكي أن الحكومة لا تنوي الإضرار بالمصالح البريطانية،
وأنها حريصة على تطبيق بنود معاهدة 1930، لكن شائعات سرت بعد بضعة أيام تقول أن
الحكومة العراقية تنوي إعادة العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا.
لم يستطع نوري السعيد تحمل سياسة الكيلاني، وهو المتحمس إلى أبعد الحدود إلى تشديد ارتباط
العراق بالعجلة البريطانية، فكتب
مذكرة إلى الكيلاني، وبعث بنسخة منها إلى الوصي عبد الإله، وإلى السفير البريطاني، ينتقد فيها سياسة
الحكومة تجاه بريطانيا العظمى، ويتحدث عن فقدان الانسجام والتعاون بين أعضاء الوزارة، ويحذر
من مغبة السير بهذا الطريق، ويدعو
الحكومة إلى إعادة النظر في مجمل سياساتها.
وعلى اثر تلك
المذكرة بادر الوصي عبد الإله إلى الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء
برئاسته في البلاط في 17 كانون الأول، لمناقشة مذكرة نوري السعيد، وسياسة الحكومة،
وخلال الاجتماع بدت على الوصي علامات
الانفعال من سياسة الكيلاني، حيث تحدث إليه قائلاً:{ إنني ألاحظ أن التآزر بين أعضاء
الوزارة القائمة مفقود، والاختلافات بين أركانها في تزايد مستمر، ولاسيما فيما
يتعلق بالسياسة الخارجية، وعلاقاتنا بالحليفة بريطانيا العظمى}. (1)
وقد
رد السيد ناجي السويدي على الوصي قائلاً أن ليس هناك من خلافات خطيرة تستوجب ذلك، لكن نوري السعيد أصر على موقفه من وجود
الخلافات، وانتهى الاجتماع مع الوصي دون حدوث أي تغير، ولكن لم يكد أعضاء مجلس الوزراء يغادرون البلاط
الملكي حتى لحق رئيس الديوان الملكي السيد [عبد القادر الكيلاني] برشيد عالي
الكيلاني ليطلب منه تقديم استقالته بناء على رغبة الوصي، وحرصا على عدم إحراجه مع
الإنكليز، وكان هذا التصرف من جانب الوصي بناء على طلب الحكومة البريطانية.(2)
وهكذا بدأت الأزمة بين حكومة الكيلاني والوصي
عبد الإله، وقرر مجلس الوزراء
إرسال وفد لمقابلة الوصي برئاسة رئيس الوزراء الكيلاني، وعضوية وزير الدفاع طه الهاشمي
ووزير المالية ناجي شوكت، وخلال اللقاء
أبلغ الوفد الوصي أن طلب استقالة الوزارة عمل غير دستوري، وأن ليس من حقه بموجب الدستور أن يقيل
الوزارة.
كان رشيد عالي الكيلاني في ذلك الوقت قد أمّن
وقوف قادة الجيش العقداء الأربعة[ صلاح الدين الصباغ ] و[ فهمي سعيد] و[محمود سلمان] و[كامل شبيب]، إضافة إلى مفتي فلسطين [أمين الحسيني]الذي
يتمتع بنفوذ كبير لدى الضباط القوميين.
وفي 21 كانون الأول 1940 أعلن الكيلاني أمام
مجلس النواب أن العراق دولة مستقلة، وعليه أن ينشد في كل تصرفاته مصالحه الوطنية،
وأمانيه القومية، وينبغي أن لا ينجرف وراء ما لا يتلاءم مع هذه المصالح والأماني،
وان الحكومة حريصة على عدم القيام بأي عمل يجر العراق إلى شرور الحرب، والمساس
بسلامة البلاد، وعلى أثر ذلك قطع السفير البريطاني أي صلة له بالحكومة ورئيسها،
وأخذت صلاته تجري مع الوصي بصورة مباشرة، متخطيا الحكومة الشرعية ورئيسها.
اشتدت الأزمة داخل مجلس الوزراء، ولاسيما بين
نوري السعيد المتحمس للإنكليز، وناجي شوكت المعارض لهم، واقترح طه الهاشمي لحل
الأزمة أن يستقيل نوري السعيد وناجي شوكت من الوزارة، وبالفعل قدم نوري السعيد
استقالته من الوزارة في 19 كانون الأول، فيما قدم ناجي شوكت استقالته في 25 منه.
لكن الوصي رفض التوقيع على الاستقالة مطالباً
رشيد عالي الكيلاني بتقديم استقالة وزارته، لكن تدخل العقداء الأربعة أجبر عبد
الإله على توقيع استقالة الوزيرين، وأسندت وزارتيهما إلى ناجي السويدي، وعمر نظمي
وكالة.
لم
يرضي هذا الإجراء السفير البريطاني الذي كان يلح على استقالة الوزارة، مشدداً ضغطه
على الوصي عبد الإله الذي أخذ يمتنع عن توقيع الإرادات الملكية والقوانين
والمراسيم والأنظمة.
وأخيراً أخذ يحرض الوزراء على الاستقالة من
الحكومة، واستمر الوصي في ضغطه على الكيلاني بأن أرسل بطلب الوزير عمر نظمي في 25
كانون الأول 1940، وطلب
منه إبلاغ الكيلاني بأنه سيستقيل من
الوصاية إذا لم تقدم وزارة الكيلاني استقالتها حتى ظهر يوم الغد. (3)
أما مجلس الوزراء فقد عقد اجتماعاً في اليوم
التالي 26 كانون الأول لمناقشة الأزمة، ولم يحضر الوزيران المستقيلان، وخلال
الاجتماع فاجأ الوزراء جميعاً رئيس الوزراء بتقديم استقالاتهم من الوزارة، ما عدا
رؤوف البحراني، مما تسبب في إحراج الكيلاني الذي حاول جاهداً تثنيهم عن الاستقالة.
(4)
تصاعد الأزمة بين الوصي والكيلاني، واستقالة
الوزارة:
تصاعدت الأزمة بين الوصي عبد الإله ورئيس
الوزراء رشيد عالي الكيلاني بعد أن قدم الوزراء استقالاتهم، وحاول الوصي إرغام
الكيلاني على تقديم استقالته، عن طريق اللجوء إلى القوة العسكرية، حيث بادر إلى
استدعاء رئيس أركان الجيش، ومدير الشرطة العام، وطلب إليهم عدم إطاعة رئيس الوزراء،
وأبلغهم أن الوزارة أصبحت غير شرعية.
لكن
الكيلاني لجأ إلى قادة الجيش [العقداء الأربعة] الذين قرروا إرسال مندوب عنهم إلى الوصي
ليبلغه أن الجيش يريد بقاء الكيلاني على رأس الحكومة، وبالفعل قابل العقيد [محمود
سلمان]، أحد العقداء الأربعة، الوصي وأبلغه بالأمر.
ورغم محاولات الوصي ثني قادة الجيش عن موقفهم، فقد أصروا
على موقفهم ببقاء الكيلاني على رأس الحكومة، فقد قابل العقيد محمود سلمان الوصي
للمرة الثانية، بحضور الشيخ [محمد الصدر]
رئيس مجلس الأعيان، وأبلغه بقرار قادة الجيش، وقد نصح الشيخ الصدر الوصي بالرضوخ
للأمر الواقع تجنياً لما قد لا يحمد عقباه، إذا ما أصر على موقفه من الكيلاني .
وهكذا تراجع الوصي ، ولو مؤقتاً، وأصدر إرادة
ملكية بتعين[يونس السبعاوي] وزيراً للاقتصاد، و[علي محمود الشيخ علي ] وزيراً للعدلية، في 28 كانون
الثاني، بناء على طلب الكيلاني وقادة الجيش.
وفي اليوم التالي قدم ناجي السويدي استقالته
من الوزارة، وأسرع الكيلاني إلى تعين
[موسى الشابندر] وزيراً
للخارجية، والمحامي [ محمد علي محمود ] وزيراً للمالية، واستصدر إرادة ملكية
بتعيينهم في نفس اليوم المصادف 29 كانون الثاني 1941.
حاول الكيلاني أن يوطد مركز حكومته باللجوء
إلى حل البرلمان وأجراء انتخابات جديدة، وتوجه إلى عبد الإله طالباً منه التوقيع
على الإرادة الملكية بحله.
طلب
الوصي إمهاله حتى المساء لدراسة الأمر، وغادر الكيلاني البلاط على أمل أن يوقع على
حل البرلمان، لكنه بدلاً من ذلك غادر
بغداد سراً بعد خروج الكيلاني، وتوجه إلى الديوانية، حيث حاول استعداء قائد الفرقة
الرابعة اللواء الركن [إبراهيم الراوي] على حكومة الكيلاني .
كما
اتصل من هناك بقائد الفرقة الثانية في كركوك [ قاسم مقصود ] لنفس الغرض، بالإضافة
إلى مجموعة من السياسيين والوزراء السابقين وعدد من متصرفي الألوية الذين طلب منهم
الوصي عدم إطاعة أوامر الكيلاني، والعمل على إسقاط حكومته.
كاد
الأمر أن يؤدي إلى حرب أهلية طرفاها الجيش لولا موقف القائدين الراوي ومقصود حيث
أبلغا الوصي أنهما لا يودان زج الجيش في المشاكل السياسية، وأنهما كعسكريين
يتلقيان الأوامر من رئيس أركان الجيش.
أما الكيلاني فقد دعا مجلس الوزراء إلى عقد
اجتماع عاجل لبحث الأزمة بعد هروب الوصي، وقد حضر الاجتماع قادة الجيش، وأمين
الحسيني، ويونس السبعاوي، ومحمد أمين زكي، وتقرر في الاجتماع مواجهة الوزارة لمجلس
النواب، وانتزاع الثقة بالوزارة منه، وقد دعا الحاضرون إلى صمود الوزارة بوجه
محاولات الوصي، والسفير البريطاني لإسقاطها .
وفي أثناء الاجتماع حضر كل من الشيخ محمد
الصدر، وطه الهاشمي، وطلبا من الكيلاني معالجة الأمور قبل استفحالها، والحيلولة
دون وزج الجيش في حرب أهلية، وتمكنا من إقناع الكيلاني لتقديم استقالة حكومته، وبالفعل قدم الكيلاني استقالته في 31 كانون
الثاني 1941 في برقية بعث بها إلى الوصي في الديوانية الذي بادر فور استلام البرقية إلى قبول الاستقالة، ودعا
على الفور عددا من رؤساء الوزارات والوزراء السابقين، ورئيس مجلس الأعيان للبحث في
تشكيل الوزارة الجديدة .(5)
وفي بغداد، عقد المدعوين للاجتماع بالوصي
اجتماعاً فيما بينهم وتباحثوا في الأمر، وقد استقر رأيهم على أن يذهب كل من الشيخ
[
محمد الصدر ] و[ صادق البصام ] إلى الديوانية
لمقابلة الوصي، والوقوف على ما يريد، وبالفعل استقل الاثنان طائرة عسكرية نقلتهم
إلى الديوانية وتباحثا مع الوصي في سبل حل الأزمة ثم اختلى الشيخ الصدر بالوصي، وأجرى
معه نقاشاً حول خطورة الأزمة، وقد أقترح الشيخ محمد الصدر على الوصي تكليف [ طه الهاشمي ] بتأليف الوزارة الجديدة
إذا ما أراد الخروج من الأزمة، وتجنب وقوع الحرب الأهلية .(6)
الوصي يكلف طه الهاشمي بتأليف الوزارة:
على أثر اللقاء الذي تم بين الوصي والشيخ
الصدر، استدعى الوصي السيد طه الهاشمي بحضور صادق البصام، وكلفه بتأليف الوزارة
الجديدة،على الرغم من عدم اقتناعه به ورضاه عنه، لكن الظروف الدقيقة والخطيرة من جهة، ونصيحة الشيخ الصدر من جهة أخرى هي التي جعلته يكلف الهاشمي، وقد حاول الوصي
أن يشهّد البصام على تعهد الهاشمي بتشتيت شمل قادة الجيش [ العقداء الأربعة ]
وحذره من المتصيدين في الماء العكر، والإيقاع مجدداً بينه وبينهم، ووعد الوصي بأنه
سوف يسعى إلى لقاء القادة الأربعة به لتقديم الولاء والطاعة، لكن ذلك لم يتم بسبب
نصيحة السفير البريطاني للوصي بعدم استقبالهم .(7)
تم تأليف الوزارة الجديدة في 31 كانون الثاني
1941 ،وجاءت على الوجه التالي:
1 ـ طه الهاشمي رئيساً للوزراء، ووزيراً
للخارجية والدفاع وكالة.
2 ـ عمر نظمي ـ وزيراً للداخلية، ووزيراً
للعدلية وكالة.
3 ـ علي ممتاز الدفتري ـ وزيراً للمالية،
ووزيراً للأشغال والمواصلات وكالة
4 ـ عبد المهدي ـ للاقتصاد.
5ـ حمدي الباجه جي ـ وزيراً للشؤون
الاجتماعية.
6 ـ صادق البصام ـ وزيراً للمعارف.
ثم أضاف إلى الوزارة في 4 شباط ، السيد توفيق
السويدي كوزير للخارجية .
عبر السفير البريطاني في برقيته إلى وزارة
الخارجية البريطانية عن سروره لإخراج الكيلاني من الحكم، ولكنه أعرب عن عدم اطمئنانه لطه الهاشمي، ووعد
بأن يكون عمر الوزارة قصيراً، وأشاد السفير بدور نوري السعيد، والجميل الذي أسداه
لبريطانيا، غير أنه كان قد فقد نفوذه في الآونة الأخيرة، ورأى أن يكون بعيداً عن الأنظار حالياً .
كان همْ السفارة البريطانية، بعد استقالة
حكومة الكيلاني هو التخلص من العقداء الأربعة، بأي طريقة كانت لكي يستقر الوضع
لصالح بريطانيا.
أما الوصي فقد طلبت منه حكومة الهاشمي العودة
إلى بغداد، وأرسلت لمرافقته كل من عمر نظمي، وزير الداخلية، ووكيل رئيس أركان الجيش أمين زكي، إلا أن الوصي تردد في العودة خوفاً
من وجود مؤامرة لقتله، مما اضطر الهاشمي إلى السفر إلى الديوانية وإقناعه بالعودة، وعاد الوصي بصحبة الهاشمي في 3 شباط 1941،
ولكن ألى حين.
التوثيق:
(1) تاريخ الوزارة العراقية ـ عبد الرزاق الحسني
ـ ج 5 ص 66 .
(2) مذكرات طه
الهاشمي ـ ص 200 .
(3) فرسان العروبة ـ صلاح الدين الصباغ ـ ص 90 .
(4) مذكرات
توفيق السويدي ـ نصف قرن من تاريخ العراق
ـ ص 326
(5) تريخ الوزارات
العراقية ـ عبد الرزاق الحسني الحسني
/ الجزء الخامس ـ ص 76
(6) نفس المصدر
ـ ص 77 .
(7) المصدر السابق ـ ص 77
ملاحظة: التكملة في
الحلقة الثانية والاخيرة 4/10